لم يكن الإسلام بالنسبة إلى شبه القارة الهندية بالشيء الجديد، فمنذ القرن الأول للهجرة كانت هناك أقليّة من المسلمين تعيش في الهند. ولعل السبب الأول لدخول الإسلام إلى الهند هوالتجار المسلمون الذين كانوا يرتادون هذه المنطقة من أجل التجارة، ولكن هذه الأقليّة لم يكن من الممكن لها أن تظهر عقيدتها خوف الفتنة والعذاب. ثم جاءت انتصارات الإسلام فكان لذلك الأثر البالغ في توسّع الإسلام وتغلغله في شبه القارة الهندية.
ويحدثنا التاريخ عن شيء له الدلالة القوية على تاريخ وجود الإسلام في الهند، ففي أوائل القرن الثامن الهجري ظهر السيد بلال شاه الداعية الإسلامي الكبير واتصل بملك كشمير حينئذٍ ( رين جانا ) ودعاه إلى الإسلام،فاستجاب له الملك مع عدد كبير من أهل البلاد. وهذا الاستسلام للدعوة من قبل الحاكمين والرعية يدل على نفوذ الدعوة ووجودها. وأخيراً استوزر هذا الملك الذي دعانفسه فيما بعد بـ ( السلطان صدر الدين ) السيدَ بلال شاه لِما رآى فيه من إخلاص وحسن إدارة.
فتاريخ الإسلام في شبه القارة يرجع إلى مدى بعيد، ولكن لا يمكن الجزم بأن هذا الإسلام جاء بشكله العام أو بشكل شيعي، إلاّ أنّه يمكن الجزم بأن التشيع دخل شبه القارة في أواخر القرن الثامن الهجري حيث هاجر السيد علي الهَمْداني من سلالة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله إلى كشمير في زمن السلطان شهاب الدين،وكان بصحبته عدد كبير من أقربائه وأتباعه. وكان دخول هذا السيد الجليل الذي لقّب بعد ذلك بـ ( شاه هَمْدان ) إلى كشمير وهي في حالة حرب مع « أو هند » أو ( الهند كما يقول المؤرخون العرب ). وقد استطاع بجهوده المتواصلة أن يقنع الطرفين بالهدنة والصلح، وقام منذ ذلك الحين بدعوة الهندوكيين إلى الإسلام.
وقد قام بعده بالدعوة إلى الإسلام ولده المير محمد الهَمْداني المتولد سنة 774هـ حيث دخل كشمير بعد والده مع جماعة كبيرة من أتباعه وأنصاره. وقد استقبله سلطان كشمير ( إسكندر ) استقبالاً رائعاً واحتفى به وكرّمه. ومِن الجدير بالذكر أن قائد الجيش في كشمير ـ وكان هندوكياً يُدعى ( مالك سوهابهاتا )ـ قد تأثر بشخصية المير محمد وبساطة العقيدة المحمدية التي يحملها وأسلوب حياته المعاشية والأخلاقية، مما دعاه إلى أن يتبنّى الإسلام مع جميع أفراد أسرته، ودعا نفسه ( مالك سيف الدين )، واشتدت صِلاته بالسيد مير محمد حتّى تزوج السيد مير محمد بنت هذا القائد بعد وفاة زوجته الأولى. وقد قام هذا القائد بإنشاء مسجد مهم موجود حتّى الآن يدعى مسجد ( سُوهيار ).
ومن جملة الأعمال التي قام بها السيد مير محمد في تلك المنطقة منع تقطير الخمور وتحريم قتل الزوجة نفسها عند وفاة زوجها الأمر الذي كانت تتبناه التعاليم الهندوكية، كما أنه منع القمار ومزاولة النساءِ الرقصَ.
وقد أهدى السيد مير محمد إلى السلطان إسكندرياقوتة برخشانية، ما دعا السلطان لأن يردّ هذه التحية بأن أهداه ثلاث قرى كبيرة وَقَفَها المير محمد على تكيته وأعمالها.
ولا يشك المؤرخون أن مجيء شاه همدان إلى كشمير وسّع كثيراً في أعمال التبشير الإسلامي، وأدى إلى هداية كثير من الهنادك. كما قام شاه همدان بإنشاء التكايا والمساجد في كل ناحية من كشمير، واتخذ من ذلك مراكز يبشر منها بالإسلام.
كما حوّل الهنادكُ المهتدون المعابدَ الهندوكية إلى مساجد. وقد قيل إن شاه همدان استطاع بجهوده المتواصلة أن يهدي إلى الإسلام حوالي ثلاثة وسبعين ألف نسمة.
ومما يدل على سعة علم شاه « همدان »: المؤلفاتُ الكثيرة التي خلّفها بالعربية والفارسية، ولا سيما كتابه ( ذخيرة الملوك ). وقد تُرجم إلى اللاتينية في سنة 1825م وإلى الفرنسية سنة 1829م، وهو من أحسن الكتب في علم السياسة والاجتماع.
ومما يدل على أنه كان شيعياً: مؤلفاته القيمة مثل ( مودّة القربى ) و ( السبعون حديثاً في فضائل أهل البيت ) وغير هذا، وإن كان المشهور على خلاف ذلك لمراعاة الظروف المحيطة. ويظهر هذا الأمر بعد ملاحظة الأمور التالية:
الأول: أنالدور الذي كان يعيشه هذا العالم الجليل كان مخالفاً من ناحية سياسية لأهل التشيع بسبب انحصار السلطة والقوة في أهل السنة، بحيث لم يكن أحد يتمكن أن ينسب نفسه علناً لمذهب الشيعة.
الثاني: إن مؤلفاته دليل على تشيعه، إذ المواضيع بالشكل الذي تناولها لا تصدر إلاّ من قلم يتبنّى المذهب الشيعي، وإنما لم يظهر ذلك منه بسبب الظروف كما أسلفنا.
الثالث: إن أولاده الذين يقطنون في مدينة ( وتلوكنك ): محلة سادات الهمدانيين، وقرية ( جلال پور همدانيان ) وقرية ( قادرپور) وقرية ( رهنه ) وبلدة ( لاوه ) ـ وهذه كلها في الباكستان الغربية ـ كانوا قبل بضعة عقود يؤدون وظائفهم وفرائضهم الشرعية كبقية أبناء السنّة الآخرين.
ولما ذهب زمان التقية بعدذلك أظهروا مذهبهم (التشيع ) في الوقت الذي لم يصل إليهم العلماء والمبلّغون الشيعة، وإنما قاموا بأنفسهم بحركة تبليغ واسعة. ونتيجة ذلك تبنّى المذهبَ الشيعي أهالي مدينة ( تله كنك ) الشرقية كلهم. وبقي أهالي المنطقة الغربية على حالهم؛ لأن الغربيين كانوا أناساً عاديين بخلاف الشرقيين الذين كانت بيدهم السلطات والقوة، كما صار هؤلاء حكام الهمدانيين أيضاً وأظهروا تشيعهم.
وإذا ثبت أن السيد علي الهمداني كان شيعياً ثبت أن هذا المذهب قد دخل بلاد كشمير والبنجاب بصورة سلمية واستقبله الأهلون بحرية تامة ومن غير إكراه.