الرد على ابن الجوزيه حول تضعيفه حديث ( أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)
بتاريخ : 28-07-2009 الساعة : 11:07 PM
قال ابن الجوزي في كتابه «العلل المتناهية» صفحة 268 : ( أنا القزاز، أنا أحمد بن علي، قال أنا محمد بن الحسين القطان، قال أنا عبد الباقي بن قانع، قال أنا أحمد بن علي الخزاز، قال حدثنا أحمد بن حاتم، قال حدثنا تليد بن سليمان عن أبي الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة والحسن والحسين فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم .
قال المؤلف : وهذا حديث لا يصح تليد بن سليمان كان رافضيا يشتم عثمان قال احمد ويحيى كان كذابا ) .
أقول :
بل الحديث صحيح أخرجه ابن حبان في صحيحه 15/433 فقال : ( أخبرنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن صبيح مولى أم سلمة ، عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة والحسن والحسين : أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ) .
وإخراج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه دليل على أنه يرى صحته ، ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3/161 وحسنه ، وابن ماجة في سننه 1/52 ، والترمذي في سننه 5/699 ، وابن أبي شيبة في مصنفه 6/378 ، والطبراني في معجم الكبير 3/40 وغيرهم كلهم بأسانيدهم إلى أسباط بن نصر بنفس باقي السند ، ولاكلام في سند هذه الراوية فرواتها كلهم من الثقات ، وصبيح مولى أم سلمة وثقه ابن حبان ، وقال الذهبي في الكاشف 1/500 ( وثق ) وقال ابن حجر في التقريب صفحة 274 : ( مقبول ) ، وروى عنه السدي وحفيده إبراهيم بن عبد الرحمن بن صبيح ، فروايته إن لم تكن صحيحة فهي حسنة ، ولذلك حسن هذه الرواية الشيخ محمد ناصر الألباني في كتابه صحيح الجامع الصغير وزياداته 1/306 حديث رقم : 1463 .
إضافة إلى ذلك فإن صبيحا هذا يظهر من رواية حفيده عنه أنه صحابي ، ولذلك ذكره ابن الأثير في كتابه ( أسد الغابة في معرفة الصحابة 3/8 رقم الترجمة : 2468 ) ، فلو ثبت كونه صحابيا فروايته هذه قطعا صحيحة .
ولهذه الرواية شاهد قوي يخرجها من مرتبة الحديث الحسن إلى مرتبة الحديث الصحيح ، وهذا الشاهد أخرجه غير واحد من علماء أهل السنة ومنهم أحمد بن حنبل ، ففي مسند أحمد بن حنبل 2/442 قال : (حدثنا تَلِيدُ بن سُلَيْمَانَ قال حدثنا أبو الحجاف عن أبي حَازِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال نَظَرَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ فقال: أنا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/169 بعد أن نقل هذه الرواية : ( رواه أحمد والطبراني وفيه تليد بن سليمان وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح ) .
قلت : تليد بن سليمان شيخ أحمد بن حنبل ، وقد روى عنه ، وأحمد لا يروي إلا عن ثقة ، صرّح بذلك ابن تيمية الحراني في كتابه منهاج السنة 7/52 فقال : ( والناس في مصنفاتهم منهم من لا يروي عمن يعلم أنه يكذب مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل فإن هؤلاء لا يروون إلا عن شخص ليس بثقة عندهم ) .
وقال المروزي أن أحمد قال عن تليد : ( كان مذهبه التشيع ولم ير به بأسا ) ( تهذيب التهذيب 1/447 ) .
ونقل عن أحمد أنه قال عنه أيضا : ( كتبت عنه حديثا كثيراً عن أبي الجحاف ) ( تهذيب التهذيب 1/447 ) .
نعم نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/447 أن الجوزجاني قال عن أحمد أنه قال : ( سمعت أحمد بن حنبل يقول : حدثنا تليد وهو عندي كان يكذب ) .
