بقلم : رائد العشيرة المحمديةالإمام الراحل الشيخ محمد زكي إبراهيم - من علماء الأزهـر-
نشره في مجلة ( المسلم ) في العدد الثالث في شهر شوال 1401 هـ ! أي قبل 25 عاما .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلفية العصرية هي النموذجالجديد أي ( الموديل العصري ) للإعلان عن التدين الحديث والإسهام في التطرف والتشددوالتنادي العصبي بالانفراد بخدمة الإسلام ويمكن تلخيص ( السلفية العصرية ) في بعضأصولها ومعالمها وقواعدها في ما يأتي :
أولا: أن تعتقد انك وحدك ( لا شريك لك ) على الحق وان كل من لم يكن على ما أنت علية فهومبطل خاطئ بل مرتد حلال العرض والدم والمال حتى ولو أوتي علم ( سيدنا ) محمد وتعبدموسى وزهد عيسى وخلة إبراهيم وصبر أيوب وكفاف نوح وبخاصة إذا كان حاكما أو عالماسابقا أو مجتهدا من المشاهير.
ثانيا: أن تعتقدانه لن يدخل الجنة معك أنت وطائفتك احد أبدا ، وان المسلمين من غير مذهبك كالكفاروالمشركين هم وقود النار ولو كانوا من الذين انعم الله عليهم من الصديقين والشهداءوالصالحين .
ثالثا: أن تحتقر كل من خالفك وتحقدعليه بغِلٍ ظاهر وباطن ، وان تحاول هدمه وتحطيمه قولا وعملا بما يجوز ومالا يجوزوان تجعل سبه وشتمه عبادة من عباداتك التي لا تنتهي ولا تفتر في ( الحش ) أو فيالدرس أو على المنبر !!.
رابعا: أن تعتقد أنالأكوان أزلية مع الله ، وان الله يجلس على العرش بذاته ، وانه ينزل ويصعد ويجيءويضحك ويغضب ويذهب ، وان له أعين وأيدي وأرجل ، وانه لو دُلي شخص من الأرض بحبللسقط على الله بلا تأويل .
خامسا: أن تعتقد أنرسول الله المصطفى صلى الله عليه واله وسلم بشر ككل البشر ولد كما يولد ( شمعونوبطرس ) ومات كما مات ( غاندي وغاليوم ) ، وانه لا معجزة له إلا القران ، وان مننسب إليه غير ذلك من المعجزات أو الخصائص مخرف ابله ، ولو كان البخاري ومسلم ، ثمقل إن أباه صلى الله عليه واله وسلم وأمه وجده وعمه في النار .
سادسا: إن عصمته صلى الله عليه واله وسلم كانت محدودة فيمنطقة معينة ، وإلا فهو يخطئ ويصر على الخطأ ، ويا طالما ( قرعه ربه ) على خطئه ،وأن كل ميزته أنه ( طارش ) يعني ( ساعي ) قرآن ، أداه بالأمانة ، وأن توقيرهوتعزيره والثناء عليه شرك .
سابعا : عندما تقصدإلى المدينة المنورة ، إياك أن تفكر في زيارة القبر الأشرف الأطهر ، ولكن اجعلمقصدك زيارة ( أحجار ) المسجد ، فذلك هو المطلوب الشرعي ، لكيلا تقع في وثنية حبرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، أو مناجاة روحه الشريف .
ثامنا : ولا بد أن تتذكر أن ( جهلة ) الصحابة ، و ( حمقى ) التابعين قد أدخلوا القبر النبوي ضمن المسجد ( فاستوجبوا اللعن ) حتى أصبحت الصلاةفي المسجد النبوي مشبوهة ، لا يطمئن سلفي إلى صحتها ، وأن ملايين الملايين منالزائرين للقبر النبوي مردودة عليهم عباداتهم ودعواتهم لارتباط القبر الطاهربالمسجد .
تاسعا : إذا ذكرت مولانا الإمام بنالإمام أخي الإمام أبي الأئمة سيد شباب أهل الجنة ، أبي عبدالله الحسين بن عليوفاطمة ، فقل : إنه قتل عدلا ، وليس شهيدا ، لأنه خرج على الوالي الشرعي ( يزيد بنمعاوية ) فاستحق القتل هو ومن معه ، أما أن ( يزيد ) كان واليا فاسقا فاجرا داعرا ،فليس هذا من شأن الحسين ، ولا من شأن أهل بيته ، وأكثر من سب الحسين وآله تدخلالجنة .
