مفهوم الامامة عند الشيعة و أهل السنة
الكاتب : الكاتب الصحافي المغربي الاستاذ السيد ادريس الحسيني
مفهوم الإمامة
سأنطلق هنا من نقطة لدي فيها وجهة نظر تاريخية ، هي إن نظرية الإمامة و الخلافة ، تبلورت بشكل أكثر دقة عند الشيعة منه عند السنة . و السبب في ذلك راجع إلى ، أن مواقف الخلفاء تناقضت في ممارسة ( الإمامة ) و تعاطت ، بأشكال مختلفة و متناقضة ، مع مسألة الخلافة .
فالمفهوم الشوري الذي يتسع في المنظور السني إلى مسألة الخلافة ، لم لكن ثابتا سواء في فكر السنة أو ممارساتهم .
ففي النص السني ، تتوزع مسألة الخلافة بين البعد الشوري و البعد التنصيبي ، بالقياس على نص ( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) و كانت هذه الأخيرة هي شعار ( السقيفة )! .
بينما ظلت المسألة ثابتة في الفكر الشيعي منذ البداية فهي الخلافة بواسطة ( النص ) و في حدود ـ بني هاشم . و كان لهذا الثبات المفهومي ، الفضل في انتصارات الشيعة ، الكلامية ، على خصومهم ، مستفيدين من الشرخ الحاصل لدى العامة في نظرية الإمامة ، و التنوع و التناقض الذي حكم قضية الخلافة في الفكر السني .
لقد تبلورت المواقف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله بشكل سريع . بحيث لم تبق فرصة للهاشميين في إبداء رأيهم .
استغل أصحاب الرأي ، غباء العامة في السقيفة ـ أي الرعاع ، و أرهبوا ـ الخاصة مثل سعد بن عبادة ، و عمار و . . و الهاشميين ـ هذا يعني أن الأمر كان معدا سلفا و مسبقا .
و الهاشميين كانت لديهم منذ البداية نصوص قاطعة .
و السقيفة ، مؤتمر قائم أساسا على مخالفة النص . لأنه لو أطيع أمر الرسول صلى الله عليه و آله في تجهيز جيش أسامة ، لما كانت لهم فرصة في إقامة مثل هذه المؤتمرات . و عندما يقول الرسول ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) يترتب عليه ، أن اللعنة على ما قام على لعنة ( التخلف عن جيش أسامة ) . بمعنى أن السقيفة قائمة على ( اللعنة ) . و إذا أردنا أن نخضعها لأسلوب الأحكام . فإن كلمة الرسول صلى الله عليه و آله تثبت أن الأمر واجب ، و أن التخلف عنه حرام . و ما دامت السقيفة قائمة على حرمة التخلف عن جيش أسامة ، ترتب عليه حرمة السقيفة ، و ذلك من باب أن المبنى على الحرام حرام !
قلت إن الإمامة عند أهل السنة ، خاضعة للمزاج و الرأي ، ولم تكن لهم فيها نظرية و حتى ( قاعدة ) الشورى التي تحدثوا عنها لم تكن ( مؤسسة ) يومها . بل كل ما في الأمر ، وضعها اللاحقون . أما المسألة في واقعها التاريخي ، كانت تتأرجح بين أشكال من ( التنصيب ) و نحن هنا سنعرض وجهة نظر كل من الشيعة و السنة في مسألة الخلافة . لنقف على الثغرات التي تحتوي عليها و وجهة النظر العامية حول المسألة :
أهل السنة ، و الخلافة :
مع أن الخلافة في واقعها التاريخي ، لم تكن متبلورة في شكل نظرية عند أهل السنة ، إلا أن المتأخرين منهم استطاعوا أن يضعوا لها مبررات فكرية بسيطة و محدودة .
يعتقد أهل السنة ، بأن الخلافة ، شأن من شؤون الدنيا ، يتحقق بالاتفاق .
