كعادتها عند كل مساء وقبل ان تخلد للنوم جلست الى جانب النافذة المطلة على حديقة المنزل ,الهدوء يعم المكان ماعدا صوت الرياح المتلاطمة هنا وهناك امسكت بكتابها وهمت بالقراءة فهي من هواة المطالعة
مضت الساعةتلو الأخرى وهي متشبثة بالكتاب إلى ان احست بالنعاس تثاؤبات متراسلة وانقطاع عن القراءة ,أغلقت هيفاء كتابها متأهبة لنومٍ عميق فقد قرأت مايتجاوز الخمسون صفحة في هذه الليلة ...
وما أن استسلمت لفراشها واحتضنت مخدتها حتى سقط في مسامعها صوت الصراخ المتعالي من الأسفل نهضت على الفور باقصى سرعتها متجهة نحو مصدر الصراخ ,وصلت هيفاء لفناء المنزل وإذا بها ترى والدتها تحتضن أخاها محسن البالغ من العمر سبعة عشر خريفاً وهو مخضبا بدماه
وصلت هيفاء لوالدتها مع وصول سيارة الإسعاف
هيفاء: يمه شصاير شفيه محسن
ووالدتها مازالت في نوحها إلى أن فقدت وعيها
أصوات المتجمهرين حول المنزل وصلت لمسامع أبو جلال نهض ليرى من النافذة ماللذي يحصل خارج المنزل
وقعت عيناه على بقع الدماء وسيارة الإسعاف ,زوجته الممتدة على الأرض وفزع ابنته هيفاء
هرول مسرعا للأسفل ليستعلم عن الأمر فلم يجد من مجيب
أبو جلال : هيفاء يبى شصاير الدم لمنو وليش ؟؟أمج شفيها
هيفاء: يبى مادري شقول انا سمعت صراخ أمي ونزلت بسرعة شفتها حاضنة محسن وهي تصيح والدم مغطي جسمه
أبو جلال : محسن ؟؟!! دم !! ليش
اتجه أبو جلال حيث سيارة الإسعاف ومن هناك كانوا مشغولين بتجهيز محسن ووضع الأجهزة عليه ليتمكنوا من نقله للمستشفى
أبو جلال: ياجماعة شصاير وليش انتو هنا وشفيه جلال
سائق الإسعاف : والله ياخوي ماندري شنو اللي صاير بس وصلنا بلاغ انه عندكم حالة مستعجلة والظاهر انه تعرض لضرب مبرح لأن جسمه كل كدمات وجروح
أبو جلال : لاحول ولا قوة الا بالله ضرب وجروح هو يتنفس ولا طمني بس عايش ولا مات
السائق : لاتخاف ياحجي الولد للحين على قيد الحياة ..صار لازم نمشي بسرعة والسيارة اللي راح تنقل والدته جاية في الطريق في أحد منكم يركب ويانا
أبو جلال : أناأروح وياكم
صعد أبو جلال السيارة ونبضاته متسارعة ينظر تارة لمنظر ابنه المدلل وقد غطت الدماء ملامح وجهه وتارة اخرى يغمض عينيه ليسترجع شريط ذكريات محسن منذ طفولته وحتى هذه اللحظة
كم كان مدللاً من الجميع وخصوصاً والدته فطالما كان يقع في الخطأ وسوء التصرف وتقف هي موقف المحامي عنه دون نقاشه او محاولة توعيته
تأوهات يصدرها أبو جلال ودموعٌ منهمرة
أبو جلال: يارب رحمتك الطف بحالنا مابقى لي غيره هو واخته هيفاء لاتحرمني منهم
جلال سافر للدراسة ولم يعد لبلده رغم الحاح والديه عليه بالعودة فقد أخبرهم مؤخراً بأنه تزوج من إحدى الأجنبيات وفرضت عليه البقاء معها فهي لاتريد المجيء فهو راضٍ عما تطلب منه ولن يعود ابداً ,وعندها انقطعت اخباره
جنان تزوجت وانتقلت لمنزل زوجها في منطقة تبعد عن منزل والدها مئات الكيلو مترات واستصعبت المجيء لزيارة أهلها بين الحين والآخر فاقتصرت على اسبوع واحد تقيم فيه مع أهلها في كل سنة ,فهل ياترى اسبوع واحد يشفي غليل أبوين قدما سبل السعادة لأبنائهما ؟؟
توقفت سيارة الإسعاف وفُتح الباب ومازال أبو جلال مسترسلاً في ذكرياته ,انتبه أبو جلال لولده الممتد على السرير ليرمي بنفسه من السيارة ويجري خلفهم إلى وصل لغرفة العمليات وأغلق الباب في وجه أبو جلال ..جلس أبو جلال على أحد المقاعد وعينه تراقب الباب والساعة
بينما أبو جلال يترقب أي خبر يصله عن أبنه وصلت السيارة الأخرى والتي تقل هيفاء ووالدتها ,دقائق من الصراخ والحالة الهستيرية لتتوقف أم جلال عما كانت تفعله وتغط في نوم عميق إثر إبرة أعطتها إياها الطبيبة
هيفاء ذهبت لتستفسر عن أخاها فأخبروها بأنه في غرفة العمليات فأسرعت باتجاههالتجد والدها على أحد المقاعد أرتمت بأحضان والدها لتعرف مالسبب ومالذي جاء بمحسن إلى هنا
هيفاء: يبى شنو اللي صار وشفيه محسن
أبو جلال: والله يابنتي مااعرف يقولو ضربات وكدمات وجروح والله المسهل
هيفاء: اي من ويش
أبو جلال : ماعطوني خبر يابنتي
دقائق صمت حلت بين هيفاء ووالدها وإذا بالمحقق يقف أمامهم ويتسائل عن الحادث
أجابوه بعدم معرفتهم للأسباب وقصت هيفاء مارأته عليه
المحقق: يعني تقولون ان الخبر عند محسن أو أمه
أمر المحقق بتواجد اثنين من رجاله لحراسة غرفة العمليات واخباره بما يجري بعد ذلك وذهب باتجاه الطوارئ لعله يتمكن من رؤية أم جلال لإستجوابها
رجل الشرطة يجلس على أحد المقاعد المجاورة لحجرة أم جلال منتظرا أمر الطبيب ليقوم باستجوابها..