وقد ذهب ابن حجر تبعا للنصوص إلى تكفير منكر المهدي فقد أجاب في الفتاوى الحديثية حين سئل عمن ينكرون خروج المهدي المنتظر
فقال : فهؤلاء المنكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان وقد ورد في حديث عن أبي بكر الإسكافي أن النبي ( ص ) قال : من كذب بالدجال فقد كفر ، ومن كذب بالمهدي فقد كفر ، إلى أن قال : ونملي عليك من الأحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء
وتضليلهم وتفسيقهم ما فيه مقنع وكفاية لمن تدبره : أخرج أبو نعيم أنه ( ص ) قال : يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة ومعه مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه ، ثم أخذ يورد الأحاديث الواردة في المهدي ( 1 ) .
هذه بعض المأثورات السنية في الإمام المهدي ، أما الشيعة فرواياتهم في موضوع الإمام المهدي بكل جوانبه كثيرة واردة عن النبي ( ص ) وأهل بيته ، وقد ألفوا في ذلك كتبا كثيرة استوفت وغطت كل التساؤلات حول موضوع الإمام المهدي : مثل
كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ، وكمال الدين وتمام النعمة لمحمد بن علي بن بابويه القمي ، وكتاب الغيبة لمحمد ابن الحسن الطوسي ( 2 ) وغيرهم كثير وقد تناولها فكتب بالمهدي كل من الصدوق في علل الشرائع ، والمرتضى في تنزيه
الأنبياء والمجلسي في البحار والمفيد في الفصول ، وفي الإرشاد ومن المتأخرين كتب عشرات المؤلفين بالمهدي وأشبعوا الموضوع .
وقد استعرضوا الأدلة في موضوع المهدي وأذكر من أدلتهم دليلين فقط :
1 - فمن الأدلة العقلية التي أوردوها دليل اللطف ومفاد هذا الدليل : أن العقل يحكم بوجوب اللطف على الله تعالى وهو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل إلى حد الإلجاء لئلا يكون للناس على الله حجة فكما أن العقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة
الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم وللحكم بينهما بالعدل : كذلك يجب نصب الإمام ليقوم مقامهم تحقيقا لنفس العلة ، فإن الله لا يخلي الأرض من حجة ، وليس زمان بأولى من زمان في ذلك ، إلى آخر ما أوردوه .
2 - أما من الأدلة النقلية فذكروا ما يلي : قال الله تعالى * ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم ) * فقد فسرت هذه الآية كما عن الإمام الصادق ( ع ) بخروج
المهدي وتحقيق هذه الأشياء على يديه ( 1 ) وقد قيل إن لسان هذه الآية عام يشير إلى تحقيق هذه الأمور على أيدي المسلمين فأجابوا أن القرائن تفيد أن هذه الأمور لم تتحقق على النحو الذي ذكرته هذه الآية من مجئ الإسلام حتى يومنا هذا ، ووعد
الله لا بد من تحقيقه ، وتلك قرينة على تحققه في المستقبل ، يضاف لذلك أن من أساليب القرآن الكريم أن يعبر عن الخاص بصيغة العام وعن المفرد بالجمع في كثير من الموارد ، ولذلك قال الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى : * ( يا أيها الذين
آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) * الخ المائدة : / 57 . قال : إنها نزلت في أبي بكر بقرينه أنه هو الذي قاتل المرتدين مع أن لسان
الآية عام ( 2 ) ، ومن الأحاديث التي استدل بها الشيعة في موضوع المهدي ما رواه الطوسي في الغيبة عن النبي ( ص ) : لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ( 3 ) ، هذه فكرة موجزة أردت بها الإشارة إلى إجماع المسلمين على موضوع المهدي .
وحينئذ لا يبقى قيمة لأقوال المهرجين الذين يريدون إبعاد الفكرة عن الإسلام غير عابئين بما ورد فيها من آثار ونصوص ، وإذا كان البعض قد استغل الفكرة عبر التاريخ فما ذلك بموجب لنكرانها ورمي من يعتقد بها
بالتخريف ، وما أسهل نفي فكرة إذا كانت لا تلتقي مع مصلحة شخص أو كان يجهلها . على أنني لا أصحح جميع ما أحاط بها من ذيول بل لا بد من الاقتصار على ما تثبت صحته بالطرق المعتبرة ويجدر بالبعض أن يبتعد عن التهريج الذي يصل
ببعضهم إلى القول : ما آن للسرداب أن يلد الذي * صيرتموه بزعمكم إنسانا فعلى عقولكم العفاء لأنكم * ثلثتموا العنقاء والغيلانا إن هؤلاء تسرعوا فقالوا بما لا يعرفون وإننا نقول لأمثال هؤلاء سلاما كما أمر القرآن الكريم .
المردود الإيجابي في عقيدة المهدي بقي أن نعرف ما هي حصيلة عقيدتنا بوجود المهدي فإن تقييم مثل هذه الأمور يصحح كثيرا من التصورات الخاطئة عن أمثال هذه العقائد خصوصا إذا عرفنا أن العقائد فواعل بالنفوس .
1 - المردود الأول : فأول المردودات الإيجابية بهذه العقيدة حصول الامتثال لأمر الله تعالى بهذه العقيدة ككل العقائد ، فإن المفروض أن النصوص تحتم الإيمان بها كما ذكرنا آراء العلماء بذلك .
2 - المردود الثاني : الشعور بقيام الحجة على العباد لله تعالى بوجود الإمام إذ لو حصلت الكفاية بغيره لما حصل الخلاف بين المسلمين ، فإن قيل إن الخلاف حاصل بالفعل قيل : إن ذلك ناتج من عدم الالتزام بإمامته ، بالإضافة إلى الشعور بالتسديد في آراء العلماء لوجود الإمام بين أظهرهم وإن لم يعرفوه .
