ا - حديث الثقلين : " . . . إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " حيث يظهر من هذا التوجيه النبوي أن شرط عدم الضلالة هو التمسك بالكتاب والعترة ، وليس من المعقول أن من يحتمل وجود الخطأ أو
الزلل فيه يكون مأمنا من الضلال ، وهذا دليل على عصمة الثقلين ، كتاب الله ( الثقل الأكبر ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأهل البيت ( الثقل الكبير ) .
2 - الآية القرآنية : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن * قال إني جاعلك للناس إماما * قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) ( 1 ) ففضلا عن أن هذه الآية تشير إلى علو منصب الإمامة ورفعته ، فإنها تدل كذلك على أن نيل عهد الله ( إمامة البشرية ) لا يمكن أن يكون من نصيب ظالم ، والخطيئة بصغيرها وكبيرها تجعل من مرتكبها ظالما ، فكان لا بد أن يكون الإمام معصوما عن ارتكاب أي خطيئة أو إثم .
3 - وفي مستدرك الصحيحين ، يروي الحاكم بسنده عن حنش الكناني : " قال : سمعت أبا ذر يقول وهو آخذا بباب الكعبة : يا أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله ( ص ) يقول : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ) ( 2 ) . قال الحاكم . : هذا حديث صحيح الإسناد .
4 - وفي مستدرك الصحيحين أيضا ، بالسند عن ابن عباس : " قال رسول الله ( ص ) : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس " ( 3 ) .
5 - ولمزيد من التوضيح في تبيان تلك المنزلة الرفيعة التي حظي بها أهل البيت ، نذكر بعض الأحاديث المروية في صحيح البخاري والتي تشير إلى نعت أهل البيت بكلمة " عليهم السلام " وقد اختصوا بهذا النعت دون غيرهم من جميع الصحابة وأزواج النبي ،
وهذه أمثلة لذلك كما رواها البخاري في صحيحه : " عن علي عليه السلام قال : كانت لي شارف من نصيبي من المغنم ، وكان النبي ( ص ) أعطاني شارفا من الخمس ، فلما أردت أن أبني
بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله ( ص ) . . . " ( 1 )
وكذلك : " . . . وطرق النبي ( ص ) باب فاطمة وعليا عليهما السلام ليلة للصلاة ) ( 2 )
وفي رواية أخرى : " . . . قال : رأيت النبي ( ص ) وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه . . . " ( 3 )
وكذلك : " . . . عن علي بن الحسين عليهما السلام أخبره . . . " ( 4 ) ،
وقد يقول قائل إن ذلك لا يدل على تميزهم ، ولكن السؤال : لماذا اختصوا بها وحدهم دون غيرهم ؟
.................يتبــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــع........
6 - وقد أمر الرسول صلى الله عليه وآله بأن تكون الصلاة على آل بيته ملازمة للصلاة عليه ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه بالسند عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : أهدي لي هدية ؟
إن النبي ( ص ) خرج علينا فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " ( 5 ) ، ووجه الارتباط في هذا
الحديث بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وآله من جهة ، وبين سيدنا محمد وآله من الجهة الأخرى ، هو أن إبراهيم عليه السلام كان نبيا وآله أيضا كانوا أنبياء ومرجعا للناس من بعده ، وهكذا كان آل محمد الخزانة الأمينة للرسالة المحمدية حيث أن
المسلمين قد أمروا بالرجوع إليهم بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وآله ، إلا أنهم كانوا أئمة وليسوا أنبياء كآل إبراهيم ، وكما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي " ( 1 ) وسيأتي الكلام في هذا الحديث لاحقا .
ويفهم من جميع ما سبق أن الله جل وعلا قد اختص أهل البيت عليهم السلام بالعصمة والتطهير ، بوصفهم من يملأ الفراغ الذي تركه الرسول صلى الله عليه وآله بشأن حمل الرسالة إلى الأجيال اللاحقة ،
وسلامة حفظها من تحريف المحرفين وتشكيك المشككين ، فما هي فائدة سلامة تبليغ الرسول صلى الله عليه وآله للشريعة الإلهية إذا لم تكن لتحفظ بعد رحيله بأيدي أمينة ؟ وما حدث للشرائع السابقة ما فيه الإجابة الوافية على هذا التساؤل ،
حيث أن أتباعها كانوا يأخذون معالم شرائعهم بعد رحيل مبلغيها عن أي من كان ، فحصل التحريف الذي أخبر عنه جل وعلا : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون " ( 2 ) ،
ومن نافلة القول أن حفظ النصوص القرآنية من الزيادة أو النقصان لا يكفي وحده بأي حال من الأحوال لحفظ الشريعة الإلهية من التحريف .
فالإمامة بذلك تعتبر امتدادا للنبوة في وظائفها العامة عدا ما يتصل بالوحي فإنه من مختصات النبوة ، والمقصود بامتدادية الإمامة للنبوة هو حفظ الشرع علما وعملا ، فلزمت عصمة الأئمة للزوم ضرورة نقل التشريع الإلهي للأجيال اللاحقة عن طريق نقية وأصيلة والتي تمثلت بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت النبوي .
