فأنا وجه إليَّ عشرون سؤالاً عن الشيعة بعد زيارتي للقطيف، فأنا أوجه لمن سألني ولمن لا يعرف الشيعة جيداً: هل هم فعلاً مخلوقات فضائية من كوكب آخر؟ وهل الاقتراب منهم محظور وخطر؟؟
سألوني: كيف تجرأتِ على زيارة القطيف وفي موسم عاشوراء؟
وهل تناولتِ الطعام معهم؟؟ وكيف دخلتِ دائرتهم وعدتِ سالمة؟؟
ولا يسعني الإجابة على تلك التساؤلات الساذجة وغيرها سوى بضحكة قوية ترد على الرؤية الضبابية لديهم...
وأتعجب أن يعتبر البعض أن مدن الشيعة مناطق محظورة، ممنوع زيارتها، وأن من يدخلها لا يخرج منها سالماً...
إضافة إلى الصور الفنتازية التي رسمها الناس في ذهنهم عن فعاليات الشيعة أيام عاشوراء أو في غيرها من مواسم العزاء؛
وتأكدت فعلاً أن هناك جهلاً مدقعاً يعشش في أذهان البعض عن الشيعة،وصوراً مقلوبة سوداء مرسومة في أذهانهم وخيالهم.
وعندما أسأل من خالط الشيعة عن أخلاقهم وسلوكهم؟
يردون بكل ثقة: لم نرَ منهم سوءاً، ولم نجد منهم إلا خيراً..
فألحقهم بسؤالي الثاني: إذن لماذا تخافون منهم؟ هل هم فعلاً كما قيل: إنهم يمشون على أربع، ولهم أذناب؟؟
فأسألهم: هل حضرتم بأنفسكم تلك المناسبات والطقوس، ورأيتم ما يريبكم؟؟
فيجيبون: لا، ولكننا شاهدنا صورهم على النت وهم يطبرون، وقرأنا الكثير عن احتفالاتهم المشبوهة من ليلة "الطفية"، و عن التقية، وغيرها...
فكيف يحكم من لم ير بعينيه ويسمع بأذنيه على صورة غير حقيقية.
وأنا أتكلم هنا عن شيعة السعودية من أهل القطيف والأحساء، فهم ناس راقون مثقفون، يعيشون حالهم حال أنفسهم، لا يتدخلون فيما لا يعنيهم..
وحديثهم بدون كلام، بل هو حديث بلغة الجسد والعمل؛ ليثبت الشيعة أنهم أناس عمليون، يفعلون أكثر مما يقولون..
وبالنسبة لمناسباتهم الدينية فهي عبارة عن مناسبات سعيدة ومفرحة بمولد أئمتهم، أو مناسبات حزينة وهي تاريخ وفياتهم واستشهاداتهم، وكلها مناسبات دينية، لها مكانتها في المجتمع الشيعي، وهم يعبرون عن فرحهم وحزنهم بطرق جميلة، تتمثل في المجالس الحسينية، وفي الأحزان بمآتم العزاء..لست هنا بصدد التعريف بمناسبات الشيعة ولا مذهبهم، ولكن يجدر بكل إنسان قبل أن يتكلم عن إخوانه المسلمين وإخوانه في الحدود والأرض أن يعرف عمن يتكلم، ويتأكد من صدق ما يُسمع و يروى.
الشاهد على كلامي أني أؤكد بأن الشيعة هم أخوان لنا في الدين والوطن، ولهم حقوق علينا، أقلها احترامهم كمسلمين، ومعاملتهم معاملة إنسانية راقية، بدل معاملتهم وكأنهم مخلوقات فضائية آتية من كوكب آخر، وأنهم ما يزالون مجهولي الهوية، والكل يخاف من الاقتراب منهم..
لا بد من كسر حاجز الخوف، واقتحام البقعة المحظورة، التي هي أساساً ليست بمحظورة، ولا مقتصرة عليهم، بل هي مدينة مشرعة الأبواب، وناسها وسكانها من أرق وأطيب القوم والناس..
وأحب التأكيد على أن زيارتي للقطيف أيام عاشوراء ليست هي الأولى مطلقاً، بل هي من ضمن عشرات الزيارات لتلك المدينة الطيبة وناسها المحترمين الفاعلين.
فلماذا كل تلك الزوبعة لمجرد رحلة قمت بها مع الكاتبات للقطيف لمدة يومين فقط من أيام عاشوراء؟ ولماذا ننقسم إلى فرق، وكل فرقة تحتكر الإسلام لنفسها فقط، وتجيره لصالحها دون من عداها من فرق المسلمين.
