|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 4358
|
الإنتساب : Apr 2007
|
المشاركات : 149
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
بيان سماحة آية الله السيد كمال الحيدري بشأن الأحداث الجارية في اليمن
بتاريخ : 12-03-2011 الساعة : 03:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنجبين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر ونحن نتقاسم مع شعوبنا العربية المجاهدة تطلعاتها وأهدافها، ونشاركها آلامها وآمالها، وهي تزحف بجموعها المهيبة إلى الشوارع والساحات العامة مطالبة بالتغيير. وقد أحزننا ما رأيناه عبر وسائل الإعلام من قمعٍ وعنفٍ وقع من قبل أجهزة تلك الدول التي حدثت فيها الاحتجاجات على أولئك المتظاهرين العزّل، وقد زادنا ذلك كله إعجاباً وتعجباً بكل ما يجري من أحداث:
إعجاباً بتلك الجماهير الواعية الصابرة وما تتمتع به من إرادةٍ صلبةٍ وعزيمةٍ بطوليةٍ على تحقيق ما وضعته من أهداف نصب أعينها.
وتعجباً من مدى غطرسة حكّام تلك الدول وعنفهم واستخفافهم بكرامة تلك الشعوب وتجاهلهم لإمكانياتها ورؤاها ومطالبها.
لقد حاولنا في بيانات سابقة أصدرناها بشأن هذه الاحتجاجات والانتفاضات أن نسلّط بعض الضوء على خلفياتها والأزمات التي انبثقت عنها، وأن لا نكتفي بمجرد عبارات الاستنكار لما تفعله أجهزة تلك الدول والتضامن مع مطالب المنتفضين، وقد أشرنا هناك إلى أهمية أن يلاحظ المعنيون بتلك الانتفاضات الرسالة الصريحة التي تبعثها تلك الشعوب بمسيراتها هذه المتمثلة بقناعتها بفشل ما قدّمه هؤلاء الحكّام والنخب الثقافية المرتبطة بهم من مفهوم للدولة وإيديولوجيتها وطبيعة مؤسساتها وأسسها الفكرية وبرامجها التنموية.
إن أروع ما كشفت عنه هذه الانتفاضات العربية للعالم هو أمران:
الأمر الأول: فشل مفهوم الدولة القائم على الغلبة والاستئثار بالسلطة، وخواء توجهات تلك الدولة التي أخفقت "داخلياً" حين عجزت عن استيعاب التنوع السياسي والثقافي والديني والعرقي لأبنائها واستحصال ولائهم الذي هو الحجر الأساس في الشرعية الحقيقية. كما عجزت أيضاً عن تقديم مفهومٍ متطورٍ وفعَّالٍ عن التنمية البشرية والاقتصادية، وخلق فرص أفضل للعيش يتمتع بها الجميع بدون تفاضل أو تفاوت.
وأخفقت "خارجياً" حين فشلت في بناء دولةٍ قويةٍ مستقلةٍ في علاقاتها الدولية تتمتع بسيادة حقيقية وترعى مصالح شعبها عبر تبادل المصالح بنحو متوازن.
الأمر الثاني: أن إرادة تلك الشعوب الثائرة لا يمكن اختزالها ببعض الأمور المطلبية المؤقتة وأنها شعوب حرة لا تقبل الهوان ولا ترضى بالذل. نعم، قد تصبر ولكنها لا تستسلم، وقد تقمع ولكنها لا تتراجع، وقد يقتل أو يعتقل بعض أبنائها ولكنها لن تعجز عن ولادة أجيال حرة جديدة لها نخبها الجديدة الواعية المبدعة الطموحة التي تقود مسيرتها نحو التغيير والإصلاح.
لقد سبق وأن أعلنا موقفنا من الأحداث التي شهدتها - ولا زالت- بعض دولنا الشقيقة في تونس ومصر والبحرين وليبيا أيدَّنا فيها مطالب المحتجين وشَدَدْنا على أيديهم ودعونا المسؤولين في تلك الدول إلى تجميد أجهزتها القمعية والاستماع إلى أصواتهم، وإننا اليوم نعلن أيضاً عميق حزننا على ما يحلّ بالمتظاهرين في جمهورية اليمن الشقيق من قمعٍ واستهدافٍ بالرصاص الحي، معربين عن قلقنا من سياسة النظام اليمني في تعاطيه مع أبناء شعبه لا سيَّما تلك السياسات التي من شأنها تمزيق وحدة البلاد واستعداء بعض أبنائه على البعض الآخر.
إن التاريخ النضالي الموغل في القدم للشعب اليمني العزيز يشير إلى حقيقة لا يكاد يجهلها متابع؛ هي عبارة عن شجاعة هذا الشعب الكريم وإرادته الحرة المستقلة وتمسكه بمبادئه وخياراته بكل صلابة وبسالة، ورفضه لكل ألوان الظلم والفساد، ونصرته لما يؤمن به من قضايا عادلة وخيرة وشريفة .. وليس هناك ما هو أوضح في التعبير عن هذه "الروح اليمنية" المجاهدة مما تجمع عليه كتب التاريخ عن الدور المشرف الذي لعبته قبائل اليمن في تاريخ صدر الإسلام وما حفلت به مصنفات علمائه الأفذاذ.
إنني وفي الوقت الذي أنأى بنفسي عن التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لأيِّ بلدٍ أو أيِّ شعبٍ كان؛ وذلك وفقاً لما أفرزته تجربتنا الفكرية في حقل الفلسفة السياسية وتداخلاتها اليومية الشائكة، إلا إنني وبصفتي واحداً من أبناء هذه الأمة العظيمة أجد أن لا مسوَّغ لي بأن لا أنحاز إلى إرادة تلك الجماهير المطالبة بالإصلاح، والتضامن مع مطالبها المشروعة وأهدافها النبيلة بل واحترام جميع ما تفضي إليه من خيارات على الصعد كافة، طالما أن هذه الخيارات تمثِّل رغبة الشعب ذاته في نمط حياته.
إنني أدعو أصحاب القرار السياسي في اليمن الشقيق إلى الإنصات لهذا الشعب الكريم والكف عن إراقة دم أبنائه البررة الخيِّرين، والاتعاظ من تجارب الحكومات العربية الأخرى التي شهدنا في الأسابيع القليلة الماضية تهاويها وانقراضها .. وليعلموا أن كل قطرة دم طاهر تراق ظلماً ستتحول إلى عزيمة لا تلين تطيح بكل أوهام القوة والمنعة.
قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (غافر: 51-52).
حفظ الله اليمن وباركه وأعزَّه
حفظ الله شعبه الشجاع الأبيَّ الكريم، وأدامه سنداً وذخراً للإسلام، وتغمد شهداءه بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جنانه إنه سبحانه عزيز حكيم
والسلام عليكم وعلى جميع عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته
كمال الحيدري
5/ ربيع الثاني/1432 هـ
|
|
|
|
|