النجف الأشرف مدينة تاريخية مقدّسة ، وحاضرة علمية ودينية عريقة ؛ نشأت حول مرقد الإمام عليّ عليه السلام في ظهر الكوفة عند إظهاره في أواخر القرن الثاني ، ثمّ ورثت الكوفة مكانةً وسكاناً ، وهي اليوم إحدى كبريات المدن العراقية ومراكز المحافظات فيها.
موقعها وحدودها :
تقع مدينة النجف على حافة الهضبة الصحراوية الغربية من العراق جنوب غرب بغداد على بعد 160كم .. على خط طول44 درجة و 19دقيقة ، وعلى خط عرض 31 درجة و 59 دقيقة، وترتفع فوق مستوى سطح البحر بـ 70م .. يحدّ مدينة النجف من الغرب منخفض بحر النجف متصلاً بناحية الشبكة وبالحدود السعودية ، ومن الجنوب والجنوب الغربي مدينتا الحيرة وأبي صخير على بعد 18كم ، ومن الشرق الكوفة ، وتبعد مسجدها (المركز) بـ 10كم … ويحدّها من الشمال ناحية الحيدرية (خان الحماد) على بعد 30كم … وتبلغ مساحة مدينة النجف 1328كم .. أمّا حدودها الإدارية كمحافظة فهي كالتالي : من الغرب والشمال الغربي المملكة العربية السعودية ومحافظة الأنبار ، ومن الشمال الشرقي محافظة كربلاء ، وبين الشرق والجنوب الشرقي محافظتا بابل والقادسية .وتتألف من ثلاثة أقضية وسبعة نواح وتبلغ مساحتها 494/27كم .. ولا يعنينا الحديث عنها في حديثنا عن تاريخ المدينة. أسماؤها ومناشئها: للنجف عدد من الأسماء أخذت من الموقع والواقع ؛ فأسم النجف عند أهل اللغة يعني التل والمكان الذي لا يعلوه الماء المستطيل المنقاد. قالوا: والنجف بظهر الكوفة كالمسناة تمنع ماء السيل أن يعلو منازل الكوفة ومقابرها (1) .
ومن أسمائها الغري: وهو الحَسِن من كلّ شيء . والغري أيضا : المطلي بالغراء ، مفردها الغريان: وهما بناءان كالصومعتين مشهوران بظهر الكوفة بناهما بعض ملوك الحيرة أمثال (المنذر بن ماء السماء) (2).
قال الحموي: ويجوز أن يكون اسم الغري مأخوذاً من كلّ واحد من هذين (3) .
وللنجف عدة أسماء أُخرى منها : المشهد ؛ وهو ما ذكره ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما ، وهو تسمية للكلّ باسم البعض الأظهر والأشرف فيها ، وهو مشهد القبر المقدس ، وما زال هذا الاسم متداولاً حتّى الآن لدى سكانها ، فيقال: مشهدي في النسبة ، والمشاهدة .. وللنجف الموقع أسماء أُخرى منها ما كان معروفاً تأريخياً ، ومنها ما ورد في أحاديث الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كـ : بانقيا ، والجودى(4) والغربي ، واللسان ، والربوة ، والطور ، وظهر الكوفة. تاريخها ما قبل الإسلام ، وما قبل التمصير: ورد في أخبار الأئمة من أهل البيت عليهم السلام : أنّ في بقعة النجف قبرا آدم ونوح عليهما السلام ، وإنّ الإمام دفن عندهما بإعلامه ووصيته ، وأنّ فيها أيضاً وعلى مسافة 1كم قبرا هود وصالح ، وأنّ مرتفعهما بقايا جبل قديم هو جبل الذي قصده ابن نوح في قوله تعالى: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله) (5) .
وكان متصلاً بالشام فأنهار الجبل وساخ.. ووردت أخبار أُخرى لم يتحقق من صحتها من الخارج والداخل ولكن مضمونها واحد هو التأشير إلى قدّسية هذه البقعة وشرفها قديماً (6) .