هذه بعض المعلومات والحقائق عن الشيعة والتي رسمت بشكل خاطئ:--
• يعتقد البعض أن لدى الشيعة قرآناً يختلف عن القرآن المعروف لدى جمهور المسلمين، وهذا غير صحيح، فجمهور علماء الشيعة يشهدون بعكس ذلك، ويؤكدون على أن قرآنهم هو نفس قرآن باقي المسلمين المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأن قرآننا واحد مهما اختلفت المذاهب.. ومن يزعم أن الشيعة لديهم قرآن آخر فليأت بنسخة واحدة منه..
• يعتقد البعض أن الشيعة يعبدون التربة ويسجدون لها، ولكنهم يسجدون على قطعة من التراب؛ لأن الفقه الشيعي لا يجيز للمسلم السجود إلا على الأرض: من تراب، أو حصى، أو رخام، ولا يجيز السجود على غير الأرض، كالسجاد، والقماش، والفرش..
• يعتقد البعض أن الشيعة يقولون في صلاتهم: «خان الأمين»، ويقصدون بها أن جبريل عليه السلام خان الأمانة، وسلم الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم بدل علي بن أي طالب، وهذه من الخرافات والأكاذيب التي اختلقها عليهم خصومهم عندما احتدم النزاع بينهم وبين غيرهم.
• يظن البعض أن الحسينيات أو المجالس الحسينية هي دور العبادة الخاصة بالشيعة، ولكن الصحيح أنها مجالس عادية يقام فيها ذكر أهل البيت، وهم يحترمون هذه المجالس، لأنها متعلقة بمناسبات أهل البيت وذكرهم.. بينما دور العبادة الأساسية هي المساجد والجوامع العادية التي يقيمون فيها الفروض الخمسة، والتي يستقبلون فيها الكعبة المشرفة.
• يؤمن البعض بأن الشيعة عندهم الليلة المزعومة« بليلة الطـَفيـّة» التي تكون في ليلة العاشر من محرم، والتي يختلط فيها الرجال والنساء في الحسينية، فيطفئون الأنوار، ويمارسون الرذيلة والزنا، والمولود الناتج عن هذه الليلة يُدعى سيداً..وهذه أكذوبة وخرافة، أطلقها البعض، وصدقها آخرون، وهي غير موجودة نهائياً عند الشيعة.. فلا يوجد من يرضى على عرضه وأهله بممارسة هذه الرذيلة، مع أن هذه الممارسة زنا علني، ولا توجد إلا ببيوت الدعارة.
الداعي لهذا التصحيح هو أن كثيراَ من مخالفي الشيعة يتصورون ان الحسينيات مبنية لهذا الغرض، فلا مانع، ثم بما أنهم بعيدون عن المجتمع الشيعي فكيف يعرفون انه مجتمع محافظ لا تقع فيه مثل هذه الأمور، ولا سيما ان الشيعة يرضون بالمتعة فهم غير محافظين عندهم"
• البعض يتعجبون من التطبير الذي يقومون به بعض الشيعة والتطبير وهو ضرب الرؤوس بالقامات، وكذا ضرب الأجساد بالسلاسل، واللطم عند الشيعة وخصوصاً شيعة المملكة تمارسه أعداد ضئيلة من الشيعة في العوامية وتاروت، ولا يعتني به الكثيرون، ومرجع الشيعة السيد الخوئي أفتى بأن التطبير فعل جائز إذا لم يكن فيه ضرر، وإلا فهو محرم، ولم يعتبره من الشعائر الحسينية.
• أن الشيعة الإمامية يعتقدون أن كل من شهد الشهادتين فهو مسلم محقون الدم، ومصون العرض والمال، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وتحل ذبيحته، وتجوز مناكحته، وأهل السنة يشهدون الشهادتين بلا إشكال، فإسلامهم لا يمكن التشكيك فيه، ولا يجوز للشيعي أن يقتل سنياً بغير حق، أو أن يسرق ماله، أو يعتدي على عرضه، ومن فعل ذلك، فقد خالف تعاليم الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، ومن قتل سنياً اقتص منه، ومن سرق مال سني قطعت يده؛
بل إن أئمة أهل البيت أوصوا شيعتهم بمخالطة أهل السنة ولزوم المواددة معهم، وأداء الأمانة لهم، وحضور جماعاتهم، وتشييع جنائزهم، وعيادة مرضاهم، والشهادة لهم وعليهم، وغير ذلك، والأحاديث في ذلك كثيرة، ومبثوثة في كتب الحديث الشيعية، فمن أرادها فليطلبها.
في نهاية ختامي وحواري عن الحقائق أشكر فضيلة الشيخ علي آل محسن القاضي بهيئة التدقيق لدائرة الأوقاف والمواريث بالقطيف.