|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 64767
|
الإنتساب : Mar 2011
|
المشاركات : 25
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بريق من افاق الامام علي عليه السلام
بتاريخ : 11-04-2011 الساعة : 02:17 AM
بريق من افاق الامام علي (ع)
عدنان عبد النبي البلداوي
ياسيدي يا ابا الحسنين..
اسمح لي ان احبو عند مقتربات عبقريتك ، واهتدي بشعاع الوهج المنبعث من هالة مشكاتك ..
فذا قلمي الضعيف لاتقوى أناملي على احتضانه وهو ماثل امام صرحك المقدس ، فأعذر من امتلكت جنانه وأسرت لبّه...
يا سيدي يا أمير المؤمنين.. عندما خطوت لأكتب عن فروسيتك ، رأيت امامي كل الشجعان يرتدون لامة الحرب ، ويمتشقون السيوف ، ويعتلون الجياد .. رأيتهم متشابهين في عدتهم ولباسهم .. إلا في في قدراتهم وطرائق توظيفهم لآلة الحرب التي بحوزتهم .. وكل سيوفهم متشابهة ..إلا الأكف التي على المقابض..
فما هو سرّ كفك ومقبض سيفك..؟
أيصح أن أقول : إن ذا الفقار يشبه بقية السيوف وهو السيف الذي قدّر له ان يقترن باسمك منذ أن حلّ مقبضه في كفك الشريفة ، فلم تجد قراطيس التاريخ بدا من ان تنحني صاغرة امام المقولة التي ارّخت ذلك الاقتران: لافتى إلا علي لاسيف إلا ذو الفقار
أأقول كما يقولون : إنك الأشجع ، واسم التفضيل هذا من الممكن ان يوصف به أيّ فارس يحقق مضمونه بين فرسان عصره ..فأيّ مصطلح نختار لكي يناسب عالمك البطولي ومواقفك النادرة ..وأيّ موقف من هذه النوادر هو أكثر تجسيدا لمضمون هذا المصطلح المرشح للإختيار..؟
أهو موقفك الذي انحنى له التاريخ وانت في بواكير جهادك ..لحظة وجدوك مكان ابن عمك المصطفى ، تلك اللحظة التي هي ليست من بديهيات النزال في المعارك ، وليست من بديهيات الأرق والترقب الملحمي ، لأن الشجعان في التلاحم الذي تشهده ساحات الوغى يثبتون وينازلون خصومهم بما لديهم من سلاح وقوة ، أما ان تخرج الى الموت طائعا مطمئنا بدون سلاح ، وتنام على فراش رسول الله صلى الله عليه واله ملتحفا ببرده اليماني ، يملأ نفسك الإيمان والثقة بسلامة من تفدي نفسك في سبيله ، فهذا مالم يحدث في تاريخ البطولات ، ولكنه حدث معك ، لأن الله عزوجل أرادك الاستمرار الطبيعي لرسوله الأعظم ، وكافأك عز وجل على فعلتك هذه فأنزل بحقك قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) البقرة/207 ،وقد اجمع عشرات المفسرين على ان هذه الاية قد نزلت بحقك في هذا الحدث ، ومنهم على سبيل المثال: (الامام احمد بن حنبل في مسنده 1/221 - والطبري في تاريخه 9/110 –والحاكم في المستدرك 2/4 – والثعلبي 2/276). وللشعراء بصمتهم ايضا :
ومواقف لك دون أحمد جاوزت
بمقامــك التعريـــف والتحديدا
فعلى الفراش تبيت ليلك والعدا
تـــــهدي اليك بوارقا ورعودا
فــــرقدت مثلوج الفؤاد كأنما
يهدي القراع لسمعك التغريدا
وهل جولانك في ساحات الوغى إلا ومضات نورانية تدل دلالة واضحة على انها مدافة بمستلزمات النصر المؤزر ببركة منه جل وعلى ، في ساعات الحسم وارتقاب النتائج.. وما حصل لك ياسيدي مع عمروبن ود العامري من مساومة حادة في ساعة المبارزة الا احدى نوادر الشجاعة وفرائد الايمان لحظة قلت له :
يا عمرو انك كنت اخذت على نفسك عهدا ان لا يدعوك رجل من قريش الى احدى خلتين الا اجبته الى واحدة منها ) فقال : اجل .. فقلت له ( اني ادعوك الى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، فقال : اما هذه فلا حاجة لي فيها ، فقلت له : فإذا كرهت هذه ، فإني ادعوك الى النزال ، فقال: ولم يابن اخي ، فما احب ان اقتلك ، ولقد كان ابوك صديقا لي ، فقلت له : اما انا والله فأحب ان اقتلك ، فتارت ثائرته وجرى ما جرى..