والمعروف تاريخياً : أنّ المنطقة في العهد الجاهلي كانت متنـزهاً لملوك الحيرة اللخميين.. وأنّها كانت مكانا تعمره الأديرة المسيحية التي يقوم على شؤونها القسيس والرهبان ، ومنها دير ابن مزعوق ودير مارت مريم ودير حنا ، وظلت هذه الأديرة قائمة في العهد الإسلامي حتّى بعد تمصير الكوفة سنة 17هـ ، فقد ذكروا أنّه كان يقصدها بعض مُجّان الكوفة وشعرائها للقصف واللهو…. وفي العصر الإسلامي، مرت على هذه المنطقة أحداث تاريخية هامة: ففي سنة 12هـ نزل النجف خالد بن الوليد بعد فتح اليمامة يريد الحيرة فتحصّن منه أهلها بالقصر الأبيض ، وقد حدثت فيها واقعة البويب.. وفي سنة 14هـ كانت النجف ساحة حرب يتبادل النـزال فيها المسلمون والفرس وفي منطقة (بانقيا) أحد أسمائها أخذت أوّل جزية في الإسلام من الفرس . لكن واقع طبيعتها السياحية الجميلة ، ومناخها المعتدل ، وجمال أوديتها ، ووفرة الصيد فيها وتلاعها ، والمنظر البحري بجانبها ظل قائماً حتّى عصر الخليفة الواثق وبدايات السكنى فيها يظهر ذلك من هذا الوصف الرائع لها في قصيدة لإسحاق بن إبراهيم الموصلي المتوفّى سنة 235هـ ، وكان قد خرج مع الواثق للتنـزه والصيد في المنطقة ، قال: ما أن أرى الناس في سهلٍ ولا جبلٍ أصفى هواءً ولا أغذى من النجفِ كأنّ تربته مسكٌ يفوح بـــه أو عنبر دافه العطار في صــدفِ حفّت ببرٍ وبحرٍ من جوانبهــا فالبرُ في طرفٍ والبحرُ في طـرفِ(7).
وبين ذاك بساتين يسيحُ بهـــا نهرٌ يجيش بجاري سيله القصــفِ تلقاك منه من قبيل الصبح رائحة تشفي السقيـم إذا أشفى على التلف لوحله مدنف يرجو الشفاء بـه إذا شفاه من الأسقام والدنـــفِ(8) .
تمصيرها وأسبابه: نزل الإمام عليّ أمير المؤمنين الكوفة بعد حرب الجمل ، واتخذها عاصمة لخلافته سنة 36هـ لعوامل سياسية وعسكرية تتصل بموقعها المهم وسط العالم الإسلامي ، واصبح ظهر الكوفة (الثوية) مقبرة للمسلمين في الكوفة ، وفيهم عدد كبير من الصحابة والتابعين.. وكان أوّل من دفن في النجف الصحابي الجليل خبّاب بن الأرت الذي صلّى عليه الإمام عليّ عليه السلام وذلك في سنة 37 هـ ، وفي سنة 40هـ اغتيل الإمام عليّ عليه السلام في محرابه في مسجد الكوفة في الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان . تحديد مكان القبر الشريف: قبل يوم استشهاده في اليوم الثالث أوصى أن يدفن في قبر أعدّه واشترى ما حوله في ظهر الكوفة يقع بعد الثوية(9) لمن يأتي من جهة الكوفة ، ووراء القائم قريبا من النجف(10) قريباً من النجف(11) يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة بين الذكوات البيض(12) قريبا من قبري هود وصالح جوار قبري آدم ونوح(13) .
ودفن علية السلام ليلاً خفية واحتياطا من أن تهتك حرمة القبر على يد الأُمويين والخوارج. وقد تولّى دفنه الإمامان الحسن والحسين (ع) وأخوهما محمّد بن الحنفية (رض) وعبد الله بن جعفر (رض) ، واتبعهما جماعة من خلص الشيعة وشاهدوا عند القبر كرامة باهرة تتصل بمنـزلة الإمام ومقامه.
