قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
يَـ ' ´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الاْمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَـ'زَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلی اللَهِ و الرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ ذَ ' لِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً
خاطب الله تعإلی المؤمنين في هذه الآية المباركة، و أوجب عليهم إطاعة الله و رسوله و اُولي الامر علی نحو مطلق. و لمّا كان اُولوالامر هم أصحاب الامر و الحائزين علی هذا المنصب، فقد فرض طاعتهم بدون أيّ قيد و شرط؛ و جعلها في مستوي طاعة رسوله الكريم
تعني إطاعة الله هي نفسها إطاعة رسوله الكريم؟ و هل أمرَنا الله و نهانا و أوجَب علينا الإستماع إلی أوامره و نواهيه بواسطة اُخري غير رسوله؟ فمن المسلّم أنّ طاعة الله هي نفسها طاعة رسول الله، و أنّ رسول الله صلّي الله عليه و ءَاله هو الطريق إلی تعريف أحكام الله و قوانينه. فلماذا ـ إذن ـ فُرضت طاعتان: إحداهما لِلّه، و الاُخري لرسوله العظيم؟
إنّ القصد من إطاعة الله هو اتّباع الاحكام التي نزلت علی قلب رسول الله صلّي الله عليه و ءَاله بوصفها و حيًا، و التي يشمل حكمها وخطابها عامّة المؤمنين. و القرءان الكريم كلامُ حضرة الاحدية و وحيهُ إلی الناس كافّة
فإطاعة الله ـ إذن ـ تعني إطاعة كلامه الذي يمثّله القرءان الكريم
و أمّا إطاعة رسول الله فهي تنقسم إلی قسمين:
الاوّل: إطاعته فيما أوحي الله إلیه من تشريع الاحكام و تفصيلها، ممّا لا نجده فيالقرءان. إذ من الواضح أنّ الاحكام التي بيّنها كتاب الله هي اُصول الاحكام و المواضيع الشرعية. فنري أنّ كلام الله لا يخرج عن نطاق ا لإجمال فيما يخصّ الصَلَوة، والصوم، والحج، والجهاد، والزكوة، والنكاح، والمعاملات، و سائر العبادات و الاحكام. و أمّا كيفية الصَلَوة، والصوم، والحج، وسائر الموضوعات، فينبغي أن نتعلمها من رسول الله، كما صرّح هو قائلاً: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُموُنِي اُصَلّي
فما علينا إلاّ الرجوع إلی رسول الله لاخذ التفاصيل و تعلّمها
الثّاني: إطاعته في الآراء الشخصية، و الاوامر النفسيّة العائدة إلی مجتمع المسلمين؛ تلك الاوامر التي هي من مهمّة الوإلی و الحاكم لإقرار النظم الاجتماعي للاُمّة؛ و هي لا تدخل في دائرة تشريع الاحكام. مثل الحكومة، و بيان الواجبات الشخصيّة للمسلمين، نصب الولاة و الحكّام علی الولايات، و تسيير الجيوش للجهاد، و تعيين القضاة و أئمّة الجماعة للنظر في الشئون الاجتماعيّة، و رفع المرافعات، و الشئون الدينيّة للمؤمنين. قال الله تعإلی: «إِنَّآ أَنزَلْنَا إلیكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَريـ'ک اللَهُ»
أمّا اُولو الامر فليس لهم منصب التشريع قطعًا و لا يفصّلون الاحكام ا لإجمإلیة في القرءان؛ و لا يشرّعون شيئاً منها كرسول الله. فهم يبيّنون الاحكام، و يبلّغون الآيات بين المسلمين، وفقاً لتشريع رسول الله؛ و لهم النظر في شئون المسلمين المختلفة. و علی الناس أن يتّبعوهم في القضاء، و المرافعات، و سائر الشئون ا لإجتماعية التي تحتاج إلی رأي الرئيس لتنظيم الامور، و الوقوف بوجه المشاكل، و الاخطار الداهمة، وتحقيق المصالح العامّة. لذلك فإنّ طاعتهم جاءت متقارنه مع طاعة رسول الله في خطّ واحد من خلال كلمة واحدة هي: «أَطِيعُوا» حيث قال عزّ شأنه: «... و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الاْمْرِ مِنكُمْ». و في ضَوء ذلك، فإنّ طاعتهم فقط في هذا الحقل، علی عكس طاعة رسول الله حيث إنّها تشمل هذا الحقل، و حقل تشريع الاحكام الجزئية، و بيان تفاصيل المسائل. و دليلنا علی هذا الكلام هو مايذكره القرءان بعد تلك الآية مباشرة، إذ يقول: فَإِن تَنَـ'زَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلی اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیومِ الاخِرِ.