فأيّ شجاع يتعامل مع خصمه في لحظات حاسمة كهذه ..؟
اذن فشجاعتك يرافقها مالم يرافق فارسا او شجاعا آخر من نــَفـَس مقدس وسمّو فريد ، قد افصح عن هيمنته في النفوس ، بما عبّرتْ عنه اختُ ذلك القتيل ساعة سألت عن قاتله ، فقيل لها : علي بن ابي طالب ، فقالت : كفء كريم ، ثم انصرفت وهي تقول:
لو كــــــان قاتل عمرو غير قاتله
لكنت ابكي عليـــــه اخـــــر الأبد
لــــــكن قاتله مـــــــن لايـُعاب به
وكـــــان يُدعى قديما بيضة البلد
من هاشم في ذراها وهي صاعدة
الى السماء تميت الناس بالحسد
قــــــوم ابى الله الا ان يكون لهم
مكارم الدين والدنيا بـــــــــلا امد
وهكذ دوّتْ ضربة علي في يوم الخندق ، وكان لها صداها وأثرها في الحسابات العسكرية ، وهذا يعني ان رعاية متواصلة قد خصّك بها عز وجل ليجعل نصر المسلمين على يديك ، ولأن ذلك برضاه وارادته ، فقد شاء ان يوثق ذلك بقوله تعالى(وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوبا عزيزا) الاحزاب /25 وقد روى المفسرون واصحاب السير بالنص(ان سبب نزول هذه الاية الكريمة هي عندما قتل الامام علي (ع)عمرو بن ود العامري في يوم الخندق ،وممن ذكر ذلك المحدث الشافعي في كفاية الطالب ص110 – وابو حيان الاندلسي المغربي في البحر المحيط 7/224 –والسيوطي في الدر المنثور 6/590 – والالوسي في روح المعاني 21/156 – والقندوزي في ينابيع المودة ص94- وابن عساكر في تاريخ دمشق .) ثم ان الوسام الذي منحه اليك المصطفى (ص) بقوله برز الإيمان كله الى الشرك كله) هو قول رسول كريم لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ، فاينما ومتى ذكر ويُذكر (الايمان) في كتاب الله تعالى وفي احاديث الرسول (ص) واقوال آله الاطهار يتجسد مضمون هذا الوسام الذي بقيت نورانيته معينا لاينضب من استنهاض البطولة والشجاعة في كل زمان ومكان..
أجل ، انها النورانية التي لمسها كثير من من الفرسان واحسوا ببركتها ، فراحوا يعبّون من ضَوْعها وأريجها ، ولم يكتفوا بذلك حتى دفعتهم التجربة والثقة العالية بما وهبك العلي القدير من الكرامات الى ان يكتبوا اسمك المبارك على مقابض سيوفهم ، وتلك رواية موثقة في متاحف العالم ، حيث تشخص هناك في رفوفها جملة من السيوف الاجنبية وقد كتب على مقابضها اسمك الشريف بلغتهم تفاؤلا بالغلبة والنصر ( روى هذه المعلومة في مجالس بغداد الثقافية المؤرخ الدكتور حسين امين) ، وهذه المعلومات التي وثقتها المتاحف الأثرية في المانيا وغيرها قد تعززت لدينا بما ذكره ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة بقوله:
( ما اقول في رجل يحبه اهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة ، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة ، وتصور ملوك الإفرنج والروم صوره في بيوتها حاملا سيفه ، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على اسيافها..) شرح نهج البلاغة ص 324
أجل .. اننا بحاجة الى مصطلح بطولي يرقى الى مستوى قصة ملحمية عنوانها (باب خيبر) القصة العسكرية التي حصلت مع اكثر يهود الحجاز عددا وأمنعهم حصونا ، وفيهم من الابطال والشجعان ما ذاع صيته في انحاء الجزيرة بكاملها ، انهم يهود خيبر الذين ذهلوا بذي الفقار وهو يتخبط صناديدهم..
