[تشرين ربيعة]

الضبابية والشكوك في تصريحات ساسة الأكراد

عامر قره ناز *

بعد إعلان الرئيس الأمريكي بسحب القوات الامريكية من العراق تاركا وراءها فوضى سياسية واقتصادية وأمنية في البلد واثأرا مؤلمة لا يمكن إزالتها بسهولة

بدأت التصريحات والمواقف المتباينة تنهال من القوى العراقية بين المؤيد والمعارض للانسحاب والمتفائل والمتشائم ، ومنهم من تهيأ فعليا للرحيل مع المحتل ومنهم من يحاول إعادة تصحيح وتقييم نهجها السياسي

وكالعادة فان ساسة الأكراد كانوا من أوائل المعارضين للانسحاب معلنين تخوفهم من المستقبل القريب والبعيد وملوحين في الأفق أن رياح الحرب الأهلية ستهب من شمال العراق إلى الجنوب ،وتتوالى تصريحاتهم وأقوالهم المتناقضة مع الواقع والأفعال ولتظهر علامات التخبط والتناقض الواضح في تصريحاتهم بين البناء والهدام

فمن جهة أبدت الإعلام العراقي والعالمي اهتماما للتصريح البناء الذي أدلى بها الرئيس العراقي جلال الطالباني لصحيفة نيوز حريت ديلي التركية أثناء زيارته إلى تركيا للمشاركة في مؤتمر المياه ،حيث استبعد احتمال قيام دولة كردية في المستقبل واصفا إياها مجرد الحلم في القصائد وانه من غير الواقعي الاعتقاد بأن دولة كردية مستقلة ممكن أن تعيش في ظل إمكانية قيام دول الجوار تركيا وإيران وسوريا بغلق حدودها عليها ، ومطمئنا الدولة التركية بأن لا يخافوا من احتمال إعلان الأكراد استقلالهم في العراق وإن 95% من أكراد العراق صوتوا لصالح الدستور العراقي الجديد الذي يقول إن البلد جمهورية ديمقراطية اتحادية، تمثيلية، في موقف داعم لوحدة العراق

ولكن في المقابل !!!!!!

أن البعض من ساسة الأكراد ما زالوا لا يخفون نواياهم في رغبتهم في الانفصال من العراق، ويعلنون بان الذي يعوقهم هو أن الظرف الدولي لا يسمح لهم بذلك، وبمعنى أخرإن لديهم النية ولكن ليست لديهم القدرة في الوقت الحالي على أقل تقدير، والبعض الاخر يحاول ان يلعب لعبة الوقت الضائع والضرب على الوتر الحساس لدول الجوار وساسة الكتل الأخرى وللتذكيرلنقراء التصريحات الاستفزازية لبع ض ساسة الأكراد الداعية للانفصال

ففي الانتخابات الأولى هدد الأحزاب الكردية بإعلان الانفصال عن العراق في حالة عدم منحهم وزارات سيادية وحصلوا ما أرادوها!

في الاستفتاء المزيف أيضا هدد بعض القوى الكردية بالانفصال في حالة عدم الموافقة على الدستور ونالوا ما أرادوها، وتم التلاعب في الأصوات بالرغم من إن اربعة محافظات قالوا لا للدستور!

اما في الانتخابات الثالثة هددونا إذا لم يخصص لهم عدد المقاعد النيابية التي حدودها بالاضافة الى وزارتين خدميتين فوق الوزارات السيادية سينفصلوا؛ وأيضا جرى لهم ما يأمرون

وبعد احداث سامراء المؤلمة جاءت تصريح مسعود البرازاني ليعلن بأنهم سينفصلون إذا وقع حرب أهلية في العراق، فبدلا من ان يقول سوف ندافع عن العراق أرضا وشعبا، وسنضحي بالغالي والنفيس في حالة نشوب حرب أهلية

ولم ينسى الشعب العراقي تصريح مسعود البرزاني سنة 2007 بشن حرب أهلية في حالة عدم تطبيق المادة 140 ليعلن ردة فعله بعدما كشف الحقائق بان المادة المذكورة ما كانت إلا مخطط مدروس بدقة متناهية ومبرمجة من أطراف خارجية لها مصالح بتقسيم العراق وجرها إلى ويلات الدمار والخراب وهدد وبالانفصال وطالب أيضا بسحب نوابه ووزرائه من الحكومة العراقية في حالة عدم تطبيق المادة

