بادئ ذي بدء علينا أن نحدد الهدف الذي نسعى إليه حتى لا تستقطب جهدنا الدوامات الفكرية أو الحركية التي يفتعلها الغير ــ بقصد أو بغير قصد ـــ فتعطل سيرنا إلى أهدافنا ، وعلينا أن نستحضر خبرات الماضي للتعامل مع الحاضر والمستقبل حتى لا نكرر أخطاء الأمس ، ويعاد لنا الدرس بمرارته ثانية .
أقول : هناك حقائق لا بد من استصحابها حين الكلام على ( الإصلاح ). . . أيِّ ( إصلاح ) باسم الدين .
أولها ــ وهي حقيقة شرعية ـــ : أن هدفنا الأول والأخير الذي نسعى إليه ـــ نحن أتباع ( العترة النبوية) هو تعبيد الناس لله في مصر وخارج مصر ، مع اليقين بأن الرقي المادي . . . ( الحضاري ) ما هو إلا ثمرة من ثمرات الانضباط على شرع الله ، قال الله " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " . وليس هناك طريق آخر ــ من وجهة النظر السلامية لرفع البلاء عن العباد والبلاد إلا هذا الطريق " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بي أنفسهم " " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " " . . . ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " . " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " . وما السيطرة على زمام الأمور إلا إحدى الوسائل لتحقيق هذه الغاية الكلية .
فقد أمر الإسلام أتباعه بقول الصدق وألزمهم بأداء الأمانة وطالبهم بالوفاء بالعقودوالمحافظة على المواعيد، وهو دين قويم يدعو إلى مكارم الأخلاق وحسن التعامل مع جميعأفراد البشر مسلمين وغير مسلمين، فالدعوة التي تُرفع باسم الإسلام ومن أجله يجب أنتكون في اطار التوجيه الرباني العظيم: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنةوجادلهم بالتي هي أحسن}(1) ومَنء ظن أن خروجه على هذا النهج الرائع في الدعوةبالحسنى هو الأوءلى فاستعمل بدلاً من اللطف العنف والرعونة، فهو مخالف للنهجالإسلامي السمح في التوجّه ومضاد له في النتيجة لأنه بذلك كأنما يستدرك على منهجالله، وبهذا يُصنف على أنه من: {الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهميحسنون صنعاً}(2).
ومن خلال استقراء أحوال الأمة الإسلامية على مدى القرون المتتابعة منذ فجرالإسلام مروراً بأزهى عصوره وأحطّها: نجد أن مسيرتها مرتبطة بمدى تطبيقها لمنهجالله، فإذا التزمت بدينها قولاً وعملاً ارتفع شأنها وصار لها دور بارز ومكانةمتميزة بين الأمم التي تعايشها في العصر الذي تحياه، وإنء اجتاحتها تيارات الرفاهيةوامتد إلى كيانها الوهن واستكانت إلى الكسل في العمل والتقصير في أداء الواجبات: فإنها تعود بذلك إلى الوراء فتصاب بنكسة الاحباط ومحنة التخلف وتصبح تابعة غيرمتبوعة ومتأخرة في موكب التقدم!
فالاستبداد الفكري الذي ساد في ساحتنا الإسلامية ومشهدنا الثقافي والاجتماعي لفترةطويلة كان للأسف خداعا وسياجا هلاميا لجميع الاحتقانات الفكرية التي ساهمت في نموظاهرة الإرهاب من خلال الخطاب التكفيري من غلو في القول وغلظة في التعامل وتعام عنالحقائق ورمي الآخرين بالتهم، بل تجريمهم ومضايقة المصلحين ومحاربة المفكرين. هذهالأمور وغيرها جعلتنا نعيش حالة من الحنق والاختناقات مما افقدنا النظر إلى الفكرالمعتدل والوسطية في الرأي والإنصاف في القول والفعل.
هذا البلاء الشر هو الذي تعاني كثير من المجتمعات ما لا يخفى من التفرق والإرهابوالخوف، إذ تمكن دعاة السوء أدعياء الإصلاح من بث الفتنة وتشويه الصورة واغتنامفرصة الخلاف الفكري والعلمي ـ وهو أمر بديهي وواقعي ـ لتوليد المشاكل وتعقيد الأموروخلق قضايا لا تنفع بل تضر ولا تجمع بل تفرق ولا تحمد عقباها، وكثير من الناس يذوقألمها ويصطلي بنارها اليوم، التي تبدو أحيانا وتختفي أحيانا أخرى".
يخطئ كثير من الناس في فهم حقيقة الأسباب التي تخرج صاحبها عن دائرة الإسلام وتوجبعليه الحكم بالكفر، فتراهم يسارعون الى الحكم على المسلم بالكفر لمجرد المخالفة. فلا يجوز لأي إنسان الركض في هذا الميدان والتكفير بالأوهام والمظان من دون تثبتويقين وعلم متين وإلا اختلط سيلها بالأبطح ولم يبق مسلم على وجه الأرض إلاالقليل
"
فإذا دعوت مسلما يصلي ويؤدي فرائض الله ويجتنب محارمه وينشر دعوته ويشيدمساجده ويقيم معاهده الى أمر تراه حقا ويراه هو على خلافك والرأي فيه بين العلماءمختلف قديما إقرارا وإنكارا فلم يطاوعك في رأيك فرميته بالكفر لمجرد مخالفته لرأيك،فقد قارفت عظيمة نكراء واتيت أمرا إد نهاك عنه الله ودعاك إلى الأخذ فيه بالحكمةوالحسنى".
