ماذا لو بقي لك من العمر ساعة؟!
ماذا كنت في هذه الساعة فاعلاً؟
أتفكر بالمبادرة للصلاة...
أم للتوبة...
أم الإقرار...
أم تُفكِّر بمصيرك ومآلك...
أم أين سوف تكون بعد قليل... وماذا ينتظرك؟
أم تفكر بقبرك ووحدته ووحشته
أم تقوم للدُّعاء والمسألة...
أم تبادر بمناجاة وطلب رحمة...
أم تستعرض تاريخ حياتك...
أم تتأسف على ما مضى من لهو وعبث...
أم تنوي فعل الخير...
أم تُبادر لتوزيع ما تملك...
أم ترى عيوبك وتستحضر ذنوبك...
أم تحسُّ بدمعة ساخنة تتدحرج على خديك...
أم تشعر بقَشْعريرة تدبُّ في جسدك...
أم تنميلة تُخدِّر بدنك...
أم لا تقوى على الوقوف...
أم تختلط عليك الأُمور...
أم يتشوَّش ذهنك...
أم تتبدل عندك الاهتمامات...
أم تتمنَّى تأخير أيَّام لعلَّك تعمل صالحاً وتجبر تقصيراً...
أم تمسك القرآن بعد طول نسيان...
أم تسجد للرحمن بعد طول هجران...
أم تكتب وصيَّة...
وماذا تكتب في الوصيَّة...
وهل ستسنح الفرصة لذلك...
ماذا لو بقي لك من العمر ساعة؟
هل تُجدِّد التوبة...
أم تُعاوِد الإقرار والاعتذار...
أم تلجأ لشهادة التوحيد، تُلقِّنها قلبك قبل سمعك...
أم تأوي لذكر ختم النُّبوَّة لمحمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم...
أم تستودع الله الشهادتين أمانة، يُنْطقك بهما عند فاقتك...
ومتى تكون بلا فاقة؟!
أفي قبر لم تُمهِّدْه لنزلتك، أم ضيَّقته بسوء عملك...
أم تعترف بتقصيرك... في صلوات استعجلتها، ومصاحف أهملتها، وعهود خالَفْتَها، ومعاصٍ ركِبْتَها، وأوقات ضيَّعْتها...
أَتَذْكر عندما كنت مستطيعاً ولم تفعل، وقادراً ولم تُقدِّم، وقوياً ولم تنصر، وآمناً ولم تؤوي...
أم تسكت خجلاً...
أم تدعو دامعاً...
أم تطمع بكرم الرَّحمن الرحيم... وهو تعالى شديد العقاب...
أتفزع من الذُّنوب أم تطمع بستَّار العيوب...
أتتجرأ على المسألة بعد طول غياب.. أم تخجل من حضور العتاب...
ماذا لو بقي لك من العمر ساعة؟
أتقول:
ما لبثت في هذه الدُّنيا إلاَّ يوماً أو بعض يوم...
أم هو العمر ساعة... مرَّت كلمح البصر...
أتنظر من خلفك تستعرض السنين والعقود...
أتتعجب من قرب المسافة...
أين الأصدقاء والرفقاء...
أين الذين ضيَّعوك واستغلّوك...
أين الضحكات والبسمات والتصفيقات...
أين الجرأة على قلَّة الحياء... وكيف المفرُّ من عدل ربِّ السَّماء...
أتذكَّرتَ ستَّار العيوب وعلاَّم الغيوب...
أتتبرأ من الأعمال، وتطلب من الله الوصال...
أتبقى مستهزئاً بأهل الاحتياط...
أم متساهلاً بطريق النَّجاة...
أم متطاولاً على الحلال والحرام...
أم متسامحاً في «تخيُّر» الفتوى الأسهل والأرقى!
أم منظِّراً مخترعاً لقواعد التعصُّب والتزمُّت...
أم تتبنَّى من الأحكام ما يُناسب الهوى...
أيها العزيز:
أتذكر الحبيب، أم الطبيب، وهو الذي أمطرك طوال حياتك بالعطايا والإحسان...
وماذا ينفع الآن في هذه الدقائق الباقية...
وإلى أين المفر. لم يبقَ لك من العمر إلاَّ ساعة
أموالك لِمَنْ؟
من أين جمعتها وراكمتها؟
وما مصيرها بعدما شحَحْتَ بها، وفي جمعها خاطرت، والآن عنها تنكَّبَت...
أين يضعونها،أين يُنْفقونها...
لهم كل الحساب، وعليك كل الحساب الأولى بمعنى الأرصدة والمقتنيات، والثانية حساب الله تعالى في القبر وعند النشر. !
أَتَـتَساءل:
لِمَنْ الدار الواسعة، والأراضي الشاسعة... وأين الباقيات النافعة...
ساعةٌ جاءت... ما لها من دافعة...
أيُّها الحبيب:
أتتذكَّر النِّعم... أم تُحصيها، وهي التي لم تغب عنك ساعة... فما عساك فاعلاً في هذه الساعة؟
ماذا سوف تذكر من الصدقات والخيرات والتلاوات والعُمُرات والصِّلات والقُرُبات...
أيبقى لك وقتٌ لتذكر الأمل بالله عزَّ وجلَّ...
مَنِ الذي يُرْجى...
مَنِ الذي يستجيب...
مَنِ الذي إليه تصير الأُمور...
مَنِ الذي مفرُّنا منه إليه...
مَنْ الذي منه كلُّ شيء، وبه يقوم كلُّ شيء، وإليه يعود كلُّ شيء...
أين فترة الشباب...
أين وقت العطاء...
مَنْ الذي ربَّاك وأعطاك، وبعد الصِّغر كبَّرك، وبعد ذلك علَّمك، وكم حفظك، وهو الذي بعد الفقر أغناك، وكَمْ سدَّدك وهداك، وكم بعدما مرضتَ أشفاك...
وكم أشبعك وأَرْواك وقوَّاك وآواك...
وهو الذي نجَّاك...
هو الكافي والشافي والمعافي...
والآن بقي لك من العمر رُبع ساعة؟
أتستعرض سهراتك وحفلاتك وطَرَبِك وغناءك وكيف كنت «تقتل الوقت»؟!
أين كانت مجالسك، وكم كانت غفلاتك...
أين أهل البطالة والعبث...
وكيف كنت مع أهل الجِدِّ والسلوك ومع أهل العزم والذِّكر...
وهل كنت من المغرورين المتواكلين أم من الموالين الحقيقيين المطيعين...
ومولاك الباقر عليه السلام يقول:
«والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجّة ولا نتقرّب إلى الله إلاَّ بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومَن كان منكم عاصياً لله لمْ تنفعه ولايتنا وَيْحكم لا تغتروا، وَيْحكم لا تغتروا» الكافي الشريف، ج2، صفحة 76. .
ماذا لو بقي لك من العمر دقائق معدودة؟
ماذا يعني لك دعاء العديلة؟
وماذا يعني لك «زيغ القلوب»...
وماذا عن طول السجود...
وماذا تعرف عن «غض البصر»....
وماذا عن حق السائل والمحروم....
وماذا عن حق أُذُنيك في سَماع الحلال...
وماذا عن مزامير الشياطين...
وماذا تعرف يا حبيبي وعزيزي عن ضغطة القبر، وماذا أعددتَ لها...
وماذا تعرف عن الوجوه المُسْفرة المستبشرة، والوجوه التي عليها غَبَرَة ترهقها قَتَرَةٌ وذِلَّة...
وماذا تعرف عن تنقية القلب من الشِّرك...
وماذا عن الشِّرك الأصغر والشِّرك المخفي...
يا حبيبي:
ماذا بقي الآن، وماذا تنتظر، وقد فات الفوت، وجاء الموت...