قال السيد القاضي.عندما تشرف بالإقامة في النجف الأشرف رأيت شيخا من رجال الدين يمشي كالمجنون وهو فاقد لحواسه تماما.
فسألت: هل هذا الشيخ مجنون؟..
فقيل لي: كلا،
ولكنه خرج توا من درس الأخلاق للملا حسين قلي الهمداني وحديث الآخوند يترك أثرا كهذا على حضار مجلسه لعمق وقعه في قلوبهم.)
فما اعظم ان تكون كل حواسك لله تعالى فإذا كانت العين تبصر في سبيل الله تصبح بلاشك اوريب عين الله تعالى وإذا كانت الأذن تسمع في سبيل الله تتحول (أذن الله) وإذا كانت اليد تعمل في سبيل الله تصبح (يد الله) إلى ان يصل الأمر إلى القلب فيكون عرش الله حيث قيل
(قلب المؤمن عرش الرحمان)
وقال الإمام الحسين (ع) (جعلت قلوب أولئك مسكناً لمشيئك)
(الصوم وكذا كل عبادة إنما يعده العوام تكليفا، ويعمل به تكلفا، ولكن الخواص يرونه تشريفا ولطفا من الله جل جلاله، ويرون أن الله في جعل العبادات وايجابها منة عظيمة ونعمة جسيمة على عباده، ويستقبلونها استقبال التشريف لا التكليف بفرح وسرور ونشاط، بل ولذة وحبور من الخطاب.
روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام}
قال: (لذة الخطاب ذهب العناء). وهكذا يجب ان يكون العبد العارف بالله وبحق الله، فان العبد إذا عرف الله أحبه، وإذا أحب الله أحبه الله، فتصير جميع معاملاته مع الله معاملة الحبيب مع حبيبه، وهل رأيت حبيبا مستثقلا عن خدمة حبيبه؟!..
لا سيما إذا كانت الخدمة لطفا من الحبيب وتشريفا، بل دعوة لمجلس المؤانسة وكرامة يلتذ من خطاب التكليف، ويفديه بنفسه ومهجته على قدر محبته، ويراقب في إتيان تمام مراده، ويجتهد في تحصيل كل محابه وإن لم يردها منه، ولا يرى سعيه واجتهاده في ذلك إلا لذة وسعادة،
فيكون الإتيان بمحارب الله جل جلاله من أهم محاب نفسه ومرادتها، فيعمل بها بالشوق التام الكامل، والامتنان من إذن الله ـ جل جلاله ـ له في ذلك، ولا يوجد في قصده غير الله تعالى وغير رضاه، لا يشوبه قصد جزاء وثواب وجنة ونعيم من نعم الله تعالى فضلا عن شوب الرياء والسمعة واطلاع الغير وتحصيل رضاه.
وتفكر يا عاقل في هذا الصوم المعين الخارجي لو أتيت به على ما وصفناه من النيات والقصود، فزت بجيمع ما ورد من الكرامات السنية والمقامات العلية للصائمين والمخلصين وأزيد، لأن فضل الله وكرامته لا تقدر بالبيان، ويخدمك ملائكة الرحمن، بل يطعمك ويسقيك في قيلولتك الملك المنان.
وإن أتيت به رياء وسمعة وجب لك الخذلان، وكنت من عبدة الشيطان، ونوديت بأربعة أسماء: يا غادر!.. يا كاذب!.. يا مرائي!..
واستحقت بذلك النيران. فيا سبحان الله هذا عمل واحد شخصي فما هذا الفرق العظيم إلا من جهة أمر القلوب والنيات.
نعم لو لم يكن أمر القلوب والنيات بهذه العظمة والحيثية لما أنزل الله في كتابه العزيز في سورة والشمس أحد عشر قسما بفلاح من زكاها وخيبة من دساها. فللعاقل أن يبذل تمام جهده وسعيه في إخلاص النيات وتصحيحها والصدق في ذلك).