العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 1  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:34 PM


مفاسده الأخرى، أنه يدفع الإنسان إلى الرياء، لأن الإنسان بصورة عامة إذا
استصغر أعماله - وجدها لا شيء - ووجد أخلاقه فاسدة، وإيمانه لا
يستحق الذكر، وعندما لا يكون معجبا بنفسه ولا بصفاته ولا بأعماله، بل
وجد نفسه وجميع ما يصدر عنها سيئاً وقبيحاً، لا يطرحها ولا يتظاهر بها،
فإن البضاعة الفاسدة تكون [92] سيئة وغير صالحة للعرض. ولكنه إذا رأى
نفسه كاملا وأعماله جيدة، فإنه يندفع إلى التظاهر والرياء، ويعرض نفسه على
الناس. يجب اعتبار مفاسد الرياء المذكورة في الحديث الثاني من مفاسد
العجب أيضا. وهناك مفسدة أخرى هي أن ذه الرذيلة تؤدي إلى رذيلة الكبر
المهلكة، وتبعث على ابتلاء الإنسان بمعصية التكبر - وسيأتي إن شاء الله ذكر
الحديث عنها فيما بعد -. تنشأ من هذه الرذيلة مفاسد أخرى أيضا بصورة
مباشرة وغير مباشرة وشرح ذلك يوجب التفصيل. فليعلم المعجب أن هذه
الرذيلة هي بذرة رذائل أخرى، ومنشأ لأمور بشكل كل واحد منها سببا
للهلاك الأيدي والخلود في العذاب. فإذا عرف هذه المفاسد بصورة صحيحة
ولاحظها بدقة، ورجع إلى الأخبار والآثار الواردة بشأنها عن الرسول الأكرم
صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت ذلك القائد صلوات الله عليهم أجمعين،
فمن المحتم أن يعتبر الإنسان نفسه ملزما بالنهوض لإصلاح النفس، وتطهيرها
من هذه الرذيلة واستئصال جذورها من باطن النفس، لئلا ينتقل لا سمح الله
إلى العالم الآخر وهو بهذه الصفة، وإنه حينما يغمض عينيه المادية الملكوتية،
ويشرق عليه سلطان البرزخ والقيامة، يرى أن حال أهل كبائر المعاصي أفضل
من حاله حيث غمرهم الله برحمته الواسعة بسبب ندمهم أو بسبب ما كان
لديهم من رجاء بفضل الله تعالى. وأما هذا المسكين الذي رأى نفسه مستقلا،
وحسبها في باطن ذاته غنية عن فضل الله، فيرى بأن الله تعالى حاسبه لذلك
حسابا عسيرا، وأخضعه لميزان العدل كما أراد، وأفهمه بأنه لم يقم بأية عبادة
لله تعالى، وأن جميع عباداته أبعدته عن الساحة المقدسة، وأن كل أعماله وإيمانه
باطل وتافه. بل وأن تلك الأعمال والعبادات نفسها هي سبب الهلاك وبذرة
العذاب الأليم ورأس مال الخلود في الجحيم. الويل لمن يعامله الباري تعالى
بعدله، فإذا ما عومل الناس مثل هذا التعامل ما نجا أحد من الأولين والآخرين.
إن مناجاة صفوة الله - من الأنبياء والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم -
مشحونة بالاعتراف بالتقصير والعجز عن القيام بالعبودية. وعندما يعلن رسول
الله محمد صلى الله عليه 93] وآله وسلم أفضل الكائنات وأقربها إلى الله
قائلا:"مَـا عَرَفناكَ حقَّ معْرِفَتِكَ وما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ"فماذا سيكون
حال سائر الناس؟.. نعم إنهم العارفون بعظمة الله تعالى، العالمون بحقيقة
نسبة"الممكن"إلى "الواجب"إنهم يعلمون، أنهم لو قضوا جميع أعمارهم في
الدنيا بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح، لما أدّوا شكر نعم الله، فكيف يمكن
أداء حق الثناء على ذاته وصفاته المقدسة؟، إنهم يعلمون أن ليس لموجود
شيء. فالحياة والقدرة والعلم والقوة وسائر الكمالات الأخرى هي ملك
لكماله تعالى، و"الممكن"فقير، بل فقر محض يستطل بظله تعالى، وليس
بمستقل بذاته. أيّ كمالٍ يملكه"الممكن"بنفسه لكي يتظاهر بالكمال؟، وأية
قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها؟ أولئك العارفون بالله وبجماله وجلاله شاهدوا
شهود عيان نقصهم وعجزهم وشاهدوا كمال"الواجب"تعالى، وإنما نحن
المساكين الذين قد ران حجاب الجهل والغفلة والعجب والمعاصي على قلوبنا
وقوالبنا وغشى أبصارنا وأسماعنا وعقولنا وكافة قوانا المدركة بحيث أخذنا
نستعرض عضلاتنا في مقابل قدرة الله القاهرة، ونعتقد أن لنا استقلالاً وشيئية
بذواتنا. أيها"الممكن"المسكين الجاهل بنفسك وبعلاقتك بالله!،
أيها"الممكن"السيّئ الحظ الغافل عن واجباتك إزاء مالك الملوك! إن هذا
الجهل هو سبب جميع ما يلحقك من سوء التوفيق، وهو الذي ابتلانا بجميع هذه
الظلمات والمكدّرات. أن الفساد قد ينشأ من الأساس، وأن تلوّث الماء قد
يكون من المعين. إن عيون معارفنا عمياء، وقلوبنا ميته، وهذا سبب جميع
المصائب ولكننا مع كل ذلك لسنا حتى بصدد إصلاح أنفسنا!. اللهم تفضل
علينا بتوفيق التوبة، وعرفنا أنت بواجباتنا، وتفضل علينا بنصيب من أنوار
معارفك التي ملأت بها قلوب العرفاء والأولياء، أظهر لنا إحاطة قدرتك
وسلطتك، وعرفنا بنواقصنا. فهّمْنا نحن الماكين الغافلين الذين ننسب جميع
المحامد إلى الخلق فَهّمنا معنى"الحمدُ لله رّبِّ العالَمِينَ"عرّف قلوبنا بأن ليست
هناك محمدة من مخلوق. أظهر لنا حقيقة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا
أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ...}(النساء/79). أدخل كلمة التوحيد إلى
قلوبنا القاسية الكدرة، نحن [94] أهل الحجاب والظلمة، وأهل الشرك
والنفاق، نحن الأنانيون، عبّاد النفس، المعجبون بها، أخرج من قلوبنا حب
النفس وحب الدنيا، واجعلنا عشّاقاً لله وعبّاداً لك [إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ
قَدِير]. فصل في بيان أن حُـبّ النفس أساس العُجْب اعلم أن رذيلة العُجب
تنشأ من حب النفس، لأن الإنسان مفطور على حب الذات، فيكون أساس
جميع الأخطاء والمعاصي الإنسانيـة والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولهذا
فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك يرى نفسه من الصالحين ومن
خاصة الل ه ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال
الحقيرة التافهة. بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظرة قبائح أعماله حسنة وإذا ما
رأى من غيره أعمالا أفضل وأعظم من أعماله فلا يعيرها أهمية، ويصف
أعمال الناس الصالحة بالقبح، وأعماله السيئة القبيحة بالحسنة. يسيء الظن
بخلق الله ولكنه يحسن الظن بنفسه، وبسبب حبه لنفسه يرى بعمله الصغير
الممزوج بآلاف القذارات المبعدة عن الله، أن الله مدين له وأنه يستوجب
الرحمة. فلنفكر الآن قليلا في أعمالنا الصالحة ولنحكِّم العقل قليلا في الأفعال
العبادية الصادرة عنّا، ولننظر إليها بعين الإنصاف، لنرى هل أننا نستحق بها
المدح والثناء والثواب والرحمة، أو أننا جديرون باللوم والعتاب والغضب
والنقمة؟ وإذا ما أحرقنا الله بسبب هذه الأعمال، التي نراها حسنة، بنار القهر
والغضب ألا يكون ذلك عدلاً؟... إني أحكّمكم في هذا السؤال الذي
أطرحه، أريد منكم الجواب عليه بإنصاف -بعد إعمال الفكر والتأمل -.
والسؤال هو أنه إذا أخبركم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم، وهو
الصادق المصدق، إنكم إذا عبدتـم الله طوال عمركـم وأطعتم أوامره
وتركتم شهوات النفـس ورغباتـها، أو تركتم عبادته وعملتم على خلاف
توجيهاته سبحانه وتعالى وعلى أساس رغبات النفس وشهواتها طيلة حياتكم،
إذا أخبركم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنكم سيّان - في كلتا [95]
الحالتين - لن تختلف درجاتكم في الآخرة إنكم على كل حال الناجون
وستذهبون إلى الجنة وتأمنون من العذاب، فلا فرق - حسب الفرض - بين أن
تصلوا أو تزنوا، ولكن مع ذلك يكون رضا الله تعالى في عبادته والثناء عليه
وحمده، والابتعاد عن الشهوات والرغبات النفسانية في هذا العالم، مع عدم
الإثابة على الطاعة. فهل كنتم تصبحون من أهل المعصية أو من أهل العبادة؟
هل كنتم تتركون الشهوات وتحرمون على أنفسكم اللذات النفسانية من أجل
رضا الله تعالى والرغبة فيه، أو لا؟ هل كنتم باقين من المتوسلين إليه تعالى
بالمستحبات والجمعة والجماعات؟ أو كنتم تغرقون في الشهوات وتلازمون
اللهو واللعب والملاهي وغير ذلك؟ أجيبوا بإنصاف ودون تظاهر ورياء. إنني
أعلن عن نفسي وعمن هو على شاكلتي بأنّا كنّا نصبح من أهل المعصية ونترك
الطاعات ونعمل بالشهوات النفسانية. وبعد ما تقدم نستنتج أن جميع أعمالنا
هي من أجل اللذات النفسانية ومن أجل الاهتمام بالبطن والفرج. إننا عُبّاد
للبطن وعُبّاد للشهوة، ونترك لذة صغيرة، للذة أعظم وإن وجهة أنظارنا وقبلة
آمالنا هي فتح بساط الشهوة. إن الصلاة التي هي معراج القرب إلى الله نؤديها
قربة لنساء الجنة ولا علاقة لها بالقرب إلى الله، ولا علاقة لها بطاعة الأمر، وهي
بعيدة آلاف الفراسخ عن رضا الله. أيها المسكين الغافل عن المعارف الإلهية، يا
من لا تهم سوى إرادة شهوتك وغضبك، أنت المتوسل بالأذكار والأوراد
والمستحبات والواجبات، والتارك للمكروهات والمحرّمات والمتخلق بالأخلاق
الحسنة، والمتجنب لسيئات الأخلاق، ضع أعمالك أمام عين الإنصاف، أتقوم
بها لأجل الوصول إلى الشهوات النفسانية والجلوس على سرر مطعّمة
بالزبرجد، ومعانقة الضحوكات والدعوبات في الجنة، ارتداء الحرير
والإستبرق، والسكنى في القصور الفارهة الجميلة، والوصول إلى الأماني
النفسية؟ أفينبغي أن تمن بهذه الأعمال على الله وهي جميعا لأجل النفس ومن
أجل عبادتها، وتعدّها عبادة لله؟ هل يختلف حالكم عن ذلك الأجير الذي
ينجز عملا من أجل الأجر، ثم يقول: إنني أنجزت ذلك العمل لأجل صاحب
العمل فحسب؟ أفلا تكذبوه؟ ألستم كاذبين حينما تقولون: إننا نصلّي تقرباً
إلى الله تعالى؟ ألأجل التقرب [96] إلى الله هذه الصلاة أو لأجل التقرب
لنساء الجنة وإشباع الشهوة؟ أقولها صراحة ، إن جميع عباداتنا هذه لهي من
كبائر الذنوب عند العرفاء بالله وأولياء الله. أيها المسكين! أنت في حضرة الله
جلّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقربين، تعمل خلاف رضا الله تعالى، والعبادة
التي هي معراج القرب من الله، تؤديها لأجل النفس الأمّارة بالسوء ولأجل
الشيطان، وعندها لا تستحي أن تكذب في العبادة عدة أكاذيب في حضرة
الربّ والملائكة المقربين وتفتري عدة افتراءات، وتمنّ وتعجب وتتدلل أيضا،
ولا تخجل بعد كل ذلك! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل
العصيان، وأشدها الرياء؟ فالرياء شرك وقبحه ناشئ من أنك لم تؤد العبادة
لأجل الله. جميع عباداتنا شرك محض ولا أثر فيها للخلوص والإخلاص، بل
حتى أن رضا الله لا يشترك في الدافع إلى إنجاز هذه العبادة فهي لأجل
الشهوات وإعمار البطن والفرج فحسب. أيها العزيز، إن الصلاة التي تكون
لأجل المرأة، سواء أكانت في الدنيا أم في الجة، لا تكون لله، الصلاة التي تكون
من أجل الحصول على أمال الدنيا أو آمال الآخرة، لا علاقة لها بالله فلماذا إذاً
تتدلل إلى هذا الحد، وتنظر إلى عباد الله بعين الاحتقار، و تحسب نفسك من
خواص الله تعالى؟ أيها المسكين! أنت بهذه الصلاة مستحق للعذاب
ومستوجب لسلسلة طولها سبعون ذراعا. فلماذا إذاً تحسب نفسك دائناً لله،
وتهيأ لنفسك بهذا التدلل والعُجْب عذابا آخر؟ أعمل الأعمال التي أُمرت بها،
واعلم أنها ليست لأجل الله، واعلم أن الله يدخلك الجنة بتفضله وترحمه، وأن
الله تعالى خفف عن عباده لضعفهم بالتجاوز عن نوع من الشرك وأسدل عليه
بغفرانه ورحمته حجاب ستره، فحاذر أن يتمزق هذا الحجاب وليبق حجاب
غفران الله على هذه السيئات التي أسميناها عبادة. فإذا حدث لا سمح الله أن
انطوت صفحتك هذه ورحلت من هذه الدنيا وجاءت صفحة العدل فإن
عفونة عبادتنا عندئذ لن تقل عن عفونة المعاصي وال موبقات التي يرتكبها أهل
المعصية. وقد أشرنا فيما مضى إلى حديث ينقله ثقة الإسلام الكليني في كتاب
( الكافي ) بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام، وهنا ننقل قسماً من هذا
الحديث بنصه تبركاً وتيمناً:"عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزّ وجلّ لداود عليه السلام: [يا داودُ بَشِّر
المُذْنِبينَ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقينَ. قال: كَيْفَ أُبَشِّرُ المُذْنِبينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقينَ؟ قال يا
داوُدُ بَشِّرِ المُذْنِبينَ أنّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَعْفُو عـَنِ الذَّنْب وَأَنْذِرِ الصِّدّيقينَ أَنْ
لا يُعْجِبُوا بِأَعْمالِهِم فَإِنّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسابِ إلاّ هَلَكَ] ( الكافي، المجلد
الثاني، باب العجب، ح1 ص 314 ). لأنه مستحق للعذاب وفق العدالة فإن
ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحد من نعمائـه. فإذا علمت أّ
الصديقين، على الرغم من أنهم مُطهَّرون من الذنب والمعصية، جميعاً هالكون
في الحساب، فماذا نقول أنا وأنتم؟... هذا كله عندما تكون أعمالي وأعمالكم
خالصة من الرياء الدنيوي ومن الموبقات والمحرمات وقلما يحصل لنا خلوص
عمل من الرياء والنفاق. وعليه إذا استدعى العمل العُجب والتدلل والتغنج،
فافعل. وإذا أستدعى الخجل والتذلل والاعتراف بالتقصير فيجب عليك بعد
كل عبادة أن تنوب من تلك الأكاذيب التي قلتها في حضرة الله تعالى، ومما
نسبته إلى نفسك دون دليل. ألا ترى أن عليك أن تنوب من قولك وأنت
تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام/79).، {قُلْ إِنَّ
صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الأنعام//162). فهل
وجوهكم متوجهة إلى فاط ر السماوات والأرض؟ هل أنتم مسلمون وخالصون
من الشرك؟ هل صلاتكم وعبادتكم وحياتكم ومماتكم لله؟ ألا يبعث على
الخجل - بعد هذا - أن تقولوا في الصلاة [الحمدُ لله رَبِّ العالمين]؟ فهل
حقا تقرّون بأن المحامد كلها لله؟، في حين أنك تقرّون بالحمد لعبادة، بل
ولأعدائه؟، أليس قولكم [ربّ العالمين] يكون كذبا لأنكم تقرون في الوقت
نفسه بالربوبية لغيره تعالى في هذا العالم، أفلا يحتاج ذلك إلى التوبة والخجل؟.
وحينما تقول {إيّاك نَعْبُدُ وإيّاك نَسْتَعينُ} فهل تراك تعبد الله أم تعبد بطنك
وفرجك؟ هل أنت تطلب الله أو الحور العين؟ هل تطلب العون من الله فقط؟
إن الشيء الذي لا يأخذ بعين الاعتبار في الأعمال هو الله، وأنت إذا ذهبت إلى
زيارة [98] بيت الله، فهل أن مقصدك ومقصودك هو الله، وأن مطلبك
ومطلوبك هو صاحب البيت؟ وهل قلبك مترنم بقول الشاعر: وما حُبُّ الديار
شغفنَ قَلبي ولن حُبُّ من سكنَ الديارا أباحثٌ أنت عن الله؟ أتطلب
آثار جمال الله وجلاله؟ ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء؟ ألأجله عليه
السلام تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول إلى آمالك وأمانيك؟
أهي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء، وشهوة الظهور هي التي
تدفعك للذهاب إلى صلاة الجماعة، وهوى النفس هو الذي يجرك للمناسك
والعبادة؟. فيا أيها الأخ، كن حذرا تجاه مكائد النفس والشيطان، وأعلم أنه
لن يدعك أيها المسكين بأن تؤدي عملا واحدا بإخلاص، وحتى هذه
الأعمال غير الخالصة التي تقبّلها الله تعالى منك بفضله، لا يدعك - الشيطان
- أن تصل بها إلى الهدف فيعمل عملاً تحبط به أعمالك كلها، وتخسر حتى
هذا النفع بسبب هذا العجب والتدلل في غير موقعه. وبغض النظر عن بُعد
الوصول إلى الله ورضاه، فإنك لن تصل إلى الجنة ولا إلى الحور العين، بل
تخلد في العذاب وتعذب بنار الغضب كذلك. أنت تظن أنك ب هذه
الأعمال المتفسخة المتعفنة الهزيلة الممزوجة بالرياء وطلب السمعة وألف
مصيبة أخرى التي تحول دون قبول العبادات كلها، تظن إنك بها تستحق
الأجر مَن الحق تعالى أو أنك أصبحت بها من المحبين والمحبوبين. أيها المسكين
الجاهل بأحوال! يا سيئ الحظ الذي لم يطلع على قلوب المحبين، وعلى لهب
شوقها تجاه الحق سبحانه، أيها المسكين الغافل عن حرقة المخلصين ونور
أعمالهم! أو تظن أن أعمالهم أيضا مثل أعمالي وأعمالك؟ أوَ تتوهم أن ميزة
صلاة أمير المؤمنين عليه السلام عن صلاتنا أنه عليه السلام كان
يمدّ"الضالـّين"أكثر أو أن قراءته أصحّ أو أن سجوده أطول وأذكاره
وأوراده أكثر؟ أو أن ميزة ذلك الرجل العظيم في أنه كان يصلّي عدة مئات
من الركعات ليلياً؟ أو تظن أن مناجاة سيد الساجدين علي بن الحسين هي
مثل مناجاتي ومناجاتك؟ وإنه كان [99] يتحرق ويتضرع بتلك الصورة
من أجل الحور العين والكمثرىوالرمان من نعم الجنة؟. أقسم به صلوات الله
وسلامة عليه ( وإِنَّهُ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ ) لو أن المحبين كان بعضهم ظهيرا للبعض
الآخر، وأرادوا أن يتفوهوا بكلمة ( لا إله إلا اللهَ ) مرة واحدة بمثل ما كان
يقولها أمير المؤمنين عليه السلام لما استطاعوا. فكم أكون تعيساً وشقيا أن لا
أكون على خطى علي عليه السلام وأنا من العار فين لمقام ولاية علي عليه
السلام؟. أقسم بمقام علي بن أبي طالب عليه السلام، لو أن الملائكة المقربين
والأنبياء المرسلين - عدا الرسول الخاتم الذي يكون مولى علي وغيره-
أرادوا أن يكبروا مرة واحدة، تكبيرا على غرار ما كان يكبر علي عليه
السلام، لما استطاعوا. وأما الوقوف على قلوبهم فلا يعرف أحد شيئا إلا
حملة تلك القلوب وأصحابها!. فيا أيها العزيز! لا تتباهى بقربك من الله ولا
تبالغ في حبك له، أيها العارف، أيها الصوفي، أيها الحكيم، أيها المجاهد، أيها
المرت اض، أيها الفقيه، أيها المؤمن، أيها المقدس، أيها المساكين المبتلون يا
سيئي الحظ المغلوبين بمكائد النفس وهواها، أيها المساكين المبتلون بالآمال
والأماني وحب النفـس، كلكم مساكين، كلكم بعيـدون فراسخ عن
الإخلاص وعبادة الله، لا تحسنوا الظنّ بأنفسكم إلى هذا الحد، لا تتغنجوا ولا
تتدللوا. اسألوا قلوبكم: هل تبحث عن الله، أم تريد ذاتها؟ هل هي موحدة
وتطلب الواحد أم مشركة وتعبد أثنين؟ فماذا يعني إذاً كل هذا العُجب؟
ماذا يعني إذاً التعالي بالعمل إلى الحد؟ وهو إذا صحّت جميع أجزائه

