|
مــوقوف
|
رقم العضوية : 21850
|
الإنتساب : Aug 2008
|
المشاركات : 54
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
سياسة علي مع موظّفيه ارجو من المشرف التثبيت
بتاريخ : 01-04-2009 الساعة : 06:28 PM
سياسة علي مع موظّفيه
رقابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للموظفين كانت في رأس سياسته الإدارية لهم. إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام لا يريد الموظفين لكي يسبحوا باسمه ـ شأن كثير من الحكام والساسة ـ وإنما يريدهم يسبحون باسم الله تعالى، يريدهم على طريق الله دقيقاً وكاملاً ودائماً، لذلك: فكما تم نصبهم على يده، كذلك يرى نفسه مسؤولاً عن تصرفاتهم.
فكان ينصحهم، ثم يوجههم، ثم يعاتبهم على تصرفات غير لائقة، ثم إن لم يفد ذلك كله كان يعمد إلى عزلهم، وعقوبتهم إن استحقوا العقوبة.
فالحصانة الدبلوماسية، والحصانة الإدارية، وحصانة الوظيفة، ونحو هذه المصطلحات لا مفهوم لها عند علي بن أبي طالب عليه السلام إذا خرج الدبلوماسي عن الحق، وجار الإداري، وعمد الموظّف إلى ما لا يليق به من إجحاف، أو ظلم، أو عدم اهتمام بالأمة..
فالأصل في اختيار الموظّف وإبقاء الموظّف هو واحد في منطق أمير المؤمنين عليه السلام لايختلف أحدهما عن الآخر:
(الله والأمة) هذا هو الأصل الأصيل في اختيار الموظّف، وهذا هو الأصل الأصيل في الإبقاء على الموظّف.
وقد حفظ التاريخ في هذا المجال: أنّ بعض المقرّبين إلى أمير المؤمنين عليه السلام فعل ما استوجب به العقوبة، ففرّ عن علي عليه السلام ، فأخذوه إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال للإمام: «والله إن المقام معك لذل، وإن تركك لكفر»(1). يريد بذلك: أنك لا تفرق بين أصدقائك وغيرهم ولا تسامحهم بما لاتسامح به غيرهم.
عزل الوالي فوراً
ذكر في التاريخ: إنّ امرأة من بني همدان اسمها (سودة بنت عمارة) شكت إليه والياً فعزله الإمام عليه السلام والتفصيل كما يلي:
ذكر الإربلي في (كشف الغمّة) عن كتاب ابن طلحة، عن سودة بنت عمارة الهمْدانية ـ في حديث دخولها على معاوية ـ قالت: «والله لقد جئته ـ تعني أمير المؤمنين عليه السلام ـ في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا، فجار علينا.
فصادفته قائماً يصلّي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي بلطف ورفق ورحمة وتعطف وقال:
ألك حاجة؟
قلت: نعم، فأخبرته الخبر.
فبكى عليه السلام ثم قال: ـ رافعاً طرفه إلى السماء ـ:
«اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك».
ثم أخرج عليه السلام قطعة جلد فكتب فيها:
(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)(2).
فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك. والسلام».
قالت: ثم دفع الرقعة إلي، فوالله ما ختمها بطين، ولا خذمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً»(3).
وللبحث الفقهي والحكم الشرعي في هذه المسألة مجال آخر واسع غير مثل هذا الكتاب الذي وضع لبيان النقاط في اختصار، والإلمام السريع بسيرة أمير المؤمنين علي عليه السلام السياسية، لكي نستلهم منها ومن سيرة النبي صلی الله عليه و آله دروس السياسة الصحيحة في تاريخنا المعاصر.
التعليم العملي للوالي
نقل الإربلي أيضاً عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال:
«وكان عليه السلام قد ولى على عكبرا(4) رجلاً من ثقيف، قال: قال لي علي عليه السلام : إذا صلّيت الظهر غداً فعد إليّ، فعدت إليه في الوقت المعيّن…
فوجدته جالساً وعنده قرح وكوز ماء، فدعا بوعاء مشدود مختوم.
