هناك العديد من الأمراض التي لازالت تنتظر دورها في حل ألغازها وأسرارها بما في ذلك كشف وتحديد الأسباب الحقيقية لحصولها رغم العديد من النظريات والافتراضات التي دُرجت من أجل التوصل الى الأسباب الأكيدة الكامنة وراءها مع ما استطاع العلم من فك رموز آلية أو ميكانيكية ما يجري . ومن هذه الأمراض، داء الشقيقة أو ما يُعرف بالصداع النصفي.
إن داء الشقيقة يُعدّ من الحالات المعروفة والمنتشرة في العديد من دول العالم وبين شريحة واسعة من المجتمعات، بل أصبح في العقود الأخيرة يشكّل واحدًا من الأمراض التي يطرق بسببها الناس أبواب المستشفيات وعيادات الأطباء.
ولم يتوان العلماء عن دراسة هذه الحالة ويبدو أنهم قد توصلوا الى فهم ما يجري وما يحصل وبالتالي بدأوا يضعون أيديهم على الخطوات الصحيحة في ايجاد العلاج الذي ينقذ الملايين من الناس الذين يعانون آلاما لا تطاق، بل حالة مؤلمة حقاً من الألم والمعاناة والعذاب .
ولأجل أن يتصور المواطن الكريم آلية حصول نوبة الصداع فلابد أن يعرف أن هناك ( شجرة ) من الأوعية الدموية التي تنظم حركة ومسار الدم من وإلى الدماغ ، تعرف هذه الشبكة من الأوعية الدموية بالفقرية ـ الدماغية ، أي بمعنى تشمل التنظيم الدموي للفقرات العنقية والدماغ ، وكذلك هناك مصدر أخر لهذه الشبكة ألا وهو الأوعية الدموية السباتية وتقع في المنطقة نفسها .
إن أي أضطراب في حركة ومسار الدم في هذه الأوعية الدموية هو السبب الحقيقي لحصول نوبات الصداع النصفي أو الشقيقة ، وهذا الاضطراب يبتدئ على شكل تقلص وعائي دموي يؤدي الى قلّة في مرور الدم بهذه الأوعية ويعقب هذا التقلص انبساط ( أو توسع ) فيها .
هذه التغيرات تؤثر في كلا الشرايين الداخلية والخارجية للجمجمة أو القحف مسببةً النوبة الناتجة من امتداد تأثيرات هذا الألم الى النهايات العصبية في جدران الأوعية الدموية ، وهذا الألم يستمر بسبب التقلص العضلي في منطقة الرأس وهذا التقلص هو نتاج ثانوي لما يحصل من تغيرات في هذه الأوعية .
لقد أثبتت الدراسات والبحوث أن ثلاثة أرباع المصابين بداء الشقيقة هم مِمَن ينتمون الى عوائل فيها أفراد آخرون وأقرباء يعانون هذا الداء . كما وثبت للعلماء أيضاً أن نوبة الصداع ربما تتحفز ببعض المؤثرات ومنها :ـ
1.الدورة الشهرية .
2.التعرض الى الضياء العالي .
3.الشد العصبي والحالة النفسية العصابية .
4.تناول بعض الأطعمة كالأجبان والشكولاته والعديد من الأطعمة والأشربة التي تشترك جميعاً باحتوائها على مادة التايرمين .
5.حبوب الـ ( ريزربين ) التي تستخدم في علاج ارتفاع ضغط الدم علماً أن هذا العلاج انحسر استعماله في السنوات الأخيرة .
التشخيص :
إن الغالبية العظمى من المرضى يبدأون بالمعاناة من النوبات بعد بداية عمر أو بعد فترة النضوج وتستمر حتى أواسط العمر، وأن الصداع يحدث بين فترة وأخرى و نوباته ربما تستمر لعدة ساعات أو أن تستمر لعدة أيام، إن النساء معرضات للإصابة بداء الشقيقة أكثر من الرجال .