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:36 PM


وشروطه وخلا من الرياء والشرك والعُجْب وباقي المفسدات، فهدفه
الوصول إلى إشباع شهوات البطن والفرج، فما قيمته كي تنقله الملائكة؟
هذه الأعمال من القبائح والفجائع، وينبغي للإنسان أن يخجل منها
ويسترها... إلهي ... بك نعوذ نحن المساكين من شر الشياطين والنفس
الأمارة بالسوء، اللهم فاحفظنا من مكائدهم بحق محمد وآله. [101]
الحَديـــث الرَابـــــــع " الكــــــبر" [102]
بالسند المتّصل إلى محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى،
عن يونس، عن أبان، عن حكيم، قال:"سألت أبا عبدالله - عليه السلام - عَنْ
أَدْنَى الإِلْحَادِ، فَقَاَل: الكِبْرُ أَدْنَاهُ"("أصول الكافي"المجلد الثاني - كتاب الإيمان
والكفر - باب الكبر - ح 1 ) [103] الشرح: الكبر عبارة عن حالة نفسية
تجعل الإنسان يترفع ويتعالى على الآخرين. ومن إماراته تلك الأعمال التي
تصدر عن الإنسان، والآثار التي تبدو منه بحيث يقال عنه أنه متكبر. وهذه
الصفة هي غير العُجب، بل هي كما سبق قوله، صفة رذيلة وخبيثة، تنجم
عن العجب، لأن العجب هو الإعجاب بالذات، والكبر هو التعالي والتعاظم
على الناس. فعندما يتوهم الإنسان أي فيه صفة من صفات الكمال، تنتابه
حالة، هي مزيج من السرور والتدلّل والتغنّج وغيرها. هذه ه ي
صفة"العُجب"ولكونه يرى الآخرين لا يملكون تلك الصفة التي يتوهمها في
نفسه، ينتابه شعور آخر هو تصور التفوق والتقدم، وهذا يؤدي إلى التعاظم
والترفع، وهذه هي صفة"الكـِبـَر". إن كل هذه الحالات تكون في
القلب وفي الباطن، وتظهر آثارها على الظاهر، في الملامح وفي الأفعال وفي
الأقوال. وبهذا يصبح الإنسان مغروراً وإذا ازداد أصبح معجبا بنفسه،
وعندما يطفح إعجابه بنفسه يتعاظم ويترفع ويتكبر. واعلم أن الصفات
النفسانية، سواء أكانت من صفات النقص والرذيلة أم من صفات الكمال
والفضيلة، فإنها دقيقه ومبهمة جدّاً. ولهذا فإن التمييز بينها والتعرّف عليها
يكون في غاية الصعوبة، ولربما يقع الكثير من الاختلاف بين العلماء الأعلام
عند تحديدها، أو أنه يصعب وضع تعريف لهذه الصفة الوحدانية من دون أن
تصيبها منقصة. لذلك فمن الخير ترك هذه الأمور للوجدان نفسه، ونحرر
أنفسنا من [104] اصطناع لمفاهيم حتى لا نتخلف عن الهدف المقصود
والمنشود. فلا بد أن نعرف أن للكبر درجات تشبه الدرجات التي ذكرناها في
العجب. ويضاف عليها درجات أخرى ذات صلة بالعجب أعرضنا عن
ذكرها هناك لعدم أهميتها، ولكننا نتعرض إليها هنا لكونها مهمة فنقول: أما
الدرجات التي ورد شبيهها في العجب فهي أيضاً ست: 1-الكبر بسبب الإيمان
والعقائد الحقّة. ويقابله الكبر بسبب الكفر والعقائد الباطلة. 2-الكبر بسبب
الملكات الفاضلة والصفات الحميدة. ويقابله الكبر بسبب الأخلاق الرذيلة
والملكات القبيحة. 3-الكبر بسبب العبادات والصالحات من الأعمال. ويقابله
الكبر بسبب المعاصي والسيئات من الأعمال. وكل درجة من هذه يمكن أن
تكون وليدة مثيلتها من الدرجات العجب. وقد تكون وليدة سبب آخر سوف
تأتي الإشارة إليه فيما بعد. أما الذي نحن بصدده هنا على وجه الخصوص فهو
الكبر بسبب أمور خارجية، مثل الحسب والنسب والمال وا لجاه والرئاسة
وغيرها. ولسوف نشير إن شاء الله خلال الفصول اللاحقة إلى بعض مفاسد
هذه الرذيلة وعلاجها قدر الإمكان، سائلين الله تعالى التوفيق لحصول تأثير
ذلك فينا وفي الآخرين. فصل في بيان درجات الكبر اعلم أن للكبر، من منظور
آخر، درجات: الأولى: التكبر على الله تعالى. الثانية:التكبر على الأنبياء
والرسل والأولياء صلوات الله عليهم. الثالثة: التكبر على أوامر الله تعالى، وهذا
يرجع إلى التكبر على الله. [105] الرابعة: التكبر على عباد الله تعالى، وهذا
أيضا يراه أهل المعرفة راجعا إلى التكبر على الله. أما التكبر على الله فهو أقبحها
وأشدها هلكة ويأتي على رأس درجات الكبر، وتراه في أهل الكفر والجحود
ومدّعي الألوهية، وقد تراه أحيانا في بعض أهل الدين ولا يناسب ذكره هنا.
وهذا هو منتهى الجهل وعدم معرفة"الممكن"حدود نفسه وعدم معرفة
مقام"واجب الوجود". وأما التكبر على الأنبيء والأولياء، فكثيرا ما كان
يحصل في زمان الأنبياء قال تعالى على لسانهم: {... أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ...}
(المؤمنون47). وقال تعالى على لسان آخرين منهم: - {... لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا
الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف31). وفي صدر الإٍسلام
وقع الكثير من التكبر على أولياء الله، وفي هذا الزمان أيضاً نجد نماذج منه في
بعض المحسوبين على الإسلام. وأما التكبر على أوامر الله فيظهر في بعض
العاصين، كأن يمتنع أحدهم عن الحج بحجة أنه لا يستسيغ مناسكه من إحرام
وغيره. أو يترك الصلاة لأن السجود لا يليق بمقامه، بل قد يظهر ذلك أحيانا
عند أهل النسك والعبادة وأهل العلم والتدين، كأن يترك الآذان تكبرا، أو لا
يتقبل مقولة الحق إذا جاءت ممن هو قريب له أو دونه منزلة. فقد يسمع
الإنسان قولاً من زميل له فيردّه بشدة ويطعن في قائلـه، ولكنه إذا سمع ذلك
الق ول نفسه، من كبير في الدين أو الدنيا، قَـبِلَهُ ( لا يخفى أن لترك القبول
ناحيتان: إحديهما تكبر على أوامر الله. ثانيهما تكبر على عباد الله تعالى ( منه
عُفي عنه ). بل قد يكون جادا في ردّ الأول وجادّاً أيضا في قبول الثاني. إن
شخصا هذا شأنه لا يكون من طلاب [106] الحق، بل يكون تكبره قد
أخفى عنه الحق، وأعماه تملّقه لذاك الكبير وأصمّه. ومثل هذا التكبر يتصف به
أيضا من يترك تدريس علم أو كتاب باعتباره لا يليق به، أو يرفض تدريس
أشخاص لا مركزية لهم، أو لأن عددهم قليل، أو يترك صلاة الجماعة في
مسجد صغير ولا يقتنع بعدد من المأمومين حتى وإن علم أن في مثل تلك
الجماعة رضا الحق تعالى. وقد تصبح هذه الحال من الدقة بحيث أن صاحبها لا
يدرك أن عمله هذا يرجع إلى الكبر، إلاّ إذا تدارك الأمر بإصلاح نفسه وتخلّص
من مكائد هذه الحال. أما التكبر على عباد الله فأقبحه التكبّر على العماء بالله،
ومفاسده أكثر من كل شيء وأهم. ومن هذا التكبر رفض مجالسة الفقراء،
والتقدم في المجالس والمحافل، وفي المشي، وفي السلوك. وهذا النوع من التكبر
رائج وشائع بين مختلف الطبقات، ابتداء من الأشراف والأعيان والعلماء
والمحدّثين والأغنياء حتى الفقراء والمعوزين، إلاّ من حفظة الله من ذلك. إن
التمييز بين التواضع والتملّق، والتكبر والإباء يصبح أحياناً على درجة كبيرة من
الصعوبة، فلابُدَّ للإنسان أن يتعوذ بالله ليهديه إلى طريق الهداية، وإذا تصدّى
الإنسان لإصلاح نفسه وتحرك نحو المقصود، فإن الله تعالى سوف يشمله برحمته
الواسعة وييسّر له سبيل الهداية. فصل في الأسباب الأساسية للتكبر للكبر
أسباب عديدة ترجع كلها إلى توهم الإنسان الكمال في نفسه، مما يبعث على
العُجب الممزوج بحب الذات، فيحجب كمال الآخرين ويراهم أدنى منه ويترفع
عليهم قلبياً أو ظاهرياً. فمثلاً، قد يحصل ب ين علماء العرفان أن يتصور
أحدهم نفسه من أهل العرفان والشهود ومن أصحاب القلوب والسوابق
الحسنى، فيترفع على الآخرين ويتعاظم عليهم. ويرى أن الحكماء والفلاسفة
سطحيون، وأن الفقهاء والمحدّثين لا يتجاوزون الظاهر في نظراتهم، وأن سائر
الناس كالبهائم. وينظر إلى عباد الله بعين التحقير والازدراء. ويذهب هذا
المسكين ينمق الحديث [107] عن الفناء في الله والبقاء بالله، ويدق طبل
التحقق. مع أن المعارف الإلهية تقضي حسن الظن بالكائنات، فلو أنه كان قد
تذوق حلاوة المعرفة بالله لما تكبّر على مظاهر جمال الله وجلاله بحيث أنه في
مقام العلم والبيان يصرح خلاف حاله، ولكن الحقيقة هي أن هذه المعارف لم
تدخل قلبه، بل إن هذا المسكين لم يبلغ حتى مقام الإنسان ولكنه يتشدق
بالعرفان، ومن دون أن يكون له حظ من العرفان يتحدث عن مقام التحقق.
إن من بين الحكماء أيضاً أناساً، يرون أنهم بما يملكون ن براهين ومن علم
بالحقائق، وبكونهم من أهل اليقين بالله وملائكته وكتبه ورسله، ينظرون إلى
سائر الناس يعين التحقير، ولا يعتبرون علوم الآخرين، علوما، ويرون عباد الله
جميعا ناقصي علم وإيمان، فيتكبرون عليهم في الباطن، ويعاملونهم في الظاهر
بكبرياء وغرور، مع أن العلم بمقام الربوبية، وفقر الممكن ( المخلوق )، يقضيان
بخلاف ذلك. والحكيم من تحلّى بملكة التواضع بوساطة العلم بالمبدأ والمعاد.
لقد وهب الله لقمان الحكمة بنص من القرآن الكريم ومن جملة وصايا ذلك
العظيم لإبنه، كما ورد في القرآن الكريم: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ
فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(لقمان18). ونجد في
الذين يدّعون الإِرشاد والتصوف وتهذيب الباطن، أشخاصا يعاملون الناس
بالتكبر ويسيؤون الظن بالعلماء والفقهاء وأتباعهم، ويطعنون بالعلماء والح
كماء، ويرون الناس، عدا أنفسهم ومن يلوذ بهم، من أهل الهلاك. وبما أنهم
صفر اليدين من العلوم، يصفون العلوم بأنها أشواك الطريق، ويرون أصحابها
شياطين طريق السالك، مع أن كل ما يزعمونه لأنفسهم من مقام يقتضي
خلاف ذلك كله. إن من يدعي أنه هادي الخلائق ومرشد الضالّين يجب أن
يكون هو بنفسه منزّها عن المهلكات والمُوبقات، زاهداً في الدنيا، غارقاً في
جمال الله، لا يتكبر على حلقه ولا يسيء الظن بهم. [108] كذلك نجد
أحيانا بين الفقهاء وعلماء الفقه والحديث وطلاّبهما من ينظر إلى سائر الناس
بعين الإحتقار ويتكبّر عليهم، ويرى نفسه جديرا بكل إكرام وإعظام، ويعتقد
إن من المفروض على الناس أن يطيعوا أمره إطاعة عمياء، وأنه {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء23).، وما من أحد يستحق الجنة، في رأيه، إلاّ
هو مع أفراد معدودون مثله وكلما جاء ذكر طائفة مقترنا بأيعلم من العلوم
طعن فيهم، من دون أن يعترف بأي علم سوى علمه القليل الذي يتمتع به
ويرى أن تلك العلوم تافهة وغير نافعة ومدعاة للهلاك، فيرفض العلماء وسائر
العلوم جهلا وسفها، ويُظهر كأن تديّنه هو الذي يحتم عليه أن يحتقرهم
ويستهين بهم مع أن العلم والدين منزّهان عن أمثال هذه الأطوار والأخلاق.
إن الشريعة المطهرة تحرم التصريح بقول من دون علم. وتوجب الحفاظ على
كرامة المسلم. أما هذا المسكين الذي لا معرفة له بالدين ولا بالعلم، فيعمل على
خلاف قول الله ورسوله، ثم يقول إن ذلك من صلب الدين، مع أن سيرة
السلف والخلف من العلماء العظام تكون مغايرة لهذا. إن كل علم من العلوم
الشرعية يقضي بأن يتصف العلماء بالتواضع، وأن يقتلعوا جذور التكبر من
قلوبهم. ولا يوجد علم يدعو إلى التكبر ويرفض التواضع. وعليه، سوف نبيّن
العلة في كون علم هؤلاء الأشخاص يخالف عملهم. إن الكبر منتشر بين علم
اء سائر العلوم الأخرى أيضا، في الطب والرياضيات والطبيعة، وكذلك
أصحاب الصناعات الهامة، كالكهرباء والميكانيك وغيرهما. إنهم أيضا لا
يقيمون وزناً للعلوم الأخرى مهما تكن، ويحتقرون أصحابها، وكل منهم
يحسب أن ما عنده وجده هو العلم، وما عند غيره ليس بعلم، فيتكبر على
الناس في باطنه وظاهره، مع أن ما عنده من علم لا يستدعي مثل هذا التكبر.
وهناك من غير أهل العلم، مثل أهل النسك والعبادة، من يتكبّر أيضا على
الناس ويتعالى عليهم، ولا يعتبر الناس حتى العلماء من أهل النجاة، كلها جرى
حديث عن العـلم قـال: ما فائدة علم بلا عمل؟ العمل هو الأصل. إنهم
يهتمون بما يقومون به من عمل وطاعة، وينظرون بعين الاحتقار إلى جميع
الطبقات، مع أن المرء إذا كان من أهل الإخلاص والعبادة ينبغي لعمله أن
يصلحه. فالصلاة تنهى [109] عن الفحشاء والمنكر، وهي معراج المؤمن،
ولكن هذا الذي أمضى خمسين سنةفي الصلاة وأداء الواجبات والمستحبات
مصاب برذيلة الكبر التي هي من الإلحاد، وبالعُجب الذي هو أكبر من
الفحشاء، وبالتقرب من الشيطان وخلقه. إن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء
ولا تحافظ على القلب، بل لكثرتها تبعث على ضياع القلب، إن مثل هذه
الطاعة ليست بصلاة. إن صلاتك التي تحافظ عليها كثيرا وتحرص على إقامتها،
إذا كانت تقربك من الشيطان وخصيصته من الكبر، فهي ليست بصلاة، لأن
الصلاة لا تستدعي ذلك. كل هذه الأمور تحصل من العلم والعمل. أما الذي
يحصل من غير ذلك فيرجع أيضا إلى تصور المرء بأنه يمتلك إحدى الكمالات
وأن غيره يفتقر إليها. فهذا الذي يملك الحسب والنسب يتكبّر على من لا
يملكهما. وقد يتكبر صاحب الجمال على فاقده، وطالبه، أو إذا كان كثير
الأتباع والأنصار أو ذا قبيلة كبيرة أو له تلامذة كثيرون، وأمثال ذلك، فإنه
يتعالى ويكتبّر على الذي ليس له مثل ذلك. وبناء على ذلك ، فإن سبب الكبر
إنّما هو تصور وجود كمال موهوم، والابتهاج بذلك والعُجب به، ورؤية
الآخرين خلواً منه. وقد يحدث أحيانا أن صاحب الأخلاق الفاسدة والأعمال
القبيحة يتكبّر على غيره، ظانّاً أن ما فيه، ضرب من الكمال. وعلى الرغم من
أن المتكبر قد يمتنع أحيانا لسبب ما من إظهار التكبر علانية، ولا يفصح عن
أي أثر لذلك، إلا أن هذه الشجرة الخبيثة تمد جذورها في قلبه ولا بُدَّ أن يتبين
أثر ذلك منه إذا خرج عن طوره الطبيعي، كأن يستولي عليه الغضب فيفلت
منه الزمام، وإذا به تظهر عليه إمارات الكبرياء و التعاظم، ويباهي الآخرين بما
عنده من علم أو عمل أو أي شيء آخر ويفاخرهم به. وفي أحيان أخرى قد
لا يهتم بإخفاء تكبره على من حوله، كما لو كان العنان قد أفلت من يده
فتظهر آثار الكبر في أعماله وحركاته وسكناته، كأن يتقدم في المجالس ويسبق
الآخرين في الدخول والخروج، ولا يسمح للفقراء بحضر مجالسه، ولا يحضر
مجالسهم، ويحيط نفسه بهالة من الحرمة، ويظهر التعالي في مشيته وفي نظرته
وفي حديثه مع الناس. يقول أحد المحققين، والذي أخذنا منه الكثير من أصول
هذا البحث [110] وترجمناه:"إن أدنى درجة الكِبر في العالِم هي أن يدير
وجهه عن الناس كأنه يعرض عنهم، وفي العابد هي أن يعبس في وجوه الناس
ويقطب جبينه، وكأنه يتجنبهم أو أنه غاضب عليهم، غافلا من أن الورع ليس
في تقطيب الجبين، ولا في عبوس ملامح الوجه، ولا في البعد عن الناس
والإعراض عنهم، ولا في ليّ الجِيد، وطأطأة الرأس، ولملمة الأذيال، بل الورع
يكون في القلب"لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"هاهنا
التقوى"وأشار إلى صدره. وقد يظهر الكبر على اللسان بتبيان المفاخرة
والمباهاة وتزكية الذات. فهذا العابد، وهو في مقام التفاخر، يقول: إنني قمت
بكذا عمل. فينتقص بهذا من الآخرين عن طريق إضفاء الأهمية على أ عماله.
وأحيانا لا يصرح بذلك، ولكنه قد يتفوه بما يوحي بأنه يزكّي ذاته. والعالم
يقول للآخرين: ما أدراك أنت؟ إنني طالعت الكتاب الفلاني مرات عديدة،
وأمضيت سنوات لدى المجامع العلمية، ورأيت عددا من أساطين العلم
وأساتذته، لقد أجهدت نفسي كثيرا، صنّفت وألّفت الكتب الكثيرة، وما إلى
ذلك. وعلى كل حال. ينبغي أن نتعوذ بالله من شرَّ النفس ومكائدها. فصل في
مفاسد الكبر اعلم أن لهذه الصفة القبيحة بحد ذاتها مفاسد كثيرة، وهذه
المفاسد تتمخض عنها مفاسد أخرى كثيرة. إن هذه الرذيلة تحول دون وصول
الإنسان إلى الكمالات الظاهرية والباطنية والاستمتاع من الحظوظ الدنيوية
والأُخروية. إنها تبعث في النفوس الحِقد والعداوة، وتحط من قدر الإنسان في
أعين الخلق وتجعله تافهاً، وتحمل الناس على أن يعاملوه بالمثل تحقيراً له واستهانة
به. جاء في"الكافي"عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: [مَ مِنً عَبدٍ إلاَّ
وَفِي رَأْسِهِ حِكَمَة وَمَلِكٌ يُمْسِكِهَا، فَإِذَا تَكَبَّرَ قَالَ لَهُ: اتّضعْ وَضَعَكَ اللهُ، فَلا
يَزَالُ أَعْظَمُ النَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَصْغَرُ النَّاسِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ. وَإِذَا تَوَاضَعَ رَفَعَهُ
اللهُ عَزَّ وجَلَّ. ثُمَّ قَالَ: انْتَعِشْ الله، فَلا يَزَالُ أَصْغَرُ النَّاسِ فِي نَفْسِهِ وَأَرْفَعُ
النَّاسِ [111] فِي أَعْيُنِ النَّاسِ] ("أصول الكافي"المجلد الثاني، كتاب الإيمان
والكفر، باب الكبر ح 16 ). أيها فيا أيها العزيز ما يحتوي عليه رأسك من
الدماغ، تحتويه رؤوس الآخرين أيضاً، إذا كنت متواضعا، احترمك الناس قهرا
واعتبروك كبيرا، وإذا تكبرت على الناس لم تنل منهم شيئا من الاحترام. بل إذا
استطاعوا أن يذلوك لأذلوك ولم يكترثوا بك. وإن لم يستطيعوا إذلالك، لكنت
وضيعا في قلوبهم، وذليلا في أعينهم، ولا مقام لك عندهم. افتح قلوب الناس
بالتواضع فإذا أقبلت عليك القلوب ظهرت آثارها عليك وإن أدبرت تكون
آثارها على خلاف رغباتك. فإذا فرضنا أنك كنت من المبتغين للاحترام والمقام
الرفيع، لكان اللازم عليك أن تسلك الطريق الذي يفضي بك إلى الاحترام
والسمو، وهو مجاراة الناس والتواضع لهم. إن التكبر ينتج ما هو على خلاف
طلبك وقصدك. إنك لا تكسب من وراء التكبر، نتيجة دنيوية مجديه، بل
ستحصد من ورائه نتيجة معكوسة. ويضاف إلى ذلك أن مثل هذا الخلق
يوجب الذل في الآخرة والمسكنة في ذلك العالم. فكما إنك احتقرت الناس في
هذا العالم، وترفعت على عباد الله وتظاهرت أمامهم بالعظمة والجلال والعزّة
والاحتشام، كذلك تكون صورة هذا التكبر في الآخرة، الهوان كما ورد في
الحديث الشريف من كتاب أصول الكافي: بإسناده، عن داود بن فرقد، عن