و حيثما ورد الاتفاق تجب البيعة . ولم يعتبروها من أصول الدين ، فهي إذن من فروعه ، و شذت بعض مذاهبهم ، إذ جعلتها غير واجبة ، و بأن السقيفة كانت نموذجا للشورى . من دون أن يركزوا على ملابساتها . و يستندون إلى قوله تعالى : ? ... وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ... ? [1] .
ولم يشترط السنة العصمة في الإمام . بل و جوزوا إمامة الفاسقين . و أوجبوا الطاعة مع الفسق يقول الباقلاني في التمهيد : قال الجمهور من أهل الإثبات .
و أصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه و ظلمه ، بغصب الأموال ، و ضرب الأبشار ، و تناول النفوس المحرمة ، و تضييع الحقوق و تعطيل الحدود ، و لا يجب الخروج عليه .
و لا يشترط السنة ( الأفضلية ) في الإمام . فقالوا بجواز تقديم المفضول على الأفضل . و الواقع ، هو أن المفهوم الذي ( فبركه ) أهل السنة عن الخلافة ، إنما كان استقراء لوضع فاسد ، هو ( السقيفة ) . فمن الأمر الواقع الذي جرى فيها ، استقرأوا مفهوم الشورى و عدم النص . . . و من الفساد و الفسق الذي أحصاه التاريخ على بعض الخلفاء ، أن ارتأى الابقاء على الخليفة الفاسق! و أي عاقل ، يملك وجدانا سليما ، و وعيا بالدين عميقا . يمكنه هضم هذه المحددات التي وضعها السنة للخلافة .
مبعث الإمام عند الشيعة
لما كانت الإمامة ضرورة لتنظيم حياة المسلمين وفق أحكام الله ، حيث بها يستقيم أمر المسلمين ، دنيا و آخرة ، عدها الشيعة أصلا من أصول الدين . و عليه فإنها تعتبر من الأمور التوقيفية التي يحددها البارئ جل و علا تماما مثلما النبوة .
أمرا توقيفي منوط باختيار الله عز و جل لأنها تشكل ضرورة لهداية الناس . و ما دامت الإمامة هي الامتداد الشرعي للنبوة فإنها تبقى خارج دائرة الشؤون التي يبت فيها الناس . و الإمامة ليست شأنا من شؤون الدنيا فقط . بل شأن من شؤون الآخرة أيضا و عليه ، فإن الإمامة تخضع لمجموعة شروط ، تنسجم مع هذا الشأن .
و حيث إن الشأن الأخروي يتطلب الصفات الفاضلة و العليا . فإن البشر عاجزون عن اكتشاف الأجدر في هذا الشأن . أو قد تحول دونهم و ذلك عوامل أخرى نفسية و سياسية ، كما جرى في التاريخ الإسلامي . و لو كان الأجدر في هذا الشأن يدرك مباشرة ، لخول الله للبشر اختيار الرسل و الأنبياء . و القرآن قد تحدث عن طبيعة المقاييس التي كان يملكها المشركون في اختيار جدارة النبي صلى الله عليه و آله فكانوا يرون مشيه في الأسواق و أكله الطعام ، ينافي النبوة . كما رأوا في فقره و يتمه ما ينافي مقام الرسالة ، ? وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ? [2] ، و لو أنزل الله علينا ملكا و . . و . .
و بسبب قصور المقاييس و ضبابية المنظار الذي كان ينظر منه الإنسان إلى النبوة ، كان من الطبيعي أن يستأثر الله باختيار أنبيائه . و نفس الشيء لما رأى بنو إسرائيل في اختيار الله للملك طالوت ما لا ينسجم مع مقاييسهم لمفهوم الملك فقالوا : ? ... قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ... ? [3] ، و هناك أسباب كثيرة ، عقلية و شرعية ، تجعل من هذا الاختيار أمرا مستحيلا :
1 ـ إن الدين شأن من شؤون الله . و إن الأجدر دينا ، لا يمكن إن يكتشفه من هو دونه . و لذلك يلزم أن يختاره الله .