أهل البيت يزورون القبر سرّاً:
وظل الأئمة من أهل البيت عليهم السلام يوالون مع عدد من مخلصي أصحابهم زيارة القبر الشريف ، وتعهده سرّاً والحديث عنه كذلك ، وتحبيب زيارته. فقد زاره بعد ذلك الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين مع ولده محمّد الباقر عليهما السلام ، وانشأ عنده الزيارة المعروفة بـ (أمين الله) وزاره الإمام محمّد الباقر عليه السلام مرّة أخرى مع ولده الصادق عليه السلام وزاره زيد ين عليّ (رض) مع أبي حمزة الثمالي وأبي قرة من أصحابه وحين استقدم المنصور الإمام الصادق عليه السلام إلى الحيرة زاره عدّة مرات يصحبه في كلّ مرّة بعض أصحابه وأعطى في أحدها نقوداً لصفوان الجمال لإصلاح القبر…. وممّن زاره مع الإمام عليه السلام ولده إسماعيل ومن أصحابه أبان بن تغلب ، ومحمّد بن مسلم ، وصفوان الجمّال ، ومحمّد بن معروف الهلالي ، وسليمان بن خالد ، وأبو الفرج السندي ، والمعلى بن خنيس ، وزيد بن طلحة ، وعبد الله الرضوي ، والمفصل بن عمر، ويونس ين ظبيان، وزاره من الأئمة أيضا الإمام الكاظم سنة 149هـ ، الإمام عليّ الرضا سنة 199هـ ، ومحمّد الجواد سنه 221هـ ، وعليّ الهادي 234هـ ، عليهما السلام وانشأ بعضهم زيارات خاصة عنده أو انشأوها ليزور بها أصحابهم (ع) إذا قصدوا المرقد وهي مدونة مسنده اليهم في كتب الزيارات(14) .
وحين علم المنصور أنّ الإمام الصادق عليه السلام وعددا من أصحابه يوالون زيارة القبر . وكان كغيره من عامّة الناس يجهل موضعه أراد أن يتأكد من ذلك بنفسه فذهب منفرداً مع بعض خاصته وخَدمه وأمره أن يحفر في المكان المحدد للقبر ، وكان يزوره بعد ذلك يناجيه معتذرا إليه مما يفعله بأبنائه وذكروا : إنّ داود بن عليّ أيضا فعل ذلك فشاهد كرامة باهرة أخافته فأمر ببناء القبر وصنع صندوقاً وضعه عليه . وفي عهد الرشيد رأى ـ وقد خرج للصيد في هذه المنطقة ـ كرامة حملته على أنّ ينعطف ويخشع ويقيم على القبر قبةً بيضاءً ، وصنع على رأسها جرة خضراء ، وكان ذلك سنة 170هـ ، وكان يزوره ويصلّي عنده ويبكي عنده معتذراً إليه كما كان يصنع المنصور بولده. وممّن زار قبر الإمام عليه السلام في تلك الفترة عيسى بن جعفر . ومن الخلفاء زاره المقتفي والناصر ، وأطلق عنده صلاتٍ وأموالاً .. وزاره المستنصر وعدد لا يحصى من العلماء والسلاطين والشعراء والأعيان(15) .
وفي نهاية القرن الثاني بدأ بعض الشيعة يسكنون عنده ، ويدفنون أمواتهم حوله ، ولم ينته القرن الثالث حتّى أصبحت النجف مدينة صغيرة. فقد ذكروا: أنّ محمّد بن زيد العلوي ـ صاحب طبرستان المتوفّى سنة 278 هـ ـ بنى زمن المعتضد على القبر الشريف طاقاً للفقهاء والقرّاء والفقراء … وفي سنة 338هـ ، أقام عضد الدولة البويهي المتوفّى سنة372 هـ عمارة كبيرة وقبة أعظم وأفخم من القبة السابقة ، وشيّد أوّل سور يحيط بمدينة المشهد (النجف) كلّها. ويبدو: أنّ هذه القبة هي القبة التي ذكرها الحسين بن الحجّاج المتوفّى سنة 491هـ في مخاطبته للإمام قائلاً : يا صاحب القبة البيضاء في النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي زوروا أبا حسنٍ الهادي لعلّكم تحضون بالأجر والإقبال والزلــفِ(16) .