فقلت في نفسي: قد أمنني حتى يخرج إليّ جوهراً.
فكسر الختم وحله فإذا فيه سويق. فأخرج منه، فصبه في القدح، وصب عليه ماءً، فشرب وسقاني، فلم أصبر.
فقلت له: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى في كثرته.
فقال: أما والله، ما أختم عليه بخلاً به، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص، فيوضع فيه من غيره، وأنا أكره أن أدخل بطني إلا طيباً.
فلذلك احترز عليه كما ترى.
ثم قال عليه السلام : فإياك وتناول ما لا تعلم حلّه»(5).
العزل لرفع الصوت
أورد النوري رحمه الله في (مستدرك الوسائل) عن كتاب (غوالي اللئالي) قال: «روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولى أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله.
فقال أبو الأسود له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟
فقال عليه السلام : «إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك»(6).
المتخاصمان إنسانان محترمان في منطق الإسلام، وليس للقاضي أن يهينهما بأية إهانة، ورفع الصوت نوع إهانة، وليس ذلك من أدب الإسلام في القضاء..
إذن ينبغي أن يعزل القاضي الذي يمارس ذلك، وإن كان مثل أبي الأسود الدؤلي في علمه وفضله، وخلقه وقربه من أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ الحق لا مداهنة فيه في منطق علي بن أبي طالب عليه السلام .
وقد كتب المحدّث القمّي رحمه الله عن أبي الأسود الدؤلي ما يلي:
«أبو الأسود الدؤلي، أحد الفضلاء الفصحاء من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام، وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام وكان من سادات التابعين وأعيانهم.
وهو بصري يعد من الفرسان والعقلاء»(7).
وهو واضع علم النحو بإشارة من أمير المؤمنين عليه السلام(8).
أرفع إليّ حسابك
بالرغم من أنّ سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في حياة رسول الله صلی الله عليه و آله وبعد وفاته صلی الله عليه و آله في حياة من تقدّمه كانت خير معرف لـه عليه السلام في مستقبل حياته،وكان الولاة والموظّفون الذي يبثهم هنا وهناك يعرفون أسلوب أمير المؤمنين عليه السلام جيداً..
لكن مع ذلك كله لم يكن ليفوّت علياً عليه السلام مراقبة أحوال ولاته وعمّاله ومحاسبتهم، لكي لا يظلم بعضهم الناس..
كتب عليه السلام إلى بعض ولاته وقد بلغه عنه بعض سوء التصرف:
«أمّا بعد، فقد بلغني عنك أمر إن كنت قد فعلته فقد أسخطت ربك
وعصيت إمامك.
وأخزيت أمانتك.
بلغني: أنّك جرّدت الأرض، فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك. فارفع إليّ حسابك.
واعلم، أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام»(9).
الناس في منطق الإسلام أحرار، لا يطالب أحد منهم بحساب، ولايقال لأحد منهم: من أين لك هذا؟ قضاءً لحكم الله تعالى العام الشامل:
«وضع أمر أخيك على أحسنه»(10).
الذي يصطلح عليه الفقهاء بـ (أصالة الصحّة) طبعاً إلا في بعض حالات استثنائية من باب المهم والأهم المستفادين من نفس الشريعة الإسلامية:
أما الوالي، والحاكم، والعامل والموظف الكبير، فيقال لـه: من أين لك هذا؟
ويحاسب في أمواله، وما عنده.
ويهدد بحساب الله الذي هو أعظم، وأشد.
إرساءً للعدل، وأماناً للأمّة عن الظلم والحيف.
لئن خنت
كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض عمّاله ـ وهو زياد بن أبيه، وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة ـ كتاباً كما يلي:
«وإني أقسم بالله صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً...
لأشدّن عليك شدّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل، الأمر والسلام»(11).