2 ـ إن الناس قد يرفضون الإمام لعدله و تقواه إذا أدركوا عدم ركونه إلى أهدافهم . و قد يختارون من يرون فيه لينا و انكسارا . و قد يميلون مع من يكسرهم إليه بالقوة . و تاريخ الخلافة كما سبق ذكره ، كان دليلا قاطعا على ذلك .
3 ـ إن رسالة الرسول كما تركها ، لا يمكنها حل مشكلات الناس في كل الأزمنة و العصور . و هي تحتاج إلى من يستخرج منها الأحكام ، و يوفر لكل مشكلة حلا فقهيا حاسما . و لذلك يلزم أن يعين الله من هو أجدر بهذه المهمة حتى لا تبقى على الله حجة للذين لم يعايشوا الرسل . و المستوعب للأحكام الفقهية اليوم ، يدرك أنها تكاد تخلو من الحسم ، و ليس من العقل ، أن يترك الله دينه لرأي من يختارهم الناس على قصورهم . و لعل كل هذه التناقضات دليلا على الفراغ الذي تركته الإمامة في حياة المسلمين .
و حيث إن الإمام هو لطف من الله ، يوجه الناس إلى طريق الطاعات و ينهاهم عن سلوك المعاصي و يقضي للمظلوم و ينتصر من الظالم و يقيم الحدود و الفرائض و يصدر الأحكام في المفسدين . فلو جاز أن يعصي لكان هو بالأحرى في حاجة إلى إمام يرشده و يوجهه إلى الطاعة و يقيم عليه الحد في الأمور التي قد يعصي فيها . و ذلك كله على خلاف أهل السنة الذين لا يرون مانعا من تجويز ، إمامة الفاسق كما تقدم . و إذا كان من لطفه أن بعث للناس نبيا معصوما من الصغائر و الكبائر ، لا ينطق عن الهوى ، يعلمهم الكتاب و الحكمة و يقضي بينهم و يحملهم على الطاعات ، كان إذا من لطفه أيضا أن يترك للناس إماما معصوما لا يخطأ في الأحكام ، و لا تجوز عليه المعاصي .
و إذا لم يكن الإمام معصوما ، جاز له أن يضل الأمة في لحظة جهله وعصيانه ، و كان أبو بكر يقول فيما اشتهر عنه : إن لي شيطانا يعتريني .
فإذا احتاجت الأمة إليه في اللحظة التي يعتريه فيها الشيطان ، فمن المؤكد أن يضلها ، ولم يبق الإمام عندئذ حجة لله على العباد . و لكان هو في تلك اللحظة في حاجة إلى من يحمله على الطاعة ، أي إلى إمام آخر . و إذا جاز لهذا الأخير أن يخطأ أيضا ، احتاج إلى إمام آخر . و يبقى هذا التسلل ساريا إلى لا نهاية . و هذا يناقض اللطف ، لأن في التسلسل ، تكرارا لنفس الثغرة ، و هي جواز المعصية على الإمام و هذا يأباه البناء العقلائي . و العصمة هي أن يرتفع الإمام عن الدنايا ، و الامتناع عن إتيان كل القبائح عمدا و سهوا و على طول حياته .
لأنه لو جاز عليه أن يعصي الله في الصغيرة كيف يمتنع عن إتيان الكبيرة . و إذا كان يجهل صغيرة في الشريعة ، فكيف يتسنى له الحكم في القضية التي تعرض عليه .
و إذا جاز عليه القصور في الأحكام و الجهل ببعضها ، علما أن الموضوعات و المسائل لا تتحدد بالعدد ، و لا بالمكان و الزمان . لم يكن بينه و الجاهل الذي يعرض عليه المسألة ، فرق في إدراك تلك المسألة ، فتنتفي الحجة . و قد أورد لنا التاريخ نماذج من المسائل التي عجز الخلفاء عن حلها ، و اعترفوا بعجزهم ، أو قالوا فيها بغير علم و خالفوا الشريعة .
و حيث إن الإمام هو أعلى مستوى في الأمة ، من حيث المهمة الشرعية ، كان ضروريا أن يكون هو الأفضل على كل المستويات . خلافا للسنة الذين رأوا جواز إمامة الفاسق مع وجود الفاضل ، و هو تجويز لا سند له من الشرع و العقل ، بقدر ما هو تبرير الحالة الاستخلافية التي شهدها التاريخ الإسلامي . فهي فكرة مستوحاة من واقع لا أساس له من النص .
غير أن ضرورة إمامة الأفضل تبقى هي النظرية الموضوعية المنسجمة مع العقل و الشرع . فالعقل يستقبح انقياد الأعلم لمن هو دونه ، و الأشرف إلى من هو دونه و دواليك .
و الشرع ينهى في غير موقع عن هذه الفكرة : ? ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ? [4] .
و قال : ? ... أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ? [5] .
و إذا نظرنا في نظرية الإمامة عند الشيعة ، وجدناها ترتكز على هذه الأسس الثلاث :
1 ـ الإمامة نص .
2 ـ عصمة الإمام .
3 ـ الأفضلية .
و ما دام الشيعة يرون الإمامة لأهل البيت ، كان من الضروري البحث في الانسجام بين هذه الأسس الثلاثة للإمامة ، و واقع الأئمة من آل البيت و ما هو الدليل العقلي و النقلي ، على إمامتهم .
1 ـ النص على الإمامة :
يرى الشيعة أن الإمامة تعينت بالنص . أسواء من الله تعالى أم من النبي صلى الله عليه و آله . و لهم إضافة إلى الأدلة العقلية ، أدلة نقلية قوية بهذا الخصوص .
و أريد أن أشير في هذه الفقرة إلى لفتة تكاد تتجاوزها الكتابات التاريخية و العقائدية و هي أن الأساس الذي ركن إليه عمر في بيعة أبي بكر هو النص و القرابة . و قد سبق أن أوردنا تفاصيل السقيفة ، و المنطق الذي سيطر على المواقف و الاختيارات فيها . و قال عمر أن الرسول صلى الله عليه و آله ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . و استقرأ من خلال ذلك وجوب إمامته . غير أن في اجتهاد عمر بن الخطاب بعض الملاحظات التي تثير الاهتمام .
1 ـ استند عمر على القياس . و هو قياس ناقص ، لأنه لا يبين العلة من وراء الموضوع . فهو بناء على الظن و الظن لا يغني عن الحق شيئا .
2 ـ طرح عمر إمامة أبي بكر على أساس أنها نص . مع العلم أن عمر أبى على الرسول صلى الله عليه و آله أن يكتب كتابه في أيام وفاته ، و اكتفى بالقرآن . فلو كان الرسول صلى الله عليه و آله يهجر ، ـ أستغفر الله ـ فرضا ، فأولى أن نأخذ بهجرانه حتى في تأمير أبي بكر للصلاة بالناس . علما أن إمامة الصلاة ليست مهمة أقرب إلى الله من مهمة تولي غسل الرسول و الصلاة على جنازته كما فعل الإمام علي ( عليه السلام ) و علما ـ أيضا ـ إن الرسول صلى الله عليه و آله ، استخلف في الصلاة في البلدان من ليسوا بالأفضلين . هذا إذا أضفنا إن في رواية أمر الرسول صلى الله عليه و آله بالصلاة ، اضطراب ، و فساد في المتن و السند .
3 ـ عندما استند عمر بن الخطاب على فكرة القرابة ، كان يستغل وضعا ليس له . و أوقع نفسه في تناقض كبير ، ذلك أن قرابة المهاجرين من الرسول صلى الله عليه و آله يلزم أن يتساوى فيها كل المهاجرين ، فكيف يكون استدلال عمر بن الخطاب بالقرابة و الهجرة على المهاجرين الأول ، مثل عمار ، و أبي ذر و . . الذين عارضوا خلافته . ثم لماذا لا يتنازل وفق هذا المنطق عن الخلافة لعلي بن أبي طالب ، و هو جمع بين السابقية و القرابة . فهو سيد المهاجرين ، و أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه و آله و أول من أسلم . و لذلك لما قيل لعلي إن المهاجرين استدلوا بالشجرة ، أي أنهم شجرة الرسول : قال : قالوا بالشجرة و تركوا الثمرة . و يعني بها آل البيت [6] ورد على منطق عمر بن الخطاب ، في كلمته الشهيرة و التي جاءت على شكل أبيات :
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم *** فكيف هذا و المشيرون غيب
و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم *** فغيرك أولى بالنبي و أقرب [7]
و يذكر القرآن مجموعة آيات تدل على النص في الاتجاه الذي يؤكد معقولية النص على الإمامة جاء في القرآن : ? وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ? [8] .