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:38 PM


أخيه، قال: "سـَمـِعـْتُ أبا عَبْدِاللهِ عليه السّلام يقول: إِنَّ المُتَكَبِّرينَ
يُجْعَلُنَ في صُوَرِ الذَّرِّ يَتَوَطّاهُمُ النّاسُ حَتّى يَفْرَغَ اللهُ مِنَ الحِسابِ"( أصول
الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر ح 11 ). وجاء في
وصايا الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه: "إِيّاكُمْ وَالعَظَمَةَ وَالكِبْر، فإنَّ
الكبرَ رِداءُ الله عَزَّ وجَلَّ فَمَنْ نازَعَ اللهَ رِداءَهُ قَصَمَهُ اللهُ وَأَذَلَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"(
وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 9 ) .
ولا أعرف بأن الله تعالى إذا أذل شخصاً ماذا يصنع به؟ وبماذا يبتليه؟ لأن
[112] أمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا كثيراً، فإن الذل في الدنيا يغاير
الذل في الآخرة، كما أن نعم الآخرة وعذابها، لا تتناسب مع هذا العالم، إن
نعمها تفوق تصورنا، وإن عذابها لا يخطر على بالنا. إن كرامتها أسمى من
تصورنا، والذل فيها يختلف عن الذل والهوان الذي نعرفه، وتكون عاقب ة
المتكبر النار ففي الحديث"الكبرُ مَطايَا النّارِ"( وسائل الشيعة، المجلد 11،
أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 14 ) فلا يرى الجنة من كان في
قلبه كبراً. كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم"لَنْ يَدْخُلَ
الجَنّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ"( وسائل الشيعة، المجلد
11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6 ). وقد حدث الإمام الباقر
والإمام الصادق - عليهما السلام - أيضاً بهذا المضمون. وفي حديث الكافي
الشريف أن الإمام الباقر عليه السلام قال: "العِـزُّ رِدَاءُ اللهِ، والكِبْرُ إِزَارُهُ،
فَمَنْ تَناوَلَ شِيْئاً مِنْهُ أَكبَّهُ اللهُ في جَهنَّمَ"(وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب
جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 2 ). وما أدراك ما جهنم التي أعدها الله
للمتكبرين. فهي غير جهنم التي أُعدَّت لسائر الناس. يكفي ن نورد هنا
الحديث الذي سبق أن ذكرناه: "عن محمّد بن يعقوب، عن عَليّ بن إبراهيم،
عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن أبن بكير، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال:"إِنَّ في جَهَنَّمَ لَوادياً لِلْمُتَكَبِّرِينَ يُقالُ لَهُ"سقَرُ"شكى إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ
شِدَّةَ حَرِّه وِسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ"(وسائل الشيعة،
المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، ح 6). والحديث في غاية
الاعتبار (من حيث السند) بل هو كالصحيح. أعوذ بالله من مكان رغم كونه
دار عذاب، تشكو حرارته، فتتنفس فتحترق جهنم من جرّاء تنفسها. إننا لا
نستطيع أن ندرك شدة حرارة نار الآخرة في هذا العالم، إذ أن أسباب شدة
العذاب وضعفه تختلف مع أسباب شدة العذاب الدنيوي وخفتها من جهات
عديدة: فمن جهة، تتبع قوة الإدراك وضعفه؛ إذ كلما كان المدرك أقوى
والإدراك أتم و أنقى كان إدارك الألم والعذاب أكثر. ومن جهة أخرى، تعتمد
على اختلاف المواد التي يقوم بها الحس في تقبّل [113] الحرارة، لأن المواد
تختلف من حيث تقبل الحرارة. فالذهب والحديد، مثلاً، يتقبلان الحرارة أكثر
من الرصاص والقصدير. وهذان يتقبلانها أكثر من الخشب والفحم، وهذان
أكثر من الجلد واللحم. كما أن لمستوى ارتباط قوة الإدراك بالموضع المقابل
للحرارة أثراً في شدة وضعف العذاب. فمثلاً المخ الذي يكون تقبله للحرارة.
أقل من العظام، يكون تأثره أشد، لأن قوة الإدراك فيه أكبر. وأن للحرارة
نفسها من حيث كمالها ونقصانها، دوراً في الشدة والضعف فالحرارة التي
تصل إلى مائة درجة تؤلم أكثر من الحرارة التي تصل إلى درجة خمسين. كما
أن لمدى ارتباط المادة الحرارية الفاعلة بالمادة المتقبلة لها سبباً في تخفيف أو
تشديد العذاب. فمثلا، إذا كانت النار قريبة من اليد كان الاحتراق أخف مما
إذا لتصقت النار باليد. جميع هذه الأٍسباب الخمسة المذكورة تكون في هذه
الدنيا في منتهى النقص وفي الآخرة في منتهى كمال القوة والتمامية. إن جميع
إدراكاتنا في هذا العالم ناقصة وضعيفة ومحجوبة بحجب كثيرة لا يتسع المجال
لذكرها ولا تناسبه. إن أعيننا لا ترى اليوم الملائكة ولا جهنم، وآذاننا لا تسمع
الأصوات العجيبة والغريبة التي تصدر من البرزخ وأصحابه ومن القيامة
وأهلها، وحواسنا لا تحس بالحرارة هناك، كل ذلك لأنها ناقصة جميعاً. إن
الآيات والأخبار الواردة عن أهل البيت صلوات الله عليهم مشحونة بذكر هذا
الأمر، تلويحاً وتصريحاً. إن جسم الإنسان في هذا العالم لا يتحمل الحرارة، إذ لو
بقى ساعة واحدة في النار الباردة من الدنيا لاستحال إلى رماد. ولكن الله
القادر يجعل هذا الجسم يوم القيامة قابلا للبقاء في نار جهنم - التي شهد
جبرائيل بأنه لو جيء بحلقة واحدة من سلاسل جهنم التي طول الواحد منها
سبعون ذراعاً إلى هذه الدنيا لأذابت جميع الجبال من شدة حرارتها - من دون
أن يذوب. فقابلية جسم الإنسان للحرارة يوم القيامة لا تقاس بقابليته لها في
دار الدنيا. أما ارتباط النفس بالجسد في هذت الدنيا فضعيف وناقص، ففي هذا
العالمُ يستعصي على النفس أن تظهر فيه بكامل قواها، أما الآخرة فهي عالم
ظهور [114] النفس. إن نسبة النفس إلى الجسد نسبة الفاعلية والخلاقية،
كما هو ثابت في محله، وهي أتم مراتب النسبة والارتباط. ونار هذه الدنيا نار
باردة ذاوية وعرضية ومشوبة بمواد خارجية غير خالصة. أما نار جهنم، فنار
خالصة لا تشوبها شائبة، وجوهر حي قائم بذاته ذو إرادة يحرق أهله بإدراك
وإرادة، ويشدد الضغط عليهم بقدر الإمكان. ولقد سمعت الصادق المصدق
الأمين جبرائيل، وهو يصفها. والقرآن والأخبار مليئة بوصفها. أما ارتباط نار
جهنم والتصاقها بالجسم فلا شبيه له في هذا العال، ولو تجمّعت جميع نيران
العالم وأحاطت بإنسان لما أحاطت بغير سطح جسمه. أما نار جهنم، فتحيط
بالظاهر والباطن وبالحواس المدركة وما يتعلق بها. إنها نار تحرق ا لقلب
والروح والقوى، وتتحد بها بنحو لا نظير له في هذا العالم. فيتبيّن مما ذكر أن
هذا العالم لا تتوافر في وسائل العذاب بأي شكل من الأشكال، فلا مواده -
العالم - جديرة بالتقبل، ولا مصادره الحرارية تامة الفاعلية، ولا الإدراك تام.
إن النار التي تستطيع أن تحرق جهنم بنَفَسٍ منها، لا يمكن أن نتصورها ولا أن
ندركها، إلاّ إذا كنا - لا سمح الله - من المتكبرين، انتقلنا من هذا العالم إلى
الآخرة قبل أن نطهّر أنفسنا من هذا الخُلق القبيـح، حيث نراها رأي العين
{فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر72). فصل في بيان بعض عوامل التكبر
اعلم إن من عوامل التكبر، فضلاً عمّا سبق ذكره من الأسباب، هو صغر
العقل، وضعف القابل ية، والضعة، وقلة الصبر. فالإنسان لضيق أُفقه ما أن يجد
في نفسه خصلة مميّزه حتى يتصور لها مقاماً ومركزاً خاصاً. ولكنه لو نظر بعين
العدل والإِنصاف إلى كل أمر يتقنه وكل خصلة يتميز بها، لأدرك أن ما
تصوره كمالاً يفتخر به ويتكبر بسببه، إمّا أنه ليس كمالاً أصلاً، وإمّا أنه إذا
كان كمالاً فإنه لا يكاد يساوي شيئاً إزاء كمالات الآخرين، وأنه كمن صفع
وجهه ليحسب الناس احمرار [115] وجهه نتيجة النشاط والحيوية. كما
قيل:"اِسْـتَسْمَنَ ذا وَرَمٍ". فعلى سبيل المثال أن العارف الذي ينظر من
خلال عرفانه إلى الناس جميعاً بعين الازدراء متكبّرا، أو يقول عنهم أنهم
قشريون وسطحيون. ترى أنه لا يملك شيئا من المعارف الإلهية، سوى حفنة
من المفاهيم التي لا تعدو جميعا من أن تكون حُجُباً تغطي الحقائق، أو مطبات في
الطريق، ومجموعة من المصطلحات ذات البريق الخادع مما لا علاقة لها
بالمعارف اإلهية، وبعيدة كل البعد عن معرفة الله وعن العلم بأسمائه وصفاته؟ إن
المعرفة صفة القلب. وكاتب هذه السطور يعتقد أن جميع هذه العلوم هي علوم
عملية، لا مجرد معرفة نظرية وحياكة مصطلحات. لقد رأينا خلال هذا العمر
القصير والمعرفة القليلة ضمن من يسمون بالعرفاء والعلماء في سائر العلوم،
أشخاصا - أقسم بالعرفان والعلم- إنهم لم يتأثروا قلبيا بهذه الاصطلاحات،
بل كان لها تأثير معكوس عليهم. أيها العزيز! إن العرفان بالله، كما تعلم، يحيل
القلب إلى محل تتجلى فيه أسماء الله وصفاته وينزل فيه السلطان الحقيقي الذي
يمحو آثار التلوث ويطرد التعيّن: {... إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل34). إنه يجعل القلب
أحدياً أحمدياً، فلماذا صار قلبك والهاً بجمالك، وزاد في تلونك، وضاعف في
تعيناتك وإضافاتك وأبعدك عن الحق تعالى وتجليات أسمائه، وجعل قلبك
موطناً للشيطان فتنظر عباد الله، وأصحاب أبواب الحق، ومظاهر جمال المحبوب،
نظرة تحقير وازدراء؟ إنك تتكبر على الله، وتتفرعن في حضرة ذات الله وأسمائه
وصفاته. يا طالب المفاهيم، ويا مضيّع الحقائق! تمهل، أنظر إلى ما لديك من
المعارف فما الأثر الذي تراه من الحق وصفاته في نفسك؟ ولعل علم الموسيقى
والإِيقاع أدق من علمك، واصطلاحات العلوم الأخرى كالفلك والميكانيك
وسائر العلوم الطبيعية والرياضية، تساوي اصطلاحات علمك ودقته تماماً، فكما
أن تلك [116] العلوم ليس لها عرفان بالله، فكذلك علمك الذي حجبته
الاصطلاحات وسجف المفاهيم والاعتبارات، لا يرجى منه تغير في نفس ولا
حال، بل إن تلك العلوم لدى منطق العلوم الطبيعية والرياضية أفضل مما هو
لديك من العلم، لأن تلك العلوم تنتج شيئا، وليس لعلمك ناتج، أو أن ناتجة
معكوس. فالمهندس ينالنتيجة هندسته والصائغ نتيجة صنعته، أمّا أنت فقد
قصرت يدك عن النتائج الدنيوية، ولم تصل إلى نتائج عرفانك. فحجابك أثقل
وأسمك، وما أن يدور الكلام عن الأحديّة حتى يغشاك ظلام غير متناه، وما
أن تسمع عن حضرة أسماء الله وصفاته حتى تتصور كثرة غير متناهية. إذاً لم
تعثر على الطريق إلى الحقائق والمعارف من هذه الاصطلاحات، بل صارت
مدعاة للتفاخر والتكبر على العلماء الحقيقيين. إن المعارف التي تزيد من كدر
القلب ليست بمعارف، والويل لمعارف تجعل عاقبة صاحبها وارثاً للشيطان!.
إن الكبر من أخلاق الشيطان الخاصة. فقد تكبّر على أبيك آدم، فطرد من
حضرة الله، وأنت أيضاً مطرود لأنك تتكبر على كل الآدميين من أبناء آدم.
ومن هنا أيضاً يجب أن تفهم حال سائر العلوم الأخرى. إن الحكيم إذا كان
حكيما وعرف نسبته إلى الخلق وإلى الحق، خرج الكبرياء من قلبه واستقام
أمره. ولكن هذا المسكين الذي يركض وراء المصطلحات والمفاهيم يظن أنها
هي الحكمة، وأنها هي التي تصنع العالم والحكيم، فمرة يرى نفسه متصفة
بالصفات الواجبة، فيقول:"الحكمةُ هِيَ التَشَبُّهُ بِالإِلـهِ"ومرة يحسب نفسه
فـي زمرة الأنبيـاء والمرسليـن، فيقرأ: {وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }
(الجمعة2).، وأحيانا يقرأ:"الحـِكـْمـَةُ ضالَةُ المُؤْمِنِ"( نهج البلاغة- قصار
الحكم - 80 - ( الشيخ صبحي الصالح ) ) {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة/269).، ولكن ما أجهله بالحكمة وما أبعده عنها وعن
خيراتها؟! يقول الحكيم المتألّه وفيلسوف الإسلام الكبير، المحقق الداماد،
رضوان الله عليه: "الحكيم من كان جسده كالرداء له، متى ما شاء خلعه".
فانظر إلى ما يقوله [117] هو وما نقوله نحن! وما أدركه هو من الحكمة وما
أدركنا نحن منها! إذاً، فأنت الذي تتباهى ببضعة اصطلاحات ومفاهيموتتكبر
على الناس، إنما ذلك دليل ضيق نفسك وقلة صبرك وعدم أهليتك!. إن من
يرى نفسه مرشد الخلائق وهاديهم، ويجلس على كرسي التصوف والتوجيه،
يكون أسوأ حالا من المسعف والمتصوف، وأكثر دلالاً منهما. إنه سرق
المصطلحات منهما وأسبغ بعض المظاهر على بضاعته في السوق، وصرف
قلوب الناس عن الله ووجّهها نحو نفسه ودفع بذلك الإنسان الطيّب النقي
السريرة، على إساءة الظن بالعلماء وعامة الناس. ولكن يعطي أسواقهم شيئا
من الرواج، يطعمون الناس، عن وعي أو بدون وعي، بعضا من مصطلحاتهم
الجذّابة، ظانّين أن ألفاظاً مثل "مجذوب علي" أو "محبوب علي" سوف
تمنحهم حقا حالاً من الانجذاب والحب! نتيجة هذه الأسماء التي يستعملها
الدراوشة والمدعون للعرفان. أنت يا طالب الدنيا وسارق المفاهيم، إن عملك
هذا كما تظنه لا يدعو إلى الفخر والتكبر! إن المسكين لقلـة صبره وصغر
عقله ينخدع حتى بنفسـه، فيرى لنفسه م قاما، وقد امتزج فيه حب النفس
وحب الدنيا مع المفاهيم المسروقة والإضافات والاعتبارات، فأصبح مولودا
مشوهاً، إذ نشأ عن تجمعها مزيج عجيب وخليط غريب. وعلى الرغم من كل
هذه العيوب يحسب نفسه مرشد الخلائق وهادي الأمة إلى النجاة، ومالك سر
الشريعة! بل قد تتجاوز وقاحته الحدود، فيرى نفسه في مقام الولاية الكلية.
وهذا ناشئ أيضا من صغر العقل وضيق القلب والصدر وقلة الاستعداد
والأهلية. وأنت أيضا يا طالب علوم الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية، لا
تملك من علمك أكثر من حفنة من الاصطلاحات الخاصة بالأصول والحديث،
فإذا لم يضف إليك علمك هذا الذي كله عمل، شيئا ولم يستطع إصلاحك،
بل أنتج المفاسد الأخلاقية والعملية، فإن عملك أحط من عمل علماء العلوم
الأخرى وأتفه بل أقل عمل كل العوام. إن هذه المفاهيم العرضية والمعاني
الحرفية والدخول في منازعات لا طائل وراءها ولا علاقة لمعظمها بدن الله
بالعلوم حتى تسميها بالثمرة العلمية، أن هذه المفاهيم لا تستوجب كل هذا
الابتهاج و التكبر. والله [118] يشهد وكفى بالله شهيدا أنه لو كانت هذه
هي نتيجة العلم، دون أن تستطيع هدايتك، ودون أن تبعد عنك المفاسد
الأخلاقية والسلوكية، فإن أحط الأعمال خير من عملك لأن تلك نتائجها
عاجلة ومفاسدها الدنيوية والأخروية اقل. وأنت أيها المسكين لا تنال سوى
الوزر والوبال، ولا تحصد غير المفاسد الأخلاقية والأعمال القبيحة. وعليه، فإن
عملك من حيث الاعتبار العلمي ليس فيه ما يدعو إلى التكبر، بل كل ما في
الأمر إنك أفقك العلمي، ما أن تضع اصطلاحاً فوق اصطلاح حتى تحسب
نفسك عالما وسائر الناس جهلاء وتفترش أجنحة الملائكة تحت أقدامك وكأنها
تطير بك، وتضيّق على الناس في المجالس وفي الطرقات. ولكن الأحط من هذا
والأحقر مكانة هو ذلك الذي يتكبّر ويتباهى بالأمور الخارجية، مثل المال،
والجاه ، والخدم، والحشم والقبيلة. فهذا المسكين بعيد عن الخلق البشري
والأدب الإنساني فارغ اليد من كل العلوم والمعارف. ولكن بما أن ملابسه من
أجود الأصواف، وأباه فلان ابن فلان، فهو يتكبّر على الناس. فما أضيق عقله
وأشد ظلام قلبه! إنه يقتنع من كل الكمالات باللباس الجميل، ومن كل جمال
بالقبعة والرداء! يرتضي المسكين مقام الحيوانية ويقبل بحظها، ويقتنع من جميع
المقامات السامية الإنسانية بالصورة الخالية من كل شكل ومضمون، والفارغة
من الحقيقة، ظانّاً نفسه بهذا أنه ذو مقام. وفي الواقع إنه على درجة من الضعة
ومن عدم اللياقة، بحيث أنه إذا شاهد أحداً أعلى منه مرتبة واحدة دنيوية تخضّع
له كما يتخضّع العبد لسيده. لا شك أن من لا همّ له سوى الدنيا، لا يكون إلاّ
عبداً للدنيا ولأهلها. وأن يغدو ذليلا لدى من يتزلف ويستذل لديهم. وعلى
كل حال، يعتبر ضيق أُفق الفكر وانحطاط القابلية من هم عوامل الكِبرٍ، لذلك
فمن يتصف بهذا يتأثر بالأمور التي ليست من الكمال، أو ليست من الكمالِ
اللائق، تأثراً شديداً يدفع به إلى العُجْب والكبر. وكلما كثر حبه للنفس
وللدنيا، ازداد تأثرا بهذه الأمور. [119] فصل في بيان معالجة الكبر بعد
ما عرفت مفاسد الكبر، حاول أن تعالج نفسك مشمّراً عن ساعد الجد للبحث
عن العلاج، واشحذ همّتك لتطهير القلب من هذا الدرن، وأزل الغبار والأتربة
عن مرآته. فإذا كنت ممن قويت نفوسهم، واتسعت صدورهم، ولم يتجذر
حب الدنيا في قلبك، ولم يبهرك زبرجها وزخرفها، وكانت عين إنصافك
مفتوحة، فإن الفصل السابق خير علاج علمي لك. وإذا لم تكن قد دخلت هذه
المرحلة، ففكّر قليلا في حالك، فلعل قلبك يصحو. فيا أيها الإنسان الذي لم
تكن شيئا في أول أمرك، وكنت كامنا دهور العدم والآباد غير المتناهية، ما هو
الأقل من العدم و اللاشيء على صفحة الوجود؟ ثم لمّا شاء تْ مشيئة الله أن
يظهرك، إلى عالم الوجود فمن جرّاء قلة قابليتك الناقصة و تفاهتك وضعتك
وعدم أهليتك لتقبل الفيض، أخرجك من هيولى العالم - المادة الأولى - التي
لا تكون سوى القوة المحضة والضعف الصرف، إلى صورة الجسمية والعنصرية،
التي هي أخسّ الموجودات وأحطّ الكائنات، ومن هناك أخرجك نطفة لو
مسّتها يدك لاستقذرتها وتطهّرت منها، ووضعك في منزل ضيق رجس هو
خصيتي الأب، وأخرجك من مجرى البول في حالة مزرية قبيحة، وأدخلك في
رحم الأم من مكان تنفر من ذكر أسمه. وحوّلك هناك إلى علقة ومضغة،
وغذّاك بغذاء يزعجك سماع أسمه ويخجلك. ولكن بما أن الجميع هذا هو حالهم
وتلك هي بليتهم، زال الخجل "والبَلِيَّةُ إِذا عَمَّتْ طابَتْ". في كل هذه
التطورات كنت أرذل الموجودات وأذلها وأحطها، عاريا عن إدراك ظاهري
وباطني، بريئا من كل الكمالات. ثم شملتك رحمته وجعلك قابلا للحياة،
فظهرت فيك الحياةرغم كونك في أشد حالات النقص، بحيث أنك كنت
أحط من الدودة في أمور حياتك، فزادت برحمته تدريجيا قابليتك على إدارة
شؤون حياتك، إلى أن أصبحت جديرا بالظهور في محيط الدنيا، أظهرك في هذه
الدنيا من خلال أشد المجاري ضعة، وفي أوطأ الحالات، وأنت أضعف في
الكمالات وشؤون الحياة، وأدنى من جميع مواليد الحيوانات الأخرى. وبعد أن