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 184
3 - المردود الثالث : في وجود المهدي لطف يقرب العباد إلى الله تعالى لشعورهم بأن الله تعالى يهيئ لإقامة العدل ورفع الظلم ، فإن قيل إن رفع الظلم يجب أن يحدث بالأسباب الطبيعية من قبل الناس : قيل إن ذلك صحيح ولكن إذا تهاونوا بذلك
فلا بد أن يدافع الله تعالى عن الذين آمنوا ، فإن قيل إن ذلك يحصل بالآخرة ، قيل إن مثل ذلك كمثل إقامة الحدود في الدنيا مع أن المجرم لا يترك بالآخرة ، هذه بعض الفوائد في موضوع الإمام المهدي وليست هي علة تامة بل حكمة ونحن نتعبد بما ورد في النصوص ، وهناك فوائد أخرى ذكرتها المطولات وغطت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها .
المردود السلبي في عقيدة المهدي
1 - المردود الأول : إن أول المردودات السلبية أن هذه الفكرة تشل الإنسان وتمنعه عن القيام بواجباته وتخدر الإنسان وتتركه خائفا ذليلا بانتظار ظهور الإمام ليأخذ له بحقه ، وقد صور بعضهم شدة لهفة الشيعة لانتظار ظهور الإمام بأن قسما
من الشيعة لا يصلون مخافة أن يخرج الإمام وهم مشغولون بالصلاة فلا يستطيعون اللحاق به ( 1 ) وهذا التصور مردود جملة وتفصيلا فلا أحتاج إلى إكثار القول فيه بل ألفت النظر إلى كتب فقه الإمامية فإن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ووجوب الدفاع عن النفس قائم بالفعل ولا يرتبط بالمهدي من قريب أو بعيد ومن ادعى خلاف ذلك فليدلنا على المصدر ، أما الدعاوى الفارغة والقول البذئ فمردود على القائل وهو به أولى ، ومن قفا مؤمنا بما ليس فيه حسبه الله تعالى في ردغة الخبال ، كما يقول الحديث النبوي الشريف ( 2 ) .
* ( هامش ) *
( 1 )منهاج السنةلابن تيمية ج1 ص 29 .
( 2 )تفسيرالفخر الرازي عند قوله تعالى * ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) * الخ . ( * )
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 185
2 - المردود الثاني : أن الإيمان بفكرة المهدي يؤدي إلى الازدراء بالعقل لما في ذلك من مفارقات مثل طول العمر غير المعتاد ، وغيبته من الأبصار ، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك .
والجواب على ذلك بالاختصار : أن الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المدة أمرا طبيعيا وإنما هو معجزة لأنهم يقولون لما ثبت بالأدلة وجوده وغيبته والوعد بظهوره فلا بد والحالة هذه من الإيمان بذلك بالإضافة لعدم خلو الزمان من إمام مفترض الطاعة
، وبناءا على أن وجوده معجزة ينقل حينئذ الكلام إلى المعجزات ككل فأما أن تصدق أو تكذب وإذا كذبناها كذبنا الثابت في الإسلام أما أنه لا يرى فليس بمعلوم بل يجوز أن يرى ولا يعرف ويستفاد بآرائه لأنه يشترك مع الناس بالآراء ويلقي بالرأي
الصحيح ، يبقى الكلام على عدم تعليل اختفائه ، وما أكثر العقائد والأحكام التي لا نجد لها علة ونقول بمضمونها مثل رمي الجمرات في الحج ، والهرولة ، ومعاقلة المرأة الرجل إلى ثلث الدية وأعداد ركعات الصلاة وهكذا . فإنها كلها أحكام غير معللة بل معظم الأحكام هكذا ، وكذلك كثير من العقائد .
3 - المردود الثالث : الازدواجية التي تحصل من وجود إمام تجب طاعته ولا يحكم وآخر يحكم ولا تجب طاعته ، والجواب أن فقهاء الإمامية بالجملة في حال غيبة الإمام يقرون حكومة الحاكم العادل الذي يرعى مصالح المسلمين ويحمي ثغورهم ويجاهد عدوهم ويرتبون المشروعية على تصرفاته بالجملة .
أما بعد فهذه إلمامة موجزة بفكرة الإمام المهدي أردت أن أذكر من يكتبون عنها فيصورون الشيعة كأنهم اقتبسوا أحكامهم من كسرى وقيصر مع وفرة ما أوردناه من أحاديث حول فكرة المهدي فهل يسع مسلما يؤمن بالله نكرانها أو رميها بعيدا عن
الإسلام ، اللهم إلا أن يقال إن أحاديث المهدي دسها الشيعة في كتب السنة كما قيل ذلك في موارد أخر فإن بعضهم إذا لزمته الحجة بحديث قال ذلك ،
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 186
وعليه يجب أن نرمي كل كتب التراث بالبحر إذا كانت قابلة لهذا التصور ولا يبقى بها ثقة إرضاء لسواد عيون بعض من لا يروق له الإذعان للحق ويطربه أن يتأصل الخلاف بين المسلمين إننا مدعوون إلى حمل شعار القرآن : * ( إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) * الأنبياء / 92
وما أروع إيماءة القرآن بالأمر للأمة بعبادة الله عقب ذكر وحدة الأمة ففي الآية إشارة إلى أن كثيرا من الناس يعز عليهم وحدة الأمة لأن مصلحتهم المادية في فرقتها ولأن أصناما من العصبية في رؤوسهم يعبدونها وقد أمرهم الله تعالى بنبذها وعبادته وحده لأنه وحد الأمة وصهرها بكلمة التوحيد .