و الآية ، تثبت أن الإمامة تثبت بعد اختبار ، يسفر عن كفاءة الشخص ، و أهليته للإمامة ، ثم تأتي مسألة الاختيار اللدني ، ثم لما أراد إبراهيم أن يقرب ذريته ، قال تعالى : ? ... قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ? [9] و هو يوحي بأن الاختيار ليس إلا لله لا محاباة فيه و لا مشورة و لو كان منطق الإمامية في الإمامة ، غريبا عن الإسلام ، فأولى بإمامة إبراهيم و غيره ممن اختار الله ، أن تكون غريبة .
و جاء في القرآن اختيار الله لطالوت ، و هو ملك و قال : ? وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ... ? [10] .
و لما اعترض عليه القوم قال : ? ... قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [11] .
و هذا إن دل فإنما يدل على أن مسألة النص و الاختيار الإلهي للأوصياء ، ليس بدعا في تاريخ العقيدة الإلهية .
هذا بالإضافة إلى ما فاض به الذكر الحكيم من نماذج قرآنية ، تثبت هذا المفهوم و ثبت أن الإمامة بالنص ، لآل البيت و للإمام علي ( عليه السلام ) بعد الرسول صلى الله عليه و آله و تقول الإمامية ، أن الإمامة بالنص ، اختصت بإثني عشر إماما كلهم من آل البيت ( عليهم السلام ) أولهم الإمام علي بن أبي طالب و آخرهم المهدي بن الحسن العسكري ( عليه السلام ) .
و رد في القرآن قوله تعالى : ? إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ? [12] .
جاء في الصحاح الستة : و تفاسير العامة إن الآية نزلت في حق علي ( عليه السلام ) و تفاصيل القصة ، حسب ما رواه أبو ذر ( رض ) [13] قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فدفع السائل يده إلى السماء و قال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، فما أعطاني أحد شيئا و علي ( عليه السلام ) كان راكعا ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه و آله فقال لهم إن أخي موسى سألك فقال : ? ... رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ? [14] إلى قوله ? وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ? [15] فأنزلت قرآنا ناطقا . ? قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ... ? [16] ، اللهم و أنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري و يسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به ظهري .
قال أبو ذر : فوالله ما أن قال رسول الله صلى الله عليه و آله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ ? إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ? [17] و تواتر هذا الحديث ، و ذكره كبار المحدثين و المفسرين من أهل السنة أنفسهم [18] .
و سنحاول القفز على حديث الدار و الغدير الذي سبق أن أثرناه ، لنستعرض بعض الروايات الأخرى التي تؤكد على إمامة علي ، و آل بيته .
قال تعالى : ? ... قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ... ? [19] .
روى الجمهور عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : " انتهت الدعوة إلي و إلى علي ، لم يسجد أحدنا قط لصنم ، فاتخذني نبيا و اتخذ عليا وصيا ) [20] .
و لدى قوله تعالى ? وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ? [21] [22] .
و ذكر ابن عبد البر في قوله ? وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ... ? [23] قال : إن النبي صلى الله عليه و آله ليلة أسري به جمع الله بينه و بين الأنبياء ، ثم قال ، له : سلهم يا محمد ، على ماذا بعثتم ؟ قالوا : بعثنا على شهادة لا إله إلا الله . و على الاقرار بنبوتك ، و الولاية لعلي بن أبي طالب [24] .
و ذكر الجمهور عن أبي سعيد الخدري ، إن النبي صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى علي ( عليه السلام ) في يوم ( غدير خم ) و أمر بما تحت الشجرة ـ من الشوك فقام ، فدعا عليا ، فأخذ بصبعيه فرفعها ، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه و آله و علي ( عليه السلام ) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية : ? ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... ? [25] فقال رسول الله صلى الله عليه و آله " الله أكبر على إكمال الدين ، و إتمام النعمة ، و رضي الرب برسالتي : و الولاية لعلي بن أبي طالب من بعدي . ثم قال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله " [26] .
و يرى الشيعة أن الإمامة ثبتت بالنص في اثنا عشر إماما . أولهم علي و آخرهم المهدي ، و أن طريقة تعيينهم تمت عن طريق النص ، من الله ، ثم نبيه فالإمام ، أي أن الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن تسلمها سلمها ابنه الحسن ( عليه السلام ) استجابة للنص .
و الواقع التاريخي يثبت أن الأئمة ( عليهم السلام ) ، كانوا يوصون إلى من بعدهم استنادا من أن نص منصوص و التجربة التاريخية ، تفسر عن هذا الواقع ، إن الإمام عليا ( عليه السلام ) لم يستشهد حتى أوصى بها إلى ابنه الحسن . و الحسن لما عقد وثيقة الصلح ، اشترط فيها عودة الخلافة إليه ، أو إلى أخيه الحسين ( عليه السلام ) إذا طرأ طارئ على حياة الإمام الحسن ( عليه السلام ) .
و الإمام علي ( عليه السلام ) الذي عارض تداول الخلافة بين أبي بكر و عمر و عثمان . لم يكن ليكرر نفس الإجراء فيما لو كان الأمر لا يستند إلى مسوغات عقلية و نقلية ، تتحدد بالنص و ذكرت النصوص ، أن الولاية بعد الرسول صلى الله عليه و آله لأهل البيت ( عليهم السلام ) و من ذلك : ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم ، عن زيد بن أرقم : لما رجع رسول الله صلى الله عليه و آله من حجة الوداع و نزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن فقال :
" كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى و عترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما . فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ثم قال ، إن الله عز و جل مولاي و أنا مولى كل مؤمن ( ثم أخذ بيد علي ) فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه " .
أما ما ورد في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم . فقد قال : قام رسول الله صلى الله عليه و آله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة و المدينة ، فحمد الله و أثنى عليه ، و وعظ و ذكر ثم قال :
" أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، و أنا تارك فيكم ، ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور ، فخذوا لكتاب الله و استمسكوا به " فحث على كتاب الله و رغب فيه ثم قال : " و أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " .
و في صحيح الترمذي ورد بهذه الصيغة ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله في حجته يوم عرفه و هو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول :
" يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله و عترتي أهل بيتي " .
و ورد حديث ( الثقلين ) بأكثر من سند و صيغة في صحاح الجمهور .
و طبيعي أن يحتاج هذا الحديث إلى نص آخر يحدد عمومه . فحصر الشيعة الإمامة في اثني عشر إماما من آل البيت كما تقدم ذكره و الأدلة على ذلك كثيرة بيد إننا نراها على قسمين :
الأولى أدلة اعتبارية سندها الواقع و التجربة . إذ لما ثبت الإمامة لعلي ( عليه السلام ) بالنص فإن وصيته إلى الحسن ( عليه السلام ) تبقى نصا صادرا عن الإمام . و كل إمام أوصى بالآخر ، فيكون هذا التسلسل الاثني عشري دليلا على النص . و هذا هو الدليل العقلي على إمامة الاثني عشر .
كما ينضاف إلى تلك الأدلة ، كون هؤلاء الاثنى عشر هم رموز آل البيت الكبار ، الذين أحصى لهم التاريخ تفوقهم و كرامتهم ، و لا تلقى وصية .
يتبع......
التعديل الأخير تم بواسطة انا شيعي من النجف ; 20-10-2009 الساعة 08:21 PM.