الآية: «وَإذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البَحْرَ فَأنْجَيْنَاكُمْ وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأنْتُمْ تَنظُرُونَ».
الأصل التقليدي .. تعرضت هذه الآية إلى غرق آل فرعون ونجاة بني إسرائيل وان كان قصة الغرق ذكرت في عدة من الآيات على نحو التفصيل مثل سورة الاعراف الآية 126 وسورة الأنفال الآية 54 وسورة الإسراء الآية 103 والشعراء الآية 63 ـ 66 والزخرف 55 والدخان الآية 17 وما بعدها.
وعلى أي حال فإن هذه الآية قد تناولت جانب النتيجة وما أعقبه من غرف آل فرعون وان كان بحسب تصورنا ان تعدد قصة موسى عليهالسلام دالة على انتزاع قاعدة كلية أو ما تدل عليه بنحو الحركة التاريخية وبيان الضابطة الكلية ومختصر الحادثة انه بعدما رفض فرعون وأتباعه نبوة موسى عليهالسلام خرج مع بني إسرائيل من مصر وعند وصولهم النيل علموا أن فرعون وجيشه يطاردونهم فأصاب بنو إسرائيل الخوف إذ كان البحر أمامهم والعدو من ورائهم ولكن جاء دور الإنقاذ الإلهي فأمر موسى أن يضرب البحر بعصاه فانشقت فيه طرق متعددة على نحو الأخاديد فعبر منها بنو إسرائيل بينما التحم الماء عندما كان آل فرعون في وسطه فغرقوا جميعاً ونجا بنوا إسرائيل وهم ينظرون إلى هلاك أعدائهم ونتيجة حالهم إلى الأمان والاستقراء والطمأنينة فكانت الآية مشيرة إلى بيان مراحل:
1 ـ الخوف
2 ـ الاطمئنان بعد الانتصار على العدو
3 ـ الدافع لهذه القصة تحريك بنو إسرائيل على شكر النعم
4 ـ الإشارة إلى أن من ارتبط باللّه فإنه المنقذ لكل هلكة وشدة.
وكلمة فرقنا بمعنى أنه فرقنا ما بين المائين حيث تمرون بطريق يابس أو بمعنى فرقنا البحر يدخولكم إياه فوقع بين كل فريقين من البحر طائفة منكم يسلكون طريقا.
قصة إنفلاق البحر
ذكر في مجمع البيان عن إبن عباس إن اللّه تعالى أوحى إلى موسى إن يسري ببني إسرائيل من مصر فسرى موسى ببني إسرائيل ليلاً فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث وكان موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف فلما عاينهم فرعون إن هؤلاء لشرذمة قليلون وأنهم لنا لغائظون وأنا لجميع حاذرون فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا فإذا هم برهَج دواب فرعون فقالوا يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا هذا البحر أمامنا وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه فقال موسى عليهالسلام عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون فقال له يوشع بن نون بم أمرت قال أمرت أن أضرب بعصا البحر قال إضرب وكان اللّه تعالى أوحى إلى البحر أن اطع موسى إذا ضربك قال فبات البحر له افكل أي رعدة لا يدرى في أى جوانبه يضربه فضرب بعصاه فانفلق وظهر اثنا عشر طريقا فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه فقالوا أنا نسلك طريقا نديا فأرسل اللّه إلى ريح الصبا حتى جفت الطريق كما قال فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا فجروا فيه فلما اخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض ما لنا لا نرى أصحابنا فقالوا لموسى أين أصحابنا فقال في طريق مثل طريقكم فقالوا لا نرضى حتى نراهم فقال عليهالسلام اللهم اعني على أخلاقهم السيئة فأوحى اللّه تعالى ان قلّ بعصيك هكذا وهكذا يمينا وشمالاً فأشار بعصاه يميناً وشمالاً لا تطهر كالكوى فظهر منها بعضهم إلى بعض فلما انتهى فرعون إلى ساحل البحر وكان على فرس حصان أدهم فهاب دخول الماء تمثل له جبرئيل على فرس انثى وديق وتقحم البحر فلما رأها الحصان تقحم خلفها ثم تقحم قوم فرعون فلما خرج آخر من كان مع موسى من البحر ودخل آخر من كان مع فرعون اطبق اللّه عليهم الماء فغرقوا جميعاً ونجا موسى ومن معه[1].
