أبوجهل يقول: ((من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير أو جاء بابن أبي قحافة أو دل عليه فله مائة بعير)) بحار الأنوار، 19/40
فجعل مكافأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه الصديق ورفيقه في الغار رضي الله عنه سواء وعلى ذكر قصة الهجرة فقد ذكرت كتبكم أن الله عز وجل أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قصة ليلة المبيت: (( آمرك أن تستصحب أبا بكر فإنه إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك كان في الجنة من رفقائك، وفي غرفاتها من خلصائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح ولا فرج منج، وكان في ذلك محبتك لكان ذلك أحب إليَّ من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلا فداؤك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا جرم أن اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد وبمنزلة الروح من البدن كعلي الذي هو مني كذلك )). تفسير العسكري 465، بحار الأنوار، 19/80
وعلى ذكر التشبيه بالمنزلة فقد جاء عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي رضي الله عنهم قال: (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبا بكر مني بمنزلة السمع وإن عمر مني بمنزلة البصر وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد )). عيون الأخبار 1/280، البرهان 2/420، نور الثقلين، 3/164، معاني الأخبار 387
وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (( ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشئ وقر قي نفسه)).طرائف المقال، للبروجردي، 2/559، مجالس المؤمنين، للشوشتري ص89
كيف لا يقولها في صاحب الموقف العظيم يوم حروب الردة، حيث قال: ((لا أحل عقدة عقدها رسول الله ولا أنقصكم شيئاً مما أخذ منكم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأجاهدنكم ولو منعتموني عقالاً مما أخذ منكم نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم لجاهدتكم عليه)).أمالي الطوسي 268، بحار الأنوار، 28/11
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (( أنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها – أي الخلافة- إنه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة وهو حي )). شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد، 6/84، غاية المرام للبحراني، 5/340
وعنه رضي الله عنه قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جبل حراء إذ تحرك الجبل. فقال له: قر فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد)).الإحتجاج، للطبرسي، 1/326، بحار الأنوار، للمجلسي، 10/40، 17/288
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال: ((رحم الله أبا بكر كان والله للقرآن تاليا وعن المنكر ناهيا وبذنبه عارفا ومن الله خائفا، وعن الشبهات زاجرا وبالمعروف آمرا وبالليل قائما وبالنهار صائما، فاق أصحابه ورعا وكفاا، وسادهم زهدا وعفافا، فغضب الله على من أبغضه وطعن عليه)).مواقف الشيعة للميانجي، 1/187
وقد تزوج علي من أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين بعد وفاته وربى ابنه محمد وكان يقول: ((هو إبني من ظهر أبي بكر)) مجمع البحرين للطريحي، 1/570
°°°°°°°°
الجواب:
قد ذكرت تسع روايات ونحن نجيب عن كل واحدة منها:
1- إن صاحب البحار نقل ذلك القول عن كتب أهل السنة فلا يعني ذلك إلتزامه بصحّة ما فيه ، بل الأمر أعمّ من ذلك. ثم أن القائل هو أبو جهل ولا قيمة لقوله ذلك .
2- إن صحّتِ الرواية فإن َّ ما مذكور فيها لا يصلح أن يكون فضيلة لأبي بكر كما تصورالوهابية ذلك، وذلك لأنه جعل اصطحاب رسول الله لأبي بكر مشروطاً بشروط متعددة، إن تحققت ، فأنه سيتحقق ما ذكر وهي كما قال: (فإن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك).
ولكن أبا بكر لم يثبت على ما عاهده وعاقده، بل بدل وغيّر فلا يستحق بذلك ما ذكر من الثناء.
وما ذكرته من نص هو أدعاء من أبي بكر، لكن الرسول لم يوافقه على ما قاله كما فعل مع علي (عليه السلام) في نفس الرواية، بل جعل استحقاقه للمدح والثناء مشروطاً أيضاً وهو أن يكون ما قاله أبو بكر كلاماً صادقاً لا ادعاءاً وكذباً حيث قال: (أن أطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقاً لما جرى على لسانك...).
وأكد أيضاً رسول الله على أبي بكر، أن مجرد المعاهدة لوحدها لا تكفي بل يحتاج المعاهد أن لا ينكث ولا يبدل ولا يغير ولا يحسد، حيث قال له: (إن من عاهد ثم لم ينكث ولم يغير ولم يبدل ولم يحسد من قد أبانه الله بالتفضيل...)
وكل هذه الشروط المتعددة التي لم يفي أبو بكر بواحدة منها تجعله غير مستحق للجزاء الذي ذكر في الرواية.