ولم يـبيّنوا لنا كم كان عدد سكان النجف لدى زيارة عضد الدولة لها إلا أنّهم ذكروا أنّهم أحصوا العلويين فقط فكانوا ألف وسبعمائة اسم .. وإذا كان الأمر كذلك ، فالعلويين لا يشكّلون إلا نسبة ضئيلة بين السكان عادة ، فكم يكون عدد السكان في ذلك التاريخ إذاً ؟ بخاصة وقد ذكروا أنّه وزّع على المجاورين من غير العلويين خمسمائة ألف درهم.. وأظن أنّ للأسوار التي بنيت حول المدينة في هذا العهد وما بعده أثراً في هجرة الناس إليها من الكوفة خاصة لما تعطيه من حصانة وأمان… وقد أعطي لهذه الأسوار ـ في تاريخ المدينة ـ اهتماماً بالغاً ، ففي سنة 400 هـ ، قام أبو محمّد الحسن بن سهلان الوزير البويهي السور الثاني حول مدينة المشهد (النجف) لكنهم لم يشيروا إلى أنّه أحدث في العمارة المقامة على المرقد الشريف أو القبة المباركة التي شيدها عضد الدولة تغييرا .. فقد ظلّت قائمة حتّى زمن الخليفة الناصر لدين الله العباسي الذي قام بين 550 هـ ـ 556 هـ بأعمال عمرانية واسعة ، وأصلح جوانب من المشهد العلوي الشريف … وفي سنة760 هـ حدث حريق في المشهد فاصلح وجدد ، ولم يذكر شخص معين أو جهة معروفة قيامها بهذا العمل ، والظاهر أنّه كان عملاً جماعياً.
لقد ازدهرت في القرن الخامس وما بعده حتّى منتصف القرن التاسع ازدهاراً عظيماً و أصبحت مرموقة من الناحية العمرانية والتجارية ، وورثت الكوفة مكانة علمية وسكاناً ، فقد هاجر إليها الكثير من أهلها ـ بخاصة طلاب العلم فيها ـ فراراً من هجمات الخوارج وغزو القبائل وملاحقة الحكام ؛ فلاذوا بأسوار المشهد (النجف) الحصينة ، وبحرمة الإمام عليّ عليه السلام ، وبالمكانة العظيمة للحوزة العلمية التي أصبحت منذ هجرة الشيخ الطوسي سنة 448هـ إليها مرجع الطائفة ، ومركز زعامتها الدينية تبيّن لنا ذلك من الوصف الذي سجله لنا الرحالة المغربي ابن بطوطة المتوفّى سنة 779هـ في رحلة لزيارة المدينة التي أكملها سنة 756 هـ ووصفه لها وللمرقد المقدّس والمدارس الدينية حوله…
وصف مدينة المشهد قال : نزلنا مدينة مشهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالنجف ، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق ، وأكثرها ناساً ، وأتقنها بناءً ، ولها أسواق حسنة نظيفة دخلناها من باب الحضرة (باب سور المدينة الخارجي) .ف استقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين ، ثّم سوق الفاكهة ، تّم سوق الخياطين والقسارية ، ثّم سـوق العطارين ، ثّم باب الحضرة ( يعني باب الصحن الذي يحيط بالمرقد ) حيث القبر الذي يزعمون أنّه قبر عليّ عليه السلام ، وبازائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة ، وحيطانها بالقاشاني وهو شبه الزيج عندنا لكن لونه اشرق ونقشه أحسن .
وصفه للصحن الشريف قال: يدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة(17) يسكنها الطلبة ، والصوفية من الشيعة، ولكلّ وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم . ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة ، وعلى بابها الحجّاب والنقباء والطواشية فعند ما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعهم ؛ وذلك على قدر الزائر يقفون معه على العتبة، ويستأذنون له ويقولون: عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العليّة فإن أذنتم له وإلا رجع ، وإن لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهل المكارم والستر. وصفه للحرم الشريف قال: صنع من الفضة ، وكذلك العضادتان ، ثّم يدخل القبة وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه ، وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبار والصغار ، وفي وسط القبة مسطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسّمرة بمسامير الفضة قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء ، وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام ، والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام ، والثالث قبر عليّ (رضي الله تعالى عنه) ، وبين القبور طسوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن بها وجهه تبركاً ، وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من الفضة وعليه ستور من الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير ، وله أربعة أبواب عتباتها فضة وعليها ستور الحرير… ثّم قال : ولهذه الروضة كرامات .. إلى آخره(18) .
