ضرب الإمام زين العابدين أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم في التزاماته الخاصة ، وفي سيرته مع الناس ، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات. فكانت تتبلور فيه شخصيّة القائد الإسلامي المحنّك الذي جمع بين القابليّة العلميّة الراقية ، والفضل والشرف السامق ، والقدرة على جذب القلوب وامتلاكها ، ومواجهة المشاكل والوقوف لصدّها بكلّ صبر وتوءدّة وهدوء. فالصبر الذي تحلّى به ، بتحمّله ما جرى عليه في كربلاء ، وفي الأسر ، ممّا لا يحتاج الى برهان وذكر. ومثابرته ومداومته على العمل الإسلامي ، بارزة للعيان ، وهذا الفصل يمثّل جزءا من نشاطه السياسيّ والاجتماعيّ الجادّ. وحديث مواساته للإخوان ، والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، بالبذل والعطاء والإنفاق ، مما اشتهر عند الخاص والعام ، وسيأتي الكلام حول ذلك كله. وحنوّه وحنانه على الرقيق ، وعلى الأقارب والأباعد ، بل على أعدائه وخصومه ، مما سارت به الركبان. وأخبار عبادته وخوفه من الله وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة ، ملأت الصحف ، حتى خصّ بلقب « زين العابدين ، وسيّد الساجدين ». ومن أمثلة خلقه الرائع : العفو : وقد تناقل المؤلّفون حديث هشام بن إسماعيل الذي كان أميرا على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، للامويّين ، فعزلوه ، وقد كان منه أو بعض أهله شيء يكره ، تجاه الإمام زين العابدين عليه السلام ، أيام كان أميرا ، فلمّا عزل اُوقف للناس ، فكان لا يخاف إلاّ من الإمام أن يؤاخذه على ما كان منه. فمرّ به الإمام ، وأرسل إليه : « استعن بنا على ما شئت ».