ولم يستوعبوا الدروس ولم ينتهي التهديدات ،فملا بختيار العضو في فرقة المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني صرح أيضا بنبرات التهديد والوعيد قائلا ،بان على الحكومة في بغداد إجراء استفتاء في خانقين وإذا لم يقوموا بذلك سيكون هناك مشكلة وسيؤدي ذلك إلى تفجير أعمال عنف ،وبانه لا يتوقع أي انفراج للازمة عبر الحوار والمفاوضات ولا يؤيد أي خيار غير خيارالانضمام إلى كردستان

وقبل عدة أيام فقط حذر وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان في تصريح لوكالة رويترز للأنباء ،جميع الشركات الأجنبية من إبرام أي اتفاقية بشأن التنقيب عن النفط مع بغداد في المناطق المتنازع عليها دون استحصال موافقة حكومة إقليم كوردستان وبأن إقليمهم عازمة على تصدير النفط إلى الخارج في غضون الأشهر القادمة ومحذرا الشركات الأجنبية من مغبة توقيع أي اتفاقية مع حكومة بغداد دون إذن من حكومة الإقليم للتنقيب عن النفط في الحقول التي تقع ضمن المناطق المتنازع عليها


أو ليست كل ذلك تناقضا واضحا مما يضع المتبع أن يضع علامة الشكوك والضبابية في أقوالهم وأفعالهم وسياستهم؟

ولماذا يصرون إذن على ابتلاع مدينة كركوك رغم كونها مدينة ذو كثافة سكانية تركمانية ؟

أو لم يحن الوقت لنعلن بأن السياسة التي يتبعه الساسة الأكراد أصبحت قضية انفصالهم كتابا مفتوحا وان لديهم النية للانفصال اليوم قبل الغد ولكن ليست لديهم القدرة ؟

وكل ما يمنع انفصالهم وإنشاء دولة كردية في شمال العراق ،هو الفيتو الأميركي الأوروبي إضافة إلى فيتو دول الجوار التركي- السوري - الإيراني وطبعاً فيتو العراقيون الشرفاء

وعلى ضوء ذلك وفي بعض الأحيان يستيقظ البعض من حلمه بقيام دولة كردية ويستوعب إن لعبة المحتل الأمريكي ومناوراته السياسية باستخدام قضية الشعب الكردي ما كانت إلا لعبة سياسية قذرة وانية وبرزت في الافق قرب انتهاء أهدافه ومسبباته وستنقلب عليهم وبموجب ذلك يعتبر إنشاء دولة كردية في شمال العراق خيالا ولا تتحقق هذا الحلم عل ارض الواقع

ولكن على جميع الأطراف السياسية الكردية الأخرى ايضا استنباط الدروس من التجارب المماثلة التي انتهت بالفشل باستباحة أطراف تعنتت من قبل وما ألت بهم ممن لم يزنوا الأمور وكما ينبغي وإزالة الضبابية والشكوك من أقوالهم وأفعالهم

والابتعاد عن الأساليب الملتوية بإبراز الدموع في أعينهم والفريسة وسط أسنانهم ليبعدوا من خلالها الشكوك والخطر عنهم ،وان يتوقفوا عن السباحة ضد إرادة العراقيين والتيارات الوطنية العراقية ممن يرفضون تقسيم العراق أو ضم كركوك إلى إقليم الشمال

وعلى الجميع الإدراك بان لعبة الغموض والشكوك ستنكشف أجلا أم عاجلا وينسوا ويتجاوزا ألأطماع الشخصية والحزبية والطائفية لان العراقيون قد علموا علم اليقين بان الأزمة التي فرضت من قبل المحتل الأمريكي على العراق لم تكن موجها إلى فئة أو أخرى بل كانت جزءا من حرب مدروس بشكل دقيق ضد العراق بأكملها بعربه وكرده وتركمانه وقومياته الأخرى ودون أن يستثني أحدا ولان سياسة المحتل اتخذ أشكالا وأساليب تختلف مع الظروف والفرص المتاحة

وعكس ذلك فستبقى وستظل الشكوك والضبابية تحوم حول تصريحاتهم وأفعالهم ، وما دامت قضية الانفصال رغبة تراود ساسة الأكراد منتظرين فرصة القدرة على ذلك ، وما داموا يراوحون بين الرغبة والقدرة على الانفصال
______________________________
* كاتب عراقي تركماني من كركوك