التنازل، التسامح، التساهل، مرادفات لمعنى واحد منقذ لسفينة الزوجية، وخاصة عندما تهب عليها رياح شديدة، وأمواج عاصفة، وهنا يبدأ اختبار الحياة الزوجية وامتحانها.
لكن التنازلات في الحياة الأسرية ارتبطت دائماً بشخصية المرأة، فلماذا تتنازل المرأة دائماً؟ ومتى تقدم هذه التنازلات؟ ولمن ؟ وكيف يقدر الرجل منها ذلك؟ وما تأثير ذلك على شخصيتها؟ وأخيراً هل التنازل قوة للمرأة أم سيف مسلط يقهرها؟
في البداية اتفق بعض الزوجات في حوارات متفرقة وغير مخطط لها على أن الصمت، والانحناء للعواصف الزوجية ضرورة في كثير من الأحيان, وأن التنازع بين الزوجين يفسد الحياة- فكلاهما مطالب بالتنازل أحياناً، لأن قصر التنازل على الزوجة فقط غبن لها، ولو لم يقدر الزوج تنازلات زوجته فستسوء العلاقة بينهما إلى أقصى حد، كما اتفقن وهن متزوجات منذ فترات مختلفة على أن للتنازل حدوداً وأن تفويت ما يمس الكرامة مرفوض تماماً.
تنازلاتها قوة
توضح الدكتورة/ عزة كريم أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن التنازلات داخل الأسرة أمر مطلوب من المرأة والرجل، لكن مجتمعاتنا الشرقية ما زالت ترى في المرأة صورة الأم المضحية دائماً من أجل إسعاد أفراد أسرتها وتقول: إن تضحيات المرأة كثيرة ومتعددة وتبدو في أكثر من صورة، فهي الزوجة المطيعة المقدرة لظروف زوجها المادية والاجتماعية والنفسية، وهي الأم المضحية براحتها من أجل إسعاد وراحة الأسرة وتلبية احتياجاتها.
والبعض يفسر تنازل المرأة على أنه ضعف منها، ولكن عندما يتنازل الإنسان، أو يضحي بشيء من أجل هدف أسمى وأهم فإنه في هذه الحالة لا يكون ضعيفا، بل على العكس هو قوي بإرادته القوية التي جعلته يتنازل عن شيء مقابل تحقيق نتيجة إيجابية.
وأمام هذه الصور المتعددة لتضحيات وتنازلات المرأة يجب على الرجل أن يقدرها ويمتدح فيها هذه التضحيات، ولا يستغلها بشكل سلبي أو ينظر إليها على أنها أضعف في شخصيتها.
التغاضي لا التنازل
الباحثة فاطمة الزهراء محمد المعيدة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة والباحثة بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي تتحفظ على كلمة التنازل بالنسبة للمرأة داخل الأسرة فتقول: أعتقد أن التنازل يرتبط أكثر بطبيعة العلاقة المادية، أما داخل الأسرة فالعلاقات يغلب عليها الطابع الاجتماعي المعنوي لذا أفضل لفظة التغاضي على التنازل.
وعندما تتنازل المرأة فهي تعلي قيمة المصلحة العامة للأسرة على مصلحتها الذاتية، لأنها تعي جيداً أن أهم وظائفها هو الحفاظ على الكيان الأسري إيمانا بأهمية الأسرة، كأساس للمجتمع وهي في أسرتها محور للتماسك والتضامن، وقادرة على تغيير كل شيء للأصلح بدءاً من الزوج، وحتى الأبناء.
والإغضاء- هو إنكار للذات يقابله الأنانية، وهو إعلاء لقيمة الذات، أما الأنانية داخل الأسرة فهي سبب كاف لفشلها وتفككها.
وينبع إنكار الذات من شعور الإحساس بالآخرين، واحترامهم وحبهم، والإنسان السوي يعطي ولا يشعر بأنه تنازل طالما أن الأسرة يسودها جو التكافؤ، والاستقرار والمرأة بطبيعة دورها كأم خصها الله- عز وجل- بفرط مشاعر تتنوع بين الحب والعطف، والرعاية، والحنان تشمل بها أبناءها.
فالأم تعايش أبناءها لفترات أطول وأعمق، لذا فهي تكون – في الغالب- أكثر فهماً وتعاطفاً معهم من الأب، ومن ثم أكثر عطاءً.
فهي تسهر على راحة الأسرة كلها أكثر من راحتها وتُسخّر كل ما تملك من إمكانات مادية، وصحية وعمرية للأسرة، وغالباً ما تكون نظرتها أشمل للأمور الأسرية.
إيجابية وسلبية
الباحثة/ رضا عبدالستار بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية تقول:
إذا كان التنازل طواعية وتقديراً للأمور من جانبها فإنه يكون تنازلا إيجابيا هدفه أن تسير الحياة داخل الأسرة كما تشتهي الأنفس، لكي تمضي الحياة الاجتماعية، والمادية للأسرة كما يجب، وهو تنازل لا يضرها لكنه يفيد الجميع.
وقد يكون تنازل المرأة سلبيا إذا تم قهراً أو بالإجبار فيكون سيفا يقهر إرادتها ويرغمها على القبول بشيء ما، لا يقبله الحر لنفسه مثلا أو لا يرضى به الشرع، وقد تكون المرأة وقتها في حالة خوف يدفعها إلى التنازل، خوفاً من الموقف الذي تتعرض له، أو خوفاً من المستقبل نفسه مما يترتب عليه اللوم لنفسها، فيؤثر ذلك على حالتها النفسية، ويفقدها الرؤية الصائبة، والتفكير السليم للحياة، ولا يرتبط التنازل بضعف شخصيتها، أو قوتها، فالمرأة التي تعمل على تحقيق التوافق في حياتها الأسرية شخصية طبيعية سوية.
وقد تكون المرأة طموحةً للغاية، ولديها المال والجاه الخ، لكن عدم تنازلها يصدمها بالواقع وبذلك تكون ضعيفة الشخصية.. إذن فالأمر نسبي.
وعن تقدير الرجل لتنازلات المرأة داخل الأسرة تقول الباحثة رضا عبدالستار: إن هذا التقدير لا يضمنه سوى تكافؤ العلاقات بين الزوجين فالزوج يستحق التنازل ويقدر لها ذلك لذا فهي تعذره وتقدر ظروفه وتتنازل، والعكس صحيح، وهكذا لا يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان.