إن الكلام في الشرك يقع تارةً في المفهوم وأخرى في المصداق ، أما الأول فإن مفهوم الشرك يقابل مفهوم التوحيد ، وكما أن للتوحيد أبعاداً عديدة ، فكذا يكون للشرك أبعاد عديدة،
فالتوحيد في الخالقية يقابله الشرك فيها، والتوحيد في العبادة يقابله الشرك فيها، والتوحيد في الرازقية يقابله الشرك فيها ..
وأيضاً ، مفهوم الشرك يقابل مفهوم الكفر ، ويفارق بالعموم والخصوص، وذلك أن كل "مشرك" فهو "كافر" دون العكس، فمن أنكر أصلاً من أصول الدين أو ضرورياً من ضرورياته انطبق عليه عنوان الكفر، لكنه ليس بمشرك، فيتلخص تحديد الشرك بالله في أن يجعل له شريكاً في الخلق والرزق والعبادة، وقد أقيمت البراهين والأدلة من العقل والنقل على بطلان الشرك بالله وأنه كفر، وتترتب على ذلك الأحكام والآثار المقررة في الشريعة الإسلامية، وهذا موجز بالجواب عن الشق الأول في السؤال : "ما هو تعريف الشرك بالله"
الادلة ..
إن من الناس من يتوهم بأن العقيدة أن الله هو الخالق الرازق الغني تلازم عدم جواز سؤال غيره مطلقاً، وأن من فعل ذلك فهو مشرك، وهذا خطأ فظيع وغفلة عن صريح القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى : {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله} (التوبة74)
فما معنى نسبة "الإغناء" إلى الرسول، وخاصة بالعطف على الله ؟
ولا يخفى أنه يمكن التمسك بظاهر إطلاق الآية لتعمّ حالتي حياة الرسول صلى الله عليه وآله ومماته .
وأيضاً : يقول الله عز وجل : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً } (النساء64) ، فما معنى المجيء إلى الرسول وطلب الإستغفار منه، وخاصة بعد استغفار الله تعالى ؟
إن الذي عليه المسلمون منذ صدر الإسلام بجميع فرقهم ونحلهم هو الرجوع إلى عباد الله الصالحين _بما فيهم الأنبياء والأوصياء والشهداء والأولياء وغيرهم_ في حوائجهم المادية والمعنوية سواء، ليكونوا _بسبب قربهم ووجاهتهم عند الله_ "وسيلة" إليه عملاً بأمره في القرآن الكريم، وهذه عقيدتهم وسيرتهم إلى اليوم، وأي منافاة بين هذا وبين توحيد الله، بل هو عين التوحيد، لأن المعبود بالحق والخالق والرازق والمعطي الغفار هو الله وحده.
وعلى الجملة، فإنه لا توجد عند المسلمين أعمال "تؤدي إلى الشرك بالله" لأن الشرك هو القول بخالقية غير الله ورازقيته ومعبوديته، ولا أحد من المسلمين قائل بهذا أبداً .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته