(مناقشة) استدراك على الإمام الألباني في تصحيحه لحديث الثقلين ـ بقلم أبو يحيى الخنفري
بتاريخ : 10-08-2012 الساعة : 05:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
لقد كنْتُ قد كتبت في سالف الزمان استدراكاً على الشيخ الألباني بشأن تحقيقه لحديث الثقلين المتواتر، حيث تطرّقنا لجملة من المباحث التي غفل أو تغافل عنها خرّيت علم الحديث.
وفي تجوالي لمواقع الوهابية منذ مدّة، وجدت موضوعاً لأحدهم اسمه أبو يحيى الخنفري كتبوا اسفلها " شخصية مهمّة " فقلت: ربّما يستحق موضوعه التأمل، وعنوان موضوعه:
استدراك على الإمام الألباني في تصحيحه لحديث الثقلين
لقد قسّم استدراكاته على عشرة نقاط، وفي اليوم نفسه الذي رفع موضوعه على النت، اخذت نسخة منه لقراءته وابداء الملاحظات عليه.
كتبت ملاحظاتي على خمسة نقاط في اليوم نفسه، ولم أوفّق لإتمامها، وسأنزل ههنا الخمسة التي اتممتها، وحالَ اتمامي للموضوع سأرفعها على الشبكة المباركة
«حدثنا نصر بن عبد الرّحمن الكوفي، قال: حدّثنا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن
جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته
القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب
اللهِ، وعترتي أهل بيتي» (سنن الترمذيحديث رقم 3786).
ثم قال: «حديث حسن غريب من هذا الوجه».
وهذا يشير إلى أن الحديث قد استوفى شروط الحسن عند الترمذي، مع تفرد بعض الرواة به ، أو بأمر في متنه أو سنده. وهو المراد بالغريب.
وقول الترمذي: «غريب من هذا الوجه» ، يلمح إلى أن وجه الغرابة إنما هو في المتن لا في السند.
والجدير بالذكر أن الإمام الترمذي هو أول من استعمل اصطلاح الحسن في الحديث، وقد عرّفه
بقوله :
«كل حديث يروى، لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، ولا يكون شاذاً ، ويروى من غير وجه نحو
ذاك ، فهو عندنا حديث حسن»(العلل 2/340) .
قوله: «لا يتهم بالكذب» تمييز له عن الثقة الثبت، وهو يلمح إلى دنو درجته عن درجة الصحيح.
وقوله: «ولا يكون شاذاً» ، والشاذ هو ما يرويه الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافه.
وقوله: «ويروى من غير وجه نحو ذلك» أي يروي المتن بالمعنى من غير هذا الوجه.
وأخرجه الطحاوي في الأوسط بنفس السند (حديث 4757)،
ثم قال: «لم يرو هذا الحديث عن جعفر بن محمد إلا زيد بن الحسن الأنماطيّ».
ويقول علي الفاروق
لقد ورد في هذه النقطة العديد من المسائل التي ينبغي التوقّف عليها، والنظر فيها، ونحن سنذكرها على التوالي:
المسألة الأولى:الحسن الغريب له تفسير خاصّ بالترمذي
يقول المُشكِل: " وهذا يشير إلى أن الحديث قد استوفى شروط الحسن عند الترمذي، مع تفرد بعض الرواة به ، أو بأمر في متنه أو سنده. وهو المراد بالغريب ".
نقول: هذا على تعريف الغريب مطلقاً، بمعنى لو ورد لفظ الغريب دون اقترانه بالحسن، أي إذا قال الترمذي ـ أو المحدّث ـ: " حديث غريب "، أمّا لو قال الترمذي: " حديث حسن غريب " فإن لهذا الاصطلاح عند الترمذي معنىً أخراً، وليس كما ذهب إليه المحدّثون من أنّه يعني التفرّد.
إن الحديث الحسن على قسمين:
الأول: الحسن لذاته.
الثاني: الحسن لغيره.
الترمذي عندما عرّف الحديث الحسن قال: " كل حديث يروى، لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، ولا يكون شاذاً ، ويروى من غير وجه نحو ذاك ، فهو عندنا حديث حسن "[1].
وهذا التعريف ينطبق على مصطلح الحسن لغيره.
فإنّنا نلاحظ أنّ الترمذي عرّف الحسن لغيره فقط، فلماذا أغفل الحسن لذاته مع أنّه أخرج الكثير من الأسانيد الحسنة لذاتها في جامعه ؟
وجوابه: أنّ الحسن لذاته معروف ولا ينبغي التوقّف عليه، ولكنّ الحسن لغيره ينبغي تعريفه إبعاداً للإشكال المقدّر في الأذهان، فالترمذي: كلّما قال: الحديث حسن غريب، فاعلم أنّه يقصد بذلك الحسن لذاته، وكلّما قال: الحديث حسن فقط، فاعلم أنّه يقصد الحسن لغيره.
يقول د. نور الدين عتر: " بالنسبة لأبي عيسى: فإنه غالباً ما يميّز الحسن لذاته بقوله: حسن غريب أو نحو ذلك فخشي أن يشكل على الناظر صنيعه في كتابه، لأنه يخرج الحديث أحياناً ويقول فلان ضعيف، ثم يقول: هذا حديث حسن.
فخشي أن يشكل ذلك على القارئ، فعرفه بأنّه إنما حسّنه لكونه يتعاضد بتعدد طرقه. وسكت عن تعريف الحسن لذاته لعدم الإشكال فيه "[2].
إذن: قول الترمذي: " هذا حديث حسن غريب " ليس فيه حجّة على أنّ الغريب هو التفرّد ـ سواءاً كان بالاسناد او بالمتن ـ، بل الترمذي يقصد بذلك اصطلاح على نحو الخصوص، وهو: الحسن لذاته.
المسألة الثانية: تخصيص " من هذا الوجه " غير وارد
قال المُشكل: " وقول الترمذي:غريب من هذا الوجه، يلمح إلى أن وجه الغرابة إنما هو في المتن لا في السند ".
أقول: من أين استشعر أنها كامنة في المتن ؟! وليس في الاسناد !
أوليس كونها في الاسناد أليق ؟!
وخصوصاً من أن حديث الثقلين لم يروَ عن الإمام الصادق عليه السلام إلا من هذا الوجه، أي: رواية زيد الأنماطي عنه ـ كما قاله الطحّاوي ـ.
والغريب هو التفرّد بالاسناد أو المتن، ومتن حديث الثقلين مشهور بل متواتر، فيبقى الكلام حول الاسناد، وخصوصاً أنّ حديث الثقلين عن الإمام الصادق عليه السلام لم يروه سوى زيد بن الحسن الأنماطي.
ولا أدري ما هو وجه التلميح في كون الغرابة في المتن.
إن الحديث المذكور من رواية زيد بن الحسن القرشي الكوفي، وقد قال عنه أبو حاتم الرازي:
«منكر الحديث» ، وقال عنه الحافظ: «ضعيف» ، وقال ابن عدي: «لعل شعبة لم يرو عن أضعف
منه» (الكاشف 1/338).
وعلى ذلك يكون الحديث ضعيفاً في أصله ، إلا أن الترمذي رقّاه إلى مرتبة الحسن لغيره ، وذلك لتعدد طرق الحديث وشواهده.
وقد استشكل على البعض إدراج الترمذي للحديث ضمن الحديث الحسن ، بالرغم من وجود من هو منكر الحديث في رواته.
والجواب عن الاستشكال أن الترمذي لم يستعمل مصطلح الحسن لذاته، واقتصر على الحسن لغيره في الاصطلاح.
والفرق بينهما: أن الحسن لذاته هو أن يكون راويه صدوقاً، إلا أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان.
وأما الحسن لغيره، فهو الحديث الضعيف الذي تعددت طرقه تعدداُ يجبر وهنهويقويه. وهو ما يطلق عليه الترمذي بالحديث الحسن.
فإذا قال الترمذي حديث حسن، أراد الحسن بغيره. وإذا قال المحدثون حديث حسن، أرادوا الحسن لذاته.
وبذلك يتبين أن الحديث عند الترمذي في أصله ضعيف، ولكن انجبر ضعفه عنده بتعدد الطرق والشواهد.
وقد علق شيخ الإسلام على تحسين الترمذي للحديث بقوله: «وفيه نظر» (مجموع الفتاوى 28/493).
يقول علي الفاروق
وفيه ثلاث محطّات جديرة بالتأمّل:
المحطّة الأولى:ترجمة زيد بن الحسن الأنماطي
لقد ذكر ترجمة الأنماطي بذكر الجارحين له، والطاعنين عليه، دون ذكر الموثّق له.
ونحن ههنا سنناقش آراء الطاعنين على زيد الأنماطي لنستخلص أنّ رتبة حديث زيد ـ على أقل التقادير ـ الحسن لذاته.
وإليك مناقشة آراء العلماء:
القول الأول: قال أبو حاتم الرازي: " منكر الحديث ".
أقول: هذا القول هو عمدة الآراء، وعليه ركن الحافظ العسقلاني ـ كما سيأتي في محلّه ـ، وعلى هذا الجرح يرد:
أولاً: أبو حاتم متعنّت، ومن المعلوم أن المتشدد في التعديل يتوقّف عن قبول جرحه فيما لو لم يكن له موثّقاً، أو كان له مؤيّداً من الجرح المفسّر، وسيوافيك أنّ لا حجّة في أيّ واحد منها.
