ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت ، فسبحوا بتسبيحنا ، ولولا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله . ثم خلق الله الأرض فكتب على أطرافها : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أمير المؤمنين وصيه ، به أيدته ، وبه نصرته ، فبذلك يا جابر قامت السماوات بلا عمد ، وثبتت الأرض .
ثم خلق الله تعالى آدم من أديم الأرض ، ونفخ فيه من روحه ، ثم أخرج ذريته من صلبه ، فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية ، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة ، ولعلي بالولاية ، أقر منهم من أقر ، وجحد منهم من جحد ، فكنا أول من أقر بذلك . ثم قال لمحمد : وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولولا علي وعترتكما الهادون والمهديون الراشدون ما خلقت الجنة ، ولا النار ، ولا المكان ، ولا الأرض ، ولا السماء ، ولا الملائكة ، ولا خلقا يعبدني . يا محمد أنت حبيبي وخليلي وصفيي وخيرتي من خلقي ، أحب الخلق إلي ، وأول من ابتدأت من خلقي .
ثم من بعدك الصديق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وصيك به أيدتك ونصرتك ، وجعلته العروة الوثقى ، ونور أوليائي ، ومنار الهدى ، ثم هؤلاء الهداة المهتدون ، من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت ، فأنتم خيار خلقي وأحبائي وكلماتي وأسمائي الحسنى ، وأسبابي ، وآياتي الكبرى ، وحجتي فيما بيني وبين خلقي ، خلقتكم من نور عظمتي ، واحتجبت بكم عن من سواكم من خلقي ، أستقبل بكم وأسأل بكم ، فكل شئ هالك إلا وجهي ، وأنتم وجهي ، لا تبيدون ، ولا تهلكون ، ولا يهلك ، ولا يبيد من تولاكم ، ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى ، وأنتم خيار خلقي ، وحملة سري ، وخزان علمي ، وسادة أهل السماوات وأهل الأرض .
ثم إن الله تعالى هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام والملائكة وأهبط أنوارنا أهل البيت معه ، فأوقفنا صفوفا بين يديه ، نسبحه في أرضه ، كما سبحناه في سمائه ، ونقدسه في أرضه ، كما قدسناه في سمائه ، ونعبده في أرضه ، كما عبدناه في سمائه .
فلما أراد الله إخراج ذرية آدم لاخذ الميثاق ، سلك النور فيه ، ثم أخرج ذريته من صلبه يلبون ، فسبحنا فسبحوا بتسبيحنا ، ولولا ذلك لما دروا كيف يسبحون الله عز وجل ، ثم تراءى لهم لاخذ الميثاق منهم بالربوبية ، فكنا أول من قال : بلى عند قوله : الست بربكم ؟ ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد ، ولعلي بالولاية ، فأقر من أقر ، وجحد من جحد .
ثم قال أبو جعفر : فنحن أول خلق ابتدء الله ، وأول خلق عبد الله ، وسبحه ، ونحن سبب خلق الخلق ، وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين ، فبنا عرف الله ، وبنا وحد الله ، وبنا عبد الله . وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه ، وبنا أثاب الله من أثاب ، وعاقب من عاقب ، ثم تلا قوله تعالى : ( وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) وقوله تعالى : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) .
فرسول الله أول من عبد الله ، وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك ، ثم نحن بعد رسول الله .
ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام ، من صلب إلى صلب ، ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله ، وشرف الذي استقر فيه ، حتى صار في عبد المطلب ، فوقع بأم عبد الله فاطمة ، فافترق النور جزئين : جزء في عبد الله ، وجزء في أبي طالب ، فذلك قوله تعالى : ( وتقلبك في الساجدين ) يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم ، فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام ، حتى أخرجنا في أوان عصرنا وزماننا ، فمن زعم أنا لسنا ممن جرى في الأصلاب والأرحام ، وولدنا الآباء والأمهات فقد كذب .
3 - محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد ، عن أبي الفضل عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني فأجريت اختلاف الشيعة ، فقال : يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثم خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها ، وأجرى طاعتهم عليها ، وفوض أمورها إليهم فهم يحلون ما يشاؤون ، ويحرمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى .
ثم قال : يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق ، ومن تخلف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، خذها إليك يا محمد .
4 - وعنه ، عن الحسين ، عن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل ، عن جابر بن يزيد ، قال : قال لي أبو جعفر : يا جابر إن الله تبارك وتعالى أول ما خلق ، خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله .
قلت : وما الأشباح ؟ قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحدة ، وهي روح القدس فيه كان يعبد الله ، وعترته ، ولذلك خلقهم حلماء علماء ، بررة أصفياء ، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ، ويحجون ، ويصومون .