مُحاسَبة النفسِ أسْهل الطرُق لبِنائهَا
قبسات من فكر المرجع الديني السيد صادق الشيرازي
من أجل أن يتلافى الإنسان سطوة النفس وإلحاحها على فعل السوء،
وقدرتها على سحب صاحبها إلى المراتب الدنيا في كل شيء،
عليه أن يضع بعض المصدات التي تحميه
من الانقياد التام والأعمى لهوى نفسه
التي لن تعود عليه إلاّ بالنتائج السيئة،
وفي حال وضع الإنسان معيارا ثابتا لمحاسبة نفسه وصدها
وتشذيبها والوقوف بوجهها وهي تحثه لفعل الخطايا والدنايا،
فإنه سيتلافى قدرتها على سحبه إلى مناطق السوء
وسيكون هو صاحب الزمام والمبادرة والتحكم بنفسه وليس العكس.
وسيصبح الانسان مؤمنا بقدراته وواثقا من خطواته
ولن يكون بمقدور نفسه أن تتحكم به وفقا لرغباتها،
ويمكن للإنسان أن يصل الى حالة الزهد
بحيث تتساوى في حساباته كثرة الاموال او قلتها
لا سيما اذا حاول الاستفادة مما يوفره له الايمان بالله
من قوة كبيره تحصنه من مهاوي الزلل والضعف
وإمكانية الاستفادة من الاجواء الايمانية لبعض اشهر السنة
ومنها شهر رمضان على سبيل المثال.
وهنا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى
السيد صادق الشيرازي في هذا المجال
وحسبما ورد في كتابه القيّم المعنون
(نحو بناء النفس والمجتمع) :
" وهذا الطريق نفسه يمكن أن يصل بالمرء
في هذا الشهر-رمضان- إلى موقع
بحيث يستوى عنده الدينار الواحد والمليار دينار بما هو مال،
فلا يركض خلف الأوّل كما لا يأسى على فقد الثاني،
بل تراه يهتمّ بفقدان ثواب الله،
فلا يتهاون عن الإتيان بالفضائل التي يمكنه الإتيان بها،
حتى وإن كانت الفضيلة قول (أستغفر الله) مرة واحدة
أو الاستمرار على تكرارها طيلة الشهر الكريم كله!!
ويمكن للإنسان أن يصل عبر هذا الطريق إلى مراتب عالية،
وقد وصل كثيرون درجة حيث لم يعد يزيد الترغيب في اندفاعهم
ولا يقلل التثبيط من عزمهم،
مع أنهم بشر لهم شهوات ورغبات
ويدركون معنى الترغيب والتثبيط
ولكن الإدراك شيء والتأثر به شيء آخر "
نعم إن الانسان يعيش في صراع كبير مع نفسه،
وهي غالبًا ما تحاول ان تزرع اليأس فيه
في حالة صده لها وردعها عن فعل الامر السيّئ،
ولذلك ينبغي على الانسان أن يتحصن
وراء مصدات الايمان بصورة مستمرة؛
لأن الأمر يشبه حالة حرب دائمة بين الخير والشر
والصحيح والخطأ والمشروع وخلافه،
وهذا يتطلب أن يعد الانسان نفسه لمثل هذا الصراع الدائم
من خلال تمسكه بوسائل الإيمان كافة أو بما يتوفر له منها،
فيزيد من ترغيبها بالايمان مع إمكانية الاختيار
بين هذه الوسيلة الامكانية أو تلك وحسب ما متاح منها.
وفي هذا الصدد يقول المرجع الشيرازي:
" لا شكَّ أن الترغيب يكون مفيداً
خصوصاً في حالات التزاحم أو الشروع،
ومثاله:
أن تكون مواظباً على قراءة دعاء ما
في كل ليالي شهر رمضان،
ولكن صوّر لك شخص أن دعاءً آخر أكثر ثواباً
في ليلة ما من ليالي الشهر،
ولم يكن عندك وقت لأداء الاثنين؛
فهنا يمكن أن يدفعك الترغيب
للتخلي عن الدعاء الأول لصالح الثاني،
فالتأثر بالترغيب هنا جاء من باب الإتيان بالأولوية
للوصول إلى المراتب العليا،
أمّا لو كنت متكاسلاً عن التوجه للدعاء أصلاً
فيرغبك شخص بالقول إن ثواب هذا الدعاء عظيم فلا تدعه؛
فيكون ترغيبه هذا من حيث الشروع في العمل.
وقد يحصل العكس – أي التثبيط -
بأن يثبّطك آخر فيدعوك للسمر وترك الدعاء
قائلاً إنك قد قرأته في أغلب الليالي فدعه الليلة.
فمثل هذا الترغيب والتثبيط يكونان سواء عند بعض الأشخاص
في عدم التأثر به في ترك العمل أو الإتيان به،
فلا الترغيب يدفعهم أكثر ولا التثبيط يُضعفهم ويقلل من اندفاعهم "
ولكن في كل الاحوال يبقى العامل الأقوى
في ردع النفس وحمايتها من الانزلاق في مهاوي الزلل
هو محاسبتها بصورة منتظمة ودائمة
وتطبيق ما يتمخض عن هذه المحاسبة بحق النفس،
وعند ذاك يكون الانسان قادرا على ان يتجاوز المهالك
التي قد تطاله في حال استسلم لرغائب النفس.
وفي هذا الصدد نقرأ لسماحة المرجع الشيرازي
في كتابه (نحو بناء النفس والمجتمع) :
" يقال:
إن بعض الأفاضل طلب من أستاذه العالم أن ينصحه
نصيحة تنفعه طيلة عمره،
وكان على وشك مفارقته،
فقال له العالم:
خصص لنفسك كل يوم وقتاً تحاسب فيه نفسك،
وإن قَلّ.
يقول ذلك الفاضل:
عملتُ بنصيحة أستاذي العالم
حتى أصبحت محاسبة النفس حاضرة في ذهني
ما دمت مستيقظاً "
مو ضوع عجيب وفيه جوانب من الذكـــــــــــــــــــاء في إثبات حقيقة الخالق عز وجل
ارجو أن ينال إعجابكم