إسم أم البنين هو فاطمة الكلابيّة من آل الوحيد ، وأهلُها من سادات العرب ، وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين ، وأبوها أبو المحل ، واسمُه : حزام بن خَالد بن ربيعة
وقد غلبت كنيتها أم البنين (ع) على إسمها لأمرين
أ- أنها كُنِّيَت بـ ( أم البنين ) تشبّهاً بجدتها ليلى بنت عمرو حيث كان لها خمسة أبناء
ب- إلتماسها من أمير المؤمنين (ع) أن يقتصر في ندائها على الكنية ، لئلا يتذكر أولاد الزهراء (ع) أمَّهم فاطمة (ع) يوم كان يناديها في الدار
2- نشأتها :
نشأت أم البنين (ع) بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل ، وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد
فلما كبُرت كانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد ، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً ، لذا وقع إختيار عقيل عليها لئن تكون قرينةَ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع)
3- الإقتران المبارك :
أراد الإمام علي (ع) أن يتزوج من إمرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة والإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيّبة عالية ، ولهذا طلب أميرُ المؤمنين (ع) من أخيه عقيل - وكان نسابة عالما بأنساب العرب و أخبارهم - أن يختار له امرأةً من ذوي البيوت والشجاعة فروي أنه قال: ( إنظر إلى إمرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا ) ، فأجابه عقيل قائلاً :
أخي ، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها و لا أفرس
ثم مضى عقيلُ إلى بيت حزام ضيفاً فأخبره أنه قادم عليه يخطب إبنتَه الحرة إلى سيد الأوصياء علي (ع)
فلما سمع حزام ذلك هَشَّ وَبَشَّ ، وشعر بأن الشّرف ألقى كلاكله عليه ، إذ يصاهر إبنَ عمّ المصطفى (ص) ، ومَن ينكر علياً (ع) وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة
فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وحفت به البشارة
وكان الزواج المبارك على مهرٍ سَنه رسول الله (ص) في زوجاته وإبنته فاطمة (ع)، وهو خمسمائة درهم
وأول ما ولدت العبّاس(ع)، و يُلّقب بـ (قمر بني هاشم) و يُكنّى أبا الفضل . و من بعد العباس ولدت عبد الله, و بعده جعفرا، وبعده عثمان، و عاش العبّاس مع أبيه أربعة عشر سنة، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال، ومع أخيه الحسن (ع) أربعا وعشرين سنة، و مع أخيه الحسين(ع) أربعا وثلاثين سنة ، وذلك مدة عمره ، كان (ع) ايّدا شجاعا وسيما جسيما يركب الفرس المطّهم و رجلاه تخطّان في الأرض ، و روي عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال : ( كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان, جاهد مع أبي عبد الله (ع) وأبلى بلاءً حسنا )
والعبّاس هو الذي لمّا كان يوم الطّف قال شمر بن ذي الجوشن الكلابي للعبّاس و أخوتـه : أين بنو أختي ؟ فلم يجيبوه . فقال الحسين (ع) لأخوته, أجيبوه و إن كان فاسقا فإنّه بعض أخوالكم . فقالوا له ما تريد ؟ قال: إخرجوا إلي فإنكم آمنون و لا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم . فقالوا له: ( قبحت و قبح ما جئت به، أنترك سيدنا و أخانا و نخرج إلى أمانك ؟! )
4- مجمع المكارم :
أم البنين (ع) من النّساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحقّ أهل البيت (ع) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى (ع) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيّام العيد
فقد تميّزت هذه المرأة الطّاهرة بخصائصها الأخلاقيّة ، وإنّ مِن صفاتها الظّاهرة المعروفة فيها هو : الوفاء
فعاشت مع أميرِ المؤمنين (ع) في صفاءٍ وإخلاص ، وعاشتْ بعد شهادته
(ع) مدّة طويلةً لم تتزوّج من غيره ، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت
وقد روت حديثاً عن علي (ع) في أنّ أزواج النّبي والوصي لا يتزوجنَ بعده
وذكر بعض أصحاب السّير أنّ شفقتها على أولاد الزهراء (ع) وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة - العبّاس وأخوته) - ع) ، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين (ع) ، والتضحية دونه والإستشهاد بين يديه
5- وفاتها :
وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين (ع) بين عبادةٍ لله جلّ وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه، وفجائع مذهلة بشهادة زوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في محرابه و شهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الإمام الحسين (ع)
بعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء (ع) وولديه الإمامين (ع) سبطَي رسول الله (ص) سيدي شباب أهل الجنة ، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى (ع) أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه ، وحان موعدُ الحِمام النازل على إبن آدم
فكانت وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة (64هـ)
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة ، الوفيّة المخلصة ، التي واست الزهراء (ع) في فاجعتها بالحسين (ع) ، ونابت عنها في إقامة المآتم عليه ، فهنيئاً لها ولكل من إقتدت بها من المؤمنات الصالحات