بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين..
إن البحرين تستحق بجدارة لقب (كربلاء الخليج)، لكثرة شيعة أهل البيت فيها، وعدد الحسينيات الذي يفوق الـ 5 آلاف حسينية في جزيرة صغيرة، بالإضافة إلى إحياء مراسم عاشوراء في البحرين بشكل يوحي بأنه في كربلاء..
هذا مقال منقول من صحيفة الوقت البحرينية:
اقتباس :
تتشح مآتم وحسينيات البحرين هذه الأيام بالسواد تعبيراً عن الحزن لاستشهاد حفيد رسول الله الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء قبل نحو 1400 سنة، إذ استمرت هذه المآتم في إحياء ذكرى عاشوراء منذ مئات السنين، وتطورت تطوراً كبيراً بمرور الزمن، ولا زالت في كل عام تحظى بحضور كبير من الجمهور إحياءً لهذه الذكرى، فكيف كانت نشأة هذه المآتم والحسينيات المنتشرة اليوم في البحرين ومناطق مختلفة من العالم الإسلامي؟ وما الدور الذي تقوم به، وكيف كان تطورها وانتشارها؟
بحسب الكاتب عبدالله سيف في كتابه (المآتم في البحرين) الذي صدر في العام 1994 فإنه يوجد في البحرين ما يزيد عن 3 آلاف و500 حسينية للرجال فضلاً عن المئات من مآتم النساء، إلا أن البعض يرى أنه لا يمكن إحصاء عدد المآتم في البحرين لأن الكثير منها يتخذ من المنازل أو المجالس مراكز لها، ويرون أن العدد يصل إلى 5 آلاف مأتم أو أكثر.
ويذكر التاريخ أن أول مأتم عزاء وبكاء على الإمام الحسين أقيم بعد واقعة كربلاء مباشرةً، وتكوّن من السيدات والفتيات والعلويات، وهن زوجات وأخوات وبنات الإمام الحسين والهاشميين الذين استشهدوا معه، وقد عقد ذلك المأتم في العراء فوق ساحة المعركة وتحت بقايا شمس اليوم العاشر من المحرم العام 60 هجرية، وقيل أنه استمر ثلاثة أيام بلياليها، كما ورد في بعض الروايات التاريخية.
وانتقلت المآتم الحسينية بعدها - كما يذكر التاريخ - إلى المدينة المنورة (وكانت أول صارخة فيها على الحسين عندما قتل بكربلاء أم سلمة زوج النبي (ص)، وذلك أن رسول الله - في رواية على لسانها ينقلها التاريخ - دفع إليها قارورة فيها تربة من كربلاء، وقال لها ''إن جبرائيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين وأعطاني هذه التربة، فإذا صارت دماً عبيطاً فأعلمي أن الحسين قد قتل''، فصارت القارورة عندها فلما حضر ذلك الوقت، جعلت أم سلمة تنظر إلى القارورة في كل ساعة، وفي ظهيرة يوم عاشوراء من المحرم العام 60 هجرية رأتها وقد صارت دماً عبيطاً، فندبت وأقامت أول مأتم للحسين في المدينة المنورة، وكان الموالون والمحبون يأتون جماعات وفرادى ويحضرون المأتم ويقدمون تعازيهم ومواساتهم لأهل بيت النبوة، تارة بالنثر وتارة بالشعر ويعبّرون عن مشاعرهم وأحزانهم لفقد سبط رسول الله الحسين عليه السلام.
وبذلك، استمرت المآتم ومجالس العزاء بالانعقاد إلى يومنا هذا، وتعاظم صداها على طول البلاد وعرضها، وتطورت لتصبح مؤسسة دينية مهمة لها حضورها الفعال في المجتمع الإسلامي.
وقد يعتقد البعض أن المآتم أنشأت للبكاء والعزاء على الإمام الحسين فقط، وإقامة الشعائر الدينية وسرد سيرة الرسول وأهل بيته، لما يتبادر للذهن من مسمى (المأتم)، إلا أن هذه النظرة قد تبدو قاصرة إن صح التعبير، إذ أن للمآتم والحسينيات دور إيجابي كبير في المجتمعات الإسلامية، فهذه (المؤسسات) كانت ولا تزال تلعب دوراً كبيراً على الصعيد الاجتماعي والثقافي والديني والعقائدي والسياسي في بعض الأحيان، فضلاً عن دورها الفعال في ترسيخ وتعزيز الوحدة الإسلامية والوطنية في مختلف البقاع كون الإمام الحسين هو الرمز والثائر الإسلامي الذي انطلق لتوحيد الأمة الإسلامية في مجابهة الظلم والاستبداد، إلى جانب ما تلعبه هذه المآتم من التعزية والوعظ والإرشاد وتلاوة القرآن، والتفقه في الدين.
بل الأمر أكبر من ذلك، حيث تلعب المآتم في وقتنا الحاضر دوراً مهماً في تشكيل الثقافة الدينية والعقائدية والاجتماعية والوطنية أيضاً خصوصاً في المجتمع البحريني، وإقامة الدروس التعليمية الممنهجة بشكل علمي وأكاديمي في بعض الأماكن، فضلاً عن إقامة المحاضرات الدينية والندوات والمسابقات الثقافية واللقاءات الاجتماعية، ومناسبات الزواج والأفراح وإحياء مواليد أئمة أهل البيت (ع)، إضافة إلى المهرجانات والمعارض والمسرحيات وحملات التبرع بالدم، حتى أصبحت قرى البحرين تعج بالكثير من هذه الأنشطة والبرامج في المآتم والتي خلقت أجواءً تنافسية بين قرية وأخرى، فأصبح الجمهور المتوافد على هذه المأتم والحسينيات يناقش الكثير من القضايا والأمور المتعلقة بالشأن الخاص أو العام في هذه التجمعات، الأمر الذي يسهم في تطوير المجتمع وتثقيفه وترابطه.
ربما تكون النظرة التي تحصر المآتم والحسينيات في البكاء والعزاء وإحياء مواليد الأئمة صائبة عندما لم تكن المآتم مؤسسات قائمة بذاتها، حيث كانت المجالس الحسينية منذ قرون في البحرين تقام في البيوت والبساتين، إلا أنها منذ ما يزيد عن قرنين من الزمن أصبحت المآتم والحسينيات في البحرين مؤسسات قائمة بذاتها وبناء مستقلاً حالها حال بقية المؤسسات المجتمعية.
يبقى الإشارة إلى أن أغلب المآتم في البحرين لها دساتيرها التي تنظم عملها ولجانها المختلفة، وأن أغلب إداراتها منتخبة عبر صناديق الاقتراع، ولها جمعياتها العمومية ومجالس الأمناء، بل أن أحد رجال الدين اقترح أخيراً أن يتم وضع دستور موحد لجميع مآتم البحرين تحت إشراف المجلس العلمائي.