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:39 PM


منحك بقدرته [120] قواك الظاهرية والباطنية، ما زلت ضعيفاً وتافهاً بحيث
أن أيّاً من قواك ليست تحت تصرفك، فلست بقادر على المحافظة على صحتك،
ولا على قواك ولا على حياتك، ولست بقادر على الاحتفاظ بشبابك
وجمالك. وإذا ما هاجمتك آفة أو انتابك مرض فلست بقادر على دفعهما
عنك. وعلى العموم، ليس تحت تصرفك شيء من ذلك. لو جعت يوما
لتنازلت حتى لأكل الجيفة، ولو غلبك العطش لما امتنعت عن شرب أي ماء
آسن. وهكذا أنت في شؤونك الأخرى عبد ذليل مسكين لا قدرة لك على
شيء. ول و قارنت حظك من الوجود ومن الكمالات بما لسائر الموجودات،
لوجدت أن ك وكل الكرة الأرضية، بل وكل المنظومة الشمسية، لا قيمة لكم
مقابل هذا العالم الجسماني الذي هو أدني العوالم وأصغرها. أيها العزيز! إنك لم
تر سوى نفسك، والذي رأيته لم تضعه موضع الاعتبار والمقارنة. حاول أن
تنظر إلى نفسك وما تملك من شؤون الحياة وزخارف الدنيا وقارنها بمدينتك.
وقارن مدينتك بوطنك، ووطنك بسائر الدول في الدنيا التي لم تسمع بأكثر
من واحدة بالمائة منها، وقارن كل الدول بالكرة الأرضية، والأرض بالمنظومة
الشمسية، وبالكرات الواسعة التي تعيش على فتات أشعة الشمس المنيرة، وقارن
كل المنظومة الشمسية الخارجة عن محيط فكري وفكرك، بالمنظومات الشمسية
الأخرى التي تعد شمسنا وجميع سياراتها، واحدة من سيارات إحدى تلك
المنظومات التي لا يمكن أن تقارن شمسنا معها، والتي يقال أن ما اكتشف منها
حتى الآن يبلغعدة ملايين من المجّرات، وأن في هذه المجرة القريبة الصغيرة عدة
ملايين من المنظومات الشمسية التي تكبر أصغر شمسها على شمسنا ملايين
المرات وتسطع نور أكثر. هذه كلها من العوالم الجسمانية التي لا يعرفها إلا
خالقها، وإن ما اكتشفت منها لا يبلغ الجزء الضئيل منها. وكل عوالم الأجسام
هذه لا تكون شيئا بالقياس إلى عالم ما وراء الطبيعة، فهناك عوالم لا يمكن
للعقل البشري أن يتخيلها. هذه شؤون حياتك وحياتي وهذه حظوظنا ونصيبنا
من عالم الوجود. وعندما تشاء إرادة الله أن تتوفاك وتنقلك من هذه الدنيا،
فإنه يأمر جميع قواك بالاتجاه نحو الضعف وجميع حواسك بالتوقف عن العمل،
فتختل أجهزة وجودك، ويذهب [121] سمعك وبصرك وتضمحل قواك
وقدراتك، فتصبر قطعة جماد تزكم بعد أيام رائحتك العفنة، أنوف الناس
وتؤذي مشامّهم، ويهربون من صورتك وهيئتك، وما أن تمضي عليك أيام
أخر حتى تهترأ أعضاؤك وتتفسخ. هذه هي أحوال جسمك، أما أحوال
أموالك وثروتك فأمرها معروف. أما علم برزخك: فإنك إن انتقلت من هذه
الدنيا - لا سمح الله - قبل أن تصلحه فالله يعلم كيف تكون صورتك، وكيف
تكون أحوالك، إذ أن قوى الإدراك في هذا العالم عاجزة عن أن تسمع أو ترى
أو تشم شيئا من ذلك العالم. إن ما تسمعه عن ظلمة القبر ووحشته وضيقه إنما
تقيسه على ما في هذا العالم من ظلمة ووحشة وضيق، مع أن هذا القياس
وهذه المقارنة باطلة. نسأل الله أن ينجينا مما أعددنا لأنفسنا بأنفسنا!. إن
عذاب القبر أنموذج من عذاب الآخرة والمستفاد من بعض الأحاديث أن أيدينا
تقصر عن الوصول إلى شفاعة الشفعاء في القبر، فياله من عذاب! إن نشأة
الآخرة أشد وأفظع من جميع الحالات السابقة. إنه يوم تبرز فيه الحقائق،
وتنكشف فيه السرائر، وتتجسد فيه الأعمال والأخلاق. يوم تصفيه الحساب،
يوم الذلة في المواقف. تلك هي أحوال يوم القيامة!. ما حال جهنم التي تكون
بعد يوم القيامة فأمرها معلوم أيضاً. إنك تسمع أخباراً عن جهنم! إن النار
ليست وحدها عذاب جهنم. فلو أن باباً منها انفتحت على عينيك وعلى هذا
العالم لهلك أهلها خوفا. وكذلك لو انفتحت باب أخرى على أذنيك، وأخرى
على خياشيمك، لو أن أيّاً منها فتح على أهل هذا العالم لهلكوا جميعا من شدة
العذاب. يقول أحد علماء الآخرة: مثلما أن حرارة جهنم أشد ما تكون،
كذلك برودتها أشد ما تكون. والله تعالى قادر على أن يجمع الحرارة
والبـرودة. هكذا هي نهاية حالك. إذاً، فالذي أوله عدم غير متناه، وهو منذ
أن يضع قدمه في الوجود تكون جميع تطوراته قبيحة وغير جميلة، وكل حالاته
مخجلة، وكل من دنياه وبرزخه [122] وآخرته أفجع من الأخرى، بم يتكبر؟
بأي جمال أو كمال يتباهى؟ إن من كان جهله أكبر وعقله أصغر كان تكبره
أكثر ومن كان علمه أكثر وروحه أكبر وصدره أوسع، كان تواضعه أكثر.
النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان علمه من الوحي الإلهي،
وكانت روحه من العظمة بحيث أنها بمفردها غلبت نفسيات كل البشر، إن
هذا النبي قد وضع جميع العادات الجاهلية والأديان تحت قدميه، ونسخ جميع
الكتب، واختتم دائرة النبوة بشخصه الكريم، وكان هو سلطان الدنيا والآخرة
والمتصرف في جميع العوالم بإذن الله، ومع ذلك كان تواضعه مع عباد الله أكثر
من أي شخص آخر. كان يكره أن يقوم له أصحابه احتراما، وإذا دخل مجلسا
لم يتصدر ويتناول الطعام جالسا على الأرض قائلا: إنني عبد، أكل مثل العبيد
وأجلس مجلس العبيد. لقد نقل عن الإمام الصادق عليه السلام أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب أن يركب الحمار من دون سرج، وأن
يتناول الطعام مع العبيد على الأرض، وكان يعطي الفقراء بكلتا يديه. كان
ذلك الإنسان العظيم يركب الحمار مع غلامه أو غيره، ويجلس على الأرض
مع العبي، وفي سيرته أن ه كان يشترك في أعمال المنزل، ويحتلب الأغنام،
ويرقع ثيابه ويخصف نعله بيده، ويطحن مع خادمه ويعجن، يحمل متاعه
بنفسه، ويجالس الفقراء والمساكين ويأكل معهم. هذه وأمثالها، نماذج من سيرة
ذلك الإنسان العظيم وتواضعه، مع أنه فضلا عن مقامه المعنوي كان في أكمل
حالات الرئاسة الظاهرية. وهكذا قد اقتدى به أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام، إذ كانت سيرته من سيرته صلى الله عليه وآله وسلم. فيا
أيها العزيز! إذا كان التكبر بالكمال المعنوي، فقد كان الرسول الأعظم صلى
الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام أرفع شأناً، وإذا كان بالرئاسة
والسلطان، فقد كانت لهما الرئاسة الحقة. ومع ذلك، كانا أشد الناس تواضعا.
واعلم، أن التواضع وليد العلم والمعرفة، والكبر وليد الجهل وانعدام المعرفة،
فامسح عن نفسك عار الجهل والانحطاط، وأتصف بصفات الأنبياء، واترك
صفات [1 23] الشيطان، ولا تنازع الله في ردائه - الكبرياء - فمن ينازع
الحق في ردائه فهو مغلوب ومقهور بغضبه، ويُكَبُّ على وجهه في النار. وإذا
عزمت على إصلاح نفسك، فطريقه العملي، أمر يسير مع شيء من المثابرة،
وإنه طريق لو اتصفت بهمة الرجال وحرية الفكر وعلو النظر، فلن تصادفك
أية مخاطر. فـإن الأسلوب الوحيد على النفس الأمّـارة، وقهر الشيطان،
ولإتّباع طريق النجاة، هو العمل بخلاف رغباتهما. إنه لا يوجد سبيل أفضل
لقمع النفس من الاتصاف بصفة التواضع ومن السير وفق مسيرة المتواضعين
فحيثما تكن درجة التكبر عندك، ومهما تكن طريقتك في العلم والعمل،
أعمل قليل بخلاف هوى نفسك، فإن مع الالتفات إلى الملاحظات العلمية تجاه
التكبر، والانتباه إلى النتائج المطلوبة. إذا رغبت بأن تتصدر المجلس متقدما على
أقرانك، فخالفها وأعمل عكس ما ترغب فيه. وإذا كانت نفسك تأنف من
مجالسة الفقراء والمساكين، فمرِّغ أنفها في التراب وجالسهم، وآكلهم،
ورافقهم في السفر، ومازحهم وقد تجادلك نفسك فتقول لك: إن لك مقاماً
ومنزلة، وإن عليك أن تحافظ على مقامك من أجل ترويج الشريعة والعمل في
سبيلها، فمجالستك الفقراء تذهب بمنزلتك من القلوب، وإن المزاح مع مَنْ هو
دونك، يقلل من عظمتك، وجلوسك في ذيل المجلس يحط من هيبتك، فلا
تقدر أن تؤدي واجبك الشرعي على خير وجه!! اعلم، أن هذه كلها من
مكائد الشيطان والنفس الأمارة. لقد كان مقام رسول الله صلى عليه وآله
وسلم في الدنيا من حيث الرئاسة والمركز أرفع منك، ومع ذلك كانت سيرته
هي التي قرأت عنها وسمعت بها. لقد عاصرت شخصيا من العلماء من كانت
لهم الرئاسة والمرجعية الدينية كاملة في دولة واحدة، بل ولكل الشيعة في العالم
وكانت سيرتهم تلي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. منهم، الأستاذ
المعظم والفقيه المكرم الحاج الشيخ عبدالكريم الحائ ري اليزدي حيث كانت
له رئاسة الشيعة ومرجعيتهم من 1340هـ ( 1920 م ( المترجم) ) حتى
[124] 1355هـ ( 1935 م ( المترجم ) ). كان سيرته عجيبة، كان
يوافق الخدم في السفر، ويؤاكلهم، ويفترش الأرض، ويمازح صغار الطلبة.
وخلال أيام مرضه في أواخر حياته، كان يخرج بعد المغرب يتمشى في الشارع
وقد لفّ رأسه بقطعة قماش بسيطة متنعلاً حذاءاً بسيطاً من دون أي اهتمام
بالمظهر، وكان هذا يزيد من وقعة في القلوب، من دون أن تصاب هيبته بأي
اهتزاز أو وهن. وكان هناك آخرون من علماء قم ممن لم يلتفتوا أبدا إلى هذه
التقيدات التي يحيكها لك الشيطان. كانوا يشترون حاجياتهم من السوق
بأنفسهم، ويحملون الماء من مخازن المياه إلى بيوتهم، ويشتغلون في منازلهم.
وكان صدر المجلس وذيله سواء عندهم. وكانوا على درجة من التواضع بحيث
تبعث على التعجب ومع ذلك كله كان مقامهم محفوظا بل كانت منزلتهم
تسمو في قلوب اناس أكثر فأكثر. وعلى أي حال، إن صفة النبي الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم وصفة علي بن أبي طالب عليه السلام لا تقلل من قدر
الإنسان إذا اتصف بها. ولكن لا بُدَّ من ينتبه الإنسان إلى مكائد النفس في
هذه الحالات، لأنها كثيرا ما تكون قد أعدت لك فخّاً آخر لتوقعك فيه. فقد
يجلس - أحدهم من يريد التخلص من الكبير- في ذيل المجلس بهيئة من يريد أن
يقول أن مقامه أرفع من مقامات الحاضرين، ولكنه لتواضعه جلس حيث. وإذا
التبس على الناس الأمر وقدّموا عليه من يشك في أفضليته عليه، فإنه - من
يهرب من صفة التكبر - يقدم على نفسه من لا يشك في تأخره عنه لكي
يزيل ذلك الالتباس بالإيحاء بأن تأخيره في الدخول على المجالس وتقديم الآخرين
على نفسه يكون من باب التواضع. هذه ومئات الأمثلة الأخرى من هذا القبيل
هي من مكائد النفس التي تريد للإنسان التكبر والرياء. فلا بُدَّ من المجاهدة
الخالصة الص ادقة وبها يمكن إصلاح النفس. إن جميع الصفات النفسانية قابلة
للإصلاح، إلا أن الأمر في البداية يتطلب بعض العناء، ولكن ما أن يضع قدمه
على طريق الإصلاح حتى يسهل عليه الأمر. إنما المهم هو أن يشرع في التفكير
في تطهير نفسه وإصلاحها، والاستيقاظ من النوم. [125] إن المرحلة الأولى
من مراحل الإنسانية هي "اليقظة" وهي الاستيقاظ من نوم الغفلة، والصحوة
من سكر الطبيعة، والإدراك بأن الإنسان مسافر، وأنه لا بُدَّ للمسافر من زاد
وراحلة. وزاد الإنسان خصاله، وراحلته في هذه المرحلة الخطيرة المخيفة، وفي
هذه الطريق الضيقة، على الصراط الذي هو أحدَّ من السيف وأدق من الشعرة،
هي همّة الرجال وعزمهم. والنور الذي ينير ظلام هذا الطريق، هو نور الإيمان
والخصال الحميدة. فإذا تقاعس الإنسان ووهنت همته أخفق في العبور،
وانكب على وجهه في النار، وساوى تراب الذل، وانقلب في هاوية الهلاك.
فمن ل يستطع اجتياز هذا الصراط لا يستطيع اجتياز صراط يوم القيامة أيضا.
فيا أيها العزيز، أشدد عزيمتك، ومزّق عن نفسك سجف الجهل، وانج بنفسك
من هذه الورطة المهلكة! كان إمام المتقين وسالك طريق الحقيقة ينادي في
المسجد بأعلى صوته حتى يسمعه الجيران: "تـَجـَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فَقَدْ
نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحيلِ"( نهج البلاغة - الخطبة - 204 - ( الشيخ صبحي
الصالح ) )! وما زادٌ ينفعك سوى الكمالات النفسانية، وتقوى القلب،
والأعمال الصالحة، وصفاء الباطن، وخلوص النية من كل عيب وغش. فإذا
كنت من أهل الإيمان الناقص والصوري، فعليك أن تطهّر نفسك من هذا
الغش حتى تنضم إلى زمرة السعداء والصالحين. والغش يزول بنار التوبة والندم،
وبإدخال النفس في أتون العذاب واللوم، وصهرها في حرارة الندامة والعودة
إلى الله. عليـك أن تعمل فـي هذا العالم، وإلاّ فإن {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، ال
َّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ}(الهمزة 6،7). سوف تذيب قلبك. والله أعلم كم
قرن من قرون الآخرة يستغرق إصلاحك هذا!! إن التطهر في هذه الدنيا سهل
يسير، فالتغّيرات والتصورات سريعة الوقوع فيها، أما في العالم الآخر فالتغيير
يكون بشكل آخر، فزوال صفة من صفات النفس قد يستغرق قرونا عديدة.
إذاً، أيها الأخ، ما دمت في مقتبل عمرك، وزهرة شبابك، وأوج قوتك،
وحرية إرادتك، سارع لإصلاح نفسك، ولا تلق بالاً لهذا الجاه والمقام، وطأ
على هذه الاعتبارات بقدميك إنك إنسان، فأبعد نفسك عن صفات الشيطان،
فلعلّ [126] الشيطان يهتم بهذه الصفة اهتماماً كبيراً لكونها صفة من
صفاته. وهي التي أدت إلى طرده من حضرة الله، ولذلك فهو يريد أن يوقع
الإنسان، عارفاً أو عاميّاً عالماً أو جاهلا، في مثل هذه الرذيلة، حتى إذا ما
لقيك يوم القيامة شَمَتَ بك قائلاً: "ويا أبن آدم، ألم يخبرك الأنبياء بأن اتكبر
على أبيك قد طردني من حضرة الحق. لقد نزلت عليّ لعنة الله لأني احتقرت
مقام آدم واستعظمت مقامي، فلماذا أوقعتك نفسك في هذه الرذيلة"؟.
وعندئذ تصبح، أيها المسكين! موضع شماتة أرذل مخلوقات الله وأحطها، فضلاً
عن عذابك وابتلاءاتك وندامتك وحسرتك مما يعجز الكلام عن وصفه. إن
الشيطان لم يكن قد تكبّر على الله، بل على أدم وهو من مخلوقات الحق، فقال:
{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (الأعراف/12). فاستعظم نفسه
واستحقر آدم. وأنت تستصغر بني آدم وتستكبر بنفسك عليهم، فـأنت أيضاً
تعصي أوامر الله. لقد قال لك تعالى: كن متواضعاً مع عباد الله، ولكنك تتكبر
وتتعالى عليهم. فلماذا، تلعن الشيطان وحده؟ أشرك نفسك الخبيثة معه في اللعن
أيضاً، مثلما أنت شريكه في هذه الرذيلة. إنك من مظاهر الشيطان، بل إنك
تجسّد الشيطان. ولربما كانت صورتك في البرزخ وفي يوم القيامة صورة
شيطانية. فإن المقياس في صورة الإنسان في الآخرة الملكات الحاصلة للنفس.
فليس هناك ما يمنع من أن تكون على صورة شيطان، أو على صورة نملة
صغيرة، إن موازين الآخرة تختلف عن موازين الدنيا. فصل قد يكون الحسد
سببا للتكبر اعلم أن من الممكن أحياناً أن يتكبّر فاقد الكمال على واجد
الكمال، كأن يتكبر الفقير على الغني والجاهل على العالم. ولا بُدَّ أن نعرف أنه
مثلما كان العُجب أحيانا مدخلا للتكبر، فإن الحسد قد يصبح أيضاً مدخلاً
إليه. فالإنسان الذي يفتقر إلى كمال موجود في غيره، يندفع إلى أن يحسده، ثم
يصير سبباً لكي يتكبر عليه ويسعى جهده لإذلالهِ وإهانته. [127] روى عن
الإمام الصادق عليه السلام أنه قال "الكِبَرُ قَدْ يَكونُ فِي شِرارِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ
جِنْسٍ ..."ثُمَّ قَالَ "إِنَّ رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي بَعضِ
طُرقِ المَدِيَنِة وَسَوْدَاءَ تَلقطِ السرقين، فَقِيلَ لَهَا: تَنَحِّي عَنْ طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ
صَلّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ الطَرِيقَ لَمَعرض. فَهَمَّ بِهَا بَعْضُ القَوْمِ
أنْ يَتَنَاوَلها، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَّم: "دَعُوهَا فإِنَّهَا
جَبَّارة"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الكبر، ح 2
). وقد تظهر هذه الصفة في بعض أهل العلم، مبرراً أن التواضع أمام الأغنياء
غير محمود، وتقول له نفسه الأمارة بالسوء إن التواضع للأغنياء منقصة للإيمان.
إن المسكين لا يميّز بين التواضع لغني من أجل غناه والتواضع لغير ذلك. فمرة
يتواضع الإنسان مدفوعا برذيلة حب الدنيا والانجذاب نحو طلب الجاه والمقام.
فليس هذا من خلق التواضع في شيء، بل إنه المداهنة والملق وأنه من الرذائل
النفسانية، وصاحبها لا ي تواضع للفقراء، إلا إذا طمع فيهم بشيء أو أراد
منهم شيئا. ومرة أخرى يكون طبع التواضع في الإنسان داعية له إلى احترام
الناس والتواضع لهم. فقراء كانوا أم أغنياء، مرموقين كانوا أم مغمورين. فهذا
تواضعه خالص من غير شائبة، وروحه طاهرة مطهرة، لم يجتذب قلبه الجاه
والمقام. إنه تواضع محمود للفقراء ومحمود للأغنياء، فلا بُدَّ من احترام كل
إنسان بما هو خليق به. أما تحقيرك لأهل الجاه والغنى والتكبر عليهم فلا يعني
أنك لست متملقا، بل يعني أنك حسود، وتكون في الوقت نفسه على خطأ.
ولهذا إذا رأيتهم يحترمونك على غير انتظار وتوقع، تتواضع لهم وتخفض لهم
جناحك. وعلى كل حال، إن مكائد النفس وأحابيلها من الدقة المتناهية بحيث
أن المرء لا يسعه إلا أن يستعيذ بالله منها. وَالحَمْدُ لله أوّلاً وآخِراً. [129]
الحَديــــث الــخَـــامِس" الــحسَـــــــد
[130] "بالسند المتصَّـل إلى محمَّـد ب يعقوب عن علــيّ بن
إبراهيم، عن محمّد بن عيســى، عن يونس، عن داود الرقي، عن أبي
عبدالله عليه السلام قال: قالَ رَسُــولُ اللّــه صَــلى اللّه عَليهِ
وآلِــهِ وسَــلَّم: قالَ اللّه عَزَّ وَجــلّ لِمَــوسَى بنِ عُـمْراِن: "يا
ابْــنَ عُمْـرانِ لا تًـحْسُدَنَّ النّــاسَ عَلى ما اتَـيْتُــهُمْ مِـنْ
فَضْلي ولا تَمُدَّنَّ عَيْنيــْكَ إِلى ذلِكَ وَلا تُتْبِــعْهُ نَفْسَكَ فَإنَّ الحاسِدَ
ساخِطٌ لِنِعَــمي صادٌ لِقِسْمِيَ الَّذي قَسَــمْتُ بَيْنَ عِبادي وَمَنْ