"
لقد بلينا معشر المسلمين بكثير من هؤلاء يعكرون صفو الأمة ويفرقون بينالجماعات ويورثون العداوة ويستبدلون الحكمة والموعظة الحسنة والرأفة والرحمةبالغلظة والجفوة وسوء الادب وقلة الذوق".
إن الأمة في حاجة إلى الوسطية والاعتدال والإنصاف ولا سيما في فهمالنصوص
"وهذا لا يمنع أن تكون هناك مسائل خلافية تجري بين الناس، ولكنها لاتقتضي العداوة ولا البغض ولا الإخراج عن الملة، ولا بد أن نفرق بين خلاف في الآراءنتيجة خلاف في فهم النص لعدم وجود نص قاطع من الشرع يحدد الفهم ويحكم بالنتيجة،وبين اختلاف بين أصحاب الرأي يجر إلى العداء والبغضاء والتكفيروالتفسيق".
"فنحن لا نلزم الناس بفهمنا كما إننا نرفض أن يلزمنا غيرنا بفهمهإلا إذا جاء الفهم من مشكاة النبوة وعترة بيتة الشريف المعصوم فنقول سمعنا واطعنا وآمنا وصدقنا".
بعد هذا الاستعراض السريع ولما تعانيه الأمة فكريا لا ينكر عاقل من أن وطننا العربيوالإسلامي يعاني مشكلات متعددة من مادية وإنسانية سواء كانت داخلية أو خارجيةومشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وأخلاقية و هذه المشكلات تتطلب الحلالسريع والحاسم ، لأن حياتنا اليوم أصبحت جسدا بلا روح وأعظم ما تعانيه الأمة اليومهو ضعف الوازع الديني وفساد الأخلاق وموت روح البحث والأصالة الفكرية ، لأننا نعيشأزمة إيمان وأزمة أخلاق".
قال تعالى:﴿ " وكان حقا علينا نصر المؤمنين"﴾
وقال أيضا: ﴿" ألا إن نصر الله قريب"﴾
أن ما عليه الأمة الإسلامية اليوم منذر بخطر عظيم، على أيدي اليهود والنصارى ومن تحالف معهم من المنافقين المتلبسين بالإسلام، الذين يتولون اليهود والنصارى بشتى أنواع التولي، وإن من عنده إدراك بواقع الأمة يعلم ذلك، فتمكينهم من بلاد المسلمين، وفتح الطريق لهم، وتخذيل أهل العلم عن فضح مخططاتهم، ورمي ( الشعية ) بأنهم يشعلون فتيل الفتنة، والزج بهم في غياهب السجون، وإعطاء تنازلات في دين الله إرضاء لمطالب الكفار، لهو دليل واضح على تأييدهم ومناصرتهم لهم على أولياء الله وحزبه، فعلى هؤلاء الذين هذه صفاتهم والساكتين عن بيان الحق الذي يكاد أن يندرس وتطمس معالمه، أن ينتظروا جزائهم الذي توعدهم الله به في كتابه، حيث يقول: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم}، وقال تعالى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحاً وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.
وهذه سنه الله التي لا تتغير ولا تتبدل في إهلاك الأمم الظالمة، الناكصة عن هدي ربها، وما جاء به المرسلون، فالحذر الحذر من التمادي في مجانبة الحق، وإعطاء الدنية في دين الله لأعداء الله ورسوله(ص) وعترة البيت المعصومين عليهم السلام ..
فأول هذه التوجيهات؛ أقدمها إلى حكام المسلمين في كل مكان، مذكراً إياهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه)، وحديث/ (من استرعاه الله رعيه، ثم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لقي الله وهو عليه غضبان).
فاحذروا من عذاب الله ونقمته وأليم عقابه، وارفقوا بشعوبكم، ولا تسلموها إلى أعدائكم الذين يبغضونكم، مهما جاريتموهم وتلطفتم معهم، فهم يكرهون المسلم لإسلامه؟؟
فالأمة الإسلامية يجب أن تستعيد سلطانها وتستلم زمام أمرها وتقتلع الخونة من سدةالحكم.
إن خنوع الأمة وتنازلها عن سلطانها هو الذي جرأ الرويبضة على التحكم بهاواستذلالها.
نعم, على الأمة الإسلامية ان تستعيد سلطانها وتقرر قرارها وتختارحاكما قويا أمينا سلطانه يستند طبيعيا عليها فهي صاحبة السلطان الحقيقي لينوب عنهافي تنفيذ الإسلام الذي آمنت به ويحمل رسالتها رسالة هدى ونور للبشرية جمعاء لتسعدفي الدنيا والآخرةوهو الايمان (بالمهدى عليه السلام ) الذى تنتظرة هذة الامة أو طائفة منها .
وبعد ذلك تتحرك الجيوش الإسلامية تلقائيا لدخول ونصرةالمسلمين المنكوبين في شتى بقاع الارض. قال تعالى: ﴿(ولينصرن الله من ينصره، إنالله لقوي عزيز).﴾