فينبغي عليهم الرجوع إلی كتاب الله و سنّة رسوله في المنازعات والمشاجرات التي تقع بينهم، و ينهوا مشاجراتهم استلهامًا من ذينك المصدرين. و لو كان لاولي الامر منصب التشريع، لوجب إرجاع المؤمنين إلیهم عند المرافعة بوصفهم مشرّعين، في حين لا نجد من ذلك شيئاً.
و نقول في توضيح هذا المعني: إنّ المخاطَبين في هذه الآية هم المؤمنون، كما جاء في صدرِها قولُه: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا. فالمقطوع به أنّ نزاعهم مع غير اُولِي الامر؛ لانّه لامعني لنزاعهم معهم بعد فرض وجوب طاعتهم، و لا معني ل لإرجاع إلی الله و رسوله من أجل رفع النزاع. و هذا النزاع أيضًا ليس في الاُمور التي تتعلّق بالآراء و الاوامر الشخصيّة، بل هو يتعلّق بحكم الله في القضيّة المتنازع حولها، بدليل الآيات التي تليها حيث تذمّ الاشخاص الذين يتّخذون الطاغوت مرجعًا لهم، و يرضون بحكمه، تاركين حكم الله و رسوله وراء ظهورهم. فالمراد هو نزاع المسلمين بعضهم مع البعض الآخر في الشئون الشخصيّة، و ما عليهم في هذه المسائل إلاّ الرجوع إلی كتاب الله و سنّة رسوله لحسم النزاع و تسوية الخلاف؛ علمًا بأنّ الكتاب و السنّة حجّتان قاطعتان لتسوية الخلاف و حسم النزاع عند من له علم بهما؛ و كذلك قول اُولي الامر فإنّه دليل و حجّة في فهم الكتاب والسنّة. و لمّا أوجبت الآية الشريفة طاعة اُولي الامر بلا قيد و شرط، وفسّر هؤلآء الكتاب و السنّة دون أن يحملوا عنوان التشريع، فينبغي اتّباعهم وطاعتهم. و في ضَوء ذلك نكتشف «إنّاً» حيث إنّ قولهم مطابق للواقع وخالٍ من الزلل و الخطاء
لزوم العصمة عند اُولي الامر
انطباق أُولي الامر علی الائمّة
و محصّل الكلام أنّ اُولي الامر رجال من الاُمّة يجب اطاعتهم بشكل مطلق و بلاقيد و شرط؛ و ذلك في جميع الحقول إلاّ حقل التشريع؛ و أنّ إطاعتهم في حكم إطاعة رسول الله. و كما أنّ أمر الرسول و نهيه لا يخالفان أمرالله و نهيه، و إلاّ يستدعي التناقض بين أمر الله و أمر الرسول ونهي الله ونهي الرسول، و هذا معني لا يتمّ إلاّ بالتزام عصمة الرسول، فكذلك أمر اُولي الامر و نهيهم لا يخالفان أمرالله و رسول و نهي الله ورسوله. و إلاّ يفضي إلی التناقض، و الامر بالضدّين أو النهي عن المتناقضين؛ و هذا معني لايتمّ أيضاً إلاّ بالتزام عصمة اُولي الامر، وبالنتيجة، فإنّ ما يُلزِم إطاعتهم المطلقة بلا قيد و شرط هو عصمتهم. و من جهة، لمّا كنّا نعلم بأنّ أيّـًا من المذاهب ا لإسلامية لم يدّع العصمة لائمته إلاّ المذهب الامامي، إذ يري الشيعة عصمة أئمّتهم الاثني عشر، لذلك فانّ مفهوم الآية سوف ينطبق طبعاً علی الائمّة المعصومين سلام الله و صلواته عليهم أجمعين