واذا هيمن سناك يا ابا الحسنين على قلوب الفرسان من غير المسلمين فطمأنها اسمك على مقابض سيوفهم ، فقد حظيت قلوب المفكرين والأدباء من غير المسلمين ايضا بذلك السنا المبارك ، وإلا فما الذي جعل توماس كارليل يقول في كتابه ( الابطال) :
( اما علي فلا يسعنا إلا ان نحبه ونتعشقه ، فإنه فتى كبير النفس جليل القدر يفيض وجدانه رحمة وبرّا ،ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة ، وكان اشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورأفة وحنان.. )
وما الذي جعل الباحث روكس العزيزي يقول في كتابه –الامام علي اسد الاسلام وقديسه - :
) بتواضع عميق اتقدم اليك يا ابا الحسن ، وبشئ كثير من التهيب اتقدم بهذا البحث الى لجنة العلماء التي ألمّ كل عضو من اعضائها بكل دقائق الموضوع اشد الإلمام .. هي تحية إعجاب ، بل هدية اعجاب يا ابا الحسن ، والهدية لاترد وإن تفُهتْ ، ولاسيما اذا كانت مجردة من الأغراض .. إلا الإعجاب الشديد بإنسانيتك وبطولتك وعظمتك .. فلقد كنت مثالا فذا في الإنسانية والبطولة ، فأنت عظيم حقا ، ولو لم تكن كذلك ما استطاع تأثيرك ان يمتد الى قلبي ويحركه بعد أجيال متطاولة ، فأنا لست مسلما ، ولست من شيعتك يا اسد الاسلام وقديسه ، ولكني احد الذين يعظمون البطولة ويعجبون بالعبقرية ويقدسون الإنسانية)
وما الذي جعل بولص سلامة يؤلف ملحمة بعنوان ( عيد الغدير ) يقول في مقدمتها :
( لربَّ معترض يقول ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة اسلامية بحتة ..؟
أجل انني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للعالمين.. اجل انني مسيحي ينظر من أفق رحب ، لامن كوة ضيقة .. مسيحي ينحني أمام عظمة رجل .. وقد يقول قائل : ولِمَ آثرت عليا دون سواه من اصحاب محمد بهذه الملحمة ..؟
ولا أجيب على هذا السؤال إلا بكلمات ، فالملحمة كلها جواب عليه وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون ويقولون رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام، ويذكره النصارى في مجالسهم ويتمثلون بحِكمِه ويخشعون لتقواه، ويتمثل به الزهاد في الصوامع ، فيزدادون زهدا وقنوتا ، وينظر اليه المفكر فيستضيئ بهذا القطب الوضّاء ، ويتطلع اليه الكاتب الألمعي فيأتم ببياته..)
وبعد .. يا ابا الحسنين ماذا اقول بعد هذه المضامين المشرقة التي سجلها التاريخ لغير المسلمين..
أأقول إنك الدر والذهب المصفى كما قالوا ..؟ .... وليكن ذلك ، ولكن ما قيمة الدر والذهب اذا حُجبتْ فوائدُه عن الناس ، وعبقريتك الى الآن وحتى قيام الساعة هي النور الذي يهتدي بجوهره وبريقه كل المؤمنين برسالة المصطفى المختار (ص).
فمتى نطق الذهب وسحر الألباب ببلاغته..؟
ومتى تحدث الدر فلفت الأنظار الى روائعه..؟ وعبقريتك لن يخفت وميضها ولن يتخافت لمعانها ..
ثم كيف اصفك واشبهك بمعدن انت مقـَتّه طيلة حياتك حتى أرغمته على ان يركع عند مقتربات علمك ، العلم الذي لم يمنح لأحد بعد رسول الله (ص) القائل : انا مدينة العلم وعلي بابها.
أم أقول : علي شمس الضحى .. وليكن ، ولكن الشمس قد قـُدّر لها ان تشرق وتغرب ، وانت ياسيدي يا ابا الحسنين منذ ولدت في اقدس مكان على الارض ، ما شهدتك الاجيال انك غربت عنها لحظة واحدة .. فأنت للفارس استنهاض لن يغرب ، ولصاحب القلم مداد بلاغي دائم الاشراق ، ولذوي الحِجا دليل قاطع ونبراس كـُتب عليه دوام التوهّج...
فبأيِّ الكلمات يصف اليراعُ شأنك ومرتقاك، ياربيب خاتم الرسل، ياعالما بطرق السموات اكثر منه بطرق الارض..!
