محترفو الدين في لباس علماء الدين
الإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره الشريف
إن أكثر الذين تظاهروا بالتدين وتسببوا بانحراف الكثيرين وإضلالهم كانوا من المعممين.. وبعضهم درس في المراكز العلمية حتى أن رئيس إحدى الفرق الضالة قد درس في هذه الحوزة العلمية لكن دراسة لم تكن مقترنة مع تربية النفس وتهذيبها.. ولم يكن يسير على الطريق السوي والصراط المستقيم، فلم يتمكن من التخلص من الرذائل فكانت عاقبته تلك العاقبة السيئة المدمرة.
نعم، إن الإنسان إذا لم يتخلص من الرذائل، والخبائث؛ فإن دراسته مهما طالت سوف تضره لأن العلم حين يكون في أرضية غير نظيفة فسوف ينبت نبتاً خبيثاً، وكلما ازداد علم إنسان يحمل قلباً أسود، ونفساً غير مهذبة، فإن حجب الظلام في نفسه تتكثف، لأن العلم في نفس كهذه يصبح حجاباً مظلماً (العلم هو الحجاب الأكبر) ولذلك فإن شر العالم الفاسد أخطر من كل الشرور وأكثر.
صحيح أن العلم نور، ولكن في الأوعية النظيفة، والقلوب النظيفة. أما الأوعية النتنة، والقلوب المظلمة فليس الأمر فيها كذلك. إن العلم الذي يطلبه صاحبه للجاه، والظهور لا يزيده إلا بُعداً من الله سبحانه.
وعلوم التوحيد أيضاً إذا لم تكن لله وفي سبيله فإنها تتحول إلى حجب ظلام، ولو أن شخصاً حفظ القرآن بالقراءات الأربعة عشر، ولكن لم يكن هدفه في ذلك الله سبحانه؛ فإنه لن يجني من حفظه إلا البُعد عن الله سبحانه.
إذا درس أحدكم وتعب، فبالامكان أن يصبح عالماً، ولكن ينبغي أن تعلموا أنه يوجد فرق كبير بين العالم والمهذب.
كان أستاذنا آية الله العظمى المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي يقول: (يقولون: من السهل أن تصبح عالماً، ولكن من الصعب أن تصبح إنساناً. ولكن هذا خطأ وينبغي أن يقال: من الصعب أن تصبح عالماً، ومن المستحيل أن تصبح إنساناً..).
إن اكتساب فضائل الأخلاق، ومكارمها، والمعايير الإنسانية من التكاليف الشديدة الأهمية والتعقيد الملقاة على عواتقكم..
إياكم أن تظنوا أنكم قمتم بما عليكم بانشغالكم بطلب العلوم الشرعية، وعلم الفقه بالخصوص الذي هو أشرف العلوم. وإنكم بذلك عملتم بما يطلب منكم. كلاّ .. إذا لم يكن الإخلاص متوفراً فإن هذه العلوم لا تنفع شيئاً..
إذا كانت خصائلكم العلمية لغير الله والعياذ بالله، وكانت للأهواء النفسية، وتحصيل المركز الاجتماعي، والوجاهة الدنيوية؛ فإنكم لم تحصلوا إلا الوزر، والويل، والوبال.
هذه المصطلحات التي تتعلمونها إذا لم تكن مقترنة بالتقوى فإنها كلما ازدادت سوف تضر الأمة الاسلامية دنياً وآخرة. إن مجرد تعلم هذه المصطلحات لا أثر له ولا فائدة، وعلوم التوحيد إذا لم يرافقها صفاء النفس فإنها ستكون وبالاً على أصحابها.
ما أكثر الأشخاص الذين كانوا من علماء التوحيد ولكنهم كانوا سبب انحراف جموع غفيرة من الناس.
ما أكثر الأشخاص الذين كانوا يتقنون هذه المواد التي تدرسونها أحسن منكم ولكنهم؛ لأنهم لم يكونوا قد هذبوا أنفسهم وأصلحوها بمجرد نزولهم إلى ميدان العمل الاجتماعي كانوا أدوات إفساد وإضلال.
إن هذه المصطلحات الجافة إذا زرعت في الذهن بدون تقوى، وتهذيب للنفس فإنها تزيد من التكبر والغرور.
وعالم السوء الذي سيطر عليه الغرور، والتكبر سوف لن يستطيع إصلاح نفسه ولا إصلاح المجتمع .. ولن ينتج إلا الضرر للإسلام والمسلمين وبعد أن يقضي السنوات في طلب العلم، وإنفاق الحقوق الشرعية سوف يصبح سداً في طريق تقدم المسلمين، ووسيلة إغواء لهم، وسوف تكون نتيجة إقامته في الحوزة العلمية ودراساته، وبحوثه أن يحول دون إطلاع الناس على حقيقة ما في القرآن، بل إن وجوده سوف يكون امنعاً للمجتمع عن معرفة الاسلام، وواقع علماء الدين.
* ترجمة حسين الكوراني
المصدر :
الجهاد الاكبر(جهاد النفس) للإمام الخميني قدس سره الشريف