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:41 PM


يَــكُ ذلِكَ فَلَــسْتُ مِنْهُ وَلَيْــسَ مِنّي"( أصول الكافي، المجلد الثاني،
كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح 6 ). [131] الـشرح: إن الحسد،
حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورهما عند الآخرين،
سواء أكان يملكها أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها. وهذا يختلف عن
الغبطة، لأن صاحب الغبط ة يريد النعمة التي توجد لدى الغير، أن تكون
لنفسه، من دون أن يتمنى زوالها عن الغير. وأما قولنا: "النعمة التي يتصورها
عند الآخرين" فنعني به أن تلك النعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقية. فطالما
تبين أن الأمور التي تكون بحد ذاتها من النقائص والرذائل، يتصورها الحسود
من النعم والكمالات، فيتمنى زوالها عن الآخرين. أو أن خصلة تعــدّ من
النقائص للإنسان ومن الكمال للحيوان ويكون الحاسد في مرتبة الحيوانية
فيراها كمالاً، ويتمنى زوالها. فهناك بين الناس، مثلا أشخاص يحسبــون
الفتك بالغير وسفك الدماء موهبة عظيمة، فإذا شاهدوا من هو كذلك
حسدوه. أو قد يحسبون سلاطة اللســان وبذاءته من الكمالات،
فيحسدون صاحبها. إذاً، فالمعيار في معرفة هذه الحالة النفسية هو توهّــم
الكمال وتصور وجود النعمة، لا النعمة نفسها، فالذي يرى في الآخرين نعمة
حقيقية كان، أو موهومة ويتمنى زوالها، يعـدّ حسوداً. اعلم أن للحسد
أنواعا ودرجات حسب حال المحسود، وحسب حال الحاسد، وحسب حال
الحسد ذاته. أما من حيث حال المحسود، فمثل أن يحسد شخصاً لما له من
كمالات عقلية، أو خصال حميدة، أو لما يتمتع به من الأعمال الصالحة
والعبادية، أو لأمور [131] خارجية أخرى، مثل امتلاكه المال والجاه والعظمة
والاحتشام وما إلى ذلك، أو أن يحسد على ما يقابل هذه الحالات من حيث
كونها من الكمال الموهوم الموجود في المحســود. أما من حيث حال
الحاسد، فقد ينشأ الحسد أحيانــا من العداوة، أو التكبّر، أو الخوف، وغير
ذلك من الأسباب والعوامل التي سيرد ذكرها فيما بعد. وأما من حيث حال
الحسد نفسه، الذي نستطيع أن نقوله أنها الدرجات والتقــسيمات
الحقيقية، للحسد دون ما سبق ذكره، فلشدته وخفته مراتب كثيرة، تختلف
باختلاف الأسباب، كما تختلف باختلاف الآثار. وسوف نشير، إن شاء الله،
في عدة فصول إلى مفاسد الحسد وعلاجه. قدر استطاعتنا، ومن الله التَّوفيق.
فـصل في ذكر بعض أسباب الحـسد للحسد أسباب كثيرة، يرجع أكثرها
إلى رؤية الذلة في النفس، تماما كمـا أن الكبر، - نوعا - يتم على عكس
ذلك. فكما أن المرء عندما يجد في نفــس كمالاً لا يجده في غيره، تنشأ عنده
حالة من الترفع والتعزز والتعالي في نفسه، فيتكبّر. وإذا لاحظ الكمال في غيره،
انتابته حالة من الذل والانكسار. ولولا وجود عوامل خارجية ولياقات
نفسانية، لنتج من ذلك الحسد. وقد ينشأ من تصور ذله في تساوي غيره معه،
مِثل أن يحسد صاحب الكمال والنعمة مثيله أو الذي يليه. ويمكن القول أن
الحسد هو ذلك الانقباض والذل النفسي اللذان تكون نتيجتهما الرغبة في زوال
النعمة والكمال عن الآخرين. وقـد حصـر بعضهـم - كالعلامة
المجلسـي قدس سره - ( بحار الأنوار، المجلد الثالث والسبعون، ص 240 )
أسباب الحسد في سبعة أمور: الأول: العداوة. لثاني: التعزز: أن يكون من
حيث يعلم أن يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزّة
نفسه. الثالث: الكبر: أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك
عليه [133] بنعمته وهو المراد بالتكبر. الرابع: التعجب: أن تكون النعمة
عظيمة والمنصب كبيراً فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله
تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا: {قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا}(يس15). و{
أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} (المؤمنون47). وأمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن
يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو
المراد بالتعجب. الخامس: الخوف: أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة
بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه. السادس: حب الرئاسة: أن يكون يحّب
الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها. السابع: خبث
الطينة: أن لا يكون بس بب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحّها بالخير
لعباد الله". ولكنني أعتقد كما أشرت إليه سابقا، أن معظم هذه الأسباب بل
كلها تعود إلى رؤية ذل النفس، وإن السبب المباشر لحسد حسب التعريف
المشهور له ما ذكرناه - انبعاث الحسد من رؤية ذل النفس فلا مجال لذكر
هذه الأقسام -. وأما بناءًا على ما ذكرناه في معنى الحسد من أن نفس هذه
الحال تكون حسداً فلا اعتراض على صحة ذكر هذه الأقسام. وعل ى أي
حال يكون البحث حول هذه المعاني بعيداً عن مقصودنا وعن طبيعة
موضوعنا. فصل في بعض مفاسد الحسد اعلم أن الحسد نفسه أحد الأمراض
القلبية المهلكة، ويتولّــد منه أيضاً أمراض قلبية كثيرة، كالكبر
وفســـاد الأعمال وتعدّ كل واحدة منها من الموبقات. وتشكّـــل
سبباً مستقـــلاً لهلاك الإنسان. ولسوف نباشر بذكر المفاسد الواضحة
منها. ولا شك في أن هناك مفاسد خفيّــة عن نظر الكاتب. [134] وأما
مفاسدالحسد فسنكتفي بما نقل عن الصادق المصدق: ففي صحيحة معاوية بن
وهب قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: آفَــةُ الدّيــنِ الحَسَــد
والعُــجْبُ وَالــفَخْرُ"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان
والكفر، باب الحسد، ح 5). وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه
السلام: "إِن الرَّجُــلَ لَيَــأْتى بِأي بادِرَةٍ فَــيُكَــفَّرُ، وَإنَّ
الحَسَــدَ لَيَــأْكُــلُ الإيمان كَمـــا تَــأْكُــلُ النّــار
الحَطَبَ"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح
1 ). ومعلوم أن الإِيمان نور إلهي يجعل القلب موضع تجليات الحق جلّ جلاله،
كما جاء في الأحاديث القدسية: "لا يَسَعُنِي أَرْضي ولا سَمائي بل يَسَعُني
قَلْبُ عبدِي الْمؤمِنِ"( إحياء العلوم، المجلد الثالث، ص 12. إتحاف السادة
المتقين، المجلد السابع ص 234. غوالي اللئالي، المجلد الرابع ص 7). فهذا ا لنور
المعنوي، وهذه البارقة الإلهية التي تجعل القلب أوسع من كل الموجودات،
تتعارض مع هذا الضيق والظلام اللذين تسببهما هذه الرذيلة، رذيلة الحسد. إن
هذه الصفة القبيحة تضغط على القلب وتضيقه فتبدو آثارها في كل كيان
الإنسان، باطنه وظاهره. إنها تصيب القلب بالحزن والكدر، والصدر
بالاختناق والضيق، والوجه بالعبوس والغضب. وهذه الحال تطفئ نور الإيمان،
وتميت قلب الإنسان، وكلما اشتدت ازداد ضعف الإيمان. إن جميع الصفات
المعنوية والظاهرية للمؤمن، تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد في ظاهر
الإنسان وباطنه. إن المؤمن يحسن الظن باللّه تعالى، وهو راض بقسمه الذي
يقسمه بين عباده. أما الحسود فساخط على اللّه تعالى، يشيح بوجهه عن
تقديراته. لقد جاء في الحديث الشريف: إن المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين،
بل هم أعزاء عنده، والحسود بعكس ذلك. المؤمن لا يغلبه حب الدنيا،
والحسود بل إنما و مُبْـــتَلى بشدة حبه للدنيا. والمؤمن لا يداخله خوف ولا
حزن إلا من بارئ الخلق تعالى، أما الحسود فخوفه [135] وحزنه يدوران
حول المحسود. والمؤمن طلق المحيا، وبشراه في وجهه، والحسود مقطب الجبين
عبوس الوجه. والمؤمن متواضع، والحسود متكبر في معظم الحالات. فالحسد،
آفة الإيمان التي تأكله، كما تأكل النار الحطب. ويكفي في شناعة هذه الرذيلة
هو أن الحسد يقضي على الإيمان الذي يعدّ وسيلة النجاة في الآخرة، وباعثا
لحياة القلوب، ويجعل الإنسان مفلساً ومسكيناً. وإن من المفاسد الكبيرة التي لا
تنفك عن الحسد، سخط الحسود على الخالق وولي نعمته وإعراضه عن تقديراته
تعالى. في هذا اليوم أن حجب الطبيعة الدكناء والحجب الحاصلة من انشغالنا
بهذه الطبيعة قد حجبت جميع مشاعرنا، فأعمت أعيننا وأصمت آذاننا، فلا
ندري إننا غاضبون تجاه مالك الملوك ومعرضون عنه ولا نعلم ما هي صورة
هذا الغض ب والإعراض في الملكوت حيث مساكننا الأصلية الدائمية؟ وإنما
يصل إلى أسماعنا قول الإِمام الصادق عليه السلام: "ومَنَ يَـكُ كَذلكَ
فـَلَسْتُ مَنْهُ وَلَيْسَ مِنّي" ولا نفهم ماذا يحمل لنا تبرؤ الحق تعالى منّا
وإعراضه عنّا من مصائب؟ إن من يخرج عن ولاية اللّه ويطرد من ظل راية
أرحم الراحمين لن يكون له أمل في النجاة، ولن يشفع له أحد: {مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}(البقرة/255). من ذا الذي يتقدم ليشفع لمن يسخط
عليه اللّه ويكون خارجاً عن حرز ولايته، وقد انقطع حبل المودة بينه وبين
مالك الرقاب؟ واسوأتاه! واحسرتاه على ما نفعله بأنفسنا! لم يفتأ الأنبياء
والأولياء يصرخون في آذاننا ويريدون إيقاظنا من النوم، ولكننا نزداد غفلة
وشقاءً يوماً بعد يوم. ومن مفاسد هذا الخلق الذميم، كما يقول العلماء، ضيق
القبر وظلمته. إذ أنهم يقولون إن صورة هذا الخق الفاسد الرديء، التي فيها
ضيق نفساني وكدر قلبي، تشبه ضيق القبر وظلمته، إذ أن ضيق القبر أو
اتساعه منوط بضيق الصدر أو انشراحه. روي عن الإمام الصادق عليه
السلام - إلى أن قال -، وَأنَّ رَسولَ اللّه صَلى اللّه عَليه [136] وآله
وسلمَ خَرَجَ فِي جِنَــازَةِ "سَعْــد" وَقَــدْ شَيّعَــهُ سَبْــعُونَ
أًلْفَ مَلَكَ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَليهِ وَآله وسلم رَأسَهُ إلى
السَّــماءِ ثُمّ قالَ: مِثــلُ "سَعْد" يُضمّ؟ قال: قلت جعلت فداك أنّــا
نحدّث إنه كان يِسْــتَخِفُّ بِالْبَولِ فَقال مَعَاذَ اللّه، إنَّما كانَ مِنْ زعّارة في
خُـلُـقِه عَلى أَهْلِهِ ( فروع الكافي، المجلد الثالث، باب المسألة في القبر، ح
6، ص 236 ). إن الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب
بسبب الحسد قلّما يوجد في خلق فاسد آخر. ولى أي حال إن صاحب هذا
الخلق يعيش في الدنيا معذباً مبتلىً، ويكون له في القبر ضيق وظلمه، ويحشر في
الآخرة مسكيناً متألماً. هذه هي مفاسد الحسد نفسه دون المفاسد الخلقية
الأخرى، أو الأعمال الفاسدة الباطلة، التي يمكن أن تتولد عن الحسد،
وقــلّما يتفق أن لا تتولد عن الحسد مفاسد أخرى بل إن عدداً من
السيئات الأخلاقية والأعمال الباطلة الأخرى تكون وليدة الحسد، كالكِبر في
بعض الحالات، كما سبق، والغِيبة، والنميمة، والشتم، والإِيذاء، وغير ذلك
مما هو من الموبقات والمهلكات. فعلى الإنسان العاقل أن يشمّر عن ساعد الجد
لينقذ نفسه من هذا العار وإيمانه من هذه النار المحرقة والآفة الصعبة، وأن ينجو
بنفسه من ضغط الفكر وضيق الصدر في هذه الدنيا - وهما نوعان من العذاب
المرافقان للعمر كلّه - وكذلك من الضيق والظلمة في القبر وفي البرزخ، ومن
غضب اللّه تعالى. على الإنسان أن يفكر قليلاً ليدرك أن أمراً له هذا القدر من
المفسد يجب أن يعالج، مع العلم أن حسدك لن يضر المحسود. فلا تزول نعمته
بمجرد حسدك له، بل يكون له نفع دنيوي وأخروي، وذلك لأن شقائك
وحزنك وأنت عدوه وحاسده يعد نفعاً له. فهو يرى أنه متنعم وأنت معذب
بتنعمه، وهذه نعمة له. فإذا انتبهت لهذه النعمة الثانية التي تتوفر للمحسود
جلبت لنفسك عذاب وضغط فكري آخِرَيْن ويعتبر عذابك هذا نعمة له
وهكذا. وعليه، فإنك تكون دائما في عذاب وشقاء وتعاسة وغمّ، وهو في
نعمة وسرور وانبساط. وفي الآخرة أيضاً يكون حسدك له نفعاً له، وخصوصاً
إذا كان الحسد قد دفع بك إلى الغيبة والافتراء وسائر الرذائل، مما يستوجب
أخذ حسناتك وإعطائها له، فتعود أنت مفلساً، ويزداد هو نعمة وعظمة.
[137] لو أنك أمعنت الفكر في هذه الأمور لأقدمت على تطهير نفسك من
هذه الرذيلة وأنقذت نفسك من هذه المهلكة. ولا تظنن أن الرذائل النفسانية
والخلق الروحية غير ممكنة الزوال ، إن ظنوناً باطلة توحيها إليك النفس
الأمارة والشيطان لكي تنحرف عن سلوك الآخرة وإصلاح النفس. فما دام
الإنسان في دار الزوال وعالم التبدل هذا، فمن المم كن أن يتغيّر في جميع صفاته
وأخلاقه، ومهما تكن صفاته متمكنة، فإنها قابلة للزوال ما دام حياً في هذه
الدنيا، وإنما تختلف صعوبة التصفية وسهولتها نتيجة شدّة هذه الصفات
وخفّتها. ومن المعلوم أن إزالة صفة حديثة الظهور في النفس إنّما يتحقق بقليل
من الجهد والترويض، كالنبتة في أيامها الأولى التي لم ترسل جذورها إلى
الأعماق بعد ولم تتمكن من التربة. ولكن إذا تمكنت تلك الصفة من النفس
وأصبحت من الملكات المستقرة فيها، فإنه يصعب إزالتها، ورغم أن إزالتها
ممكنة، كاقتلاع شجرة ضخمة معمرّة ضربت بجذورها في أعماق التربة،
فكلما تقاعست وأبطأت في مساعيك لاقتلاع جذور المفاسد من قلبك
وروحك، ازداد تعبك وعنائك في اجتثاثها. فيا عيزي؛ إن الوقوف منذ البداية
دون تسرب المفاسد الأخلاقية أو العملية إلى مملكة ظاهرك وباطنك، أيسر
بكثير من إخراجها بعد توغلها، لأن ذلك يتطلب الكثير من العناء والجهد.
وإذا تسربت، فإنك كلما أخرت التصدي لإخراجها، ازداد الجهد المطلوب
منك وضعفت قواك الداخلية. يقول شيخنا الجليل والعارف الكبير الشاه آبادي
( روحي فداه ): إن الإنسان في عز شبابه وقوة فتوته يكون أقدر على الوقوف
بوجه المفاسد الأخلاقية، وأفضل في أداء واجبه الإنساني. فلا تتركوا هذه
القوى تضيع من أيديكم، ويستولي عليكم ضعف الشيخوخة، وعندئذٍ يصعب
عليكم التوفيق في مساعيكم، وحتى لو أنكم وفقتم، فإن ذلك الإصلاح
سوف يتطلب منكم الكثير من المشقة والتعب. وعليه، إذا فكّر الإنسان العاقل
في المفاسد ووجد أنه غير داخل فيها، فإنه يستطيع أن يمنع نفسه من التلوث
بها، وإذا وجد نفسه - لا سمح الـلّه - مبتلاةً بها، فخي ر له أن يسرع في
إصلاح نفسه قبل أن تتجذّر تلك المفاسد فيه، وإذا كانت - لا [138] سمح
اللّه - قد تجذّرت فيه فعليه أن يبذل كل جهد مستطاع في سب يل اقتلاع
تلك الجذور لئلا يصل إلى مرحلة اللاعودة في البرزخ والآخرة، لأنها إذا أعطت
ثمرها، وخرج صاحبها بخلقه الفاسد من هذه الدنيا المتبدلة في هيولاها والمتغيرة
في جوهرها، خرج أمر اقتلاعها من يديه، وهيهات أن يتبدّل خلق من
الأخلاق النفسانية في الآخرة أو في البرزخ. جاء في مضمون حديث عن
رسول الـلّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم، أن الخلود في الجنة أو في النار منوط
بنية الإنسان. فالنوايا الفاسدة، التي هي وليدة الأخلاق والرذيلة، لا يمكن أن
تزول إلا بزوال منشئها. إن الملكات في ذلك العالم تكون على درجة من شدّة
الظهور وقوته بحيث أن زوالها إما لا يكون ممكناً، فيكون صاحبها مخلداً في
النار. وإمّا إذا أمكن بالضغوطات والمشاق والنيان إزالتها، فإن ذلك قد يحدث
ولكن بعد قرون ربوبية. فيا أيها الإنسان العاقل! إن ما يمكن أن تصلحه في
شهر أو في سنة من التعب الق ليل الدنيوي وبمحض اختيارك واضعاً حدّاً
لشقائك في الدنيا والآخرة، لا تهمله لكيلا يوردك موارد الهلاك. فصـل في
بيان جذور المفاسد الخلقيـة سبق القول بأن الإيمان، الذي هو حظ القلب،
غير العلم الذي هو حظ العقل. ثم إن جميع المفاسد الأخلاقية والعملية تنشأ عن
كون القلب غافلاً عن الإيمان، وأن ما يدركه العقل عن طريق البرهان العقلي
أو عن طريق أخبار الأنبياء لم يوصله إلى القلب، ولذلك فالقلب لا يعرف عنه
شيئاً. إن من بين المعارف التي يصدّقها الحكماء والمتكلمون وعامّة الناس من
أهل الشرائع، ولا يشكون فيها أبداً، هو أن ما جرى به قلم الحكيم المطلق
جلّت قدرته من الوجود والكمال ومن بسط النعمة وتقسيم الآجال والأرزاق،
جاء على خير تقدير وأجمل نظام، وهو يت طابق كل التطابق مع المصالح
التامة والنظام الكلي لأتم نظام متصور. ولكن يعبر كل واحد - من الحكماء
والمتكلمين - بلسانه الخاص [139] واصطلاحه الذي يختص بفنه الذي اتخذه
وسيلة لتبيان هذه النعمة الإلهية والحكمة الكاملة. يقول العارف: ظلّ الجميل
جميل على الإطلاق. ويقول الحكيم: النظام العيني المطابق للنظام العلمي خال
من النقص والشرور، والشرور المتوهمة الجزئية هي من أجل إيصال الكائنات
إلى كمالاتها التي تليق بها. ويقول المتكلم وأهل الشرائع: أفعال الحكيم تكون
على أساس من الحكمة والصلاح، وأن أيدي العقول البشرية الجزئية المحدودة
قاصرة عن إدراك المصالح العالية في التقديرات الإلهية. هذا الموضوع يدور على
ألسنة الجميع، وكل ما يستدل على ذلك بأدلة تتناسب مع مدى سعة علمه
وعقله. ولكن بما أنه لم يتعد حدود الأقوال إلى حيث القلوب والأحوال، فإن
ألسنة الاعتراض مطلقة، وأن من لم يكن ه حظ من الإيمان يقوم بتفنيد برهانه
وتكذيب قوله. وعلى هذا الأساس تكون المفاسد الأخلاقية. وليعلم من يحسد
الناس ويتمنى زوال النعمة عن الآخرين، ويحقد في قلبه على أصحاب النعم، أنه
لا إيمان له بأن اللّه عزّ وجل من باب معرفة الصالح أسبغ نعمه على أولئك،
وأن إدراكنا لذلك قاصر. وليعلم أيضاً أنه لا يؤمن بعدل اللّه تعالى ولا يرى
التقسيم عادلاً. إنك في أصول العقائد تقول إن اللّه عادل، وما هذا إلاّ مجرد
لفظة على لسانك. إن الإيمان بالعدل يناقض الحسد. إنك إذا كنت ترى اللّه
عادلاً، لرأيت تقسيمه عادلاً أيضاً. وقد جاء في الحديث الشريف: يقول الـلّه