ورغم أنّ قول ابن بطوطة عن النجف أنّها من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً ،واتقنها بناءً . يعطي صورة عما بلغته النجف من سعة وازدهار في القرن الثامن إلا أنّها صورة مجملة لم تقدّر عدد السكان ولا عدد ما فيها من الدور.. وقد قدّر بعضهم دورها في تلك الفترة وما بعدها ـ عدا الخانات والمدارس ـ بما يقرب من سبعة آلاف دار … وحين استولى الشاه إسماعيل الأوّل الصفوي المتوفّى سنة 930هـ مقاليد بغداد سارع إلى زيارة النجف ، واعتنى بشؤونها وأصلح نهراً بقربها عرف بـ (نهر الشاه) كان يجري من الفرات بقناة خاصة تحت الأرض .. فأنهى بذلك مشكلة شحة المياه ، وانتعشت النجف أيما انتعاش في زمنه وبعده بعقدين .. ثّم توالت عليها المحن والنكبات .
(1) لسان العرب م : 9 م : نجف ص323.
(2 ) تاج العروس م 10 /648.
(3) معجم البلدان ج 4/ 196.
(4) ذكر البحاثة البدري نقلاً عن القاموس الآشوري الذي اصدرته جامعة شيكاغو : إنّ (كادو ) اسم للفرات القديم ، وقد جاء في رواية عن المفضل ، عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّه فرات الكوفة .
ونقل أنّ العلامة المجلسي تصوّر أنّها مصحّفة ، وأنّ الصحيح (قرب الكوفة) .. ونقل أنّه تحقق : أنّ (أراراط) الوارد في التوراة العبرية ، و (قردو) الوارد في التوراة الآرامية والسريانية على أنّ سفينة نوح استقرت على جبالهما إنّما هما اسمان لبابل .. ممّا ورد يقرب ـ مع معرفة التحريف في العهد القديم ـ صدق الرواية…
(5) سورة هود الآية : 43.
(6) فرحة الغري .
(7) بحر النجف كما ترى كان قائماً تاريخياً بل أدركنا منظره قبل جفافه حين أصبح ضحلاً .
وقد ذكر الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي : إنّ بحر النجف كان مجرى للسفن الشراعية ، وليس لدينا عنه أمر يوثق به عدا ما حدّثنا به الرحالة البرتغالي (تكسيرا) وان كان ذلك في وقت متأخر تاريخياً. قال تكسيرا الذي وصل النجف في 18 أيلول 23 ربيع الثاني سنة 1013هـ: إنّ مدينة النجف كانت تطل من موقعها العالي على بحر النجف … وقال: إنّه ليس لهذه البحيرة شكل معين لكنها تمتد بطولها حتىّ يبلغ محيطها خمسة وثلاثين إلى أربعين فرسخا ، وهناك قريبا من منتصفها ممر ضحل تستطيع الحيوانات اجتيازه خصوصا في المواسم التي يقل فيها ماء البحر . وقال: إنّ هذه البحيرة كانت شديدة الملوحة، ولذلك كان يستخرج منها الملح الذي يباع في بغداد والمناطق المجاورة مع ملوحتها كان يكثر فيها السمك بأنواعه المختلفة ، ولهذا كان يسميها الناس بـ (الرهيمة) . ويرى تكسيرا: إنّ بحر النجف يستمد ماءه من الفرات ، ولذلك يلاحظ ازدياد مقادير الماء في مواسم الطغيان. والبيت الأخير للموصلي يؤيد ذلك ، فالبساتين قائمة حول النهر المنحدر من أبي صخير والذي يزداد أيام فيضان الفرات .
