- المهم يا دكتور هاني، إنه في يوم من الأيام دخلت البيت ، وكعادتي قبل أن أذهب للسلام على (أمي) ذهبت إلى (الزريبة) لأرى (نعجتي) ، وهنا كانت المفاجأة..
- أي مفاجأة؟!!
- لم أرَ النعجة في الزريبة!!
- يا سبحان الله !! أين ذهبت ؟! وماذا فعلت أنت؟!!!
- خرجت أبحث عنها وأنادي حتى بح صوتي:
صباح يا صباح، أين أنتِ يا نعجتي العزيزة، فلم تجبني،
وما راعني إلاّ أمي تخاطبني وتقول:
لا تتعب نفسك بالبحث عن صباح، فقد باعها أبوك اليوم الصباح.
- إنا لله وإنا إليه راجعون،أبوك باع نعجتك،ياله من غبي جاهل، وماذا فعلت أيها المحب المسكين؟.
تأوه وقال:
وماذا باستطاعتي أن أفعل غيرالاستسلام لما تراني فيه من الحزن والألم؟؟.
- لا ألومك فمن يخسر نعجة كصباح ، يحق له النياح، والبكاء في الليل والصباح ، ولكن في خاطري سؤال بودي أن أسألك إياه حتى قلبي يرتاح.
- تفضل واساْل فدتك الأرواح.
- أكنت تنوي الزواج من النعجة صباح؟!!!.
أجابه بحدة وغضب:
ما هذا السؤال السخيف؟؟!!،أتهزأ بي وتسخر مني؟؟!!.
- أنا لا أهزأ ولا أسخر ، وإنما أسألك جاداً.
- عجباً لك ولقلةعقلك، يا دكتور!!
- أتراني قليل العقل!!.... أنا.!!
- طبعاً قليل العقل،وسخيف التفكير أيضاً.
- لماذا؟!
- كيف لماذا؟! بالله عليك، هل رأيت رجلاً يتزوج من نعجة؟!
- ربما فنحن نعيش في زمن العجائب،ثم ألستَ من يحدثني عن حبها؟! وأضاع كل شيء جميل في حياته من أجلها؟!
- أنه حب يسمو على حب الرجال للنساء، ذلك الحب الوهمي الذي لا يتجاوز الغريزة والشهوة ، أما حبي أنا لنعجتي فهو من نوع آخر.
.ـ وما هو نوع حبك لنعجتك،أيها الفيلسوف العبقري؟؟!!.
- انه الحب العذري ، المتصف بالطهارة والنقاء ، إنه..انه الحب الذي تتآلف فيه الأرواح ، وتتوحد من خلاله القلوب ،انه الحب الذي يوحّد الشخصين ليكونا شخصاً واحداً.
هزّ الدكتور رأسه وهو يردد:
آه، هذا صحيح!! الآن فهمت لماذا أنت والنعجة سواء؟؟!!،ولست التيس الوحيد ياحبيبي،فأنا لا أكاد أرى في الدنيا إلاّ نعاجا وتيوسا،حتى أنني أظن أحياناً،أنه ليس في الدنيا بشر.
- صرخ فيه بقوة وانفعال:
- ما هذا الكلام يا دكتور :،أتسخر مني وتشبهني بالصخول والدجاج..أعني النعاج؟؟!!.
- أجابه بحدة:
- وماذا تريدني أن أفعل لك؟؟!!، أتدمر حياتك ومستقبلك من أجل نعجة ولا تريدني أن أهزأ و أسخر؟؟!!.
طأطأ رأسه إلى الأرض حياءً، ثم رفعه وقال بهدوء وتأثر:
اعلم أن الأمر يدعو إلى السخرية،ولكن ماذا أفعل فليس الأمر بيدي.
وضع الدكتور يده على كتف باسم وهزّه برفق وراح يقول:
بل الأمر بيدك يا عزيزي ، صدقني فإني لك من الناصحين ، فما عليك إلاّ أن تترك هذا الهراء والجنون، وهذه الحماقات السخيفة وتثوب إلى عقلك ورشدك وتهتم بمستقبلك وحياتك قبل فوات الأوان.
تأوه وقال:
ليتني أستطيع أن أفعل ، لكنت قد أخذت بنصيحتك.
- وما الذي يمنعك؟؟!!.
- حبي لصباح هو...
وقبل أن يتم قطعه الدكتور هاني قائلاً:
- لو سمحت قل النعجة صباح.
- نعم حبي للنعجة صباح هوالذي يمنعني من ذلك.
- إذن اسمح لي أن أسدي لك نصيحة سيكون فيها خلاصك.