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:44 PM


عزّ وجل: "إن الحسود يشيح بوجهه عمّا قسمته بين العباد، وهو ساخط
على نعمي". إن القلب يخضع بالفطرة للقسمة العادلة، وينفر بالفطرة كذلك
من العسف والجور. إن الفطرة الإلهية الكامنة في أعماق البشر حب العدل
والرضى به، وكراهة الظلم وعدم ا لانقياد له. فإذا رأى خلاف ذلك فليعلم أن
في المقدمات نقصاً. فإذا سخط على النعمة وأعرض عن القسمة، فذلك لأنه لا
يرى ذلك عدلاً، بل يراه - والعياذ باللّه - جوراً. وليس معناه أنه يرى القسمة
عادلة ثم يعرض عنها، أو أنه يرى الخطة المرسومة مطابقة للنظام الأتم
والمصلحة التامة، ثم يسخط عليها بل يرى أن هذا جور ومغاير للعدل. أسفاً
علينا! إن إيماننا ناقص، ولم تخرج أدلتنا العقلية من نطاق العقل لتصل إلى
حدود القلب. ليس الإيمان بالقول [140] والسماع والمطالعة والمباحثة
والنقاش فحسب وإنما يتطلب أيضاً خلوص النية. إن الباحث عن اللّه يجده لا
محالة، والذي يطلب المعارف يبحث عنها، {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي
الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}(الإسراء72). {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا
لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور40). فصـل في بيان المعالجة العملية لحسـد يوجد
فضلاً عن العلاج العلمي الذي ذكرنا بعضه، العلاج العملي لهذه الرذيلة، وذلك
بأن تتكلف إظهار المحبة للمحسود وترتب الأمور بحيث يكون هدفك هو
معالجة مرضك الباطني. إن نفسك تدعوك لإيذائه واعتباره عدواً، وتكشف لك
عن مساوئه ومفاسده. ولكن عليك أن تعمل خلافاً لما تريده النفس، وأن
تترحم عليه وتحترمه وتجلّه. وأحمل لسانك على أن يذكر محاسنه، وأعرض
أعماله الصالحة على نفسك وعلى الآخرين، وتذكّر صفاته الجميلة. صحيح أن
هذا سوف يكون متكلفاً في بادئ الأمر ومن باب المجاز دون الحقيقة ولكن لما
أن الهدف هو إصلاح النفس وإزالة هذه المنقصة والرذيلة، فإن نفسك سوف
تقترب في النهاية من الحقيقة، ويخف تكلفك شيئاً فشيئاً، وترجع نفسك إلى
حالها الطبيعي وتصبح ذات واقعية. قل لنفسك، على الأقل: إن هذا الإنسان
عبد من عباد اللّه، ولعل اللّه نظر إليه نظرة لطف فأنعم عليه بما أنعم، خصّه د
ون غيره بها، خصوصاً إذا كان المحسود من رجال العلم والدين، وأنه
محسـود على ذلك، فإن مثل هذا الحسد يكون أقــبح، ومعاداة أمثال هؤلاء
أسوأ عاقبة. ولا بُــدَّ من تفهيم النفس بأن هؤلاء هم من عباد اللّه
المُـخْـلَـصِين الذين شملهم توفيق منه، ووهبهم هذه النعم العظيمة. وهي نعم
يجب أن تبعث في القلوب المحبة لهم واحترامهم والخضوع لهم. فإذا رأى أن
هذه الأمور التي يجب أن تكون دافعاً على المحبة والاحترام توجب نقيض ذلك
فعليه أن يعلم أن الشقاء قد اكتنفه من كل جانب، وأن الظلام قد أحاط
[141] بباطنه، فلا بُــدَّ أن يبادر إلى إصلاح نفسه بالطرق العلمية
والعملية. وليعلم أنه إذا اتخذ طريق المحبة فإنه سرعان ما يكون موفقا، لأن نور
المحبة قاهر للظلمة ومزيل للكدر، ولقد وعد اللّه تعالى المجاهدين أن يهديهم
وأن يعينهم بلطفه الخفي ويوفقهم. إنّه وليّ التوفيق والهداية. فصـل في ذكـر
حــيـث الــرفـع اعلم أن ه ورد في بعض الأحاديث الشريفة ما
مضمونه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال: إن اللّه رفع عن أمتي
تسع... ومنها الحسد إذا لم يظهر من خلال يده أو لسانه. ومن المعلوم أنه يجب
أن لا تَــحُولَ أمثال هذا الحديث الشريف دون المساعي الجادة لقلع هذه
الشجرة الخبيثة من النفس، ولا تمنع المحاولات المبذولة في سبيل تطهير الروح من
هذه النار التي تحرق الإيمان، ومن هذه الآفة التي تقضي عليه، لأنه يندر أن
تدخل هذه الرذيلة المفسدة إلى نفس إنسان ولا تتوالد فيها المفاسد المختلفة، ثم
لا يظهر أثرها أبدا، ويحافظ على إيمان الإنسان. مع أنه قد ورد في الأحاديث
الصحيحة أن هذه الصفة تأكل الإيمان، وإنها آفة الإيمان، وأن اللّه تعالى بريء
من صاحبها، وإنه مطرود من حضرته، فيجب أن لا يغفل الإنسان عن مثل هذا
الأمر الخطير والفساد الكبير الذي يهدد كل وجوده وطاقاته، م تمسكاً
بالتفسير الظاهري لهذا الحديث الشريف. عليك إذاً، أن تقــوم جاهـداً،
بتقليـم فروع الحسد، والسعي لإصلاح النفس، ولا تدع شيئاً منه يترشح إلى
الخارج، وعندئذٍ تضعف جذوره، ويقف نموه. وإذا وافتك المنية وأنت ماضٍ في
سبيل الإصلاح والترويض للنفس، فإن رحمة اللّه سوف تشملك، ولسوف
ينالك العفو برحمة اللّه الواسعة وببركة الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه وآله
وسلم، وإذا بقيت منه باقية فإن بوارق الرحمة الإلهية سوف تحرقها وتطهّر
النفس وتزكّيها. أما ما جاء في رواية حمزة بن حمران، عن أبي عبداللّه عليه
السلام أنه [142] قال: "ثَلاثَـــةٌ لَمْ يَـنْجُ مِنْها نَبِيٌّ فَمَنْ دُونَهُ فِي
الوَسْوَسَةِ فِي الْـخَلْـقِ والطِّيرَةُ والحَـسَدُ إِلاّ أنَّ المُؤْمِنَ لا يَسْتَعْمِلُ
حَـسَدَهُ"( وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الحسد،
ح 8 ) فإنه إما يكون من باب المالغة الدالة على كثرة الابتلاء بها، وإما أن
يكون التعبير كناية عن كثرة الابتلاء دون أن يكون القصد هو مضمون الكلام
بذاته، وإما أنه اعتبر الحسد أعم من الغبطة، من باب المجاز، وإما أنه يقصد
بالحسد تمنّي زوال بعض النعم المستعملة لدى الكفار في ترويج مذهبهم الباطل.
وإلا فإن الأنبياء والأولياء مطّهرون من الحسد بمعناه الحقيقي. إن القلب الملوث
بالمساوئ الأخلاقية والقذارات الباطنية لا يمكن أن يهبط عليه الوحي والإلهام،
ولا يكون موطن التجليات الذاتية والصفاتية. إذاً، لا بُــدَّ أن يفسر هذا
الحديث بحسب ما ذكر، أو بشكل آخر، أو يرد علمه إلى قائلة صلوات اللّه
عليه. والحمد لله أولاً وآخراً. [143] الحَـــــديث
السَــــادِس "من أصبح وأمسى والدنيا أو الآخِرة أكـبر همـّه"
[144] بالسند المتَّصل إلى محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن
محمّد، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن س نان وعبدالعزيز العبدي، عن
عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "مَنْ أَصْبَــحَ
وأَمْسى وَالدُّنْـــيَا أَكْبَرُ هَمَّه، جَعَــلَ اللَّــهُ الفَقْـــرَ بَيْنَ
عَيــنَــيْــهِ وَشَتَّــتَ أَمْــرَهُ وَلَــمْ يَنَــلْ مِنَ الدُّنْــيَا
إلاّ مَـــا قُسِمَ لَــهُ وَمَنْ أَصْبَحَ وَأمْــسَى وَالآخِـرَةُ أَكْبَــرُ
هَمَّــه، جَعَــلَ اللَّــهُ الغِنَى فِي قَلْبِــهِ وَجَمَــعَ لَهُ أَمْــرَهُ"(
أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حب الدنيا، ح 15 ).
[145] الشرح: اعلمِ أن للدنيا والآخرة اطلاقات حسب آراء أرباب العلوم
ولدى مقاييس معارفهم وعلومهم ولا يكون البحث عن حقيقتها على ضوء
المصطلحات العلمية بمهمة لدينا، فإن بذل الجهد في فهم الاصطلاحات والرد
والقبول والجرح والتعديل يحول دون بلوغ القصد. وإنما المهم في هذا الباب
هم فهم الدنياالمذمومة التي على طالب الآخرة أن يتحرز منها. وما يعين
الإنسان على النجاة، وسوف نبين ذلك إنشاء الله في بضعة فصول، ونسأل
الـلّه تعالى التوفيق في سلوك هذا الطريق. فصل في بيان كلام مولانا المجلسي -
رحمة اللّه عليه - في حقيقة الدنيا المذمومة يقول المحقق الخبير والمحدث المنقطع
النظير مولانا المجلسي رحمة اللّه عليه: ( فاعلم أن الذي يظهر من مجموع
الآيات والأخبار على ما نفهمه أن الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور تمنع
الإنسان من طاعة الـلّه وحبه وتحصيل الآخرة، فالدنيا والآخرة، ضرّتان
متقابلتان فكلما يوجب رضى الله سبحانه وقربه فهو من الآخرة، وإن كان
بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات والصناعات والزراعات التي يكون
المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال لأمره تعالى به وصرفها [146] في وجوه
البر، وإعانة المحتاجين، والصدقات، وصون الوجه عن السؤال وأمثال ذلك،
فإن هذه كل ها من أعمال الآخرة وإن كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا.
والرياضات المبتدعة والأعمال الريائية، وإن كان مع الترهب وأنواع المشقة فإنها
من الدنيا لأنها مما يبعد عن الله ولا يوجب القرب إليه كأعمال الكفار
والمخالفين ) انتهى كلامه ( بحار الأنوار، المجلد 73، باب حب الدنيا، ص 63
). ونقل المجلسي - رحمه اللّه - عن أحد المحققين: "دنياك وآخرتك عبارة
عن حالتين من أحوال قلبك، والقريب الداني منهما يسمى الدنيا وهي كل ما
قبل الموت، والمتراخي المتأخر يسمى آخرة، وهي ما بعد الموت. فكل مالك فيه
حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذ ة في عاجل قبل الوفاة، فهي الدنيا في
حقك..."( بحار الأنوار، المجلد 73، باب حب الدنيا، ص 25 ). يقول الفقير
إلى الله: إن الدنيا مرة تطلق على نشأة الوجود النازلة والتي هي دار تصرّم
وتغيّر ومجاز، والآخرة تطلق على الرجوع من هذه النشأة إلى ملكوت الإنسان
وباطنه والتي ه دار بقاء وخلود وقرار. وهاتان النشأتان متحققتان لكل نفس
من النفوس وشخص من الأشخاص. وعلى العموم، لكل كائن مقام ظهور
وملك وشهود. وتلك هي مرتبته النازلة الدنيوية. ومقام باطني، وملكوت
غيبي، وهي النشأة الصاعدة الأخروية. وهذه النشأة النازلة الدنيوية وإن كانت
ناقصة بذاتها وإنها آخر مراتب الوجود، ولكن لما كانت مهد تربية النفوس
القدسية، ودار تحصيل المقامات العالية، ومزرعة الآخرة، فإنها من أحسن
مشاهد الوجود وأعز النشآت، وهي المغنم الأفضل عند الأولياء وأهل سلوك
الآخرة. ولولا هذه الأمور الملكيّة والتغييرات والحركات الجوهرية، الطبيعية
والإرادية، ولولا أن يسلط الـلّه تعالى على هذه النشأة التبدّلات والتصرّمات،
لما وصل أحد من ذوي النفوس الناقصة إلى حد كماله الموعود ودار قراره
وثباته، ولحصل النقص الكلي في الملك والملكوت. [147] إن ما ورد في
القرآن والأحاديث عن ذم هذه الد نيا، لا يكون عائدا في الحقيقة إلى الدنيا من
حيث نوعها أو كثرتها، بل يعود إلى التوجه نحوها وانشداد القلب بها ومحبتها.
وعليه، يتبين من ذ لك أن أمام الإنسان دنياءان: دنيا ممدوحة ودنيا مذمومة.
فالممدوح هو الحصول في هذه النشأة وهي دار التربية ودار التحصيل ومحل
التجارة لنيل المقامات واكتساب الكمالات والإعداد لحياة أبدية سعيدة، مما لا
يمكن الحصول عليه دون الدخول إلى هذه الدنيا، كما جاء في خطبة لمولى
الموحدين أمير المؤمنين علي عليه السلام ردا على من ذم الدنيا: "... إنّ الدُّنْيَا
دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَها، وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ
مِنْهَا، وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنْ اتّعـَظَ بِهَا. مَسْجِدُ أحِبّاءِ اللّهِ، وَمُصَلّى مَلائِكَةِ اللَّهِ،
وَمَهْبـَطُ وَحْي اللَّهِ، وَمَتْجَرُ أوْلِيَاءِ اللَّهِ. اكْتَسَبُوا فِهَا الَّحْمَةَ، وَرَبَحُوا فِيهَا
الجَنَّةَ ..."( نهج البلاغة، الحكمة رقم 131 ( الشيخ صبحي الصالح ) ) وقال
تعالى:{... وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}(النحل30). وهي دار الدنيا حسب ما ورد في
تفسير العيّاشي عن الإمام الباقر عليه السلام. وعليه، فإن عالم الملك، وهو
مظهر الجمال والجلال وحضرة الشهادة المطلقة، ليس مذموماً بهذا المعنى، بل
المذموم هو دنيا الإنسان نفسه، أي التوجه إليها والتعلق بها وحبها، وهذا هو
منشأ كلّ المفاسد والخطايا القلبية والظاهرية. كما جاء في كتاب الكافي
الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: قال عليه السلام: "رَأْسُ كُلّ خَطِيئَةٍ
حُبُّ الدُّنْيَا"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب حب
الدنيا، ح1 و 3 ). وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "مَا ذِئْـــبَانِ
ضَارِيَان فِي غَنَمٍ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ هذا في أَوَّلِهَا وَهذا في آخِرِ هَا بِأَسْــرَعَ
فِيهَا مِنْ حُبِّ الـــمَالِ وَالشَّــرَفِ فِي دينِ المُــؤْمِنِ"( نهج البلاغة
- الخطبة 5 - ( الشيخ صبحي الصالح ). فتعلق القلب بالدنيا وحبها، هو
الدنيا المذمومة. وكلما كان التعلق بها أشد كان الحجاب بين الإنسان ودار
الكرامة، والحاجز بين القلب والحق سبحانه، [148] أسمك وأغلظ. وإن ما
جاء في الأحاديث الشريفة من أن لله سبعين ألف حجاب من النور والظلمة،
يمكن أن يكون المقصود من حجب الظلمة هذه الميول والتعلقات القلبية نحو
الدنيا. فكلما كان التعلق بالدنيا أقوى، كان عدد الحجب أكثر، وكلما كان
الحب لها أشد، كان الحجب أغلظ واختراقها أصعب. فصل في بيان سبب
ازدياد حب الدنيا اعلم أنه ولما كان الإنسان وليد هذه الدنيا الطبيعية، وهي
أمه، وهو ابن هذا الماء والتراب، فإن حب الدنيا يكون مغروساً في قلبه منذ
مطلع نشوئه ونموه، وكلما كبر في العمر، كبر هذا الحب في قبه ونما. وبما وهبه
الـلّه من القوى الشهوانية ووسائل التلذذ للحفاظ على ذاته وعلى البشرية،
يزداد حبه ويقوى تعلقه، ويظن أنّ الدنيا إنّما هي دار اللذات وإشباع الرغبات،
ويرى في الموت قاطعاً لتلك ا للذات، وحتى لو كان يعرف من أدلة الحكماء
أو أخبار الأنبياء صلوات اللّه عليهم أن هناك عالماً أخروياً فإن قلبه يبقى غافلاً
عن كيفية عالم الآخرة وحالاته وكمالاته ولا يتقبله، فضلاً عن بلوغه مقام
الاطمئنان. ولهذا يزداد حبّه وتعلقه بهذه الدنيا. وبما أن حب البقاء فِطري في
الإنسان، فهو يكره الزوال والفناء، ويظن أن الموت، فناء. ولو أنه آمن بعقله
بأن هذه الدنيا دار فناء ودار ممر، وأن العالم الآخر عالم بقاء سرمدي، فما دام
إيمانه العقلي هذا يكون موجوداً، ولم يدخل الإيمان قلب، بل ولم يحصل
الاطمئنان الذي هو المرتبة الكاملة للإيمان القلبي. فهو لا يزال يميل فطرةً، إلى
الدنيا والبقا ء فيها كما طلب إبراهيم خليل الرحمن من الحق المتعال هذا
الاطمئنان، فأنعم به عليه. إذاً، إما أن القلوب لا تؤمن بالآخرة، مثل قلوبنا،
وإن كنا نصدق بها تصديقاً عقلياً، وإما أنها لا اطمئنان فيها، فيكون حب
البقاء في هذا العالم، وكراهة الموت والخروج من هذا العالم في القلب موجوداً.
ولو أدركت القلوب أن هذه الدنيا هي أدنى العوالم، وأنها دار الفناء والزوال
والتصرم والتغيّر، وأنها دار الهلاك ودار النقص، وأن العوالم الأخرى التي تكون
بعد الموت عوالم باقية وأبدية، وأنها دار كمال وثبات وحياة وبهجة وسرور،
لحصل فيها بالفطرة حب تلك العوالم، ولنفرت من هذه الدنيا. ولو ارتفع
الإنسان عن هذا [149] العالم ووصل إلى مقام الشهادة والوجدان ورأى
الصورة الباطنية لهذا العالم وللتعلق به، والصورة الباطنية لذلك العالم - عالم
الآخرة - والتعلق به، لأصبح هذا العالم ثقيلاً عليه، وغصّة في حلقه ولنفر منه،
واشتاق للتخلص من هذا السجن المظلم ومن سلسلة قيود الزمان والتغير. كما
جاء في كثير من كلام الأولياء. يقول الإمام علي عليه السلام: "وَاللَّهِ لابْنُ
أَبِي طَالِبٍ آنـَسُ بِالمَوْتِ مِنَ الطِّفـْلِ بِثَـدْيِ أُمِّهِ"( نهج البلاغة - الخطبة
5 - ( الشيخ صبحي الصالح ). ذلك لأنه رأى بعين الولاية حقيقة هذه الدنيا،
فلا يؤثر على مجاورة رحمة الحق المتعال شيءٌ أبداً. ولولا المصالح لما ثبتت
نفوسهم الطاهرة، لحظة واحدة في سجن الطبيعة المظلمة. إن الوقوع في الكثرة،
ونشأة الظهور والاشتغال بالتدبرات المُلكية بل التأييدات الملكوتية، يعدّ كل
ذلك للمحبين والمنجذبين، ألم وعذاب ليس بقدورنا أن نتصورهما. إن أكثر
أنين الأولياء إنما هو ألم فراق المحبوب والبعد عن كرامته، كما أشاروا إلى ذلك
بأنفسهم في مناجاتهم، على الرغم من أنهم لا يحجبهم حجاب مُلكي أو
ملكوتي، وقد اجتازوا ج حيم الطبيعة الذي كان خامداً غير مستعر، وقد خلوا
من التعلق بالدنيا وتطهرت قلوبهم من الخطيئة الطبيعية. إلاّ أن الوقوع في عالم
الطبيعة هو بذاته تلذذ طبيعي وقسري، مما كان يحصل لهم، ولو بأقل مقدار،
فكان ذلك من باب الحجاب. وفي ذلك ي قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله وسلم: "لَيُرَانُ عـَلَى قَلْبِي وإنّي لأَسْــتَغفِرُ اللّه فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعينَ
مَرَّةً"(نهاية ابن أثير، ص 180، ج 3. الجامع الصغير، ج 1 ص 103.
صحيح مسلم، ج 8 ص 72 ). ولعل خطيئة آدم أبي البشر نجمت عن هذا
التوجه القسري نحو تدبير المُلِك والحاجة الاضطرارية إلى القمح وسائر الأمور
الطبيعية، وهذه خطيئة بالنسبة إلى أولياء الـلّه والمنجذبين إليه. ولو بقى آدم
عليه السلام في ذلك الانجذاب الإلهي، ولم ي دخل في قضية المُلك، لما حدث
كل هذا الشقاء والعناء في الدنيا والآخرة. [150] فصل في بيان تأثير
الحظوظالدنيوية في القلب ومفاسده اعلم أن ما تناله النفس من حظ في هذه
الدنيا، يترك أثراً في القلب، وهو من تأثير الملك والطبيعة، وهو السبب في تعلقه
بالدنيا. وكلّما ازداد التلذذ بالدنيا، اشتد تأثر القلب وتعلقه بها وحبه لها، إلى
أن يتجه القلب كـُلّياً نحو الدنيا وزخارفها، وهذا يبعث على الكثير من
المفاسد. إن جميع خطايا الإنسان وابتلاءه بالمعاصي والسيئات سببها هذا الحب
للدنيا والتعلق بها كما ورد في الحديث الذي أوردناه من كتاب أصول الكافي
قبل قليل. وإن من المفاسد الكبيرة لحب الدنيا - كما كان يقول شيخنا
العارف (روحي فداه)- هو أنه إذا انطبع حب الدنيا على صفحة قلب
الإنسان، واشتد الأنس بها، انكشف له عند الموت أن الحق المتعال يفصل بينه
وبين محبوبه، ويفرّق بينه وبين مطلوبه، فيغادر الدنيا ساخطاً مغتاظاً على ولي
نعمته. إن هذا القول القاصم للظهر يجب أن يوقظ الإنسان أيّما إي قاظ
للحفاظ على قلبه. فالعياذ باللّه من إنسان يسخط على ولي نعمته، مالك الملوك
الحق، إذ ليس أحد يعرف صورة هذا السخط والعداء، غير اللّه تعالى. ويقول
أيضاً شيخنا المعظم - دام ظله - نقلاً عن أبيه المعظم، إنه كان في أواخر
عمره خائفاً بسبب المحبة التي كان يكنّها لأحد أولاده، ولكنه بعد الانهماك

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'

الصورة الرمزية Dr.Zahra
Dr.Zahra
شيعي حسيني
رقم العضوية : 429
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 12,843
بمعدل : 1.89 يوميا

Dr.Zahra غير متصل

 عرض البوم صور Dr.Zahra

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : Dr.Zahra المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-11-2007 الساعة : 08:47 PM


