بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشتهر العصر الفاطمي بكثرة المواسم والاحتفالات والإنفاق ببذخ عليها .
وقد تفاعل المصريون مع هذه الإحتفالات والمناسبات وأحبوها لما كانت تمثله بالنسبة لهم من أهمية معنوية وترفيهية بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية حيث كانت توزع فيها العطايا من أموال وكسوة وطعام . .
وأهم هذه المناسبات التي كان يحتفل بها الفاطميون . مناسبة رأس السنة الهجرية ومناسبة عاشوراء . ومولد النبي ( ص ) . وعيد الفطر . وعيد النحر ( الأضحى ) . وليلة النصف من
شعبان . ومولد الإمام علي . ومولد الحسن . ومولد الحسين . ومولد فاطمة . وأول رمضان . وعيد الغدير . وموسم فتح الخليج . وكسوة الشتاء . وكسوة الصيف. ويوم النيروز. وليلة أول
رجب ونصفه . وذلك غير المناسبات الأخرى الخاصة بخلفاء الفاطميين . . وقد توقفت معظم هذه الإحتفالات بعد سقوط الفاطميين ولم يبق إلا القليل منها مما تبنته الدول التي قامت
بعدهم . وتبنته الطرق الصوفية . توقف الاحتفال بمولد أئمة آل البيت عدا مولد الحسين . كما توقف الاحتفال بعيد الغدير وكسوة الشتاء والصيف وعاشوراء وشهر رجب . وبقي الاحتفال
بليلة النصف من شعبان ورمضان اختصت به الطرق الصوفية . أما الاحتفال برأس السنة الهجرية ومولد النبي وعيد الفطر والأضحى فقد تبنته الدول الأيوبية والمملوكية والعثمانية
واستثمرته إعلاميا ودعائيا لصالحها غير أنها قامت بتغيير تواريخ الاحتفال بهذه
المناسبات والتي كانت من وضع الفاطميين . . ولا تزال هذه النظم الفاطمية سائدة في مصر حتى اليوم بالنسبة للاحتفالات الخاصة بالمناسبات التي لا زالت باقية . مثل الموالد وليلة
النصف من شعبان ورأس السنة الهجرية وعاشوراء التي غير جوهر الاحتفال بها من الحزن إلى الفرح نكاية بالفاطميين الشيعة الذين كانوا يتخذون من يوم عاشوراء يوم حزن بسبب
المذبحة التي وقعت لأبناء الرسول بكربلاء في يوم العاشر من محرم . . وكان الاحتفال بعاشوراء زمن الفاطميين تتعطل فيه الأسواق ويعمل فيه السماط العظيم المسمى بسماط الحزن . وكان يصل إلى الناس منه شئ كثير . .
يروي المسبحي : وفي يوم عاشوراء ( بداية من عام 396 ه ) جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ( الأزهر ) ونزولهم
مجتمعين بالنوح والنشيد . . وكان إذا جاء يوم العاشر من محرم يحتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيهم . ثم صاروا إلى المشهد
الحسيني وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر . فإذا جلسوا فيه ومن معهم من القراء والمتصدرين في الجوامع . جاء الوزير فجلس صدرا والقاضي والداعي من جانبيه .
والقراء يقرأون نوبة نوبة . وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعرا يرثون به أهل البيت ( ع ) فإن كان الوزير رافضيا - هكذا يقول المقريزي - تغالوا وإن كان سنيا اقتصدوا .
ثم يستدعون بعد ذلك إلى القصر حيث يجلسون ويقرأ القراء وينشد المنشدون أيضا . ويفرش سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان والأعسال
والفطير والخبز المغير لونه - إلى السواد - بالقصد - أي عمدا - ويأكل الجميع من الناس على اختلاف طبقاتهم . فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركبانا بذلك الزي الذي ظهروا فيه .
وطاف النواح بالقاهرة ذلك اليوم . وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر . فيفتح الناس بعد ذلك ويتصرفون . .
ولما زال حكم الفاطميين اتخذ ملوك بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور يوسعون
فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام جريا على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام
عبد الملك بن مروان ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن على الحسين . .
أما يوم الغدير فيوافق الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم وقف الرسول (ص) بغدير خم في حجة الوداع وخطب في الصحابة وأوصى بالإمامة لعلي . . وفي هذه المناسبة كانت تزوج الأيامى وتوزع فيه الكسوة وتفرق الهبات . وفيه تنحر الماشية وتعتق الرقاب . .
وفي عيد الفطر يركب الخليفة لصلاة العيد وتفرق الكسوة ويعمل السماط وكذلك في عيد الأضحى الذي تفرق فيه الأضاحي بالإضافة إلى الكسوة والأموال على أرباب السيف والقلم . .
وكان الفاطميون بالإضافة إلى ذلك يحتفلون بعيد النيروز ويوزعون فيه أصناف الحلوى..
وفي الاحتفال برأس السنة الهجرية كان الخلفاء يقيمون الولائم ويوزعون الحلوى ويحضر الاحتفال رجال الدولة وأصحاب الرتب وجميع أرباب السيوف والأقلام . .
وفي فصل الشتاء كانت توزع كسوة الشتاء . وفي فصل الصيف كانت توزع كسوة الصيف على أهل الدولة وعلى أولادهم ونسائهم . .
إن هذه الإحتفالات إنما كانت تعكس الحالة الاقتصادية السائدة في العصر الفاطمي . وهي حالة على ما يبدو من هذه الإحتفالات تدل على رغد العيش واتساع الأرزاق . .