ثانياً: الجرح مجمل، فإن قولهم: " منكر الحديث " جرح مجمل عندهم ـ عدا البخاري ـ، والجرح غير المفسّر مردود ـ كما تقرر في محلّه ـ، لقد صرّح الشيخ الألباني نفسه بكون هذا الجرح غير مفسر، حيث قال: " وقد تأول الحافظ في التهذيب قول يحيى بن سعيد وهو القطان: منكر الحديث، بأن مراده الفرق المطلق.
قلت: فإن صحَّ هذا التأويل منه، وإلا فهو مردود لانّه جرح غير مفسر "[1].
إذن: جرح أبي حاتم الرازي مردود.
القول الثاني: قال ابن عدي: " لعلّ شعبة لم يروِ عن أضعف منه ".
أقول: هذا التضعيف ينبغي التأمّل فيه أكثر، حيث يرد:
أولاً: لقد تقرر في محلّه أنّ شعبة لا يروي إلا عن ثقة، ورواية شعبة عنه دليل على وثوقه له، وأمّا كونه أضعف راوٍ روى عنه شعبة، فليس فيه ما يدلّ على ضعفه، إذ أنّ الوثاقة على مراتب، وقد يكون راوياً ثقة عند شخص، ولكنّه قريب إلى الضعف عند آخر، وليس ذلك إلاّ لأنّ الثاني متشدد في قبول الرواة.
وتشدد شعبة الرواية عن الضعفاء أمر مشهور، وحكاياته كثيرة في الباب.
ثانياً: إن " لعل " لا يفيد جرحاً في البحث العلمي، إذ أنّ الاستدلال بـ " لعل " مهنة غير العلماء، وهي لا تفيد سوى احتمالاً، والجرح ينبغي التثبّت منه فلو لم يثبت الجرح فهو مردود.
القول الثالث: قال العسقلاني: " ضعيف ".
أقول: وهذا الجرح من أوهنها، فإنه يرد عليه:
أولاً: العسقلاني متأخّر، وهو ما لا يُعتدّ بقوله مع وجود رأي معتمد للمتقدّم.
ثانياً: الجرح مجمل، فإنّ قولهم " ضعيف " جرح مجمل كما صرّح به غير واحد من أهل العلم.
ثالثاً: اعتمد الحافظ على جرح الرازي، وهو مردود، إذن: جرح العسقلاني مردود أيضاً لأنّه تبع، وليس أصل.
هذا ملخّص ما جاء في جرح زيد بن الحسن الأنماطي
ولكن يُستفاد أنّه ثقة، من خلال:
أولاً: قال ابن حبان: " ثقة ".
وإنْ كان ابن حبّان متساهل، ولكنّ لا يعني ذلك ردّ قوله، بل مع عدم وجود الجرح المفسّر يُقبل رأيه، ويقدّم على غيره.
ثانياً: قال الترمذي عن الحديث: " هذا حديث حسن غريب "، حيث حسّن الترمذي الحديث، وقد ورد في أسناده الأنماطي، فهذا يعني أنّ الترمذي يرى وثاقة الأنماطي أو حُسن حاله.
قال الذهبي: " وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة فجيّد أيضاً "[2].
ثالثاً: رواية شعبة عنه: وقد ثبت في محلّه أن شعبة بن الحجاج لا يروي إلا عن ثقة، وروايته عنه يدل على وثاقته.
رابعاً: لو قُلنا أن الأنماط اُختلف فيه جرحاً وتعديلاً، حيث قبلنا جرحهم فيه:
قال التهانوي: " إذا كان الراوي مختلفاً فيه: وثّقه بعضهم، وضعّفه بعضهم، فهو حسن الحديث"[3].
ويقول المنذري: " فأقول إذا كان رُواةُ إسناد الحديث ثقات وفيهم من اختلف فيه: إسناده حسن، أو مستقيم، أو لا بأس به "[4].
وقال المحقق ابن الهمام: " وأعلّه بتضعيف عبد الجبار بن مسلم، وهو ممنوع فقد ذكره ابن حبان في الثقات، فلا ينزل الحديث عن الحسن "[5].
خامساً: توثيق الألباني: فقد صحّح الألباني الحديث حيث حكم في موضعين بالصحّة، ففي تعليقته على سنن الترمذي، وكذا في سلسلته الصحيحة، في حال أن الأنماطي في السند.
إذن: زيد الأنماطي حديثه حسن لذاته.
المحطّة الثانية: ضعف الحديث عند الترمذي
قيل: " إن الحديث عند الترمذي في أصله ضعيف، ولكن انجبر عنده بتعدد الطرق والشواهد ".
نقول: إن الحديث عند الترمذي حسن لذاته ـ كما أسلفنا سابقاً ـ، ولا يستقيم الدليل على كون الحديث ضعيفاً، بل الحجّة قائمة على خلاف ذلك.
فإن عمدة استشهادكم على ضعف الحديث هو ضعف زيد الأنماطي، وقد ثبت كونه ثقة، حسن الحديث ـ على أقل التقادير ـ، فقول الترمذي: " هذا حديث حسن غريب " يوافق كون الأنماطي حسن الحديث، فإن قوله " حسن غريب " يعني الحسن لذاته ـ كما ذكرنا سابقاً ـ.
المحطة الثالثة: قول ابن تيمية فيه نظر.
أقول: إن قول الشيخ ابن تيمية مردود جملة وتفصيلاً:
أولاً: ابن تيمية ليس من أهل الحديث، فهو ليس من أهل هذا الفن، بمعنى أنّه ليس ممن تعمّق في علل الحديث، واستخرج غورها بالتأمّل وبجمع القرائن، إذ الحرّاني ليس بمرتبة الذهبي أو العسقلاني وغيرهما في علم الحديث، فالحرّاني مختصّ بالمسائل العقدية، وليس الحديثية.
ثانياً: ابن تيمية متسرّع في التضعيف: الذي يقرأ كتب ابن تيميّة ـ وخصوصاً المنهاج ـ يتلمّس جليّاً أن ابن تيمية متسرّع في ردّ الأحاديث وتضعيفها، وقد صرّح بهذه الحقيقة المدوية العديد من كبار الأعلام منهم: العسقلاني والألباني وغيرهما، لذلك لم يعتد جملة من الأعلام بآرائه الحديثية.
إن الشيخ الألباني قد صحّح حديث جابر، لا لذاته ، بل لأجل الشواهد. وقدذكر من بين الشواهد المعتبرة: حديث زيد بن أرقم، وهو حديث صحيح أخرجه مسلمفي صحيحه بلفظ:
«أما بعد، ألَا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين:
أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب
فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في
أهل بيتي» إلى آخر الحديث (صحيح مسلمحديث رقم 2408). وصحّحه النسائي وابن خزيمة، وأخرجاه بهذا اللفظ.
وحديث آخر لعطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري بلفظ:
«إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الْآخر: كتاب الله حبل ممدود من السَّماء إلى الْأَرض،
وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».
واستشهد أيضاً بما أخرجه الطحاوي من طريق عليّ بن ربيعة ، أنه قال: «لقيت زيد بن أرقم وهو
داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
إني تاركٌ فيكم الثَّقَلينِ؟قال: نعم».
واستشهد أيضاً بما أخرجه الطحاوي من رواية علي بن أبي طالب:
«حدثنا إبراهيم بن مرزوقٍ قال: حدّثنا أبو عامر العقدي قال: حدّثنا كثير بن زيد ، عن محمد بن عمر
بن علي ، عن أبيه ، عن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلّم حضر الشّجرة بخمّ فخرج آخذا بيد
عليّ فقال: " يا أيها الناس ، ألستم تشهدون أن الله عز وجل ربكم؟ " قالوا: بلى ، قال: " ألستم
تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم ، وأن الله عز وجل ورسوله مولاكم؟ " قالوا: بلى
، قال: " فمن كنت مولَاه فإن هذا مولَاه " ، أو قال: " فإن عليًّا مولَاه " - شك ابن مرزوق - " إني
قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله سببه بأيديكم ، وأهل بيتي». (شرح مشكل الآثار ، حديث رقم 1760).
وقد أخرج الطحاوي الحديث من رواية زيد بن أرقم:
«حدثنا أحمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن حماد قال: حدثنا أبو
عوانة ، عن سليمان يعني الأَعمش قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطُّفيْل ، عن زيد بن
أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن حجة الوداع ونزل بغدير خُمٍّ أمر بدوحاتٍ
فقُمِّمْنَ ، ثمّ قال: كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثَّقَلين ، أحدهما أكبر من الْآخر: كتاب
الله عز وجل وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ
الحوض» (شرح مشكل الآثار، حديث رقم 1765).
ويقول علي الفاروق:
ونذكر فيه مسألة واحدة فقط، وحاصلها:
قيل: " إن الشيخ الألباني قد صحّح حديث جابر، لا لذاته ، بل لأجل الشواهد ".
أقول: ليس في ذلك أيّ حجّة لكم، فإنّ عدم تصحيحه لذاته، يعني كونه: صحيح لغيره، أي: الحسن لذاته.
علاوة على ذلك: فإنّ الحديث الحسن لذاته ولغيره له من الحجيّة ما للصحيح لذاته ـ كما تقرر.
فكون طريق جابر حسن لذاته، أو حسن لغيره لا ينفي حجيّة الحديث.
اعتمد العلامة الألباني في تصحيح الحديث على حديث زيد بن أرقم ، وعدّهشاهداً صحيحاُ للحديث ، إلى جانب الاستشهاد بأحاديث أخرى تجبر وهنه.
وكذلك فعل شعيب الأرنوؤط ، حيث صحّح حديث أبي سعيد بلفظ:
«إني تارك فيكم الثقَلين، أحدهما أكبر من الْآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إِلى الأَرض،
وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» ،واعتبره حديثاً صحيحاً بشواهده دون قوله: «لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض»، ثم قال:
«وله شاهد صحيح من حديث زيد بن أرقم عند مسلم والنسائي»،
ثم ذكر لفظ الحديث في صحيح مسلم (مسند أحمدحديث رقم 11104).
وقد اعتمد الشيخان - الألباني والأرنؤوطي - على هذا الحديث في الشواهد أكثر من غيره ، وذلك لصحته المتفق عليها وقوة سنده ومتنه.
ومنالمعلوم عند أهل الحديث، أن من شروط قبول الشاهد أن يرد موافقاً لمعنىالحديث الأصل ، سواء وافقه في اللفظ ، أو لم يوافقه. والعلماء يعتمدون (فيالغالب) على المتابعات في جبر الإسناد، وعلى الشواهد في تصحيح المتن. فمالم يكن المعنى موافقاً لما ذكر في اللفظ الأصلي محل النزاع، فلا يصحالاستشهاد به.
وقداتفق أهل الحديث أن الحديث لا يتقوّى بالشاهد ما لم يسلم الشاهد من العلةوالشذوذ، إذ أن الحكمة من الاستشهاد به أنه يعضد المعنى، فإن لم يعضدهفلايسمى شاهداً.
لهذا،فإن الصحيح لا يُعرف بروايته فقط بل بالفهم ، وليس لهذا النوع من العلمأكثر من مذاكرة أهل الفهم ليظهر ما خفي من علة. وعلى ذلك، يجب مراعاةالعلل الخفية التي قد تفضي إلى إطراح الشواهد، وعدم اعتبارها.
ومن المعلوم ، أنالشاهدلا يشهد لحديث إلا في القدر الذي اشترك فيه الحديثان، باللفظ أو بالمعنى. أما إذا كان الشاهد قاصراً على المشهود له ، فلا يكون شاهداً.
ويوافق الشيخ الألباني على ذلك ، حيث قال في السلسلة:
«ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لميتقو الحديث بها كما قرره العلماء في" علم مصطلح الحديث "، وكان منالواجبأيضا أن تكون شهادتها كاملة، وإلا كانت قاصرة»(السلسلة الصحيحة 4/185).
وبهذا، نعرف العلة الخفية التي خفيت على الشيخين الألباني والأرنؤوطي ، فياعتبار حديث زيد بن أرقم شاهداً صحيحاً ، والحق أنه من باب الشاهد القاصرالذي لا يُعتد به ، وقد غاب عنهما فقه الحديث.
وتفصيلذلك ؛ أن الحديث الأصل يشير إلى الثقلين باعتبارهما مما يجب الأخذ بهماللوقاية من الضلال ، وحث الناس على التمسك بهما ، بينما لا يفيد الشاهد - حديث زيد بن أرقم - إلى ذلك، بل اعتبر الثقل الأول هو منبع الهدايةوالوقاية من الضلال ، وأوجب التمسك به ، فقال: «خذوا بكتاب الله واستمسكوا به» ، ثم ذكر الثقل الثاني ووصّى به بقوله «أذكركم الله في أهل بيتي» واكتفى بذلك ، مما يشير إلى عدم كونه ركن هداية للمسلمين ، ولا حث المسلمين على الأخذ به.
كذلك فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، برواية زيد بن أرقم «أذكركم الله في أهل بيتي» ، يناقض الأمر بالأخذ بهم والتمسك بهم. وهذا القول لا يناسب الاقتداءوالاتباع، وهو للوصية أقرب منها. ولو كان المطلوب هو التمسك بهم كما هو لفظالحديث الآخر، لما كان في قوله ذلك فائدة ترجى.
وهذا اللفظ قد صح في رواية مسلم، وهو يشير إلى أن مراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه أمراً آخر غير الاتّباع والتمسك.
ولو كان فيه الأمر بالتمسك لكان الثقل الأول أولى به، ولكان قال مثلاُ: (أذكركم الله فيهما، - أي في الكتاب وفي أهل بيتي - ).
فحديث جابر يأمر المسلمين بالتمسك بالثقلين ، بينما الشاهد يأمر المسلمين بالتمسك بالثقل الأول فقط ، ويوصيهم في الثقل الثاني فقط.
ولاشك أن هذا إطراحٌ لحجية الثقل الثاني ، خلافاُ للحديث الأصل الذي اعتبرحجية الثقلين. وطالما أن محل النزاع يتمثل في حجية الثقل الثاني ، سقط حديثزيد بن أرقم عن الاستشهاد.
