شاهد جحا امرأةفي السوق معها ديناراً فعرض عليها أن تودعه عنده ليلد لها كل يوم درهماً فاغتبطت وقالت: هاك . جاءته في اليوم التالي فنقدها درهماً حلالاً زلالاً قبّلته ووضعته على رأسها، ثم جاءته في اليوم الثاني فوضع في يدها درهماً، في اليوم الثالث رأته مغتماً فسألته عن السبب قال: دينارك مات في الولادة.
إنني اتحدث عن ( سوق الاوراق المالية) لا لأن لي علاقة شخصية بها، فأنا إذ أقبض راتبي وأسدد ديوني لا يبقى معي سوى نزر يسير لا يزيد على مصروف اسبوع واحد . اما عن علاقتي بفهم القضايا المالية فإنها شبيهة ببيت حسان بن ثابت الذي قاله في هجو الحارث بن هشام شاعر قريش:
لعمرك إن إلّك من قريش **كإلّ السقب من رأل النعام
أي كعلاقة ابن الناقة بفرخ النعام .
بيد ان الذي حفزني للكتابة في هذا الموضوع لقاء تلفزيوني لافت مع الدكتور راتب الشلاح جاء في سياقه أن ( سوق الاوراق المالية) تحمي مدخرات المواطن من كثرة النصابين الذين كانوا يجمعون الاموال الطائلة من بسطاء الناس يعدونهم ( بتشغيلها) واعطائهم مرابح مجزية ثم ما يلبث المواطنون أن يكتشفوا بعد ان يأخذوا قسطاً او قسطين ان صاحبهم هرب بتلك الاموال خارج البلاد.
وأذكر أن (محتالًا) في مقتبل العمر خلال فترة السبعينيات قام بعملية نصب، قيل يومها إن بعض المسؤولين كانوا بين من وقعوا في شباكه، والعجيب في الامر أن تلك الحالات تكررت في دمشق وحلب وبعض المدن الاخرى ،جمع فيها المبتزون أموالاً لا يكاد المرء يصدق الارقام التي وصلت اليها وكيف كانت مخبوءة؟
لقد ذكرني لقاء الدكتور الشلاح بصديق في مرتبة وظيفية عالية تحار أن تقول فيه «بسيط» رافقته الى مدينة صغيرة منذ حوالي عشر سنوات وانتظرته حتى عاد متهللاً وفهمت منه انه تقاضى مرابح مدخراته الشهرية التي يودعها عند رجل وصفه بالمحترم وازدادت دهشتي ان عددا من زملائه يودعون اموالهم عنده مع كثرة من الناس . سألته:
- ألا تخشى ان يكون نصاباً؟
- نأخذ منه سند أمانة، مبلغنا مضمون .
- طيب لماذا لا تودعون اموالكم بالمصرف؟
- المصرف يعطي فائدة أي ( فايظ) اي( ربا) والربا «حرام» .
- ضعوه بلا فائدة
- نريد ان نشغّل اموالنا .
ودخلت معه في حوار عقيم أحاول جاهداً ان أفهمه، إن ( المرابي) هو فرد سواء أكان تاجراً أم غير تاجر وأن ما يكسبه بتلك الطرق هو الربا بعينه لأنه هو وحده المستفيد، وأن اموال المصرف اموال عامة توظف لمصلحة البلد في انشاء المرافق والخدمات وسائر المشاريع الاخرى وأن فوائدها ارباح عامة «مشروعة».. وبعد أقل من عام جاءني الصديق يفور ويغلي قائلاً «هرب اللعين بالاموال، وعندما هممنا أن نرفع عليه دعوى في القضاء اكتشفنا انه باع املاكه قبل ان يهرب» قلت له« أقنعت الآن بأن تودع اموالك بالمصرف؟» قال بحزن عميق «أين هي اموالي ؟!».