يثار خلال الفترة الأخيرة... موضوع انتشار التشيع في مصر، وعلى الرغم من ايماني المطلق بحرية الانسان في أن يعتقد فيما يشاء وما يتوافق مع قناعاته، اضافة الى خطورة صب الزيت على النار وتعميق الهوة بين السنة والشيعة، بالنسبة للكثيرين... فانهم لا يفهمون تعلق المصريين بآل البيت، هذا لا علاقة له بالتشيع، ولكن يتصل بميراثهم الروحي، ولذلك يحتاج الأمر الى تأمل وفحص.
منذ قدوم السيدة زينب الى مصر، احتضن المصريون أغصان الدوحة الطاهرة من آل بيت الرسول - عليه الصلاة والسلام - تعلقوا بهم وهم أحياء بينهم، وحفظوا سيرتهم بعد رحيلهم، وأضفوا مكنونهم الثقافي والروحي على صفائهم، واقتدوا بهم وأطلقوا أسماءهم على الأبناء والأحفاد، والصفات أيضا.
نسمع أسماء في مصر يندر وجودها في بلاد أخرى مثل «نبوي» للمذكر، و«نبوية» للمؤنث، أما «حسن» و«حسين»، و«زينب» و«نفيسة» و«رقية» و«سكينة» و«عائشة» و«زين العابدين» فمن أكثر الأسماء شيوعا في مصر، وطبعا من قبل ومن بعد «محمد» و«أحمد».
ولو أن احصاء دقيقا أجري سنجد أن أكثر من ثلاثة أرباع المصريين تدور أسماؤهم بين محمد وأحمد... والبقية تحمل أسماء الدوحة الطاهرة.
من دخل مصر بجسده له ضريح ومزار في المكان، وفي الزمان موعد يتجدد كل عام، يتم الاحتفال فيه بذكرى مولد كل منهم، وأسبوعيا لكل منهم حضرة، والحضرة لحظة نادرة، مكثفة عند القوم، يتم خلالها استحضار معنوي وروحي لشخص الحبيب الراحل... بحيث يردد كل انسان الأوراد والأذكار... فيتمثل الغائب الذي يتحقق حضوره أسبوعيا بكل ما يعنيه من قيم.
لمولانا وسيدنا الحسين... حضرة يوم «الجمعة» صباحا.
لمولانا وسيدنا علي زين العابدين... حضرة مساء «السبت».
للسيدة نفيسة... حضرة مساء «الأحد»
للسيدة فاطمة النبوية... حضرة مساء «الاثنين».
للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب... حضرة مساء «الثلاثاء»
للسيدة سكينة... حضرة مساء «الأربعاء»
للسيدة نفيسة... حضرة أخرى مساء «الخميس».
ومن لم يدخل مصر بجسده، أقيم له مرقد رمزي في المكان.
هكذا... لحضور أهل البيت مقام قوي، مشع، في القلوب، الذين دخلوا مصر وأقاموا بها، ورقدوا في ترابها بطهرهم، لهم أضرحة مشهورة، ويعتبرها المصريون مقصدا وملاذا لهم، وننسب اليهم مناطق شاسعة من القاهرة، فعندما يقول المصريون «سيدنا الحسين» أو «السيدة نفيسة» أو «السيدة سكينة» فان ذلك يعني المرقد، والمنطقة التي يوجد بها أيضا، فالقاهرة موزعة على آل البيت، وآل البيت أركانها.
المنطقة التي تتركز بها المراقد المقدسة... تقع جنوب القاهرة... تبدأ من مرقد السيدة زينب- رضي الله عنها- وتمتد الى مرقد السيدة نفيسة، والسيدة عائشة- رضي الله عنهما- هذه المنطقة خصوصا على امتداد شارع الأشرف، مركز المشروع المهم الذي تتبناه وزارة السياحة لابراز الجماليات الخاصة بآل البيت، من أعرق أجزاء القاهرة، ويمنحها بعدا روحيا وخصوصية، يحفل بالعديد من الآثار الاسلامية المهمة، منها أقدم مساجد مصر عمارة... وأحد أجمل المساجد في العالم، مسجد أحمد بن طولون، وسبيل أم عباس، ومسجد الأمير ضرغمنشن، وخانقاه شيخون ومسجده، وسبيل قايتباي، وبيت الكريدلية.
أينما ولَّى الانسان وجهه... لابد أن يرى مئذنة، أو قبة، أو آية قرآنية كتبت على جدار مسجد أو واجهة سبيل، أما البشر هنا فهم عطر المكان كلهم يتعلقون بآل البيت، يتبركون بهم، ويسعون الى مراقدهم، ويحلمون باليوم الذي يسعون فيه الى مرقد الحبيب المصطفى.
لقد أنس المصريون المكان، وهذا عنصر من تثبيت الذاكرة وتقويمها، فالحسين لا يعني ابن بنت رسول الله فقط، انما يعني مكانا محددا له شخصية وطابع وملامح، فلنبدأ منه اذاً.