كثير المرات اللي أشوف فيها نفسي فجأة أصحى من النوم .... و أطالع من حولي و أكتشف أني بالمستشفى ....
و هذه مرة من المرات ....
كانت أصوات طنين الأجهزة حوالي تأكد لي أني في العناية المركزة ....
سقف الغرفة حفظته ... لأنه أقرب شيء كانت عيوني تتأمله طول الوقت ....
أحس بألم في ذراعي الأيسر ... أكيد هذا مكان إبرة السائل الوريدي اللي موصل بعروقي ....
و اللي أشوف عبوته تنقط شوي شوي ....
أقطاب جهاز مراقبة النبض مضايقتني ... ودي أشيلها ...
الشرشف الأبيض كان خفيف ... عشان كذا أحس بالبرد في أطرافي ... و أحس قدمي متجمدة ....
أبي بطانية أثقل شوي ....
- كيفك ؟ حمد الله ع السلامة
هذا كان صوت الممرضة اللي جالسة قربي ... صوتها يشبه صوت زوجة أخوي ثامر !
ولدي بدر ... ! أوه أنا في أي يوم ؟ بأي وقت ؟ كم الساعة ؟ ولدي بدر ودي أشوفه ...
-كم الساعة ؟
سألت الممرضة ، ابتسمت و قالت :
-2الظهر ! يعني قربتي تكملي يوم كامل من النوم !
جلست ... و طالعت بالستارة اللي تحجبني عن بقية المرضى ... طالعت يمين و شمال ....
وين سلمى ؟ وين شوق ؟ كانوا معي ؟ أو كنت أتخيل ... ؟؟
سألت الممرضة :
- سلمى كانت هنا ؟
- الدكتورة سلمى ؟ كل شوي تجي تتطمن عليك و تروح ! بس وصتني أكلمها لما تصحي ...
و بسرعة هزيت راسي ( كلميها )
دقايق ، و كانت سلمى عندي ... أول ما شافتني تهلل وجهها و انشرح ... و ابتسمت ابتسامتها الحلوة
الساحرة و اللي تنسيني الدنيا و همومها ....
جت عندي و طوقتني بذراعينها بقوة .... و هي تردد :
- حمد الله على السلامة يا قمر ... ألف ألف ألف الحمد لله على السلامة ....
و بدت تبكي ... مسكت وجهها و مسحت على راسها و قلت أطمنها :
- أنا بخير .... !
ضحكت ، و شدت علي و هي تردد :
- نعم بخير ... الحمد لله .... الحمد لله ....
- وين شوق ؟
سألتها ... أذكر أنني ... إذا ما كنت أحلم ... شفتها مع سلمى ... ثنتينهم على جنبيني ... أيش كان الوقت ؟
ما أذكر ... أكيد الليل ... أكيد الطبيب عطاني جرعة كبيرة من مضاد التشنج خلتني نايمة طول الوقت ....
أذكر بعد ... أنهم ... سلمى و شوق ... تهاوشوا قدامي .... و تصالحوا بعد قدّامي ...
و أذكر بعد ... بعد إيش ... ؟ كأن شوق قالت .... أنه ... سلطان عقد زواجنا ؟
لا ... ! هذا أكيد جزء من حلم .... !
- شوق ؟ بالبيت ، بس توها كلمتني و قالت أنها جاية العصر مع سلطان يزوروك !
يزوروني ؟ سلطان و شوق ... ؟ سلطان جاي يزورني ... ؟ أنا ... أكيد بعدني أحلم ... بس ...
بعدني أحس بالألم مكان إبرة المغدي .... معقولة يكون حلم محسوس ...؟
التساؤل و الحيرة كانوا ظاهريين على وجهي ... و سلمى ... و بما أنها تعرفني زين فهمتني على طول ....
ابتسمت مرة ثانية الابتسامة الحلوة ... و قالت :
- يزوروك و يجيبوا معهم حلوى السلامة و حلوى الزواج !
الدنيا لفت بي ... راسي صار يدور ... و عيني تدور .... و السقف اللي فوقي بعد يدور ....
طنين الأجهزة وصل حده ... و تجاوز إشارة الخطر .... الممرضة صارت تراقب بقلق مؤشرات الأجهزة ...
و الابتسامة اللي على وجه سلمى تلاشت و علا مكانها قلق صارخ ...
- قمر .... اهدئي ...
ما قدرت أتكلم .... جت كلماتي متقاطعة مو مصدقة ... ما هو حلم ؟ صحيح ؟ سلطان ... سلطان ...
تزوجني ؟ .... سلطان ... صار ... زوجي ؟؟؟ سلطان ... جاي يشوفني .... ؟؟؟
....................
سلطان .... و حتى شوق .... اثنينهم أصروا أن عقد الزواج يتم بسرعة ... عشان يقدر سلطان يزور الدكتورة و يتطمن عليها ... لين الله يشافيها و تطلع من المستشفى ... و نعلن الزواج رسميا في حفلة صغيرة ...
