ما يثير الإنتباه في نص هذه الآية تحديداً عبارة (او بدله) حيث يتسأل المرء أنه إذا جاء بقرآن غير هذا فقد تم تبديله فكيف يطلبون نفس الطلب بصيغتين يفصل بينهما ( أو) فهذا يُعد من الاخطاء اللغوية الفاحشة جداً إذا كان المراد ببدله هو ذاته القرآن لأنهم طلبوا عين المطلب فقالوا ( ائت بقرآن غير هذا )أي بدله فكيف يقولون (أو بدله )؟
إذاًلا بد أن يرجع الضمير إلى شيء آخر معادل ومساوي له في إزعاج القوم إذاً لا بد أن نعلم من القائلون ؟ إنهم الذين قال عنهم ( لا يرجون لقاءنا ) وهؤلاء يقترحون على النبي (ص) مقترحات ومحال أن يكونوا من عبدة أصنام لأنه اعتذر إليهم أنه إذا اتبع غير ما يوحى إليه عصى الله وهو يخاف عذاب يوم عظيم وهو ذاته بالطبع يوم اللقاء الذي لايرجوه أصحاب المطلب ولا يمكن أن يعتذر لعبدة أصنام بهذا العذر
إنما هو أمر جاء به الوحي استثقلوه فقالوا أما أن تأت بقرآن بآيات غير هذه أو قراءة يُلغي بها هذا الأمر أو تبدل الشخص الواردة فيه الآيات
ونحن نعلم أن مشكلتهم الوحيدة من يخلف النبي (ص)؟ومن هو صاحب الأمر بعده ! وهذا ما كانت القبائل تشترطه وتساوم عليه النبي (ص) بعد انتصارته وعجزهم عن مواجهته فكانوا ( يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله )وواضح رفض الوحي الحاسم لأن هذا يقلب المعادلة بين الخالق والمخلوق وهو أسوأ من عبادة الاصنام التي حاربها بلا هوادة فهم بعد إسلامهم تركو الجهاد بحجة أن لا شيء من الأمر لهم (لوكان لنا من الامر من شيء ما قتلنا ها هنا )
كل ذلك بعد أن تأكدوا ان الله لا يبدل رسوله فالأعتراض الاساسي ليس على المرسل ولا على الرسالة فمشكلتهم أولاً كانت لماذا أرسلك الله أنت من دوننا ؟ وهذا هو الأمتحان العسير في طاعة الله أم الأفضلية ! وقد تحدث الله في كتابه عن قصص الانبياء وأحوالهم مع قومهم وكلها تتمحور حول لماذا فضلك الله علينا ؟ وهذا يوضح أن الكفر إنما هو رفض إمامة الأفضل وقد ظهر ذلك أولاً في رفض ابليس أفضلية آدم عليه وحسده وتكرر الأمر مع الرسل والانبياء واممهم وهذا واضح وجلي في القرآن الكريم
لا حظ جواب الرسل (لكن الله يمن على من يشاء ) فلا توجد مشكلة لديهم في الأدلة والبراهين وإنما مشكلتهم في ذواتهم وعدم قبول بعض أوامر الله بتفضيل الخلق بعضهم على بعض فلما يأسوا من تبديل الرسول (ص) طالبوه بتبديل القرآن الذي يحدد خليفة النبي وأفضليته أو تبديل الخليفة (ائت يقرآن غير هذا أو بدله - الخليفة ) وقد استخدموا سبلاً شتا ثابته في كتب التاريخ فقدحاولوا تغييرالخليفة منذ أول يوم للدعوة ( يوم الأنذار) فقداشترط (ص) لمن يقبل أن يكون ( اخاه ووزيره وخليفته ) فلما لم يقبل أحد قال النبي (ص): يا علي أنت اخي ووزيري وخليفتي فيهم فاسمعوا له وأطيعوه وهكذا بدأ التآمر منذ اليوم الأول
إذاً الضمير في بدله يرجع إلى علي (ع) بدله لأنه هو المشكلة بعد العجز عن تبديل القرآن لذلك قال النبي (ص) : علي مع القرآن والقرآن مع علي فأراد بهذه الكلمة وأمثالها أن يفهموا أن تبديله محال مثل استحالة تبديل كلام الله لافرق لأن تعينه بكلمة من الله فإذا بدل الله تبعاً لأهواءهم فلماذا لا يبدل أي كلام آخر له من القرآن فيصبح هؤلاء آلهة أخرى بل هم بالفعل آلهة أخرى للذين أتبعوهم وحاموا عنهم وما زالوا
قال الصادق عليه السلام يطريق محمد بن مسلم قال : سألته عن قوله (أئت بقرآن غير هذا أو بدله ) قال : يعني علي بن أبي طالب وفي رواية ثانية قال (ع) يعني أمير المؤمنين 0(البرهان في تفسير القرآن ج16)
وفي تفسير العياشي عن الباقر عليه السلام : يقولون لو تبدل مكان علي (ع) أبو بكر أو عمر اتبعناه
والتحدي هنا في أن الضمير في بدله لا يمكن أن يعود إلى القرآن لغوياً لأن هذا ينسب العبث إلى كلام الله والعياذ بالله
وأكبر دلالة موجودة أيضاً داخل النص في الجواب وهو صادر عن النبي (ص) (ما يكون لي أن ابدله من تلقاء نفسي )
لأن هذا الجواب لا يمكن أن يكون عن القرآن إذ هو كلام الله فلا يبدله هو لأنه لا يقدر أن يأتي بمثله وهم يعلمون ذلك إنما قصدهم ما هو بالقرآن ولم يظهر اسمه حسب مدعاهم في القرآن وهو تعيين علي (ع) خليفة له إذ زعموا أن هذا من أقواله في ابن عمه لا من أقوال وأوامر الوحي فجاء جواب النبي(ص) لينفي ذلك وهنا يوجد مغالطة وقع فيها القوم أيضاً فهم مأمورون أن يطيعوا الرسول في كل ما يقول (إن أتبع ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ....) وفيه ما فيه من أنهم لا يهمهم العصيان ولا يخافون اليوم العظيم