(8) معجم البلدان ج 5 ص 271.
(9) على مسافة 2كم.
(10) اسطوانة كانت قائمة ولم تعد موجودة اليوم .
(11) يقصد به بداية الهضبة المطلة على منخفض بحر النجف ، ويبعد قبر الإمام عنها بحدود 1كم .
(12) الذكوات البيض ـ منّقطة وغير منقّطة ـ : تلال أربعة تبدو في الشمس بيضاء ، وأحيانا توصف بالحمراء ، ويبدو أنّ ذلك وصفها بداية الشروق وعند الغروب ومواضعها معروفة حوالي القبر حتىّ الآن .
(13) هذا ما ورد في أخبار الأئمة من أهل البيت ابتداءً من الإمام عليّ عليه السلام في تعين موضع القبر .
(14) لذلك يكون تشكيك البعض في موضع القبر الشريف الذي رواه الخطيب البغدادي عن بعضهم ا لم يكن مقصوداً ، أو كان نتيجة لإخفاء القبر عن الأعداء وغير المؤمنين ـ تشكيك جاهل أمام عالم على يقين والأجنبي البعيد أمام القريب الحميم فلا قيمة له .
أولاً: لأنّ أبناء الرجل وأهله كما يقول ابن أبي الحديد : اعلم بموضع قبره ثّم الخاصّة من شيعته وقد عرفت أعلاه إجماعهم على أنّ هذا هو موضع قبره عملاً ودلالة قولية وتوصيفاً . ثانياً: لأنّ قبر المغيرة بن شعبة في مقابر ثقيف في (الثوية) على ما يثبته المؤرخون وهما على مسافة أكثر من 12 كم من القبر الشريف ومثله قبر زياد بن أبيه لعنة الله عليه . وقد ذكر ابن الجوزي : إنّه دفن في ظهر الكوفة ثلاثمائة صحابي لم يعرف منها إلا قبر عليّ بن أبي طالب دلّ عليه ولده الصادق عليه السلام . ثالثاً: ذكر العلامة الباحث الورع الشيخ محمّد حرز الدين في مراقد المعارف ( ج2/323/324) عن الثقة المعاصر له داود الحجّار أنّه كان ينّقب عن الحجارة في ظهر الكوفة في منطقة (الثوية) قرب الطريق العام القديم بين النجف والكوفة على بعد مائة خطوة من قبر العالم الجليل كميل بن زياد فعثر في الأرض على موضع فيه حجارة دفينة وصخر مكتوب عليها بالخط الكوفي فقلعها واحتفظ بها واطلع عليها العالم الزاهد الملا الشيخ عليّ الخليلي النجفي المتوفّى سنة 1297 هـ ، وحكى له أمرها فقال: بعد قراءتها له احملني إلى مكانها قال فاركبته دابتي والصخرة أمامه حتّى انتهينا إلى موضعا فوضعها الشيخ في مكانها وسوّى عليها التراب بيده ، وقال : أنا آمرك أنّ لا تنبش هنا فأنهّا مقبرة لوجوه المسلمين في الكوفة ، وهذه الصخرة رسم قبر المغيرة بن شعبة كما هو نص كتابتها .
(15) لدلائل البرهانية في تصحيح الحضرة الغروية ـ للعلامة الحلّي ـ م 2 ص 837 ـ 852 ، المطبوع مع كتاب الغارات ـ للثقفي .
(16) الكنى الألقاب م1 ص 256.
(17) كانت أُولى المدارس وأعظمها.
(18) رحلة ابن بطوطة .