وقد أشار القرآن إلى أنه سبحانه أوحى إلى موسى أن يسير بعباد اللّه ليلا في قوله تعالى «وَأوْحَيْنَا إلَى مُوسَى أنْ أسْرِ بِعِبَادِي»ـ وكانوا ستمائة ألف نفس كانوا اثني عشر سبطا كل سبط خمسون الفا فلما خرج موسى عليهالسلام ببني إسرائيل بلغ فرعون فقال لا تتبعوهم حتى يصيح الديك قال الراوي فو اللّه ما صاح ليلته ديك فلما أصبحوا دعا فرعون بشاة فذبحت ثم قال لا افرغ من تناول كبد هذه الشاة حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط وقال قتادة اجتمع إليه الف ألف ومائتا ألف نفس كل واحد منهم على فرس حصان فتبعوهم نهاراً وهو قوله تعالى «فَأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ» ـ وهو ما بعد طلوع الشمس فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى أنا لمدركون ـ فقال موسى كلا ان معي ربي سيهدين ـ فلما سار بهم موسى وأتى البحر قال له يوشع بن نون اين أمرك ربك فقال إلى أمامك وأشار إلى البحر فاقحم يوشع بن نون فرسه في البحر فكان يمشي في الماء حتى بلغ الغمر فسبح الفرس وهو عليه ثم رجع وقال يا موسى اين أمرك ربك فقال البحر فقال واللّه ما كذبت ففعل ذلك ثلاث مرات فأوحى اللّه إليه أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فريق كالطود العظيم فانشق البحر اثني عشر جبلا فى كل واحد منها طريق فقال له ادخل فكان فيه وحل فهبت الصبا فجف البحر وكل طريق فيه حتى صار طريقا يابساً كما قال اللّه تعالى «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِي البَحْرِ يَبَسا» فأخذ كل سبط منهم طريقاً ودخلوا فيه فقالوا لموسى ان بعضنا لا نرى صاحبه فضرب موسى عصاه على البحر فصار بين الطريق منافذ وكوى فرأى بعضهم بعضاً ثم اتبعهم فرعون فلما بلغ شاطىء البحر رأى إبليس واقفاً فنهاه عن الدخول فهمّ بان لا يدخل البحر فجاء جبرئيل عليهالسلام على حجرة فتقدم فرعون وهو كان على فحل فتبعه فرس فرعون ودخل البحر فلما دخل فرعون البحر صاح ميكائيل بهم الحقوا آخركم باولكم فلما دخلوا البحر بالكلية أمر اللّه الماء حتى نزل عليهم فذلك قوله تعالى «وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأنْتُمْ تَنظُرُونَ»[2] يتجلى من عرض هذه القصة الفوائد الآتية:
1 ـ الإعجاز الّذي جرى على يد موسى عليهالسلام .
2 ـ مؤدى هذا الصنع يثبت القدرة الإلهية على ان هذا الفعل راجع للارادة الإلهية وأنه لايمكن أن يصدر من غير الامتداد والفيض الإلهي فانه كما قال سبحانه «يَا نَارُ كُونِي بَرْدا وَسَلاما عَلَى إبْرَاهِيمَ» أيضا كانت إرادته ان أمر سبحانه موسى وقال اضرب بعصاك البحر الخ وكان اعجاز الثالث لعيسى عليهالسلام أنه كان يبرء الاكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن اللّه كما أنه وعهد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله طلبوا منه انشقاق القمر.
3 ـ تعدد الأعجاز
أ ـ انفلاق البحر
ب ـ يبس الأرض ومجيء ريح الصبا
4 ـ اختصاص هذه النعم والكرامات لبني إسرائيل ومشاهدة هذه الإعجازات أمام أعينهم.
5 ـ رجوع بني إسرائيل إلى أراضيهم وديارهم في أمان واستقرار.
6 ـ رفع الشكوك بعد وضوح هذه المعالم الربانية التي كشفها سبحانه عن بيان قدرته أمام آل فرعون وإذلالهم لكي يمن على الذين استضعفوا في الأرض من بني إسرائيل وليمكنهم في الأرض بعد إذلالهم من قبل الطغاة والجبابرة وليجازوا نعمة اللّه بالشكر و الثناء كل ذلك بمشاهدة ما كانوا عليه من الذل فلابد أن تكون هذه النعم الإلهية تقابل بأجمل بما يقدمه العبد الذليل إلى مولاه الّذي لم يطلب منهم إلا عبادته والإخلاص إليه وعدم مقارنته بنظائر المخلوقات ومجانسة الموجودات وعدم مشابهته بسائر الممكنات هذا مع أن حادثة الغرق وانهيار صرح الشرك والظلال سرعان ما تلاشت وأصبح كاليوم الدابر الّذي لا يعود لكي ينظر الإنسان إلى عظمة اللّه وقدرته وقوة إرادته في تصرفاته في مخلوقاته لم تثبطه عزيمة الجبابرة ولم تقهره إرادة السلاطين وإنما يكشف لكل واحد منهم لوناً من ألوان عظمته قدرته ليؤمن به الضعيف ويطمئن إليه البائس الفقير لأنه الملجأ في الشدائد والمأوى لكل المستضعفين والمساكين والمدافع عن كل المحرومين فيخلق دعاة الحق لكسر شوكة الباطل فيدحظه باتم الحجج والبراهين.
الأصل التاريخي
إذ تعرض القرآن إلى قصة أو حادثة فإن الغرض منها الإنعكاس عن وجود حركة تاريخية تارة تتحدث عن واقعة معينة وأخرى لبيان القانون التاريخي العام ليكتسب منها مدرسة على نحو الضابطة الكلية وعليه يمكن أن يطرح الأصل التاريخي على شكل موضوعي تنطوي تحته الضوابط المدرسية والأمور الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والنفسية من اشعة الايمان الخاقاني تحقيق dr. Sajid Sharif Atiya سجاد الشمري sajidshamre*************
[1] . مجمع البيان ج1 ص107.[2] . تفسير فخر الدين الرازي ج2 ص70 ـ 71.