3- وأما بخصوص الرواية عن رسول الله (ص) من ان أبا بكر وعمر بمنزلة السمع والبصر:
الرواية التي تعنيها هي: حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه), قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا سهل بن زياد الأومي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسيني قال: حدثني سيدي علي بن محمد بن علي الرضا عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (ص): ان أبا بكر مني بمنزلة السمع وان عمر مني بمنزلة البصر وان عثمان مني بمنزلة الفؤاد قال: فلما كان من الغد دخلت إليه وعنده أمير المؤمنين (ع) وأبو بكر وعمر وعثمان فقلت له: يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما هو فقال (ص): نعم ثم أشار إليهم فقال: هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن وصيي هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب (ع) ثم قال ان الله عز وجل يقول: (( إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولاً ))(الاسراء: من الآية36) ثم قال (ع) : وعزة ربّي ان جميع أمتي لموقوفون يوم ا لقيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول الله عز وجل: (( وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَسؤُولُونَ )) (الصافات:24) (عيون أخبار الرضا (ع) 2: 280) (معاني الأخبار: 387) بحار الأنوار 30 : 180).
4- إنما ذكره صاحب طرائف المقال في حق أبي بكر للذمّ لا للمدح، وقد ذكر أن اتباع أبي بكر هم الذين يعتبرون هذا الحديث مدحاً له فلا تقطع ما أورده بعد الحديث! حيث قال : (ومراده (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حب الرئاسة التي صار مفتوناً به ، ويزعم أتباعه أن المراد به الخلوص والاعتقاد بالله ورسوله ) .
ويقول القاري نقلاً عن ابن القيّم : وممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السنّة في فضل الصّديق ... وحديث ما سبقكم أبو بكر ... وهذا من كلام أبي بكر ابن عيّاش.
5- الرواية فيها قدح لأبي بكر من جهات عدّة
أولها : أنها غير صادرة عن المعصوم بل الذي يتحدّث هو الراوي الذي هو إبراهيم وكلام صدر من إبراهيم لا قيمة له حتى لو كان مدحاً وهو ليس بمدح.
وثانيها : إن أبا بكر خالف قوله فعله بنفس الرواية حيث لم يجاهد الأشعث ولا قتله كما قال بل وأكرمه بزواجه من أخته ، فأين قتاله للمرتدّين وصلابته في ذلك ؟
وثالثها: إنه استعان بالمرتدين في قتاله للأعداء ، ولابدّ أن الأشعث لا يقصد بالأعداء الإّ أهل البيت حيث كانت هذه الأسرة شديدة العداء لهم ، فأبو بكر استعان بالأشعث على أهل البيت.
ورابعها : إن أبا بكر يفتي بغير علم فمن الذي أجاز له مجاهدة المسلمين حال تأخيرهم دفع الزكاة ، فكيف أجاز لنفسه أن يقاتل مانع الزكاة حتّى لو كان مقداراً يسيرا؟ فاليوم الكثير من المسلمين يمتنعون من دفع الزكاة فهل يجوز للحاكم مقاتلتهم؟
وخامسها : إن صاحب الأمالي ذكر هذه الرواية لإثبات إرتداد الأشعث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
6- هذا الحديث من أحاديث السنّة وليس الشيعة فابن أبي الحديد ليس بشيعي وصاحب غاية المرام نقله عن كتب السنّة فقال : وقول عليِّ (عليه السلام) بيعتي لم تكن فلتة من طريق العامّة ، وفيه ثمانية أحاديث وذكر هذا الحديث عن شرح نهج البلاغة. وقال عن ابن ابي الحديد إنّه من فضلاء المعتزلة .
7- أمّا هذه الرواية فليس لها علاقة بأبي بكر بل هي فضيلة من فضائل علي (عليه السلام) فهو الصدّيق الشهيد المذكور بالرواية في محاججته مع اليهود فلا يختلط عليكم الأمر.
8- ويمكن ردّ هذه الرواية من عدّة جهات :
أولاَّ : أنها قول لإبن عبّاس لا للإمام المعصوم وقول ابن عبّاس يحتمل الخطأ والصواب لا كما هو الحال في كلام المعصوم.
ثانياً : إن الكلام يحتمل التقية كونه مع معاوية لو سلّمنا بصحّة الحديث
ثالثاً : الرواية سنيّة ذكرها الطبراني في المعجم الكبير وأخذها صاحب المواقف من هناك.
رابعاً : في كل كلام ابن عبّاس تعريضٌ بمعاوية كونه لم يلتزم بكلّ ما ذكر من المواصفات للخلفاء الأربعة الذين ذكرهم وكذلك في مدحه لبعض الصحابة مما أساء ذلك الكلام معاوية مما جعله يحوّل الكلام إلى شيء آخر كما مذكور في آخر الرواية .
خامساً : الرواية بحسب مصادر أهل السنّة لم يثبت صحتها ، قال صاحب مجمع الزوائد (ج 9 ص 108) عنها: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.
9- إنّ مجرّد إشتراك عليّ (عليه السلام) وأبي بكر بالزواج بنفس المرأة لا يعني أيّة فضيلة لأبي بكر فكم حصل من زواج بين مؤمن ومنافق لإمرأة واحدة بل قد تزوّج المسلمون بزوجات الكفّار بعد مفارقتهن لهم، وتربيته لمحمد لا يعطي أيّة فضيلة لأبي بكر بل يظهر عدم أحقيّة أبي بكر حيث كان محمداً معادياً لخطّه ومنهجه وسائراً على خط عليّ ( عليه السلام).