وقفت خارج كربلاء .. أطلّ من نوافذ عيني على جرحها المشرعُ في وجه الليل تهاجر منه الفراشات وعصافير الصباح إلى السماء من غير أن تعود ..
ولم تقدُر عيني أن تدخل جرحكِ يا كربلاء حين ينسكبُ منه الحزن كما ينسكبُ الشفق الأحمر من جروح الأفاق ...
لم تستطع عيني أن ترى الطيبين الطاهرين مصلوبين على رمالك يا كربلاء والعطش نابتٌ على شفاههم ينظرون ولا حولَ لناظرٍ إلى نسائهم وأطفالهم مذعورين هائمين في الصحراء من غير دليل ..
وأخذتُ أنظر من ثقوب هذه السنين الصماء إليكِ يا كربلاء وفي يدي منديلُ دمعٍ .. وفي قلبي حدائقُ منذورةً للعشق تحرقُ أغصانها حرائقُ الحنين ...
أنظرُ إلى وجههِ الذابلُ كشمسٍ تشارفُ على الأفول .. وعيناه ُ سماواتُ نور وقناديلُ أمل .. وشيبهُ الأبيض تنحدرُ عليه الدموع .. دموعُ الغرباء والراحلين المودّعين أحبابهم ..
وأنظرُ إلى الفرات إلى بساتين النخيل مسكونةً بقوافل القاتلين وأرواح الشياطين ..
أما هو فينظر إلى مخلوقات الله من عيون روحه المقدسة ويبكي .. كان همه كيف يعيد الأنسان إلى انسانيته وكيف يمكن للصبحِ أن يرجع للصبح ثانيةً .. كان وهو يحدق في السماء يشعر بأنّ رحلته الطويلة على الأرض لن تنتهي كما يريد .. فما أقسى أن تنتهي حياة الأنسان وكثير من آماله لم تتحقق ..
كان يحاول اشعال النور في ظلمة الليل ويعيد الحب والأمل إلى الأرض والأنسان .. كانت به الكثير من صفات الله .. الحب .. الكرم .. الرأفة.. الصبر ..العطاء ..
كان يحب الكل حتى الذين يكرهونه .. ولم يكن يبالي بشيء سوى أن تنتهي رحلته على الأرض بتحقيق أكبر قدر من الكرامة للإنسان ..