إن للاستغفار مقدّمات وأبواباً ومن أبوابه الدعاء للوصول إلى حصول المغفرة من الله جل وعلا.
ولقد أغنتنا مدرسة أهل البيت (عليه السلام) بالدعاء وكيفيته والتفاعل معه من حيث الاتصال بالله تعالى والخشوع له والتأدب معه بكيفية الأداء لكي يمثل الداعي طريقة العبودية والخضوع المطلق للمولى سبحانه وانه ذلك العبد الذليل الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً سوى رحمة الله ولطفه ومنّه على عباده.
وبما أن الاستغفار مصفاة للقلوب ونقاء للروح وهو في حد ذاته من العبادات التي تقرب إلى الله تعالى والاعتراف بالوحدانية التي هي أصل الدين وأس الاسلام لذلك أمر الله تعالى به وحث عليه، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "الاستغفار وقول لا إله إلا الله خير العبادة، قال الله العزيز الجبار: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين".
وقال الإمام الرضا (عليه السلام): مثل الاستغفار مثل ورق على شجر تتحرك فيتناثر.
ولقد كان النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة المعصومون (عليه السلام) لهم آداب خاصة وكيفية معينة حينما يناجون ربهم ولقد أسهبوا في بناء الروح بعبادات ذهبية وجمل دررية تجعل العبد خاشعاً ذليلاً أمام ساحة القدس الإلهية ومن أولئك المعصومين (عليه السلام) سيدنا ومولانا زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) حيث كان يناجي ربه بقوله:
"إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي وجللني التباعد منك لباس مسكنتي وأمات قلبي عظيم جنايتي فأحييته بتوبة منك يا أملي وبغيتي ويا سؤلي ومنيتي فوعزتك ما أجد لذنوبي سواك غافراً ولا أرى لكسري غيرك جابراً وقد خضعت بالإنابة إليك وعنوت بالاستكانة لديك فإن طردتني من بابك فبمن ألوذ وإن رددتني عن جنابك فبمن أعوذ فوا أسفاه من خجلتي وافتضاحي ووالهفاه من سوء عملي واجتراحي أسألك يا غافر الذنب ويا جابر العظم الكسير أن تهب لي موبقات الجرائر وتستر عليّ فاضحات السرائر ولا تخلني في مشهد القيامة من بردك وعفوك وغفرك ولا تعرني من جميل صفحك وسترك.
إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك.
إلهي هل يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه؟ أم هل يجيره من سخطه أحدٌ سواه؟
إلهي إن كان الندم على الذنب توبة فإني وعزتك من النادمين وإن كان بالاستغفار من الخطيئة حطة فإني لك من المستغفرين لك العتبى حتى ترضى.
إلهي بقدرتك عليَّ تب عليَّ وبحلمك عني أعف عني وبعلمك بي ارفق بي.
إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سميته التوبة، فقلت: توبوا إلى الله توبة نصوحاً فما عذر مَن أغفل دخول الباب بعد فتحه.
إلهي إن كان قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك.
إلهي ما أنا بأول مَن عصاك فتبت عليه وتعرض لمعروفك فجدت عليه يا مجيب المضطر يا كاشف الضر يا عظيم البر يا عليماً بما في السر يا جميل الستر استشفعت بجودك وكرمك إليك توسلت بجنابك (بحنانك) وترحمك لديك فاستجب دعائي ولا تخيب فيك رجائي وتقبل توبتي وكفر خطيئتي بمنّك ورحمتك يا أرحم الراحمين".
تكشف لنا هذه المناجاة العظيمة كيف يناجي الانسان ربه وكيف يدعوه ويتضرع إليه وما هي الألفاظ المناسبة التي تناسب جلالة شأن المولى حينما يلتجأ العبد إليه خائفاً من ذنوبه لائذاً بكرمه وعفوه راجياً مغفرته ورضاه وتعطينا دلالة واضحة أن الانسان عليه أن يبادر مسرعاً إلى الله تعالى بعد صدور الذنب منه.
والدلالة الثانية تبين لنا أن لا ملجأ للعبد إلا إليه سبحانه ولا يغفر الذنوب إلا هو. والدلالة الثالثة ينبغي على العبد أن يتعلم كيف يخاطب المولى ويناجيه عند الاستغاثة والإنابة إليه وهذا أمر مهم للداعي حينما يريد أن يدعو الله سبحانه وتعالى ليغفر له ويتوب عليه.