أجابه باهتمام:
- تفضل.
- أنصحك بالانتحار ففيه خلاصك من حب النعاج.
أشرق وجهه استبشاراً،وصفق بيديه فرحاً،وراح يقول:
والله إنها فكرة جميلة!!!!،يا سلام!!،كيف غابت عني هذه الفكرة؟؟!!.
تطلع الدكتور إليه بدهشة وسأله بتعجب:
أي فكرة تعني؟؟!!،الإنتحار؟؟!!.
أجابه مسروراً
نعم يا دكتور الإنتحار!!،يجب أن أ نتحر مواساة لحبيبتي صباح،التي لابد أن الذي قد اشتراها ذبحها وأكلها،فلماذا أعيش أنا بعدها؟؟!!،يجب أن أ نتحرلألتحق بها في ذلك العالم الآخر،فلا شك أنها بانتظاري هناك.
كما أن وسائل الإعلام ستنشر هذاالخبر العظيم تحت عنوانها
(عاشق النعاج يموت انتحارا).
أصبح الدكتور في خوف وحيرة،ولم يعد يعرف ما الذي يصنع،التفت إلى باسم وسأله:
أجادٌ أنت في قولك هذا يا باسم؟!،وحقاً قد عزمت على الإنتحار؟؟!!..
أجابه مسرعاً:
طبعاً أنا جادٌ جدا يا دكتور،أم تراني أمزح في مثل هذا الأمر الخطير؟؟!!.
جلس الدكتور على الكرسي وهو يرتعش من الذعر وأخذ يتمتم بشفتيه:
إنا لله وإنا إليه راجعون، يا إلهي،أي جنون هذا الذي وصل إليه باسم؟؟!!.،وما الذي يجب أن أفعله قبل أن يقدم هذا المهبول على الإنتحار؟؟.
طال به التفكير إلى أن اهتدى إلى ما يظن أن فيه الخلاص من هذه الورطة،فالتفت إلى باسم قائلاً:
ولكن قبل أن تنتحر يا عزيزي هناك عمل لابدّ أن تقوم به؟
- قله بسرعة فأنا مستعد لعمل أي شيء.
- يجب أن تعرض نفسك على طبيب نفساني.
- لماذا؟ أتراني مريضاً؟!
- هذا إن لم تكن مجنوناً.
- وما هو مرضي بظنك؟
- لا أدري ، ولكني أستطيع أن أسميه:
(((جــنــون الــعــاشــقــيـــــن)))
قال ذلك ثم همّ بالخروج من الغرفة فصاح به باسم:
إلى أين؟.
التفت إليه وأجابه:
سأذهب قبل أن يبتليني الله بما ابتلاك به.
- رافقتك السلامة، ولكن ثق أنني سأعمل بنصيحتك.
قال له بذعر وخوف:
أتوسل إليك أن لا تفعل،فلا أريد أن أتحمل وزر موتك.
صمت باسم ولم يجبه بشيء،فخرج وهو يحدث نفسه:
أترى هذا المجنون يفعلها وينتحر؟؟!!،يا الله، ما هذا البلاء الذي حلّ بي، ليتني لم أحضر ولم أأت إليه....
مازال يحدث نفسه بمثل هذا إلى أن خرج من البيت إلى الشارع،فما راعه إلاّ باسم يرمي نفسه من أعلا السطح، فما وصل إلى الأرض إلاّ وهو جثة هامدة،ليكون بذلك أول شهيد في سبيل حب وعشق النعاج!!!.
تجمهر الناس حول جثته،وقد راعهم الحدث وأفزعهم إلى حد الذهول،أما الدكتور هاني فقد تقدم حتى جلس عند جثة باسم،فمسح الدم عن وجهه وراح يخاطبه بحزن كبير:
رحمك الله يا باسم،فقد أوصلك عشقك لهذه النعجة إلى الجنون،حتى قتلت نفسك من أجلها.
ثم تأوه ورفع رأسه إلى الناس المتجمهرين وخاطبهم:
لا تعجبوا من باسم وما فعله بنفسه من أجل هذه النعجة،فمثله في الناس كثير!!، يتعلقون بأشياء تافهة وحقيرة،ويعشقونها إلى حد الجنون،ويضحون في سبيلها بكل شيء،حتى أنفسهم العزيزة الغالية!!!،وليتهم يتعلقون بالله سبحانه وتعالى،ويعشقونه عشقهم لهذه الأشياء التافهة،ولو أنهم فعلو ذلك لحظوا بالرضوان الإلهي الأكبر،ونالوا سعادة الدارين:الدنيا والآخرة،وذاك أعظم الغايات وأغلى الأماني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