بلإن المفارقة في الحجيّة والوصيّة بين الحديثين - كما أسلفنا - مما يعودعلى الحديث الأول بالنقض والرد ، فبدلاً من أن يعضده ويقويه ، يزيده ضعفاًوشذوذاً، وهذا هو المعتمد في قواعد تصحيح الأحاديث.
ويؤيد ذلك، أن جابر بن عبد الله هو نفسه راوي حديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم ، وقد جاء في الحديث:
«وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ؛كتاب الله. وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغتوأديت ونصحت» إلى آخر الحديث (صحيح مسلم / باب الحج ، حديث رقم 1218).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم - بحسب هذه الرواية - لم يذكر الثقل الثاني في التمسك والاعتصام ، واكتفى بالأول.
وهذا ينسجم مع رواية زيد بن أرقم في لفظ مسلم، حيث أمر بالتمسك بالثقل الأول، ثم وصىّ بالثقل الثاني.
ولايخفى أن كلاً من الروايتين - رواية زيد عند مسلم ورواية جابر عند الترمذي - فيها زيادة من وجه ونقصان من وجه آخر عن الرواية الأخرى ، مما لا ينفعفيهقبول الزيادة من أي منهما.
وطالما تعذر التوافق بين حديث جابر وحديث زيد، فليس لنا إلاّ قبول الثاني، وهو الأصح، والأضبط متناً والأقوى سنداً.
ومن أصر على إمكان الجمع بينهما، لزمه تبيين وجه الجمع ، وكيف يثبت رسول الله الثقل الثاني حجة على الناس في حديث، وينفي عنه الحجية في الحديث الآخر ويقصرها على الثقل الأول ؟
ويقول علي الفاروق:
وقد حوى العديد من المسائل التي ينبغي التوقّف عليها:
المسألة الأولى:عدم قصور الشواهد على رواية مسلم
ورد انّه: " اعتمد العلامة الألباني في تصحيح الحديث على حديث زيد بن أرقم ، وعدّه شاهداً صحيحاُ للحديث ، إلى جانب الاستشهاد بأحاديث أخرى تجبر وهنه ".
نقول: لا تقتصر الشواهد على حديث زيد بن أرقم الذي أخرجه مسلم في صحيحه، بل هناك روايات صحيحة لذاتها أخرجها الطبراني وغيره في مجاميعهم الحديثية.
فالشواهد الاخرى ليست ضعيفة، بل بعضها صحيحة لذاتها، وبعضها صحيحة لغيرها، وبعضها حسنة لغيرها.
والشواهد الحسنة لغيرها ليست الا من باب المؤيّد، إذ أنّ وجود الصحيح لذاته يحلّ النزاع.
المسألة الثانية: رواية مسلم لا يصلح للشواهد
ورد أنّه قيل: " وبهذا ، نعرف العلة الخفية التي خفيت على الشيخين الألباني والأرنؤوطي ، في اعتبار حديث زيد بن أرقم شاهداً صحيحاً ، والحق أنه من باب الشاهد القاصر الذي لا يُعتد به ، وقد غاب عنهما فقه الحديث ".
نقول: نجيب إشكالكم:
نقضاً: أولاً: القاعدة التي ذُكِرَتْ في طيّات الكلام معروفة، ولا ريب فيه أن علمين من أعلام الحديث، ومن فقهاء هذا العصر من حيث التضلّع بعلل الحديث لم يدركا هذه اللفتة التي وردت في الكلام المذكور.
كما أنّ في كلامكم توهين لمقامهما، إذ أنّ الكلام حول علمين من كبار اعلام الحديث، وأنّ الاثنين لم يلتفتا إلى فقه الحديث، يدل على أنّ أهل الحديث لا يلتفتون عادةً إلى فقه الحديث، وهذه طامّة كبرى.
ثانياً: إشكالكم على الألباني غير وارد، إذ أنّه يلتفت إلى فقه الحديث ـ عادة ـ، فالقارئ لسلسلته الصحيحة والضعيفة يلتمس أنّه يقرأ الحديث ويدقق ـ أحياناً ـ في متن الحديث، وعنوان السلسلة الصحيحة هي: " سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها "، وفيه إشارة إلى التفات المصنّف إلى فقه الحديث.
وهذا يعني أنّ الألباني كان ملتفتاً إلى هذه النكتة ـ التي اشرتم اليها ـ ولكنّه بدا له أنّها غير تامّة.
حلاً: أولاً: إنّ متن الحديث يوافق بنسبة معيّنة الأحاديث الأخرى، وهذا يصلح للاستشهاد به.
ثانياً: كونه أمر بالتمسّك بالكتاب لا ينفي الطرف الثاني ـ وهو العترة المطهّرة ـ، إذ أنّ الروايات الأخرى تصلح شاهداً لذلك.