طبعا القرار جنوني ... بس أنتوا شفتوا كل أنواع الجنون اللي مرت على ها الرجال من أول ما ماتت بنته الله يرحمها ...
أو حتى من أول ما بدا القمر يبلغه السلام !
سلطان الحين كاشخ بلبسه ... و ماسك السبحة الفضية بيده .... و واقف يراقب الساعة على أحر من الجمر ....
شوق اتصلت أكثر من مرة بالمستشفى تتطمن على الدكتورة ... و كلها كم دقيقة و يروح الرجال يشوف
( زوجته ) الجديدة أخيرا !
ضحكت ...
ضحكت بقوة ... و صار سلطان و شوق يناظروني باستغراب !
- وش فيك ياسر ! لا تكون جنيت ؟
قالت شوق ، و في الواقع اللي جن ... هو سلطان و شوق معه ... بس مالي دخل ...
خله يتزوجها يمكن يرتاح و يريحنا أخيرا ؟
- أبدا شوق ! بس أتخيل نفسي مكان سلطان ... لا بس و كاشخ ... معرس ... رايح أشوف عروسي الجديدة !
و الله وناسة !
شوق عصّبت و طالعتني بنظرة توعيد ! و ضحكت زيادة ....
بصراحة ... هذا أغرب زواج شفته بحياتي ....
و أنا أشوف سلطان قدامي الحين .... و هو يراقب الساعة و كل شوي يعدل الغترة و العقال ....
حسيت بندم ...
ندم لأني سخرت منه كثير .... و اعتبرت كل اللي كان يسويه و يحس فيه مجرد جنون ....
من قبل 15 سنة ... و أنا أحضر زواجه الأول ... كنت أشوف عليه نظرة شرود....
كان سرحان ... كأنه مو مهتم بالوضع اللي هو فيه ....
أذكره بعد .... بعد الحادث المشؤوم ... بعد ما عرف أن بسام غرق .... و كيف أنه صار يقول :
- ( أنا المسؤول عن قمر و لازم أتزوجها .... )
و يوم ظهرت بحياته من جديد و صار متعلق بها أكثر ... و يقول :
- ( أنفاسها بعدها بصدري أحس فيها من ذاك اليوم ... )
شفتوا لعبة القدر !
نهاية المطاف ... سلطان و قمر تزوجوا !
الله يهنيهم و يتمم لهم على خير ... !
أمس ... لما كنا بالمستشفى ... كان وده يدخل يشوفها ... و طلع مع أهلها و ما رد إلا و عقد الزواج تام ...
اللي أنا خايف منه .... و شوق بعد خايفة و مرعوبة منه ... أن قمر يصيبها شي أو حالتها تسوء أو تموت لا قدر الله .... و الرجال ينتهي ....
-ها أخوي ... ؟ مشينا ؟
قالت شوق و هي تطالع الساعة ....
-توكلنا على الله ....
و هم جايين يطلعوا عند البوابة .... رن هاتف شوق – و اللي كانت الممرضة أخذته منها أمس و هي بغرفة العناية المركزة لما اتصلت علي ، و قفلته و ظل مقفل لقبل ساعة – رن ... و بس شافت شوق رقم المتصل انتفضت ...
- هلا ... منال ...
بس قالت العبارة ... كلنا انتفضنا ....
أم نواف ما كان لها أي ذنب في القصة بكبرها ...
بس هذه هي الدنيا ....
سعادة ناس تنبني على تعاسة ناس ...
يوم لك و يوم عليك ....
و اعتقد أنه من حق هالرجال أنه يتهنى أحيرا بالمرة اللي كان عاشقنها من قبل ما يتزوج اول مرة ...
و الله يعين ....
............................
تقطع قلبي مع منال و هي تكلمني منهارة ...
إيش بإيدي ؟
منال ... إذا تحبي سلطان خليه يتزوجها يمكن ... الله يرزقه السعادة اللي انحرم منها من يوم مرض بنته الله يرحمها ....
انهيت المكالمة معها بكلمتين ....
- ( المقدر لازم يصير ) ....
و رحنا أنا و أخوي للمستشفى ...
أمس ... قمر بغت تموت قدام عيوني .... كانت هذه أول مرة أشوف نوبة التشنج تجيها .... الله يعلم ....
كيف انقضت علي الساعات لهذه اللحظة ....
أخوي وقف بمحل الورود و اشترى باقة حلوة ... و اشترى بعد علبة حلوى كبيرة ...
و رغم أنه كان يحاول الظهور بمظهر المتماسك .... كنت أشوفه مقطع و منهار و متبعثر في كل مكان ....
كنت متأكدة ... أنه خايف أكثر مني بعشر مرات ... أن قمر ... لا قدر الله ... تموت ....