من جملة ما وقع الخلاف فيه بين دين أهل البيت(عليهم السلام)وبعض المذاهب الاُخرى مسألة التكتّف في الصلاة، وقد تذكر بعناوين اُخرى، كالتكفير والقبض، وكلها تشير الى معنى واحد، وهو: وضع المصلّي يده اليمنى على اليد اليسرى، فوق السرّة أو تحتها في حال الصلاة.
وبعد ؛ فالإسبال عندنا في الصلاة واجبٌ لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيت «عليهم السلام» وأمّا بالنسبة إلى التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فإن عمر بن خطّاب هو الذي أحدثه كما جاء في جواهر الكلام : «حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع» ( الجواهر الكلام 11/19 ) ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه بل وترى كراهيّته في الفرائض ( المدونة الكبرى 1/76 ـ بداية المجتهد لابن رشد 1/136 ـ البيان والتحصيل 1/394 ـ مرقاة المفاتيح للقاري 3/508 ـ المجموع شرح المهذب للنووي 3/313 ـ نيل الاوطار 2/186 ـ المغني 1/549 ـ المبسوط للسرخسي 1/23 ـ الفقه على المذاهب الأربعة 1/251 ) ، خصوصاً إنّ الشافعي وأبا حنيفة وسفيان وأحمد بن حنبل و أبا ثور وداود يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الاسبال ( فتح الباري شرح صحيح البخاري1/266 ) ، وعلى الأخص ذكر ابن أبي شيبة إنّ الحسن و المغيرة وابن الزبير وابن سيرين وابن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ولايضعون إحداهما على الأخرى بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله ( المصنّف 1/343 ـ المجموع 3/311 ـ المغني 1/549 ـ الشرح الكبير 1/549 ـ عمدة القارئ 5/279 ) ومع هذا الاختلاف الواسع ، هل يعقل أن يكون من السنّة ؟!!! ؛ فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة بانّ هذا كان من فعل المجوس وأهل الكتاب ( الكافي 3/299 ـ الوسائل 7/266 ـ دعائم الإسلام 1/159 ـ المستدرك 5/421) ولا يخفى على المتّتبع أنّ دخول الفرس المجوس كاُسارى إلى المدينة واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ولم يردعهم هو عن ذلك بل وعمل بها فأصبحت سنّة متخذّة عندهم .
ولقد أجمع المسلمون بشتى مذاهبهم على عدم وجوب التكتف في الصلاة ثم دار الخلاف فيه بين المذاهب ـ بعد نفي الوجوب ـ على عدة آراء هي:
1 ـ الاستحباب مطلقاً، في الصلاة الواجبة والمستحبة; وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة، وذكر النووي أن أبا هريرة وعائشة وآخرين من الصحابة وعدداً من التابعين مثل: سعيد بن جبير والنخعي وأبو مجلد، وعدداً من الفقهاء مثل: سفيان وإسحاق وأبو ثور وداود وجمهور العلماء على هذا القول[1].
2 ـ الجواز في الصلاة المستحبة، والكراهة في الصلاة الواجبةروى هذا الرأي ابن رشد القرطبي عن إمامه مالك[2] . وذكر النووي: أن عبدالحكم روى عن مالك الوضع، فيما روى ابن القاسم عنه الإرسال، وهو الأشهر[3]، ونقل السيد مرتضى عن مالك والليث بن سعد أنهما يريان القبض لأجل طول القيام في النافلة[4].
3 ـ التخيير بين الوضع والإرسال، رواه النووي عن الأوزاعي[5].
4 ـ الحرمة والمبطلية للصلاة وهو رأي الإمامية المشهور في المسألة، وادعى السيد المرتضى الاجماع عليه[6]، ونقل النووي في المجموع أن عبدالله بن الزبير والحسن البصري والنخعي وابن سيرين كانوا يرون الإرسال ويمنعون التكتف[7].
واستدلّ القائلون بمشروعية التكتف واستحبابه في الصلاة بعدّة روايات، وببعض الوجوه الاستحسانية ( وهل دينكم اراء واستحسان أم كتاب الله وسنة نبيه ؟؟؟!!!!) ، كقول النووي: «قال أصحابنا: ولأن وضع اليد على اليد أسلم له من العبث، وأحسن في التواضع والتضرّع»[8]. (لاحظوا رجاءا التطابق مع الرواية اعلاه والتي تؤكد تشبه عمر بالمجوس وأين ؟؟ بالصلاة )
[1] المجموع: 3/313، ط دار الفكر، بيروت.
[2] بداية المجتهد: 1/137، ط دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة العاشرة، سنة 1408 هـ
[3] المجموع: 3/312.
[4] الانتصار: 140، ط جماعة المدرسين بقم، سنة 1415 هـ .