اتباع مدرسة اهل البيت فانهم يشترطون في الامام بعد النبي ان يكون معصوما من الذنوب ، منصوبا من قبل الله عزوجل ، منصوصا عليه من قبل نبيه صلى الله عليه وآله ، لقوله تعالى لخليله ابراهيم ( ع ) : " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " ( 1 ) .
إذا فالامامة عهد من الله يخبر نبيه عمن عهد الله إليه كما يخبر عن سائر اوامر الله وأحكامه ، وانه لا ينال عهد الامامة من الله من كان ظالما ، وان كل من لم يتصف بالظلم إلى نفسه ولا إلى غيره فهو معصوم ، وعلى هذا فالامامة عهد وتعيين من الله ، والرسول مبلغ اياها ويلزمها العصمة ، وقد تحقق هذان الشرطان في ائمة اهل البيت ( ع ) كما يلي بيانهما .
عصمة أهل البيت عليهم السلام أخبر الله سبحانه وتعالى بأن اهل البيت وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم معصومون من الذنوب في قوله تعالى : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " ( 1 ).
روى عبد الله بن جعفر بن ابي طالب ( 2 ) قال : " لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرحمة هابطة ، قال : " ادعوا لي ، ادعوا لي " فقالت صفية : من يا رسول الله ؟ قال : " أهل بيتي عليا وفاطمة
والحسن والحسين " ( 1 ) فجئ بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله كساءه ثم
رفع يديه ثم قال : " اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وآل محمد " وأنزل الله عزوجل " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " . وفي رواية ام المؤمنين عائشة ان الكساء كان مرطا مرحلا من شعر أسود ( 1 ) .
وفي رواية الصحابي واثلة بن الاسقع أن رسول الله أدنى عليا وفاطمة أجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه . . . الحديث ( 2 ) .
وفي رواية ام المؤمنين ام سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي : " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس . . . " وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل ( ع ) وعلى وفاطمة والحسن والحسين ( رض ) وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال : " إنك إلى خير ، انك من أزواج النبي " ( 3 ) .
وقد روى غير من ذكرنا شأن نزول آية التطهير كل من :
أ ) عبد الله بن عباس
ب ) عمر بن ابي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله
ج ) أبو سعيد الخدري
د ) سعد بن ابي وقاص
ه ) انس بن مالك وغيرهم ( 1 ) .
واستشهد بها الحسن السبط على المنبر ( 2 ) وعلي بن الحسين في الشام ( 3 ) .
كان رسول الله بعد نزول هذه الآية عدة اشهر يأتي إلى باب دار علي وفاطمة يسلم عليهم ويقرأ الآية . قال ابن عباس : " شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن ابي طالب عند وقت كل صلاة فيقول : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهل البيت ، إنما يريد الله . . . الصلاة رحمكم الله " كل يوم خمس مرات ( 1 ) .
وعن أبي الحمراء ، قال : حفظت رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى باب على فوضع يده على جنبتى الباب ثم قال " الصلاة إنما يريد الله . . . " ( 2 ) .
وقال أبو برزة انه صلى مع رسول الله سبعة أشهر ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة . . . ( 3 ) .
وعن انس بن مالك ستة اشهر ( 4 )
وروى - أيضا - غيرهم في ذلك في هذه الآية ، أخبر الله عن المعصومين في عصر رسول الله خاصة ، وعينهم الرسول بما فعل من نشر الكساء عليهم وقراءة الآية في ملا من أصحابه عدة شهور على باب بيتهم . ان هذه الاية ، وما ورد عن رسول الله ( ص ) من قول وفعل في تفسيرها تكفي دليلا لاثبات عصمة اهل البيت ( ع ) .
ومن الناحية العملية ، لم يسجل التاريخ عن ائمة اهل البيت ( ع ) ما ينافي عصمتهم ، على ان التاريخ الاسلامي دون من قبل علماء مدرسة الخلفاء ، وغالبا ما دونوا في كتب التاريخ الاسلامي ما يجلبون به رضا الخلفاء مدى العصور ، وكان
الخلفاء مدى العصور جادين لاطفاء نور ائمة اهل البيت ( ع ) خشية ميل المسلمين إليهم ( ع ) ومبايعتهم بالخلافة ، ولهذا السبب قتلوا منهم من قتلوا ، وسجنوا منهم من سجنوا ،
وشردوا منهم من شردوا ، وخاصة بنو امية الذين امروا بلعن الامام علي ( ع ) في خطب صلاة الجمعة على منابر المسلمين ، ولم ينج من عذابهم ومطاردتهم محبو ائمة اهل البيت وشيعتهم ومن اعتقد بامامتهم مع كل ذلك لا نجد في التاريخ المدون اية صغيرة أو هفوة نسبت إلى ائمة اهل البيت ( ع ) ، وكفى بهذا دليلا على ان الله عصمهم من الرجس وطهرهم تطهيرا .
كان هذا أهم أدلة مدرسة اهل البيت على عصمة اهل البيت ( ع ) ، وفي ما يأتي بيان بعض النصوص الواردة عن رسول الله ( ص ) في أمامتهم ، وقد قال الله تعالى في حق رسوله : " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي بوحى " ( 1 )
ــــــــــــــ يتبـــــــــــــــــع ــــــــــــ
بتوفيق الله تعالى
ومن احب الاضافه انما تكون نور على نور