فضيلة التوبة
أحب الخلق الى الله من تاب من ذنبه .. جاء في القرآن الكريم:
﴿ان الله يحب التوابين﴾ . سورة البقرة:222
قال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله:
‹‹ليس شىء أحب الى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة››.عيون أخبار الرضا: ج2 ص21
وقال أيضا:
«التائب حبيب الله» . جامع السعادات: ج3 ص51
و قال الإمام الباقر‹ع›:
ﺇن الله تعالى اشد فرحا بتوبة عبده من رجل اضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها .. فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها.أصول الكافي: ج2 ص435
و قال في موضع آخر :
الله افرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد. ميزان الحكمة: ج1 ص541
ذكر الشهيد آية الله دستغيب (رضوان الله عليه ) في كتابه«الاستعاذة» بعد أن دعا نوح (على نبينا وآله السلام) على الكفار من قومه وأخذهم الطوفان ، ظهر له ملك - وكان النبي نوح يعمل في صناعة الجرار؛ فكان يصنع الجرّة من الطين ، وبعد أن تجف يبيعها - فكان الملك يشتري منه الجرار واحدة فواحدة ويكسرها أمامه .. فغضب نوح وسأله عن سبب فعله هذا.. فقال له: الأمرلا يعنيك فانا قد اشتريتها وأمرها إليّ.
فقال له نوح عليه السلام: صحيح ، ولكن أنا الذي صنعتها، وهي من صنعي .
قال له الملك : أنت صنعتها ولم تخلقها ومع هذا فقد غضبت على كسرها، فكيف دعوت على كلّ عباد الله فهلكوا ، مع أن الله خلقهم ويحبهم فبقي من بعد هذه القضية يبكي وينوح حتّى سمي ّنوحا لكثرة نياحه .
والغرض من هذه القصة هو الأشارة الى شفقة الخالق ، فهو تعالى يحب مخلوقه .. وهنا يعاتب نبيّه : لم دعوت على كل هؤلاء الناس فهلكوا ؟.. ويستفاد من هذا أن الله تعالى يحب عبده ، وهو في القرآن يحذر عباده من الشيطان ويوصيهم بعدم الاغترار بالدنيا لأنها دار خداع الشيطان .
يستفاد من هذه الآيات والروايات ان من يقترف الذنوب والمعاصي ثم يندم على عمله ويعود إلى ربّه تائبا، يفرح الله بتوبته لانه يحب عباده ولا يريد لهم العذاب بالنار.
قال أبو العتاهية :
ألا أن اليقين عليه نور وأن الشك ليس عليه نور
وأن الله لا يبقى سواه وأن تك مذنبا فهو الغفور
وكم عانيت من ملك عزيزا تخلى الأهل عنه وهم حضور
وكم عانيت مستلبا عزيزا تكشف عن حلائله الخدور
ودمّيت الخدود عليه لطما وعصبت المعاصم والنحور
الم تر أن الدنيا حطام وأن جميع ما فيها غرور ديوان أبي العتاهية: ص185
إبدال السيئة بالحسنة
إن الانسان إذا تاب لا يزيل كدورة الذنب عن نفسه فحسب، بلو يحل محله نور الطاعة أيضا ، ويبدل بالثواب ، كما قال تعالى في كتابه الكريم:
﴿إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ﴾. سورة الفرقان: 70
وقد اجاد الشاعر في قوله :
اشرب فؤادك بغضة اللذات واذكر حلول منازل الأمـوات
لا تلهينك عن معادك لـذة تفنى وتورث دائم الحسـرات
ان السعيد غدﴽ زهيد قـانع عبد الاله بأحسـن الأخـبات ديوان أبي العتاهية: ص79
التائب تدعو له الملائكة
من يتوب من ذنبه يدعو له الملائكة الحاملين عرش الله ويستغفرون له ، ويطلبون من ربّهم ان يقيه عذاب جهنم ، كما قال تعالى:
﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كلّ شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربّنا وأدخلهم جنّات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم﴾. سورة المؤمن: 7-8
قال الشاعر:
يا نفس ما الدنيا بأهل نحبها دعيها لأقــــوام عليها تعـادت
الا قـلما تـبقى نفوس لأهلها ﺇذا راوضـهن المــنايا وغـادت
الا كل نفس طال في الغي عمرها تموت وان كانت عن الموت حادت
الا اين من ولى به اللهو والصبا وأيتنقـرون قـبل كانت فـبادت ديوان أبي العتاهية: ص89
التائب يدخل الجنّة
ان من يتوبون ويستغفرون الله عمّا سلف من ذنوبهم وعمّا اقترفوه من المعاصي ، يدخلهم الله جنته خالدين فيها ابدﴽ. وهذا ما جاء في قوله تعالى :
﴿ والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على على ما فعلوا وهم يعملون اُولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ﴾ .سورة آل عمران: 135-136
أجاد الشاعر في قوله :
و احسان مولاك يا عبده اليك مدى الدهر غض جديد
تـريد من الله احسـانه فـيعطيك اكـثر مما تـريد
ومن يشكر الله لم ينسه ولم ينقطع منه يوما مـزيد ديوان أبي العتاهية: ص125
التوبة تطيل العمر وتزيد الرزق
تؤدي توبة المرء من ذنوبه إلى طول عمره ، وسعة رزقه ، وطيب معيشته ، وتدفع عنه الهموم والشدائد مثلما ورد في قوله تعالى:
﴿وان استغفروا ربّكم ثم توبوا ﺇليه يمتعكم متاعا حسنا ..﴾ . سورة هود:3
قال الامام الصادق عليه السلام :
«من يموت بالذنوب اكثر ممن يموت بالآجال ». سفينة البحار: ج1 ص488
وكما ان الذنب يقصّر الآجال ، فان التوبة تطيل العمر ، كما قال تعالى:﴿فقلتُ استغفروا ربّكم انّه كان غفّارا يرسل السماء عليكم مدرارﴽ﴾. سورة نوح: 10-11
قال الشاعر :
هل لمطلوب بذنـب تــوبة منه نصوح
كيف أصلاح قلوب أنـما هــن قروح
احســـن الله بنا أن الخطايا لا تفوح
فـاذا المستور منا بـين ثوبيه فضوح ديوان أبي العتاهية: ص116
الله يقبل التوبة
إن العبد متى ما آب إلى ربه وتاب من ذنبه ، فإن المولى جلّ شأنه يقبل توبته ، ويتجاوز عن خطيئته ، كما في قوله تبارك وتعالى:
﴿وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات﴾.سورة الشورى: 25
جاء في أصول الكافي حديث منقول عن صادق آل محمد (ص) يقول فيه : " قال الله عز وجل لداود (ع) : يا داود !.. بشّر المذنبين ، وأنذر الصديقين .. قال : كيف أبشّر المذنبين وأنذر الصديقين ؟.. قال : يا داود !.. بشّر المذنبين أني أقبل التوبة ، وأعفو عن الذنب .. وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم ، فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك " . أصول الكافي: ج2 ص314
قال الشاعر
ألا أن لي يوماً أدان كما دنت ليحصي كتابي ما أسأت وأحسنت
أما والذي أرجوه للعفو أنه يعلم ما أسررت فيه وأعلنت
كفى حزناً أني أحس طنى البلا يقبّح ما زينت في وحسنت
وأعجب من هذا هناة تغرني تيقنت منهن الذي تيقنت ديوان أبي العتاهية: ص90
دعاء التائب مستجاب
من جملة نتائج التوبة انها تجعل دعاء التائب مستجابا ، أي انّه ﺇنه ﺇذا ندم على ما ارتكبه في ما مضى من المعاصي ، وتاب منها ، واستغفر ربّه من تبعاتها ، يصبح دعاؤه مستجابا كما ورد في قوله تعالى :
﴿ و يستجيب الذين آمنوا و عملوا الصالحات و يزيدهم من فضله ﴾. سورة الشورى:26
و نقرأ أيضا في الكتاب الكريم :
﴿ وﺇذا سألك عبادي عني فأني قريب اجيب دعوة الداع ﺇذا دعان فليستجيبوا لي وليأمنوا بي لعلهم يرشدون ﴾. سورة البقرة: 186
قال الشاعر :
الا صاحب الذنب لا تقنطنّ فان الإلــه رؤؤف رؤؤف
ولا تـرحلنّ بـلا عــدةً فان الطريق مخوف مخوف ديوان الإمام علي (ع): ص 88
التوبة تمحو الذنوب
ان للتوبة فعل كفعل مساحيق التنظيف وآلة غسل الثياب التي تزيل كلّ قذارة أو اوساخ عالقة بالثياب .. فكذا تفعل التوبة والتضرع والإستغفار والدموع ، كما نقرأ في قوله تعالى :
﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً انّه هو الغفور الرحيم ﴾. سورة الزمر: 53
جاءت في الآية هذه تعابير من قبيل : يا عبادي!.. لا تيأسوا ، رحمة الله ، غفران الذنوب جميعا ، ان الله غفور رحيم .. وفيّ كل واحدة منها دلالة على شمول الإستغفار وقبول التوبة واتساع رحمة الله ، وخاصة التعبير بكلمة «عبادي» التي تبين ان الناس بأجمعهم - الصالح والطالح منهم - عباد الله .
وان الله رؤوف بهم ﺇلى درجة انّه سماهم عباده .. و هذا يعني ان فسحة الأمل بالمغفرة واسعة .
سمع الإمام الرضا عليه السلام بعض اصحابه يقول : لعن الله من حارب علياً عليه السلام .. فقال له :« قل ﺇلا من تاب واصلح » ثم قال:« ذنب من تخلّف عنه ولم يتب اعظم من ذنب من قاتله ثم تاب ».ميزان الحكمة: ج1 ص551
يفهم هذا الحديث ان أعظم الذنوب وهو محاربة وصي رسول الله صلى الله عليه وآله يغفر بالتوبة ، اي ان احدهم إذا تاب ، تاب الله عنه .
ينسب إلى أمير المؤمنين إنّه قال :
ذنوبي إن فكرت بها كــثيرة ورحمة ربي من ذنوبي أوســع
فما طمعي في صالح قد عملته ولكــني في رحمة الله أطــمع
فان يـك غفران فذاك برحمة وان لم يكن اﹸخزى بما كنت أصنع ديوان الإمام علي (ع): ص82