سنة كونية وجدانية ، عاشها آباؤنا ونعيشها نحن الآن، وهي ان أية لذة أو متعة في الحياة يراد لها التمام والاستمرار فإنها لا بد أن تكون مسبوقة بألم وتعب ونصب ، وأية لذة جاءت من رفاه فإنها إن تمّت فهي لا تستمر.
وهذه سنة إلهية أيضاً ، ولذلك اشتد البلاء على المؤمنين حتى ينالوا النعيم الأبدي ، قال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبينَ).
وهذا الأمر لا يقال في الأفراد وحسب ، إنما في الأمم كذلك ، ولذلك فأية أمة بنت نفسها من رفاه وبدون نصب ، فإنها ستكون أمة فاشلة في عاجل الأمر أو آجله ، وهذه إسبانيا ، كانت في القرن الخامس عشر الدولة الأوربية الأولى في فنون الصناعة ، وبعد استعمار الأسبان لأمريكا الجنوبية وشحنهم الكميات الهائلة من الذهب إلى بلادهم، أخذت الصناعة في إسبانيا تتراجع بسبب وجود مصدر مجاني للرفاهية ، وما زالت إسبانيا إلى اليوم في مؤخرة الأمم الأوربية على الصعيد الصناعي.
من هنا ربما نفهم تأكيد الروايات الشريفة على المفردات التالية:
أولاً :– اشتداد الظلم وانتشاره كشرط من شروط الظهور. وهذا في الروايات أوضح من الشمس وأبين من الأمس.
ثانياً :– الظروف الاجتماعية الصعبة وعلى صعد متنوعة يمر بها الناس زمن الغيبة الكبرى ، وقد ورد تعداد بعض تلك الظروف في غيبة النعماني - ص 258 – 259 عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدL أنه قال : (إن قدام قيام القائم علامات بلوى من الله تعالى لعباده المؤمنين . قلت : وما هي ؟ قال : ذلك قول الله عز وجل : (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ) قال : لنبلونكم يعني المؤمنين بشئ من الخوف ملك بني فلان في آخر سلطانهم ، والجوع بغلاء أسعارهم ، ونقص من الأموال فساد التجارات وقلة الفضل فيها ، والأنفس قال : موت ذريع ، والثمرات قلة ريع ما يزرع وقلة بركة الثمار ، وبشر الصابرين عند ذلك بخروج القائم . ثم قال عليه السلام لي : يا محمد ، هذا تأويله ، إن الله عز وجل يقول : (وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)
ثالثاً :- الفتن الكثيرة والاضطرابات السياسية والاجتماعية التي يمر بها الناس زمن الظهور. فمن تعدد الرايات المدعية للإصلاح ، إلى القتل الذريع الذي يقع في الناس ، إلى خروج المهدي شاباً والناس يأملونه شيخاً كبيراً ، إلى معارضة المهدي بمن يتأول القرآن ... إنها فتن تدع الحكيم حيراناً ، إنها تجعل الفرد يصبح كافراً ويمسي مؤمناً ، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً ... ولا ينجو منها الا عبد امتحن الله قلبه للإيمان.
رابعاً :– ضرورة عنصر القتال في الحركة المهدوية... ففي غيبة النعماني - ص 295 عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد ذكر القائم عليه السلام، فقلت : إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة ، فقال : (لا يكون ذلك حتى تمسحوا العلق والعرق).
ومنه أيضاً سنفهم حجم الرفاهية واللذة التي سيتنعم بها المجتمع المهدوي في ظل الدولة المهدوية ، وهو الأمر الذي وصفته الروايات الشريفة بالجنة الأرضية !