**********نكبات النجف وهجرة أهلها منها
يقول أحد المؤرّخين : تواردت على النجف أدوار مختلفة ، وحالات متباينة من كثرة السكان ، وقلتهم ، وحركة الهجرة إليها ، ووقوفها . ففي بعض أدوارها انحطت ووقفت حركة السير نحوها والمجاورة بها . ومن ذلك هجوم المغالي الملحد عليّ بن المتمهدي محمّد المشعشعي المقتول في بهبهان سنة861 هـ لها في حدود سنة 858 هـ ، وقتله الكثير من أهلها ، ونهبه للمشهد الشريف ، وجعله ديواناً له ومطبخاً ، ومكثه فيها ستة أشهر يعيث فساداً .. وعانت النجف في القرنين العاشر والحادي عشر من وقوع عدّة طواعين وأوبئة شديدة الوطأة ، وكابدت من آثار الحروب الطاحنة بين الصفويين والعثمانيين ، وأذتها شحة المياة في فترات طويلة، وأرهقتها غارات رؤساء بعض القبائل.. مما حمل أكثر أهلها على الهجرة عنها حتّى أن ّالرحالة البرتغالي (تكسيرا) الذي زارها سنة 1013 هـ قال: (( إنّ بيوتها ويبدو لي ـ إنّه يعني المسكونة منها ـ لا تزيد على الستمائة بيت بعد أن كانت تزيد على ستة آلاف أو سبعة آلاف بيت مبنية بإتقان)). ويظهر أنّ هجرة السكان ـ رغم ذلك ـ لم تكن بصورة نهائية ولا طويلة ، فإنّ السكان ما يلبثون حين يتلمسون انفراجاً أن يعودوا … ومما يدل على ذلك ما ذكر من محاصرة الروم للنجف سنة 1032 هـ أيام السلطان سليم العثماني ، ولا يتصور محاصرة مدينة لا تضم إلا ستمائة بيت. مما حمل بعض ملوك الهند ـ بعد ذلك ـ أن يبنوا حول النجف سنة 1039 هـ سوراً جديداً محكماً هو السور الثالث. وظلت الحوزة في أحلك هذه الظروف مستمرة ، ومرابطة برز بها أعلام ، ومن هؤلاء : السيّد حسن بن حمزة الموسوي الذي كان حياً في سنة 862 هـ . والشيخ إبراهيم الكفعمي المتوفّى سنة 900 هـ . والشيخ عليّ الكركي المحقق الثاني المتوفّى سنة 940 هـ ،صاحب جامع المقاصد . والشيخ أحمد الأردبيلي المتوفّى سنة 993 هـ ، صاحب زبدة البيان . والأمير السيّد عليّ بن حجّة الشولستاني المتوفّى سنة 1060 هـ ، صاحب توضيح المقال. والشيخ أحمد الجزائري المتوفّى سنة 1150 هـ ، صاحب قلائد الدرر . ولذلك فإنّ انتقال الحركة العلمية عن النجف لا يعني عدمها منها ، وإنّما يعني ضعفها وقيام المرجعية في غيرها كـ : قم ومشهد وإصفهان والحلة وكربلاء. عودة المرجعية إلى النجف الأشرف
في مطلع القرن الثالث عشر عادت المرجعية الدينية إلى النجف بعد أن قامت في الحلة زمناً طويلاً، ثّم في كربلاء أثناء وجود الشيخ الوحيد البهبهاني المتوفّى سنة 1205 هـ ، ورغم أنّها استمرت بعده ممثلة بتلميذه ( صاحب الرياض ) المتوفّى سنة 1216هـ ؛ فإنّ النجف كانت تنافسها بتلميذيه البارزين المرجعين السيّد مهدي بحر العلوم المتوفّى سنة 1212 هـ ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفّى سنة 1228 هـ . وفي عهدهما نشطت الحركة العلمية والأدبية في النجف بصورة لم ير لها مثيل ، وقد عهد الشعراء في ذلك العهد في النجف فكانوا مائتي شاعر ، وازدهرت الحياة في المدينة بصورة عامة ، وعادة تعج بالوافدين والزائرين .. لكنها تعرضت في الأعوام 1216 هـ و 1221 هـ و1226 هـ إلى هجمات وحشية شرسة من الوهابيين فقد هدموا القبر الشريف وانتهبوا محتوياته ، وسفكوا دماء السكان، واستباحوا الحرمات ، وعاثوا في المدينة فساداً .. لكن الله تعالى دفع عاديتهم ، وحقق للمدينة المقدّسة وأهل العلم و سكانها الآخرين بسببين :
الأوّل: تسليح أهلها لا سيّما طلاب العلم بأمر ، وإشراف الشيخ كاشف الغطاء (قدس الله نفسه) الذي جلب لهم السلاح الكافي الرائج يومئذٍ ، وأمر بتدريبهم عليه فكانوا يخرجون إلى الصحراء ما بين النجف والسهلة كلّ يوم للتدريب ، وكان حمل السلاح والتدريب عليه فرضا دينياً للدفاع ، حتىّ ألّف السيّد الجليل جواد العاملي المتوفّى سنة هـ ـ صاحب (مفتاح الكرامة) ـ رسالة في وجوب الذب عن النجف وهو أحد تلامذة كاشف الغطاء المبرزين وأُستاذ صاحب الجواهر .. كما أنّ الشيخ كاشف الغطاء شجع طلاب العلم على الرياضة وألعاب القوى المعروفه في ذلك العصر ، وأعد جانباً من داره لهذا الغرض.. لكن حمل السلاح قد أُسيء استعماله بعدئذٍ ، وارتدت أثاره السلبية على المدينة بوقوع الفتنة القبلية المعروفة بفتنة الشمرت والزكرت التي امتدت زمناً طويلاً .