ثالثاً: رواية مسلم لحديث الثقلين طالتها أيدي الدسّ، والدليل على ذلك:
أنّ مسلم بن الحجاج روى حديث الثقلين مرّتين في صحيحه، وإليك الروايتين:
الرواية الأولى: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله ، وأثنى عليه، ووعظ و ذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، و من أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به - فحث على كتاب الله و رغب فيه ، ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ".
الرواية الثانية: عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له قد رأيت خيرا لقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه و سلم وصليت خلفه وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان غير أنه قال ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز و جل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة وفيه.
فقلنا من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده ".
الملاحظة: إن الرواية الأولى كاملة نوعاً ما حيث ذكرت الشق الثاني من الرواية ألا وهو: " أهل بيتي "، أمّا الرواية الثانية: فقد ذكرت الثقل الأول، دونه الثاني.
فأين هو الثقل الثاني ؟!!
فهذا مما يؤيّد أنّ أيدي الدسّ والتحريف دخلت على الرواية.
وبذلك نقول:
رواية مسلم تصلح للشواهد، ولو قلنا بعدمها، فإنها لا تعارض الروايات الأخرى.
ـ أمّا بالنسبة للرواية الحاكية بالتمسّك بالقرآن فقط، فنقول: الأمر بتمسّك القرآن لا ينفي عدم التمسّك بالعترة، وإنّما يمكننا الجمع بين الروايتين، بأنْ نقول: هذه الرواية تؤكّد التمسّك بالقرآن، وفي المقابل هناك روايات تأمر بالتمسّك بالعترة ـ دون ذكر القرآن ـ، فمن خلال هذه الروايات نستطيع استخلاص أنّ الأمر وارد للتمسّك بالقران الكريم والعترة الطاهرة.
مما يعضد ما قلناه، أن الثقل الثاني لو صح كونه مما يجب التمسك به،لاعترضه إجمال وإبهام، ورسول الله منزه عن هذا. إذ كيف يأمرنا الرسول صلىالله عليه وسلم بالتمسك بأهل البيت وما عليه أهل البيت دون تفصيلٍ للحدالذي يُعرف به أهل البيت ؟ وماذا لو أنهم اختلفوا في ما أمنوا به واعتقدوه،فمن نتبع منهم ؟
وقد رأينا أن كثيراً منهم اعتنق المذهب الشيعي الزيدي، ومنهم من كان على مذهبأهل السنة والجماعة ، ومنهم من كان من المعتزلة. فلكل أحد من الناس اتباعبعض أولئك، تمسكاً منه بالثقل الثاني ، بحسب ما يراه.
فإن قيل: فكذلكم القرآن له أكثر من تأويل، وكلٌ يذهب بحسب ما يراه من التأويل، ويعد نفسه متمسكاً بالثقل الأول .
قيل له: القرآن معلومٌ وظاهرٌ على الناس بآياته، وفيها المحكم والمتشابه، ولهضابط يضبطه في التأويل، من الأحاديث الصحيحة ونقول السلف. فلا اعتبار لمايتم تأويله بالرأي واتباع الهوى إحقاقاً لمذهب ما، خلافاً للثقل الثانيالذي ليس فيه إلا اتباع أهل البيت ، فالتمسك به متحقق بمجرد اتباع ثلة منعلماء أهل البيت، ومتابعتهم على منهاجهم ومذهبهم.
وعلى ذلك، لا يمكننا النظر إلى ما خفي أمره، وغاب حده، ويصعب ضبطه، وتختلفأحواله باختلاف الظروف والأزمان باعتباره حجة شرعية من الله على الناس، فإنفيه تكليفٌ بما لا يطاق، والغرر فيه ظاهر، والشرع مصون من هذا وذاك.
كما أننا لم نسمع عن أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم يستفصل عن أهل البيتالذي بهم تقام الحجة ويكون الثقل، ولو صح الحديث لانبرى نفر منهم لسؤالالنبي صلى الله عليه وسلم عن تفصيل هذا الثقل الذي به الوقاية من الضلال.
كما لم يرد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه حاجّ خصومه بهذا الحديث ،وقد كان سيد أهل البيت في زمان خلافته الراشدة ، وكافة أهل البيت تبع له.
ويقول علي الفاروق:
وفيه ملاحظات عديدة:
الملاحظة الأولى:عدم قصور الشواهد على مسلم
لقد ذكرنا هذه الملاحظة سابقاً، ولكن ينبغي إلفات النظر إليه مرّة أخرى، إذ أنّه له أهميّة كبرى، وحاصله:
إن حديث الثقلين لديه شواهد صحيحة وحسنة كثيرة، ولا تقتصر على رواية مسلم.