قلت : وبمراجعتي لكتاب أحوال الرجال للجوزجاني صفحة 74 وجدته يقول : (تليد بن سليمان سمعت أحمد بن حنبل يقول في كتابي حدثنا تليد بن سليمان الخشني قال إبراهيم وهو عندي كان يكذب كان محمد بن عبيد يسيء القول فيه ) .
ولم أجد - حسب تتبعي - من وصف تليد بن سليمان الذي نحن بصدد الحديث عنه بالخشني وإنما هو المحاربي الكوفي ، فالظاهر أن تليدا الذي كذبه أحمد غير تليد الذي نتحدث عنه ، وحتى لو ثبت أنه يريد بذلك تليد بن سليمان المحاربي فإن كلام الجوزجاني هذا مردود لعدة أسباب :
1- أن أحمد لا يروي عن من يعلم كذبه .
2- إنه لا يروي إلا عنه ثقة .
3- إنه أخرج لتليد في مسنده ، وسيأتي أن أحمد يرى اعتبار جميع روايات مسنده .
4- إنه صرّح بأنه لم ير بتليد بأساً .
5- إنه روى عن تليد كثيرا – حسب ما صرّح بنفسه بذلك - ولو كان يكذب لما روى عنه لا كثيرا ولا قليلاً .
6- إن الجوزجاني ناصبي بغيض كان يتناول الإمام علي عليه السلام ، ومن هكذا حاله فنقله عن أحمد ليس بموثوق به .
فتبين من كل ذلك أن ما ذكره الجوزجاني عن أحمد باطل وأن تليد بن سليمان عند أحمد ثقة ليس ممن يكذب في الحديث .
وقال العجلي عن تليد : ( لا بأس به كان يتشيّع ويدلس ) .
وهذا الكلام من العجلي يعني أن رواية تليد عنده معتبرة ، ثم حتى لو ثبت أنه من المشهورين بالتدليس فإنه في هذا الحديث الذي نحن بصدد الحديث عنه لم يعنعن وإنما صرّح بالتحديث فليس تدليسه بقادح في سند هذا الحديث .
نعم لقد ضعف جماعة من رجال الجرح والتعديل من علماء أهل السنة تليدا هذا ، ورموه بكل كبيرة وعظيمة ، فمنهم من رماه بالكذب ومنهم من رماه بسب الصحابة وما شاكل ذلك من تهم ما أنزل الله بها من سلطان ... وكل من يرجع إلى ترجمته في كتب الرجال عند أهل السنة يجد أن سبب جرحهم ورميهم له بالكذب هو تشيعه وروايته فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام ، وموقفه السلبي من بعض الصحابة إن صح أن له مثل هذا الموقف من بعض الصحابة .
وموقفهم هذا فقط ممن يزعمون أنه يشتم أبا بكر أوعمر أو عثمان أو غيره من الصحابة غير الإمام علي عليه السلام ، أما من يتناول عليا عليه السلام فهو عندهم ثقة ثبت صحيح الرواية ، فكم من ناصبي يتناول عليا عليه السلام قد وثقوه وصححوا رواياته!!!
ثم إن هذه الرواية أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده كما مر ، وإخراج أحمد لها في مسنده دليل على أنها صحيحة معتبرة عنده ، لأن أحمد بن حنبل يرى اعتبار روايات مسنده ، فهو يقول عن مسنده : ( إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة ) ( شذرات الذهب 2/136 ، طبقات الحنابلة 1/143 ، المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد صفحة 366 ، سير أعلام النبلاء 11/329 ) .
وكلام أحمد بن حنبل واضح في أنه يعتبر ويرى صحة جميع روايات مسنده ، والرواية المذكورة موجودة في مسند أحمد فهي إذا عند أحمد بن حنبل صحيحة .
وعليه فإن هذه الرواية بذاتها لا تخرج عن رتبة الحسن ، وهي تعضد الرواية الأولى فتخرجها من رتبة الحسن إلى مرتبة الصحيح .
فتبين مما ذكرناه أن الحديث المذكور صحيح وأن دعوى ابن الجوزي عدم صحته دعوى كاذبة لا أساس لها من الصحة.