الثاني: من أسباب الأمان في النجف بناء سورها الأخير والخندق العميق حوله الذي انفق عليه مبالغ خيالية في ذلك العصر الصدر الأعظم نظام الدولة جدّ أُسرة آل نظام النجفية، وكان يومئذٍ وزيراً لفتح عليّ شاه ، وقد تم بناؤه سنة 1226 هـ أي قبل وفاة الشيخ كاشف الغطاء بسنتين ، وبه صارت النجف قلعة حصينة لا تستطيع أية قوة في ذلك العصر أن تقتحمها ، وظل هذا السـور قائماً خلـف موقـع الرابطة الأدبية حتّى عام 1980 م. وفي سنة 1325 هـ / 1908 م أنشأت شركة أهلية سكة حديد لعربات تجرها الخيول (تراموي) تربط النجف بالكوفة ، وظلت قائمة حتىّ 1365 هـ / 1948 م ، فرفعت بعد أن كثرت السيارات اللازمة للنقل. وفي 1348 هـ/ 1929 م مدت أنابيب الماء من الكوفة إلى النجف وربطت بمضخات تدفع المياه إليها بعد أن كانت المدينة تعتمد على القنوات ـ التي سرعان ما تتعطل ـ وعلى الآبار. محلات النجف داخل الأسوار
كانت النجف حتىّ العام 1350هـ/1931 م تعيش داخل السور ، وكانت تتألف من أربع محلات أو أحياء هي :
1- حي العلا ، وتسمى اليوم محلة المشراق .
2- محلة العمارة ، وهي أكبر محلة في النجف .
3- محلة الحويش .
4- محلة البراق .
وفي سنة 1350 هـ فتحت الإدارة المحلية (القائمقامية) خمسة أبواب في سور المدينة ، وخططت لأحياء جديدة خلف السور ، فقامت محلة الجديدة الأُولى حتّى شارع المدينة ، ثم الجديدة الثانية . وفي 1959م خطط لأحياء جديدة كـ : حي السعد ، وحي الحنانة ، وتتابع التوسع حتّى بلغ ذروته في الأعوام ما بين 980 - 988 ، ومن هذه الأحياء : حي الجديدة الأُولى ، وحي الجديدة الثانية، وحي المخضر ، وحي المثنى ، وحي جمال عبد الناصر، وحي الأمير ، وحي الزهراء ، وحي القادسية ، وحي المرحلين ، وحي الجامعة، وحي النفط ، وحي الضباط ، وحي الأطباء ، وحي الهندية ، وحي العسكري ، وحي النصر ، وحي الصحّة ، وحي الكرامة ، وحي الغدير ، وحي العدل ، وحي الأنصار، وحي الحوراء زينب ، وحي الشرطة ، وحي حنون ، وحي الأفغاني ، وحي الصناعي، وحي الجزيرة ، وحي الشوافع ، وأحياء أُخرى ناشئة .
1 - شوارعها .
2 - مراقدها .
3 - مساجدها .