بالرياضات النفسية تخلص من ذلك الخوف، وانتقل إلى دار السرور مسروراً،
رضوان الـلّه عليه. جاء في "الكافي" بإسناده عن طلحة بن زيد، عن أبي
عبدالله عليه السّلام قال: "مَثَلُ الدُّنيا كَمَثـَلِ ماءِ البحرِ كُلَّما شَرِبَ مِنْهُ
العطشانُ ازدادَ عَطَشاً حَتَّى يقتل"(أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان
والكفر، باب ذم الدنيا ح 54 ). إن حب الدنيا ينتهي بالإنسان إلى الهلاك
الأبدي، وهو أصل البلايا والسيّئات الباطنية والظاهرية وقد نقل عن رسول
الـلّه صلّى الـلّه عليه وآله وسلم قول: "إِنَّ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ أَهْلَـكَا مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ، وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ". [151] وعلى فرض أن الإنسان لم يرتكب
معاصي أخرى - على الرغم من أن هذا الفرض بعيد، أو من المستحيل عادة -
فإن التعلق بالدنيا نفسه معصية، بل أن مقياس طول بقاء الإنسان في عالم القبر
والبرزخ هو أمثال هذه التعلقات. فكلّما كان التعلق بالدنيا أقل كان البرزخ
وقبر الإنسان أكثر نوراً وأوسع، ومكثه فيه أقصر. لذلك فقد ورد في بعض
الروايات: إن عالم القبر لأولياء الله لا يزيد عن ثلاثة أيام، وإنّما كان هذا
لأجل التعلق الطبيعي والعلاقة الجِبِلّية لأولياء الـلّه تجاه العالم. وإن من مفاسد
حب الدنيا والتعلّق بها هو أنه يجعل الإنسان يخاف الموت. وهذا الخوف
الناشئ من حب الدنيا، والتع لق القلبي بها المذموم جداً. غير الخوف من المرجع
- مآل الإنسان بعد الموت - المعدود من صفات المؤمنين. إن أهم صعوبة في
الموت هي ضغوطات لرفع هذه العلائق، والخوف من الموت. يقول المحقق
المدقق الإسلامي البارع، السيد العظيم الشأن، الداماد، كرّم اللّه وجهه، في
كتابه "القبسات" الذي يعد من الكتب النادرة: "لاَ يُخيِفنك الموتُ، فإنَّ
مَرارَته في خوفه"(قبسات ميرداماد، ص 72). ومن المفاسد الكبيرة لحب الدنيا
أنه يمنع الإنسان من الرياضات الشرعية والعبادات والمناسك، ويُقويّ جانب
الطبيعة في الإنسان بحيث يجعلها تعصي الروح وتتمرد عليها ويوهن عزم
الإنسان وإرادته، مع أن من أكبر أسرار العبادات والرياضات الشرعية هو أن
تجعل الجسم وقواه الطبيعية تابعة ومنقادة للروح بحيث يكون للإرادة دوراً مؤثراً
في الجسم ويخضع الجسم لأوامر الإرادة فيعمل ما تشاء، ويمتنع عمّا تشاء،
ويصبح مُلك الجسم وقواه الظاهرة مقهوراً ومسخّراً للملكوت بحيث أنه يقوم
بما يريد من دون مشقة ولا عناء. إن من الفضائل والأسرارالشاقة والصعبة
للعبادات تحقق هذا الهدف - تسخير مُلك الجسم للملكوت - أكثر حيث
يصير الإنسان بذلك ذا عزم، ويتغلب إلى الطبيعة والملك. فإذا اكتملت الإرادة
وقوي العزم واشتد، أصبح كمَــثَل الجسم وقواه الظاهرة والباطنة مَثَل
ملائكة اللّه الذين لا يعصون الله وإنما يطيعونه [152] في كل ما يأمرهم به
وينهاهم عنه، من دون أن يعانوا في ذلك عنتاً ولا مشقة. كذلك إذا أصبحت
قوى الإِنسان مسخّرة للروح، زال كل تكلف وتعب وتحوّل إلى الراحة
واليسر، واستسلمت أقاليم الملك السبعة للملكوت وأصبحت جميع القوى
عمّالاً له. فاعلم، يا عزيزي، أن العزم والإرادة القوية لذلك العالم ضروريان
وذات فعالية. إن البلوغ لأحد مراتب الجنة والذي يُعدّ من أفضلها هو العزم
والإرادة. فالإنسان الذي ليست له إرادة نافذة ولا عزم قوي لا ينال تلك الجنة
ولا ذلك المقام الرفيع. جاء في الحديث، أن أهل الجنة عندما يستقر ون فيها،
تنزل عليهم رسالة من ساحة القدس الإلهي جلّت عظمته بهذا المضمون: "هذه
رسالة من الحي الثابت الخالد إلى الحي الثابت الخالد إلى الحي الثابت الخالد. أنا
الذي أقول للشيء: كن، فيكون. وقد جعلتك اليوم أيضاً في مستوىً إذا أمرت
الشي: وقلت له كن، فيكون". فلاحظ أي مقام و سلطان هذا؟ وأية قدرة
إلهية هذه التي تجعل إرادة الإِنسان مظهراً لإرادة اللّه! فــيُلبس العدم لباس
الوجود؟ هذه القدرة وهذا النفوذ هما أفضل وأرفع من كل النعم الجسمانية.
وبديهي، أن تلك الرسالة لم تكتب عبثاً وجزافاً. إن من كانت إرادته تابعة
للشهوات الحيوانية، وعزيمته ميته خامدة، لا يصل إلى هذا المقام. إن أعمال اللّه
منزّهة عن العبث. فكما أن هذا العالم قائم على النظام والترتيب، على الأسباب
والمسببات، كذلك هي الحال في العالم الآخر، بل إن العالم الآخر ألْيَق بالنظام
والأسباب والمسببات، وإن جميع نظا عالم الآخرة ينبعث من المناسبات
والأسباب، وإن نفوذ الإرادة يجب أن يتهيأ من هذا العالم، فإن الدنيا مزرعة
الآخرة وإن هذا العالم مادة لكل نعم الجنة ونقم النار. إذاً، كل عبادة من
العبادات وكل منسكٍ من المناسك الشرعية، فضلاً عن إن لها صورة أخروية
وملكوتية، وبها يتم عمارة الجنة الجسمانية وقصورها، وتهيئة الغلمان والحور
- طبقاً للبراهين والأحاديث - فإن لكل عبادة من العبادات أيضاً أثراً يحصل في
النفس، مما يقوّي الإِرادة شيئاً فشيئاً ويصل بقدرتها إلى حد الكمال. [153]
لذلك كلّما كانت العبادات أشق كانت أرغب: "أَفْضَــلُ الأَعْمَــالِ
أَحْــمَزُهَا"(نهاية ابن الأثير، المجلد الأول، ص 440، مادة"همز"أهمزها أي
أقواها وأشدّها ). فالتنازل عن النوم اللذيذ في ليل الشتاء البارد، والانصراف
إلى عبادة الحق المتعـال، يزيد من قوة الروح وتغلبها على قوى الجسم، ويقوّي
الإرادة. وإذا ك ان هذا في أول الأمر على شيءٍ من المشقة والعناء، فإن ذلك
يخف تدريجاً كلّما واصل العبادة، وازدادت طاعة الجسم للنفس. إذ أننا نلاحظ
أن أهل العبادة يقومون بالأعمال دون مشقة وتكلف. أما نحن فشعورنا
بالكسل وبالمشقة ناشئ من أننا لا نبدأ بالعمل. فلو إننا بدأنا العمل وكررناه
عدة مرات، لتبدلت مشقته إلى راحة، بل إن أهلها يلتذون بها أكثر مما نلتذ نحن
بمشتهيات الدنيا. إذاً، الأمر يصبح عادياً بالتكرار. والخير عادة. ولهذه العبادة
ثمرات، منها: أن صورة العمل نفسه تصبح على قدر من الجمال في ذلك العالم
لا يكون له نظير في هذا العالم، ونكون عاجزين عن تصور مثلها. ومنها: أن
النفس تصبح ذات عزم واقتدار، فتكون لها نتائج كثيرة، وقد سمعت واحدة
منها. ومنها: أيضاً أنها تجعل الإِنسان يأنس بالذكر والفكر والعبادة، فإن المجاز
قد يقرّب الإنسان إلى الحقيقة، فيتوجه القلب إلى مالك الملوك، وتحل المحبة
لجمال المحبوب الحقيقي، ويخفّ تعلق القلب وحبه للدنيا والآخرة. إذ لو
حصلت الجاذبية الربوبية والحال الخاصة، لأمكن إدراك حقيقة العبادة والسر
الحقيقي للتذكر والتفكر، ولسقط كِلا العالمين- الدنيا والآخرة - من نظره،
ولأذهب تجلّي الحبيب غبار الرؤية الإثنينيّة من القلب ولا يعر ف أحد سوى
الـلّه الكرامة المعطاة لمثل هذا العبد؟ وكما يقوى عزم الإِنسان بالرياضات
الشرعية والعبادات والمناسك وترك الرغبات ويصبح الإنسان ذا عزم وإرادة،
فكذلك في المعاصي تتغلب الطبيعة لدى الإنسان وتضعف إرادته وعزمه. كما
سبق ذكر شيء منه. [154] فصــــــل الإنسان بفطرته يحب
الكمال التّام المطلق لا يخفى على كل ذي وجدان أن الإنسـان، بحسب
فطرته الأصيلة وجبلّته الذاتية، يعشق الكمال التام المطلق، ويتوجه قل به شطر
الجميل على الإطلاق والكامل من جميع الوجوه. وهذا من فطرة الله التي فطر
الناس علي ها وبهذا الحب للكمال، تتوفر إرادة المُلك والملكوت، وتتحقق
أسباب وصول عشّاق الجمال المطلق إلى معشوقهم. غير أن كل امرئ يرى
الكمال في شيء ما، حسب حاله ومقامه، فيتوجه قلبه إليه. فأهل الآخرة يرون
الكمال في مقامات الآخرة ودرجاتها، فقلوبهم متوجهة إليها. وأهل اللّه يرون
الكمال في جمال الحق، والجمال في كماله سبحانه يقولون {إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ }(الأنعام//79). ويقولون: "لي مَعَ
اللَّهِ حال"( إشارة إلى الحديث المشهور المنقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وآله وسلم ( لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ) راجع
كتاب أحاديث المنوي ) وفيهم حب وصاله وعشق جماله. وأهل الدنيا عندما
رأوا أن الكمال في لذائذها، وتـبيّن لأعينهم جمالها، اتجهوا فطرياً نحوها. ولكن
على الرغم من كل ذلك، فإنه لمّا كانَ التوجه الفطري والعشق لذاتي قد تعلقا
بالكمال المطلق، كان ما عدا ذلك من التعلقات عرضياً ومن باب الخطأ في
التطبيق. إن الإنسان مهما كثر مُلكه وملكوته، ومهما نال من الكمالات
النفسية أو الكنوز الدنيوية أو الجاه والسلطان، ازداد اشتياقه شدّه، ونار عشقه
التهاباً. فصاحب الشهوة، كلّما ازدادت أمامه المشتهيات، ازداد تعلق قلبه
بمشتهيات أخرى ليست في متناول يده، واشتدّت نار شوقه إليها. وكذلك
النفس التي تطلب الرئاسة، فهي عندما تبسط لواء قدرتها على قطر من الأقطار،
تتوجه بنظرة طامعة إلى آخر، بل لو أنها سيطرت على الكرة الأرضية برمتها،
لرغبت في التحليق نحو الكرات الأخرى للاستيلاء عليها. إلاّ أن هذه النفس
المسكينة لا تدري بأن الفطرة إنّما تتطلع إلى شيءٍ آخر. إن العشق الفطري
الجبلّي يتجه إلى المحبوب المطلق، إن جميع الحركات [155] الجوهرية
والطبيعية والإرادية، وجميع التوجهات القلبية والميول النفسية تتوجه نحو جمال
الجميل الأعلى على الإِطلاق، ولكنهم لا يعلمون، فينحرفـون بهذا الحب