إن بداية النوبة تكون على شكل أعراض ناتجة من التقلص الوعائي الدموي مسببة زغللة في العينين ، أضواء ملوّنة ، خطوطا ضوئية متموجة ، نقاطا ضوئية على شكل قطرات وأحياناً اضطرابا بالرؤيا بشكل تام، هذا إضافة الى الشعور بالخدر أو بالوهن والضعف في نصف الجسم مع تنمل في كلتا اليدين وحول الفم . بعض المرضى يعانون الكآبة والتهيج العصبي والنفسي قبل بداية الصداع، كل هذه الأعراض ربما تستمر لنصف ساعة أو لمدة ساعة يعقبها الصداع الذي ربما يبدأ في مركز من أحد نصفي الرأس أو في كل نصف الرأس . هذا الصداع ربما يكون على جهة اضطراب النظر نفسها أو بالجهة المعاكسة .
إن نصف الرأس الذي يحصل فيه الصداع ليس بالضرورة أن تحدث فيه النوبات في كل مرة ، إن الصداع النصفي هذا والذي حصل بعد الأعراض أنفة الذكر سرعان ما يشمل كل الرأس .
إن الألم عادة يكون شديدا ويمتاز بكونه نابضا ويصاحبه التقيؤ ، الخوف من النظر بالضوء ، شحوب وتعرق، برودة الأطراف وفي بعض الأحيان الازرقاق وغالباً ما نلاحظ بروز الأوعية الدموية السطحية في الرأس بل ونابضة أيضاً . إن هذه الحالة من الألم تؤدي الى انهيار قوى المريض وتجعله يأوي الى الفراش في غرفة مظلمة ولاتنتهي النوبة إلا والمريض منهوك القوى تماماً .
إن تشخيص الحالة بكل تأكيد يعتمد على الطبيب المختص وخصوصاً لدى المرضى ذوي التأريخ العائلي للمرض .
العلاج
تعتمد الفكرة الأساسية في معالجة داء الشقيقة على مبدأين جوهريين وهما :ـ
الأول ـ التقليل من عدد النوبات مع إبعاد فترات حصولها .
الثاني ـ التقليل من شدة وحدّة النوبة والتخفيف من الأعراض المؤلمة .
لذلك وكما ذكرنا عند بداية الحديث فإن ما توصل إليه العلم في فهم آلية الحالة المرضية إضافة الى معرفة الأسباب، سيساعد بشكل مباشر في طريقة التعامل مع المرض علاجياً ، لذا فإن على الطبيب المعالج أن يقترب من تشخيص بعض مسببات النوبة ويشرح للمريضة ( وهذا أمر في غاية الأهمية أن يعرف المريض كل شيء عن مرضه ) الطريقة أو الطرائق التي تجنبه التعرض الى نوبات الصداع النصفي . إن خطوات العلاج تتلخص بما يلي :
1- الابتعاد قدر المستطاع عن تناول بعض الأطعمة التي تساعد على حصول النوبة.
2- الابتعاد قدر المستطاع عن التوتر العصبي والنفسي.
3- استخدام بعض الأدوية والتي تساعد وتساهم بالتقليل من عدد النوبات مثل مشتقات الأركوت، مضادات السيروتونين، البروبرانولول وغيرها.
4 - استخدام بعض الأدوية أثناء النوبة، وغالباً ما تكون خليطاً منها، مثل مشتقات الأركوت مع الكافائيين وغيرها، وربما يتم استخدام هذه الأدوية عن طريق زرقها بالأبر.
إن لبعض الحالات خصوصية خاصة في استخدام مثل هذه العلاجات كما في الحمل أو عند المرضى الذين يعانون مشاكل في القلب.
وأخيرا ومما تجدر الإشارة إليه هو أن ليس كل صداع نصفي يعني أن المريض مصاب بداء الشقيقة، فهناك عدد من الحالات والتي يشكو منها المريض من الصداع النصفي مثل حالات خاصة بالعين، التهاب الجيوب الأنفية، انحراف الأنف، التهاب السن، شدّة خارجية على جزء من الرأس، التقلص العضلي الموضعي وكذلك حالات العصب الوجهي في جهتي الرأس وغير ذلك من الحالات.