لا يُماري أحد في أنّ الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السّلام من أجلى مصاديق آية التطهير التي صرّحت بوضوح أنّ الله تعالى قد أذهب الرجس والدنس عن النبيّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنّه قد طهّرهم تطهيراً شاملاً ومطلقاً.
والزهراء عليها السّلام في الآية هي المصداق الوحيد لنساء النبيّ صلّى الله عليه وآله، نصّ عليها تعالى في آية المباهلة حين أمر نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يدعو للمباهلة أبناءه ( فدعا الحسن والحسين عليهما السّلام )، وأن يدعو نساءه ( فدعا فاطمة عليها السّلام لم يُشرك معها سواها )، وأن يدعو نفسه ( فدعا عليّاً عليه السّلام ).
كما لا يُماري أحد في أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لابنته فاطمة عليها السّلام: إنّ الله يغضَبُ لغضبكِ، ويَرضى لرضاكِ، وأنّه قال لها ( ولزوجها وابنَيها ):
أنا حربٌ لمن حارَبَكُم، وسِلم لمن سالمَكُم.
ولا ريب أنّ المسلم حين يرى كلّ هذه المناقب يُدرك أنّها تتلازم مع حقيقة مهمّة، وهي أنّ الزهراء عليها السّلام هي القدوة والمثل الأعلى الذي نصبه ربّ العزّة ليقتدي به المؤمنون عامّة والمؤمنات خاصّة، وأنّ هذه الشخصيّة الفريدة التي مَنّ بها الباري على رسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله، وسمّاها ( الكوثر ) في قرآنه الكريم قد ارتقت في العظمة والعصمة شأواً صار معه رضاها رضىً لله تعالى، وغضبها غضباً لله تعالى، ولا عجب حينئذٍ أن يكون قد حارب النبيَّ صلّى الله عليه وآله مَن حارَبَ الزهراء عليها السّلام، وسالَمَه من سالمها عليها السّلام.
والصدّيقة الزهراء عليها السّلام إذاً هي المعيار والميزان الذي يُوزَن به إيمان الناس ودرجة استقامتهم على طريق الهُدى والخير والإخلاص والخلوص، ويُعرَف به رضى الله ورسوله، وغضب الله ورسوله، فكَونها بضعة للنبيّ صلّى الله عليه وآله الذي جعله يُرضيه ما يرضيها ويُغضبه ما يُغضبها، لا يعني فقط كونها جزءاً من كيانه الجسدي والمادّي من حيث بنوّتها له، لأنّه صلّى الله عليه وآله لا ينطلق في أقواله وأفعاله من موقف العصبيّة للقرابة أو للعِرق، ولأنّ الزهراء عليها السّلام لو لم تكن على درجة عظيمة من الإيمان لما نالت ما نالت، وذاك ابن نوح نفاه الله تعالى عن أبيه لمّا فارقه في العمل، فقال إنّه ليس مِن أهلِك (1).
وقد ارتأينا أن نورد باقة عطرة من الروايات الواردة في سيرتها عليها السّلام، مما يصلح أن تُستلخص منه العِبَر، وأن يستنير بسنا هَدْيه المؤمنون، ونسأله عزّ من مسؤول أن يوفّقنا جميعاً للسير على هدى النبيّ وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
00
1 ـ هود:46.
التعديل الأخير تم بواسطة البحرانية ; 28-03-2009 الساعة 10:37 AM.