هل يمكن للمادة (التي تملك وزناً وكتلة) توليد أفكار مجردة (لا تملك وزنا ولا كتلة ولا حيزا في الفراغ) !؟
... إن قلنا "لا" فكيف تولد مادة الدماغ الغليظة الأفكار اللطيفة المجردة !!
... وإن كان عاجزاً عن توليد هذه الأفكار بنفسه فهل يعني هذا اقتصار دوره على تلقيها واستقطابها (ثم إعادة تركيبها وإخراجها بثوب جديد)!!
العجيب أن الرأي الأول يعد حديثاً وجديداً نسبيا - وهو في الحقيقة السائد حاليا بين الأطباء وعلماء النفس - .. أما في العصور القديمة فكان ينظر للإبداع والأفكار الخلاقة كاستقطاب ووحي يلقى في فؤاد الإنسان ؛ فالعرب مثلا كانت تعتقد أن لكل شاعر قريناً من الجن يلقي على لسانه جميل القوافي . ومصطلح العبقرية ذاته اشتق لديهم من وادي كثير الجن يدعى عبقر تتلبس الجن من ينام فيه فيخرج بفكر عجيب ورأي غريب (لدرجة وصفوا الذكي الحاذق بقولهم : كأن به جن عبقر)!
... ورغم صعوبة تصديق هذه الاعتقادات حاليا ؛ إلا أن هناك (في المقابل) العديد من المظاهر الغامضة التي لا يمكن تفسيرها بغير استقطاب الأفكار - وتلقي بعضها - من مصدر آخر مختلف :
@ فهناك مثلا ظاهرة التخاطر بين ذهنين (والتي أفترض أنكم جربتموها لمرة أو مرتين)!
@ وهناك ظاهرة الإلهام (أو الفتح الرباني) حيث تسقط الأفكار علينا فجأة بلا مقدمات...
@ وكذلك ظاهرة اختراق الأفكار لحاجز الزمان والمكان (كأن نحلم بالمستقبل، أو نرى موقعا لم نزره من قبل) مما يثبت امتداد الأفكار خارج نطاق "جماجمنا" الصغيرة!
@ ثم لا ننسى أن الأفكار ذاتها عبارة عن طاقة "كهروعصبية" يمكنها تشغيل الأجهزة الكهربائية الصغيرة (والطاقة في علم الفيزياء لا تولد، ولا تستحدث، ولكن تتحول من شكل لآخر)!
... والنقطة الأخيرة بالذات تعني أن المخ قادر على بث موجات لاسلكية ضعيفة تنتقل عبر الأثير .. وبما أن كافة البشر يعيشون ضمن غلاف مغناطيسي واحد فلا أستبعد خروج الأفكار كذبذبات راديوية تستقطبها الأدمغة التي تتناسب معها (في تلك اللحظة) .. ورغم غرابة هذه الفرضية إلا أنها قد تكون التفسير (المادي الوحيد) لظواهر ذهنية خارقة كالتخاطر والرؤى والشعور عن بعد - بل وحتى خروجك بفكرة مميزة يسرقها منك الآخرون لاحقا !! ... ورغم عدم إنكاري لقدرة الدماغ على (فبركة) أفكاره الخاصة إلا أن قدرته على تلقي قسم منها - ليس فقط أمراً ممكناً - بل وتم إثباته في القرآن الكريم .. فهناك مثلا قوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلنا لكلِ نبي عدواً شياطينَ الإنسِ وَالجن يُوحي بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ زُخرُفَ القولَ) وأيضا (قلءإِن ضَللت فإنما أضِل على نفسِي وَإِنِ اهتديت فبما يوحِي إِليَّ ربي) .. ففي حين أقرت الآية الأولى بإمكانية حدوث الإيحاء بين الإنس والجن، تفيد الثانية بوقوع المراد في عقل الإنسان بطريقة مباشرة - لأنه (ما كَان لبشر أن يكلمَه الله إِلا وَحيا أوء من وَرَاء حجاب)!