بل رواية مسلم هي من احدى الشواهد.
الملاحظة الثانية: إشكال الإجمال والتفصيل:
لقد ورد: " أن الثقل الثاني لو صح كونه مما يجب التمسك به، لاعترضه إجمال وإبهام، ورسول الله منزه عن هذا. إذ كيف يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمسك بأهل البيت وما عليه أهل البيت دون تفصيلٍ للحد الذي يُعرف به أهل البيت ؟ وماذا لو أنهم اختلفوا في ما أمنوا به واعتقدوه، فمن نتبع منهم ؟ ".
نقول: في الحقيقة هذا الإشكال يرد فيما لو غضضنا الطرف عن الروايات الأخرى، بمعنى أنّنا لو ضربنا الروايات الاخرى عرض الجدار.
أولاً: الإشكال نفسه يرد على القرآن: وقد ذكرتم هذا الاشكال النقضي، وحاولتم الاجابة عنه، ولكنها كانت محاولة فاشلة ـ نوعا ما ـ، فهي لا تحلّ الإشكال، بل هو ـ في الحقيقة ـ التفاف حول الاشكال.
قلتم في الجواب: " القرآن معلومٌ وظاهرٌ على الناس بآياته، وفيها المحكم والمتشابه، وله ضابط يضبطه في التأويل، من الأحاديث الصحيحة ونقول السلف. فلا اعتبار لما يتم تأويله بالرأي واتباع الهوى إحقاقاً لمذهب ما، خلافاً للثقل الثاني الذي ليس فيه إلا اتباع أهل البيت ، فالتمسك به متحقق بمجرد اتباع ثلة من علماء أهل البيت، ومتابعتهم على منهاجهم ومذهبهم ".
ونقول: إنّ الإسلام قد افترق على عشرات الفرق، وكلّ فرقة تستدل ـ ولله الحمد ـ بالقرآن الكريم، وكلّ منها تدّعي أنّ استدلالها صحيح، وأن ظاهر الآيات، والمحكم فيها كذا، والمتشابه كذا، وأنّ السلف الصالح يؤيّد ذلك.
فلماذا نجد كلّ هذه الاختلافات إلى هذا الوقت منذ اكثر من 1400 سنة ؟!
ثانياً: من المعلوم أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم في العديد من المسائل، حيث اختلفوا في:
المسائل العقدية، والمسائل الفقهية، وتفسير القرآن.
وهذا الامر ثابت بالدليل والبرهان، فتلك هي ايات الصفات التي اختلف الصحابة فيما بينهم، هل نجريها على ظاهرها، أم نؤوّلها ؟!
وتلك هي فتاواهم الفقهية المختلفة، في ابواب كثيرة، منها " المتعة وغيرها ".
وتلك هي اراؤهم التفسيرية.
فحدّث ولا حرج في اختلاف السلف.
اذ ان كل فرقة تعتمد على قول السلف، والسلف مختلفون، فكيف نفهم الدين ؟!
القران الكريم: حمّال اوجه، وكل شخص يستطيع الاستدلال بالقرآن.
إذن: القرآن لم يحلّ النزاع.
والسلف الصالح: قد اختلفوا فيما بينهم، وكل شخص يستدل بالسلف.
إذن: السلف لم يحلّ النزاع ايضاً.
فما هو الحل والبديل ؟!!
ثالثاً: هناك قرائن اخرى يمكن من خلالها استلهام اسماء العترة الطاهرة التي يجب على كل مسلم اتّباعهم والتمسك بحبلهم، وهم عِدل القرآن، منها " آية التطهير " ـ من باب المثال ـ، وإليك بعض الآراء:
قال الطحاوي: " فدل ما روينا في هذه الآثار مما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به مما في الآية المتلوة في هذا الباب ، وأن المرادين بما فيها هم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين عليهم السلام دون من سواهم "[1].
وقال المحب الطبري: " في بيان ان فاطمة وعليا والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "[2].
وقال الآلوسي: " وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في " الصحاح " نسله ورهطه الأدنون ، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه "[3].
وقال الآجري: " باب ذكر قول الله عز وجل إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قال محمد بن الحسين رحمه الله : هم الأربعة الذين حووا جميع الشرف ، وهم : علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن والحسين "[4].
وقال البغوي: " وذهب أبو سعيد الخدري، وجماعة من التابعين، منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهما: إلى أنهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين "[5].
وقال البوصيري: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، أكثر المفسرين أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين "[6].
رابعاً: أمّا بالنسبة لعدم ورود النصّ من علي عليه السلام، فإن عدم وصول الخبر لا يدلّ على عدم الاحتجاج، إذ أن عدم الوجدان على يدل على عدم الوجود.
يتبع,,
نسأله تعالى أن يوفّقنا لإكمال هذه الملاحظات العابرة