من أين يبدأ والى اين ينتهي واي جانب يتناول..؟
أيقف عند عدلك ... أم عند تقواك.... أم عند صبرك.... ام عند زهدك..... أم عند مفردات حياتك اليومية ، وانت تتعامل مع حواليك تعاملا عجزت المثل العليا نفسها عن تقييمه.. حتى ملكت به جميع القلوب التواقة الى نور الهداية ، فأحبك رب الاسرة ، وربة البيت ، وأبناؤهم .. لأنهم جميعا لم يجدوا بابا لحياة سعيدة آمنة مطمئنة صافية نقية مفعمة بالمعرفة .. أوسع من بابك الذي جعله سيد الرسل مدخلا لمدينة علمه.. انه حبٌّ توغل في اعماق الغرْس العائلي فباركه الله تعالى وبارك ثماره..
ان علم النفس ليَحار في تفسير ما جبلت عليه نفسك من مراعاة دقيقة وحساسة لمشاعر الاخرين ، حتى انك عجّلتَ بالتصدّق بخاتمك وانت تصلي في المسجد بمحضر من النبي (ص) وجمع من المسلمين، لأنك رأيت بحكم خبرتك وعلمك بأسرار النفس الانسانية ان التأخير لحين إتمام الصلاة ربما يفهمه الفقير إصرافا له ، فطيّبتَ خاطره ،فجزاك رب العزة بأن انزل بحقك قوله تعالى (انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون) المائدة /55
وقد ذكر جمع غفير من العلماء والمفسرين سبب نزول هذه الاية الكريمة ، ومنهم : السيوطي في الدر المنثور 2/ 293 –والرازي في تفسيره 2/618 – والزمخشري في الكشاف 1/154 – والبيضاوي في تفسيره ص 154 – والنيسابوري في تفسير غرائب القران 2/84 –وكذلك البيهقي ومجاهد والحسن البصري وغيرهم)
لقد شاء الله تعالى ان تنفرد بكل فريد ومتميز حتى في استشهادك الذي قدر له ان يكون في مسجد الكوفة ساعة هوى سيف الرذيلة على هامة الفضيلة .. الإستشهاد المقدس الذي رافقه هتافك الخالد ( فزت ورب الكعبة) الهاتف المدوي الذي قطعت به الرؤوس العفنة التي ارادت بالاسلام تعثرا واندثارا..
أجل قطعتها ولكن هذه المرة بلا قراع ولا نزال .. حتى اصبح ذلك امتدادا لسلسلة انتصاراتك،ومدادا منيرا تستضيئ به سطور التاريخ في كل زمان ومكان ، فكان تحصبله خيبة أمل كبيرة لمن خيّل اليهم انك بضربة ابن ملجم سوف تندثر وينقطع أثرك وتأثيرك، ولكن مداركهم المريضة الضيقة هذه لم تسعف مخيلتهم الآسنة ،بأن الحقيقة أية حقيقةلايمكن اغتيالها ، وان النور المقتبس من هالة سيد الرسل (ص)يبقى وهجه مستطيلا في الافق ، لانه نور هداية للعالمين اجمع،على مرّ الفرون وكر السنين ، فلا عجب ان رافقتك العدالة الى اخر لحظة في حياتك السامية ، وانت تنظر الى عاقبة الامور نظرة الحكيم المجرب الحليم العادل الحريص على دماء المسلمين ،لكرامتها وقداستها ومكانتها عند الله تعالى ، فقلت: ( النفس بالنفس ان انا مت فاقتلوه كما قتلني ،وان بقيت رأيت فيه رأيي،يابني عبد المطلب لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين ،تقولون قتل امير المؤمنين ..ألا لا يقتلن الا قاتلي ، انظر يا حسن ان انا مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ،ولاتمثل بالرجل فاني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور).
فأي مطعون بضربة مميتة يوصي كوصيتك هذه...؟
لاغرابة ولاعجب ..فوسام ( علي مع الحق والحق مع علي )الذي لن يمنح لغيرك بهذا السبك والتوثيق الذي كان ولازال والى قيام الساعة يستنهض العدل والمروءة والانصاف ، باثا بريقه من حروف اسمك المبارك وسطور نهجك البلاغي العظيم وفيئ قبتك البيضاء:
صلى الإله على جسم تضمنه
قبر فاصبح فيه العدل مدفونا
قدحالف الحق لايبغي به بدلا
فصار بالحق والايمان مقرونا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: الموضوع محاضرة القاها الكاتب في مجالس بغداد الثقافية ثم زادها وهي الان كتاب من اصدارات مؤسسة البلداوي الثقافية للطباعة-بغداد -
|
|
|
|
|