العامل: يعني، الموظف الذي يختاره الإمام عليه السلام لسياسة البلدان وإدارتها لابدّ وأن يتوفّر فيه شرطان:
العلم، والعدالة.
فيجب أن يكون عالماً بأحكام الإسلام، والحلال والحرام، وكيفية الوساطة في الأمور بين الله تعالى وبين خلقه.
ويجب أن يكون عادلاً، مؤمناً، خيراً، لا فاسقاً، ظالماً، مجحفاً.
والعامل الذي اجتمع فيه العلم والعدالة لماذا كل هذا التهديد الشديد معه؟
إنه صرامة الحق، وحدّته التي هي أشدّ من حدّ السيف..
فخيانة أموال المسلمين خيانة للمسلمين، وخيانة لأمير المؤمنين، وخيانة لله تعالى.
ومن مارس مثل هذه الخيانات المجتمعة يستحق مثل هذا التقريع.
هكذا يؤدّب أمير المؤمنين علي عليه السلام عمّال البلاد في سياسة الإسلام، وهكذا ينبغي أن يكون تأديب الإمام للولاة، والعمّال، والموظّفين، لكي يأمن المسلمون من الخيانة والحيف.
وقد قال الإمام علي عليه السلام في كلام آخر له:
«وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة...
وأفظع الغشّ غشّ الأئمة»(12).
مسؤولية البقاع والبهائم
وجاء في بعض خطبه عليه السلام التي خطبها في أوائل خلافته مايلي:
«اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»(13).
المسؤولية في منطق أمير المؤمنين عليه السلام لا تخصّ الإسلام والإيمان فقط، ولا المسلمين والمؤمنين فحسب، ولا الرجال والنساء فقط، ولا البشر فقط، وإنّما هي تعمّ ما خلق الله تعالى مما يمكن للبشر الاستفادة منه في خير أو شر، بحق أو باطل، في هداية أو ضلالة، وما إليها..
حتى الأرض، والتراب والبلاد، والبر والبحر.. الناس مسؤولون عنها بشتى أنوع المسؤولية: سكناها، زراعتها، تركها، إسرافها، ونحو ذلك. وحتى البهائم والحيوانات.. الإنسان مسؤول أمام الله تعالى عنها: ظلمها والرحمة بها، الاستفادة منها في خير أو شر، تبذيرها وإسرافها.. وغير ذلك.
هذه، هي حدود المسؤولية في سياسة علي بن أبي طالب عليه السلام فليعتبر بذلك الأمّة والقادة.
وليصححوا المسيرة على هدى أمير المؤمنين عليه السلام .
(1) المناقب: ج2 ص113 فصل في حلمه وشفقته عليه السلام .
(2) سورة الأعراف: الآية 85.
(3) كشف الغمّة: ج1 ص174، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ج69 ص225 في ترجمة سودة رقم9363، والاستيعاب لابن عبد البر: ج3 ص1111، عن أبي اسحاق السبيعي، نحوه.
(4) بلدة في طرف بغداد من ناحية سامراء.
(5) كشف الغمّة: ج1 ص175 في وصف زهده في الدنيا وسنّته في رفضها.
(6) مستدرك الوسائل: ج17 ص359 ب11 ح8.
(7) سفينة البحار: ج1 ص669 باب السين بعده الواو.
(8) راجع كنز العمّال للهندي: ج10 ص283 رقم 29456 ـ في علم النحو ـ.
(9) نهج البلاغة، الرسائل: 40، ومن كتاب لـه عليه السلام إلى بعض عماله.
(10) الأمالي للشيخ الصدوق: ص304 المجلس 62 ح8.
(11) نهج البلاغة، الرسائل: 20.
(12) نهج البلاغة، الرسائل: 26 ومن عهد لـه عليه السلام إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة.
(13) نهج البلاغة، الخطب: 167 ومن خطبة لـه عليه السلام في أوائل خلافته.
|
|
|
|
|