فإن قلت : دلالة قوله عز من قائل : ( وأنفسنا ) على خلافته
وإمامته عليه السلام مسلمة ، ولكن لا دلالة له على اختصاص الإمامة به عليه السلام إذ
لا ينافي ذلك مع تنزيل شخص آخر بمنزلة نفسه صلى الله عليه وآله وسلم أيضا ، فلا مانع من ثبوت
الخلافة للخلفاء الثلاثة حينئذ .
قلت : ثبوت الخلافة له عليه السلام بنص الآية الكريمة مانع عن ثبوت الخلافة
لغيره بالبيعة واتفاق أهل الحل والعقد من الناس ، إذ لا مجال للبيعة والاتفاق
مع وجود النص بالضرورة ، واتفاق الأمة وخلافة الخلفاء الثلاثة عند القائلين
بها ، لا تكون بالنص ، بل خلافة الأول بالبيعة ، وخلافة الثاني بنصبه الأول ،
وخلافة الثالث بحكم الشورى التي جعلها الثاني بزعمهم .
وأيضا لو كانت منزلتهم من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منزلة نفسه منه صلى الله عليه وآله وسلم لأدخلهم
تحت الكساء للمباهلة ، لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة من كان كذلك
للمباهلة ، فعدم دعوته إياهم للمباهلة كاشف عن عدم ثبوت هذه المنزلة
لهم .
ان النبي (ص) لم يقل حديث المنزلة مرة واحدة وذلك في غزوة تبوك ، حتّى يرد الإشكال ، بل قاله عدّة مرّات وكرّره في عدّة مواطن . ومن تلك المواطن :
1 ـ عند مؤاخاته لأمير المؤمنين (عليه السلام) . يروي هذا الحديث (السيوطي في (الدر المنثور) عن البغوي ، والباوردي ، وابن قانع ، والطبراني ، وابن عساكر . الدر المنثور 6 / 76 ) .
2 ـ في حديث الدار ويوم الانذار . يرويه الثعلبي في تفسيره الكبير .
3 ـ في خطبة غدير خم .
4 ـ في قضية سد الابواب ، يرويه المغازلي في (مناقب أمير المؤمنين (ع)) .
5 ـ في قضية ابنة حمزة سيّد الشهداء . يرويه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 1 / 368 رقم 409)، والخبر موجود في : (مسند أحمد 1 / 185 رقم 933) ، و(سنن البيهقي 8 / 6 ).
6 ـ في حديث عن جابر ، يرويه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 1 / 290 رقم 329 ).
7 ـ في حديث عن أم سلمة ، يرويه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 1 / 365 رقم 406 ).
. وعليه فالحديث يدل على خلافة وامامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رسول الله (ص).
ويؤيد هذا تصريح عدّة من علماء السنة بدلالة حديث المنزلة على خلافة علي (عليه السلام) .
فراجعوا مثلا كتاب (التحفة الاثنا عشرية) الذي ألّفه مؤلّفه ردّاً على الشيعة ، فانّه يعترف هناك بدلالة حديث المنزلة على الخلافة ، بل يضيف أنّ إنكار هذه الدلالة لا يكون إلاّ من ناصبي ولا يرتضي ذلك أهل السنة .
كما ويؤيد ان الحديث يدل على إمامة علي (عليه السلام) تمنّيات بعض أكابر الصحابة أن لو كانت له هذه الفضيلة ! كقول عمر : ((لو كان لي واحدة منهنّ كان احبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس)) . وقول سعد : ((والله لان تكون لي احدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس)) .
ويقول الفضل ابن روزبهان ـ الذي هو الآخر من الرادّين على الإماميّة واستدلالاتهم بالأحاديث النبوية ـ ما نصّه : ((يثبت به ـ أي بحديث المنزلة ـ لأمير المؤمنين فضيلة الاخوّة والمؤازرة لرسول الله في تبليغ الرسالة وغيرهما من الفضائل)) .
و اما بالنسبة الى هارون
ان المقصود من كون هارون خليفة لموسى(ع) هو ما جاء في قوله تعالى: (( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح )) [الاعراف 142] .
فهذا مقام لهارون بأمر من الله تعالى ، وقد نزّل نبيّنا عليا بهذه المنزلة من نفسه ، ومن المقطوع به أن هذا المعنى لم يرد في حقّ غير علي من صحابة رسول الله (ص) ، ولذا ورد عن غير واحد منهم
وأما الاستخلاف بمعنى القيام مقام النبي بعد الموت فهذا مما لم يثبت لهارون لموته قبل موسى(ع) وقد ثبت لعلي(ع) لوجوده بعد الرسول الاعظم(ص) بحديث المنزلة وغيره من الاحاديث القطعية المتفق عليها بين المسلمين .