اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم وألعن أعدائهم أجمعين
يصادف اليوم العاشر من شهر ربيع الأول ذكرى وفاة عبدالمطلب جد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبهذه المناسبة أقدم لكم سيرة مختصرة لهذا الرجل العظيم
ولادته :
اسمه شَيبة الحمد ، ولد في المدينة نحو 127 قبل الهجرة ، كان سيّد العرب وسيّد الوادي ، وسيّد قريش وحكيمها وعالمها ، وُلد وفي رأسه شيبة فقيل له : شيبة الحمد ـ رجاء أن يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له ـ وقد حقّق الله ذلك ، فكثر حمدهم له ، لأنّه كان مَفزَع قريش في النوائب ، وملجأها في الأمور ، وكان شريفهم وسيّدهم كمالاً وفعلاً .
صفاته وأخلاقه :
1ـ كرمه : كان كثير الكرم حيث أنّه قد لُقّب بالفيّاض مُطعم الوحش والطير ، ولشدّة كرمه أطلقت عليه العرب إبراهيمَ الثاني ، وكذلك للخصال الحميدة التي تجمّعن فيه .
2ـ إيمانه : كان عبد المطلب ( رضوان الله عليه ) يؤمن بالله واليوم الآخر ، وكان يقول للناس : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتّى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة ، إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ، ففكّر وقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً ، يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
ورفض عبادة الأصنام ، ونهى أن يستقسم بالأزلام ، وعن أكل ما يُذبح على النُّصُب ، ودعا إلى توحيد الباري عز وجل ، ولم تكن شريعة مشروعة في زمنه ، ولهذا كانت عبادته التفكّر في آلاء الله ومصنوعاته ، والدعوة إلى صلة الأرحام ، واصطناع المعروف والاتّصاف بمكارم الأخلاق .
وكان يختلي كثيراً بغار حِراء ليجمع فكره وقلبه في الاستغراق في التفكير في صفات الله وأفعاله الدالّة عليه ، فإذا دخل شهر رمضان صعِد غار حراء بعد أن يأمر بإطعام المساكين ، وتخلّى عن الناس مفكّراً في جلال الله وعظمته .
3ـ كراماته : أكرمه الله بمعجزة حفر بئر زمزم ، ومعجزة نبع الماء من تحت راحلته عندما سافر للتقاضي بينه وبين خصومه ، فأدركهم العطش ورفض خصومه أن يسقوه وجماعته .
وهبه الله عز وجل أكثر من عشرة أولاد ، وكان مستجاب الدعوة ، وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأتيه فتستسقي به فيُسقَون .
وفي حادثة أصحاب الفيل عندما جاء أبرهة الأشرم لهدم الكعبة شرّفها الله ، قابله عبد المطلب وطلب منه أن يردّ عليه إبلاً له أخذها الجيش ، فقال أبرهة : ألا تطلب منّي أن أعود عن هدم البيت ـ الكعبة ـ ؟! فأجابه عبد المطلب بكلمة الإيمان الراسخ : أمّا الإبل فأنا ربّها ، وأمّا البيت فإنّ للبيت ربّاً يحميه ، وأمسك عبد المطلب بحلقة باب الكعبة شرّفها الله ، وناجى ربّه :
يا ربِّ لا أرجو لهم سـواكا ** يا ربّ فامنَع منهمُ حِماكا
إنّ عدوَّ البيـتَ مَن عاداكا ** امنعهمُ أن يُخربـوا فِناكا
ثمّ عقّب بقوله : يا معشر قريش ، لا يصل إلى هدم هذا البيت ، فإنّ له ربّاً يحميه ويحفظه ، فأهلك الله أبرهة وجيشه ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الفيل بقوله تعالى: ( ألم تَرَ كيف فَعَلَ ربُّك بأصحاب الفيل * ألم يجعلْ كَيدَهمفيتضليل * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحِجارةٍ من سِجّيل * فجعلَهم كعَصفٍمأكول ) .
وكانت الحادثة سنة ولادة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لأجل ذلك يقولون : ولد النبي عام الفيل .
4ـ سننه : وقد سنّ ( رضوان الله عليه ) كثيراً من السنن التي أقرّها الإسلام : كقطع يد السارق ، وفرض الدية مائة من الإِبل ، والوفاء بالنَّذر ، ونهى أن يطوف في البيت ـ الكعبة ـ عريان ، وحدّد الطواف بسبعة أشواط ، وحرّم الخمر والزنا ونكاح المحارم ، ونهى عن وأد البنات ، وكان أوّل من أخرج الخمس ، وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ، ويحثّهم على مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن دنيّات الأمور .
5ـ منزلته الاجتماعية : حكّمته قريش بأموالها ، وكانت له الرفادة والسقاية ، وكانت له إبل كثيرة يجمعها في المواسم ويسقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم ، ويشتري الزبيب فينقعه في ماء زمزم ويسقيه الحُجّاج .
وأعطاه الله من الشرف ما لم يُعط أحداً ، وكان فصيح اللسان ، حاضر القلب ، وكان لطيب ريحه يفوح منه رائحة المسك ، وكان نور النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضيء من غُرّته .
6ـ يقينه بالنبوّة : كان عبد المطّلب شديد اليقين بنبوّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّه كان نبي مرسل من قبل الله عز وجل ، وقد فرح كثيراً بولادته وأنشد :
الحمــد لله الذي أعـطانـي ** هذا الغلامَ الطيّبَ الأردانِ
قد ساد في المهد على الغلمان ** أُعيذه بالله ذي الأركـانِ
حتّـى أراه بالــغَ البُنيـانِ ** أُعيذه من شـرّ ذي شنآنِ
من حاسدٍ مضطربِ العنانِ
وهو الذي قد قال : إنّي قد خلّفتُ لكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب الناس .
وصاياه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) :
كان قبل وفاته كثيراً ما يوصي ولده أبا طالب بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً : يا بُني ! تَسلّم ابن أخيك ، فأنت شيخ قومك وعاقلهم ، ومَن أجدُ فيه الحِجى دونهم ، وهذا الغلام تحدّثت به الكهّان ، وقد روينا في الأخبار أنّه : سيظهر من تهامة نبيٌّ كريم ، وقد رُوي فيه علامات قد وجدتها فيه ، فأكرِم مثواه واحفظه من اليهود فإنّهم أعداؤه .
فأجابه أبو طالب : قد قبلت ، واللهُ على ذلك شاهد ، ثمّ مدّ يده إليه ، فضرب بها على يد ابنه أبي طالب قائلاً : الآن خُفّف علَيَّ الموت ، وودّعه عبد المطّلب وهو يقبّله قائلاً : أشهد أنّي لم أر أحداً في ولدي أطيب ريحاً منك ، ولا أحسن وجهاً .
وفاته :
توفّي ( رضوان الله عليه ) بمكّة في اليوم العاشر من ربيع الأوّل في السنة الثامنة من ولادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وقيل مائة وأربعون .
أعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ـ وكانت قريش أوّل مَن غسل الموتى بالسدر ـ ولُفّ في حُلّتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب ، وطُرح عليه المسك حتّى ستره ، وحُمل على أيدي الرجال عدّة أيّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب .