بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لقد هلّ هلال شهر محرم الحرام، فهل كتبت شيئًا جديدًا عن الإمام الحسين ؟
- هكذا تساءلت، ووجدت نفسي أردد بخجل: لا، لم أكتب شيئًا عن الحسين.
الأسئلة تتوالى:
- ألم تقل بلسانك: يا ليتنا كنّا معكم، فنفوز والله فوزًا عظيما؟
- أجل قلت ذلك.
- وترددها بالفم الملآن!
- ألا تستحي من نفسك؟ فكيف ستنصر الحسين بسيفك؛ إن كنت عاجزًا عن نصرته بقلمك؟
عندئذٍ جلست بخشوعٍ بين يدي الحسين، وهيئت وجداني للكتابة عنه. كتبت جملة من العناوين، أحدها عن: «الحسين والمعرفة»، وآخر عن: «المحبة في الخطاب الحسيني»، وثالث عن: «النقد في الخطاب الحسيني»، ورابع وخامس وسادس... جاوزت عناوين العشرة، سطّرت قصاصات قصيرة، عمّا أردت كتابته، ولم أكمل أيًّا مما بدأت به.
وجدت نفسي والدموع تنهمر من عيني أردد مع الحسين : «إلهي أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيرًا في فقري، إلهي أنا الجاهل في عملي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي، إلهي إنّ اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء، واليأس منك في بلا» .
لا أدري - حقيقةً - لماذا حُرمتُ من نعمة الكتابة عن الحسين ؟
- قالت لي زوجتي: إن الكتابة عن الحسين شرف عظيم، وهي بحاجة لتوفيق من الله - سبحانه وتعالى - وربما حال بينك وبين الكتابة حائل؟!
- قلت ربما يكون كلامكِ صحيح، ولكني أزعم بأني أعيش مع الحسين في كل لحظاتي وسكناتي، فعندما يذكر اسمه الشريف تتساقط دموعي سراعًا.. وحين أستحضر خيول الأعوجية وهي تطأ بحوافرها جسده الطاهر، أبكي بكاء الثكلى.. حين أستدعي مشهد رأسه المقطوع، وهو محمولاً فوق رمحٍ طويل، تصهره حرارة الشمس، أكاد أجن من هول المشهد، فكيف يفعل هذا بسيد شباب أهل الجنة؟
أخال أن الذئاب بكت الحسين مع وحش البوادي، فكيف لا أبكيه، وأنا أعلم مكانته من رسول الله ؟ فهل بمقدوري أن أمسك دموعي عن بكاء من قيل في حقه: «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»؟
فالحسين حاضر معي في كل صلاة أُصلِّيها، فسجودي، تقربًا لله زلفى، لا يتُّم إلاَّ عندما أُمرِّغُ جبهتي وخذي على تربته الشريفة..
الحسين حاضر مع كل نفسٍ أتنفّسُّه، أو شربة ماء أشربها..
أجد نفسي الأحق بمقولة الشاعر:
لا تطلبوا المولى الحسين بشرق أرض أو بغربِ
ودعوا الجميع وعرجــوا نحـوي فمـدفـنـه بقلبـي
- وهل تخال أنك قدّمت شيئًا حسنًا، بصنيعك هذا؟ وهل يكفي أن تبكي الحسين وتستحضره بلسانك؟
قل لي بصدق:
- هل كنت كما أراد لك الحسين أن تكون؟
- هل رفضت الذُّل كأبي الضيم؟ أم استسلمت للخنوع؟
- هل نهضت مطالبًا بإصلاح ما أعوج في أمة جد الحسين «صلوات الله عليه وآله» أم ركنت للأرض؟
- هل الحسين حاضر معك في كل كتاب تتصفحه، أو حرفًا تخطُّه؟
- هل تحمل معك قيم الحسين في محضر الخالق، بعيدًا عن أعين الخلق؟
لا زالت أسئلتها تنهمر انهمارًا، وأنا أطأطئ رأسي نحو الأرض حياءً وخجلاً.
رحت أتمتم بدموعٍ ساخنة مع الحسين في دعائه بعرفة: «إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي؟ وما أرحمك بي مع قبيح فعلي؟ إلهي ما أقربك منّي وأبعدني عنك، وما أرأفك بي، فما الذي يحجبني عنك»؟ وعن الحسين ؟
... «إلهي هذا ذلّي ظاهرٌ بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك، منك أطلب الوصول إليك وبك استدلّ عليك فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبوديّة بين يديك، إلهي علّمني من علمك المخزون، وصنّي بسرّك المصون... إلهي أغنني بتدبيرك لي عن تدبيري، وباختيارك عن اختياري، وأوقفني على مراكز اضطراري».
رفعت رأسي؛ فوجدت زوجتي تبكي الحسين بحرارة، وهي تُخاطبني: بماذا سنجيب جدتي الزهراء «صلوات الله عليها»، عندما تقول لنا: ماذا قدّمتما لولدي الحسين؟