لقد أقام المسلمون الدنيا ولم يقعدوها على تلك الصحف الدنماركية التي نشرت صوراً مسيئة للجناب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لدرجة أنهم قاطعوا جميع البضائع الدنماركية التي تستوردها بعض البلدان الإسلامية وظل العلماء والخطباء شهوراً يتكلمون عن الصحف الدنماركية بالسب والشتم ويدعون إلى مقاطعة بضائعهم ومن لم يفعل ذلك فهو هالك ووو .....
وجهل أو تجاهل علماؤنا وفقهاؤنا وخطباؤنا من أن تلك الصور التي نشرتها الصحف الدنماركية والتي تسيئ إلى الجناب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي مستلهمة من تراثنا الديني ( كتب الأحاديث والتواريخ )
نعم استلهموها وتفننوا في تصوير مفرداتها على ضوء ما قرأوه وفهموه عن شخصية النبي الأعظم من تراثنا الديني وكتبنا الدينية سيما البخاري ومسلم.
من ذلك فقد صوروه وبجانبه عائشة وهي صغيرة السن وكأنهم يريدون أن يقولوا ـــ والعياذ بالله ــ بأن نبي العرب كان جنسياً لدرجة أنه تزوج بفتاة صغيرة لا تتجاوز التاسعة من عمرها...
وصوروه أخرى وهو يقود شاة !! بمعنى أنه كان يرعى الأغنام ...
وصوروه ــ أيضاًــ وهو بجانب الغار خائفاً مذعوراً من مشاهدته لجبريل – عليه السلام – لما دنا منه !! ........ و ........ و ..........
وكل هذا موجود في صحيح البخاري ومسلم ... وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم أن يتزوج عائشة وهي في سن الطفولة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات بل الذي نذهب إليه أنه تزوجها وعمرها لا يقل عن الثمانية عشر أو العشرين عاماً.
وكذب وافترى من زعم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرعى الأغنام على قراريط لأهل مكة بمعنى أنه كان يرعى لهم بأجرة يتقاضاها منهم ، ومن زعم ذلك فليذكر لنا اسم الرجل الذي رعى له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأغنام إذ أنه لو ثبت أنه ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ رعى لأحد من أهل مكة لسوف يشتهر اسم ذلك الرجل بل ولربما يعيروه به.
لكن لم نجد في كتب السير والتواريخ من ذلك شيئا ، وأما حديث ( ما من نبي إلا رعى الغنم ) فهو باطل وعن الأدلة عاطل فمن خلال استقرائنا للمراجع الدينية سواء التفسيرية أو الحديثية أو التاريخية لم نجد أن هناك خمسة من الأنبياء – إن لم نقل كلهم – رعوا الأغنام باستثناء موسى عليه السلام فقد كان رعيه لظرف طارئ وذلك أداءً لمهر زوجته كما هو مفصل في القرآن الكريم.
والذي جعل علماؤنا يتمسكون بحديث رعي الأغنام هو ظنهم أن نبي الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان فقيراً ولهذا اضطر بسبب فقره أن يرعى لأهل مكة حتى يحصل على لقمة العيش ... وي وي كأنهم لم يعلموا بأن سيدنا محمداً كان – أولاً – في كفالة جده عبد المطلب سيد قريشاً ومطعم الطير والوحوش لدرجة أن قريش حكمته في أموالهم كما ذكره اليعقوبي.
ثم كفله عمه أبو طالب الذي كان يقدمه على أولاده في كل شيء وكان يقول : والله لا أكلك إلى غيري ، فكيف بعد هذا يقولون بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رعى الأغنام على قراريط لأهل مكة ؟!!
هذا ناهيك على أن عمار بن ياسر قال كما ذكره اليعقوبي : بأن رسول الله لم يكن أجيراً لأحد ..
وأما الروايات التي وصفت رسول الله بأنه كان خائفاً مذعوراً لماّ نزل عليه الوحي – كما صورته الصحف الدنماركية – ثم التجأ إلى خديجة التي هدأت من روعه واكتشفت نبوته قبل أن يعرف هو ذلك .. فكل هذا هراء وكذب صراح فإذا كان الله تعالى قد أوحى إلى يوسف عليه السلام وهو غلام لما رماه إخواته في بئر كنعان قال تعالى : ( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) فلم يفزع يوسف ولم يذعر.. فإذا كان يوسف لم يفزع من الوحي وهو غلام فكيف سيخاف سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي وهو قد بلغ سن الأربعين ؟!!
وهل يعقل أن خديجة أعرف من سيدنا محمد بنبوته حتى تعلمه بها ؟! كذلك الرواية التي فيها ((أن جبريل فاجأ سيدنا محمداً في الغار وقال له إقرأ ؟ فقال : ما أنا بقارئ ، ثم ضمه حتى أجهده وقال له إقرأ ؟ فقال : ما أنا بقارئ ... الخ)).
فهذه الرواية مرسلة عن عائشة أو عن ابن عباس وكلاهما لم يكونا قد ولدا أثناء هذه الحادثة .. وهذه الرواية عبارة عن قصة محبوكة بل أضحوكة يأنف العقل السليم أن يقبلها ومثيلاتها .
هكذا أصبح أعداء الإسلام يحاربون المسلمين بتراثهم ويسقونهم من كؤوسهم وما فعله سليمان رشدي ليس ببعيد فلم يأت بدعاً من القول بل كل ما ذكره في كتابه ( آيات شيطانية ) هو مآخوذ من تراثنا الديني لا سيما من قصة الغرانيق التي صحح روايتها الحافظ ابن حجر وخلاصتها أن رسول الله قرأ سورة النجم حتى بلغ قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .. ) ألقى الشيطان على لسان رسول الله – والعياذ بالله – تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى .. فسجد المسلمون وسجد المشركون لأنه مدح آلهتهم بحسب زعمهم ! !
بهذه الرواية سمى سليمان رشدي كتابه( آيات شيطانية) فلا غرو أن يطعن أعداء الله في القرآن وبأنه آيات شيطانية طالما أن الشيطان تسلط على رسول الله وأضاف في القرآن ما أضاف .
ولهذا لم نر أحداً من العلماء رد على سليمان رشدي الرد العلمي لأنهم لو ردوا أو نفوا ما قاله سليمان رشدي لكانوا بذلك قد ردوا أو نفوا ما في كتبهم وتراثهم المليئة بما هو أدهى وأمر مما ذكره سليمان رشدي أو ما نشرته الصحف الدنماركية من تلك الصور المسيئة إلى نبي الإسلام.
لذا فنحن نهيب من هذا المنبر الفكري الحر بعلماء الأمة الإسلامية أن يزيلوا من تراثهم الديني مثل هذه الروايات والخزايات التي تسيء لي جوهر الإسلام وقداسة النبي عليه وآله الصلاة والسلام وأن يعيدوا النظر في كتب أسلافهم ويقوموا بثورة فكرية عارمة لتصفية التراث الديني حتى لا يحتج أعداؤنا علينا بما في تراثنا. فكيف نعيب على غيرنا والعيب كامن فينا ؟!!
فكفانا جهل وتقليد وكفانا تقديس لتلك الأبنية الفكرية السابقة التي كانت سبباً في إنغلاق هذه الأمة ووقوعها في هوة الاختلاف.
هذا وقد أبطلنا في كتابنا (( إرشاد الأتقياء إلى تنزيه سيد الأنبياء )) مثل هذه الروايات التى تقدح في القرآن الكريم وفي عصمة ونزاهة نبينا العظيم عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم فعليك به فهو في غاية النفاسة .