والعشق والاشتياق - التي هي براق المعراج وأجنحة الوصول - إلى وجهة هي
خلاف وجهتها، فيحرّروها ويقيدوها بلا فائدة. لقد بعدنا عن القصد، وهو
أنه لمّا كان الإنسان متوجهاً قلبياً إلى الكمال المطلق، فإنه مهما جمع من زخرف
الحياة فإن قلبه يزداد تعلقاً بها. فإذا اعتقد أن الدنيا وزخارفها هي الكمال
ازداد ولعه بها، واشتدت حاجته إليها، وتجلّى أمام بصره فقره إليها. بعكس
أهل الآخرة الذين أشاحوا بوجوههم عن الدنيا، فكلّما ازداد توجههم نحو
الآخرة، قلّ التفاتهم واهتمامهم بهذه الدنيا، وتلاشت حاجتهم إليها، وظهر
في قلوبهم الغِنى، وزهدوا في الدنيا وزخارفها. كما أن أهل الله مستغنون عن
كلا العالمين ( الدنيا والآخرة )، متحررون من كلتا النشأتين وكل حاجتهم
نحو الغنى المطلق، متجلّياً الغِنَى بالذات في قوبهم، فهنيئاً لهم. إذاً، مضمون
الحديث الشريف يمكن أن يكون إشارة لما مرّ شرحه من قوله: مَنْ أَصْبَحَ
وَأَمْسَى وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللَّهُ الفقرَ بَيْنَ عَيْـنَيْهِ، وَشَتَّتَ أَمْرَه، وَلَمْ يَنَلْ
مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قـُسِمَ لَهُ، وَمَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَالآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللَّهُ
الغِنَى فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ أَمْرَهُ". ومن المعلوم، أن من يتجه قلبه إلى الآخرة،
تغدو أمور الدنيا وصعابها في نظره حقيرة سهلة، ويجد هذه الدنيا متصرّمة،
ومتغيرة، ويراها معبراً ومتجراً وداراً للابتلاء والتربية، ولا يهتم بما فيها من ألم
وسرور، فتخف حاجاته ويقل افتقاره إلى أمور الدنيا وإلى الناس، بل يصل إلى
حيث لا تبقى له حاجة، فيجتمع له أمره، وتنتظم أعماله، ويفوز بالغِنى الذاتي
والقلبي. إذاً، كلّما نظرتَ إلى هذه الدن يا بعين المحبة والتعظيم، وتعلق قلبَك
بهـا، ازدادت حاجتك بحسب درجات حبك لها، وبان الفقر في باطنك
وعلى ظاهرك، وتشتـتّت أمورك واضطربت، وتزلزل قلبك، واستولى عليه
الخوف والهم، ولا تجري أمورك كما تشتهي، وتكثر تمنياتك ويزداد جشعك،
ويغلبك الغم والتحسر، ويتمكن اليأس من قلبك والحيرة، كما وردت الإشارة
إلى بعض ذلك في الحديث [156] الشريف. فقد روي في "الكافي" بإسناده
عن حفص بن قرط، عن أبي عبدالله الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "مَنْ
كَثُرَ اشْـتِبَاكُه بالدُّنْيَا كَانَ أَ شَدَّ لِحَسْرِتَهِ عِنْدَ فِرَاقِهَا"( أصول الكافي، كتاب
الإيمان والكفر، باب حب الدنيا، ح 16). وعن أبي يعفور قال، سمعت أبا
عبدالله ( الصادق ) عليه السلام يقول: "مَنْ تَعَلَّق قَلْبُهُ بِالدُّنْــيا
تَعَــلَّــقَ قَلْبُهُ بِثَلاثِ خِصَا لٍ هَمٍّ لاَ يَفْنَى وَأَمَلٍ لاَ يُدْرَكُ وَرَجَاءٍ لا
يُنالُ"( أصول الكفي، كتاب الإيمان والكفر، باب حب الدنيا، ح 17 ) . أما
أهل الآخرة، فإنهم كلّ ما ازدادوا قرباً من دار كرم الله، ازدادت قلوبهم
سروراً واطمئناناً، وازداد انصرافهم عن الدنيا وما فيها. ولولا أن الله قد عين
لهم آجالهم لما مكثوا في هذه الدنيا لحظة واحدة. فَهُم، كما يقول أمير المؤمنين،
علي بن أبي طالب عليه السّلام: "نُزِّلَتْ أَنْفُسَهُ فِي البَلاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي
الرَّخَاءِ، وَلـَوْلا الأَجَلُ الّـَذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيهم، لَمْ تَسْتَقِر أّرْوَاحُهُم فِي
أَجْسَ ادِهم طَرَفَةَ عَيْنٍ شَوْقـاً إِلَى الــثَّوَابِ"( نهج البلاغة - الخطبة
193 ( الشيخ صبحي الصالح ) ). جعلنا الله وإياكم منهم، إن شاء الله. إذاً،
يا عزيزي، بعد أن عرفت مفاسد هذا التعلق والحب، وأدركت أن ذلك يفضي
بالإنسان إلى الهلاك، ويجرّده من الإيمان، ويجعل دنياه وآخرته متشابكتين
مضطربتين، فشم ّر عن ساعد الجد، وقـلّل حسب طاقتك، التعلق بهذه
الدنيا، واقتلع جذور حبها من نفسك، واحتقر الأيام القليلة التي تقضيها في
الحياة، وأزهد في خيراتها المشوبة بالألم والعذاب والنقمة، واطلب من اللّه أن
يعينك على الخلاص من هذا العذاب وهذه المحنة، ويجعل قلبك يأنس بدارِ كرمه
تعالى: "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى". [157] الحَــديــث الـسَــابع
"الغـــضـــب" [158] بالسند المـتَّـصل إِلى محمدّ بن يعقوب
عن علي بن إبراهــيم، عن محمدّ بن عيسى، عن يونـس، عن داود بن
فــرقـد قـال: قال أبو عبدالله عـلـــيه السّــلام: "الغَـضبُ
مِــفْتاحُ كُـلِّ شَــر"( أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان
والكفر، باب الغضب، ح 3 ). [159] الشرح: قال المحقق الكبير أحمد بن
محمد، المعروف بابن مسكويه، في كتاب تهذيـب الأخلاق وتطهير الأعراق
القيم الذي يقل نظيره في حسن التــنظيم والبيان م نصه (تهذيب الأخلاق،
لأبي علي أحمد بن محمد مسكويه، ص 193 منشورات الجامعة الأمريكية -
بيروت): "والغضب بالحقيقة هو حركة للنفس يحدث بها غليان دم القلب
شهوة للانتقام. فإذا كانت هذه الحركة عنيفة، أججت نار الغضب وأضرمتها،
فاحتـدّ غليان دم القلب وامتلأت الشرايين والدماغ دخاناً مظلماً مضطرباً
يسوء منه حال العقل ويضعف فعله، ويصير مثل الإنسان عند ذلك على ما
حكته الحكماء مثل كهف مليء حريقاً وأضرم ناراً فاختنق فيها اللهيب
والدخان وعلا منه الأجيج والصوت المسمى وحي النار، فيصعب علاجه
ويتعذر إطفاؤه، ويصير كل ما تدنيه منه للإطفاء سبباً لزيادته ومادة لقوته.
فلذلك يعمى الإنسان عن الرشد ويصمّ عن الموعظة، بل تصير المواعظ في تلك
الحال سبباً للزيادة في الغضب ومادّة للّهيب والتأجج وليس يرجى له في تلك
الحال حيلة". ثم يقول ( تهذيب الأخلاق، لأبي علي أحمد بن محمد مسكويه،
ص 195 منشورات الجامعة الأمريكية - بيروت)"وأما سقراطيس( في كتاب
( الأربعون حديثا ) وأما بقراط... وفي كتاب تهذيب الأخلاق وأما
سقراطيس... ( المترجم ) ) قال أني للسفينة إذا عصفت بها الرياح [160]
وتلاطمت عليها الأمواج وقذفت بها إلى اللجج التي فيها الجبال، أرجى مني
للغضبان الملتهب، وذلك أن السفينة في تلك الحال يلطف لها الملاحون
ويخلصونها بضروب الحيل فأما النفس إذا استــشاطت غصباً فليس يرجى
لها حيلة البتة وذلكن كل ما رُقي به الغضب من التضرع والموعظة والخضوع
يصير له بمنزلة الجزل من الحطب يوهجه ويزيده استعاراً"انتهى. فصل في بيان
فوائد القوة الغـضبية اعلم أن غريزة الغضب من النعم الإلهية التي يمكن بها
عمارة الدنيا والآخـرة، وبها يتم الحفاظ على بقاء الفرد والجنس البشري
والنظام العائلي، ولها تأثير كبير في إيجاد المدينة الفاضلة ونظام المجتمع. فلولا
وجود هذه الغريزة الشريفة في الحيوان لما قام بالدفاع عن نفسه ضد هجمات
الطبيعة، ولآل أمره إلى الفناء والاضمحلال. ولولا وجودها في الإنسان، لما
استطاع، أن يصل إلى كثير من مراتب تطوره وكمالاته زائداً على تحقق ما
تقدم. بل إن التفريط والنقص من حال الاعتدال يعد من مثالب الأخلاق
المذمومة ومن نقائص الملكات التي يترتب عليها الكثير من المفاسد والمعايب،
كالخوف، والضعف، والتراخي، والتكاسل، والطمع، وقلة الصبر، وعدم الثبات
في المواقف التي تتطلب الثبات، والخمود، والخنوع، وتحمل الظلم، وقبول
الرذائل والاستسلام لما يصيبه أو يصيب عائلته، وانعدام الغيرة، وخور العزيمة...
إن الله سبحانه يصف المؤمنين بقوله: { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }(
سورة الفتح/ 29). إن القيام بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود
والتعزيرات وسائر التعاليم السياسية الدينية والعقلية، لا يكون إلاّ في ظل القوة
الغضب ية الشريفة. وعلى ذلك، فإن الذين يظنون أن قــتل غريزة الغضب
بالكامل وإخماد أنفاسها يعد من الكمالات والمعارج النفسية إنّما يرتكبون
خطيئة عظيمة، ويغفلون عن حدّ الكمال ومقام الاعتدال. هؤلاء المساكين لا
يعلمون أن الله تبارك وتعالى لم [161] يخلق هذه الغريزة الشريفة في جميع
أصناف الحيوانات عبثـاً، وأنه جعل هذه الغريزة في بني آدم رأسمال الحياة
المُــلكية والملكوتية، ومفتاح الخيرات والبركات. إن الجهاد ضد أعداء الدين،
وحفظ النظام العائلي للإنسان، والدفاع عن النفس والمال والعِرض، وعن سائر
القوانين الإِلهيـة، والجهاد مع النفس وهي ألد أعداء الإِنسان، لا يكون كل
ذلك إلاّ بهذه الغريزة الشريفة. إن منع الاعتداءات والذب عن الحدود والثغور،
ودفع المؤذيات والمضرات عن الفرد والمجتمع، ويجري تحت لواء هذه الغريزة.
لذلك سعى الحكماء إلى معالجة خمود هذه الغريزة وركودها. وهناك معالجات

توقيع : Dr.Zahra
سألت نفسي كتير مرسيتش يوم على بر
انا الي فيا الخيرر ولا الي فيا الشر
مليان عيوب ولا .؟
خالي من الذنوب ولا .؟
ولاايه.؟
ولا انا جوايا ومش داري الاتنين في بعض..؟
وخمسميه حاجه وملهمش دعوه ببعض..!!
من مواضيع : Dr.Zahra 0 صباحكم جوري..*
0 الدنيا منافع ..*
0 انجازاتي ...*
0 أنا أتد ... ♥
0 عراقي عنده معامله مستعجله ..,'
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:12 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية