يعتبرون أنّ ديانتهم تنصف المرأة و تقدّرها أكثر حين تمنع الزواج عليها أو حين تمنع طلاقها
غريب ما يفعله النصارى
فكيف يحلون المشاكل الزوجية عندما تتفاقم
هل يعلقون الزوجة ويتركونها
فلو أن رجل كره إمرأته فما هو الحل في نظرهم؟
حقيقة بحثت إليك عن هذا المقال:
الطلاق في النصرانية
لقد اتفقت جميع الطوائف النصرانية على أن الزواج سر مقدس, وأن الرابطة الزوجية أبدية بين الزوجين كأبدية علاقة المسيح بالكنيسة،
لذا ذهبت بعض الطوائف منهم كطائفة الكاثوليك إلى منع الطلاق منعاً باتاً، في حين ذهبت طائفة البروتستانت إلى جوازه إذا ما وقع أحد الزوجين في الزنا، أما طائفة الأرثوذكس فقد أباحته لأسباب أخرى كثيرة.
والحديث عن الطلاق في النصرانية له شقان:
أولاً: الطلاق في العهد الجديد.
ثانياً: موقف الطوائف النصرانية من الطلاق.
أولاً : الطلاق في العهد الجديد
بعد قراءة العهد الجديد يتبين لنا أن إنجيل مرقس ينسب للمسيح تعليماً يقول فيه للفريسيين الذين حاولوا استدراجه والإيقاع به: ( من طلق امرأته وتزوج بأخرى فإنه يزني، وإن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني).
وقد ورد هذا القول في إنجيل متى بصيغة مغايرة مع التكرار في موضعين مختلفين الأول في موعظة الجبل ( وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق، وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعله الزنا يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني).
والثاني في موضع الاستدراج من الفريسيين حيث قال: ( وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني).
فهنا نجد الطلاق مسموحاً به في حالة واحدة هي حالة ارتكاب الزوجة وليس الزوج جريمة الزنا كما جاء في الإصحاح الخامس فـ 31، 32 من إنجيل متى- كما ذكرت سابقاً - ثم جاء هذا القول بصيغة مغايرة في الإصحاح رقم 19 فـ 9 حيث سكت عن أن طلاق الرجل امرأته إلا لعله الزنا يجعلها تزني واستبدل ذلك بالحديث عن الزوج الذي يطلق امرأته ويتزوج بأخرى فقال: ( إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني)، وقد اتفق لوقا مع مرقس ومتى في أشياء وخالفهما في أشياء فهو قد اتفق مع مرقس في أن ( كل من يطلق امرأته ويتزوج بأخرى يزني) واتفق مع متى في أن ( كل من يتزوج بمطلقة يزني)، خلافاً لمرقس الذي لم يذكر شيئاً من هذا.
واتفق مع مرقس وخالفا كلاهما متى في إنهما لم يجعلا حالة الزوجة الزانية استثناء يعطي لزوجها الحق في الطلاق، فلقد أبطلا الطلاق تماماً.
بعد هذا الذي رأيناه وما حدث لنصوص الطلاق والزواج المذكورة في العهد الجديد بتراجمها المختلفة، نجد أنه لا يمكن التأكد من حقيقة مقال المسيح في موضوع الطلاق والزواج هل قال المسيح مثلاً: ( من طلق امرأته إلا لعله الزنا أو إلا في حالة الفحشاء، جعلها زانية الكتاب المقدس للكاثوليك أو عرضها للزنا المطبعة الكاثوليكية ويدفعها للزنا الفرنسية المسكونية.
إن الفرق بين هذه الصيغ الثلاث واضح وكبير، ونحن إذن أمام احتمالات، لكن هناك قاعدة فقهية عامة تعارف عليها الناس في مختلف العصور والبيئات تقول إن ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ولهذا فلا حاجة لمن استدل بتحريم الطلاق بأقوال المسيح عليه السلام في العهد الجديد، وعلى هذا فالطلاق في التعاليم المسيحية الأولى جائز ولا غبار في ذلك ولا يوجد دليل واحد على تحريم الطلاق في العهد الجديد.
ثانياً: موقف الطوائف النصرانية من الطلاق.
تتعدد مواقف الكنائس النصرانية من الطلاق نظراً لتعدد الطوائف، لهذا يجب إلقاء الضوء على هذه المواقف على النحو التالي:
1- الطلاق عند الكاثوليك.
الطلاق عند البروتستانت.
الطلاق عند الأرثوذكس.
أولاً: الطلاق عند الكاثوليك:
لقد منع الكاثوليك الطلاق منعاً باتاً وأحلوا محله ما يعرف بالانفصال الجسماني، والذي يعني توقف المعيشة المشتركة بين الزوجين في السكن والفراش والمائدة وسائر ما يتعلق بحياتهما من مختلف الأمور، مع الإبقاء على الرابطة الزوجية، وهذا الانفصال لا يقرر إلا إذا صدر به حكم، وهذا الحكم لا يصدر إلا إذا كان هناك سبب له، وهذه الأسباب هي:
1- إذا زنا أحد الزوجين.
2- إذا هجر أحد الزوجين الآخر.
3- إذا ساء سلوك أحد الطرفين: بأن ينتمي إلى بدعة غير كاثوليكية، أو ربى الأولاد تربية غير كاثوليكية، أو سلك سلوكاً مجرماً أو شائناً.
وبهذا يتضح أن المذهب الكاثوليكي يمنع الطلاق حتى ولو ضبطت الزوجة متلبسة بالزنا، ولا ينحل الزواج عندهم إلا بالموت، كما أنهم يؤولون ما جاء في إنجيل متى من إباحة الطلاق لعلة الزنا بالانفصال الجسماني.
ثانياً: الطلاق عند البروتستانت:
لقد أباحت الشريعة البروتستانتية الطلاق، ولكن قيدته بأمرين:
الأمر الأول: إذا زنى أحد الزوجين وثبت عليه ذلك، وطلب الآخر الطلاق.
الأمر الثاني: إذا اعتنق أحد الزوجين ديانة أخرى غير الديانة النصرانية، وطلب الزوج الآخر الطلاق.
ثالثاً: الطلاق عند الأرثوذكس:
لقد أباحت الشريعة الأرثوذكسية الطلاق، ولم تقصره على علة الزنا، أو الخروج من الدين، وإنما توسعت فيه كثيراً، وذكرت أسباباً غير ذلك، من بين هذه الأسباب- إضافة إلى ما سبق- ما يلي:
1- إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر، أو اعتاد إيذاءه إيذاءً جسمياً يعرض صحته للخطر، جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق.
2- إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخلّ بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما، واستمرت الفرقة ثلاث سنوات متوالية.
3- إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متتالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته وصدر حكم بإثبات غيبته جاز للزوج الآخر طلب الطلاق.
4- إذا حكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر، يسوغ للزوج الآخر طلب الطلاق.
5- إذا أصيب أحد الزوجين بالجنون والعجز الجنسي واستمر ذلك مدة ثلاث سنوات، وقيل خمس سنوات.
6- إذا أصيب أحد الزوجين بمرض معدٍ غير قابل للشفاء، كالبرص، والجذام، ومضت مدة ثلاث سنوات على الإصابة به.
7- إذا اختار أحد الزوجين طريق الرهبنة.
موقف مفكري النصارى من نظام الطلاق عندهم
لقد رفض كثير من مفكري النصارى المعاصرين نظام الطلاق عندهم، فذهبوا إلى نقده ورفضه، وعلى رأس هؤلاء الإنجليزي بنتام وهو من كبار فلاسفة النصارى الذي رأى أن نظام الطلاق في النصرانية فاسد وأنه لابد من إضافة تعديلات أخرى لهذا النظام، ويرى الأستاذ/ عوده وهو عالم ومفكر من علماء الدين المسيحي المعاصر أن التعاليم المسيحية جعلت الطلاق في حكم المعدوم وخاصة أنها نصت على أنه ( لا طلاق إلا لعلة الزنا) فكيف يكون الخلاص إذن.
كما أننا نذكر رأي مفكر آخر وهو الدكتور وليم باركلي حيث ينقد هذا النظام فيقول:
ينبغي أن نتذكر أن سيدنا عيسى عليه السلام حينما تقدم إلينا بوصاياه لم يتقدم لنا بقوانين بل تقدم إلينا بمبادئ، وإن تجميد مبادئه في صورة قوانين جافة هو تجريد لها من الروح المسيحية الكريمة.
إن الأساس المسيحي للأسرة المثالية هو مبدأ عدم الطلاق هذا حق، ولكن لا ينبغي ألا ننسى ناموس الرحمة والمحبة، فإن استعصى على طرفين أن يجمعهما سقف واحد ولم ينجح الطبيب أو المحلل النفسي أو الكاهن في الوصول إلى حل لمشاكلهما، فيعتقد المفكرون أنه ليس من الرحمة ولا المحبة المسيحية أن نفرض عليهما رباطاً قاسياً رهيباً يربطهما معاً طيلة العمر.
الآثار المترتبة على الطلاق:
يترتب على الطلاق انحلال رابطة الزوجية من تاريخ الحكم النهائي الصادر به فتزول حقوق كل من الزوجين و واجباته تجاه الآخر، ولا يرى أحدهما الآخر عند موته، ويجوز الحكم بنفقة أو تعويض لمن حكم له بالطلاق على الزوج الآخر، ويترتب على طلاق الزوجة أن تتربص المرأة مدة معينة تكفي للقول بعد مضيها بأن الرحم خالٍ من الأجنة، وذلك منعاً من اختلاط الأنساب، وهي العدة.
ويُجمعُ الشراح على أن هذه القاعدة من النظام العام يجب تطبيقها حتى ولو كانت شريعة معينة لا تعرفها.