عاشرا : إذا ذكرت زيارة المشهد الحسينيالشريف ، فقل : إن الرأس المدفون بهذا المشهد هو رأس رجل يهودي على ما قاله ( ابنتيمية ) ، وأن الرأس الحسيني ذهب حيث ذهب ، فلم يدخل مصر ، وأن الضريح القائم بمصرالآن ( وثن ورجس ) يتعين هدمه وتسوية قبته بأرضه ، كما فعل السلف باللات والعزى .
حادي عشر : وقل مثل هذا عن جميع أهل البيتالأشرف نساءً ورجالاً في مشاهدهم ومساجدهم ، وألحق بهم كبار الأئمة من أمثالالشافعي والليث بن سعد والشعراني والبدوي والدسوقي والحنفي والشاذلي والمرسيوالرفاعي ومن والاهم ، وقل إنها جميعا طواغيت وأصنام ، والمشغولون بها وثنيون ، خيرمنهم عباد البقر ، وأنك تستطيع بقليل من العمل أن تبلغ درجاتهم فتكون مثلهم أو تزيدعليهم .
ثاني عشر : أنكر كافة مذاهب أهل السنةبدءا بالمذاهب الأربعة وما سبقها أو لحقها ، ولا تعترف إلا بـ ( ابن تيمية وابنعبدالوهاب ) ثم بمروجي مذهبهم والدائرين في فلكهم من عبيد الدولار والدينار ، وقل : إن أئمة المذاهب الأربعة ومن والاهم ( مجرمون ) فرقوا الأمة ، وصرفوا الناسبقضاياهم الفقهية عن السنة والحديث الشريف ، وأنه لا حاجة بنا لاجتهاداتهم ، أوالاقتداء بهم ، وأن على كل مسلم أن يعمل ليحصل شروط الاجتهاد قبل تحصيل المعاش ،حتى يتناول الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة ، مهما كانت ثقافته ، أو إحاطته بعلوماللغة والدين ، سواءً في ذلك سكان الأدغال أو قمم الجبال أو خريجي الأزهر .
ثالث عشر : اعتقد قبل كل هذا وبعده ، أن إعفاءاللحية هو ركن الإسلام ( السادس ) الذي أغفل ذكره رواة الحديث الذين ذكروا أركانالإسلام وجعلوها خمسة فقط بينما هي ( ستة ) تماما ، وقل : إن أئمة المذاهب تآمرواعلى الإسلام فلم يجعلوا توفير اللحية شرطا لصحة الإسلام أو الإيمان أو الإحسان ،ولم يجعلوا ترك إعفائها مفسدا للصلاة والصوم والزكاة والحج جميعا ، ولم يقولوا : إنترك إعفائها ردة تخرج من دين الله ، وأنه لا يطلق على الحليق لفظ مسلم أبدا بأي وجه، ولا بأي تأويل ، ولا بأي دليل ، مهما صلى وصام وزكى وحج والتزم حدود الله ، وأنالحليق مستوجب لعقوبة الردة والحرابة .
رابع عشر : احمل بكل عنف ، بل بكل وقاحة على جميع مواسم المسلمين وأحفالهم وتقاليدهممهما يكن لها سند أو استنباط أو قياس ، واتهم كل من يشترك فيها عالما كان أو جاهلابالشرك والكفر ، والفسوق والعصيان ، والردة والجهل بمعالم الإسلام ، وداوم التشويشوالتشبيه ، خلطا بين سنن العادة والعبادة ، وخالف في كل شيء ، واستلفت إليك الأنظار، واعزل نفسك عن المجتمع قولا وعملا .
خامس عشر : وجه كل جهودك إلى تدمير البناء ( الصوفي ) ، أصيله ودخيله ، مليحه وقبيحه، واجعل ذلك همك الأول والأخير وغايتك الدنيا والقصوى ، ولا تقبل في ذلك حجة ولابيانا ، حتى إن كان من كلام إمامك ابن تيمية ، وانس كل النسيان ما في البلادالإسلامية من مآسي التفريق والتمزيق والخلافات والحروب والأخطار ، ومن شراسةالتنصير والتبشير ، وكوارث الإبادة وفواجع الانحلال و اللادينية ، وأهوال الشيوعية، وفساد الأخلاق والعقائد الذي تبثه وسائل الإعلام المقروءة والمنظورة و المسموعة ،وخطط القضاء على الإسلام التي تدبرها الصليبية واليهودية والفوضوية والماركسيةبمراتبها المختلفة في كل وطن فيه واحد من أهل القبلة بالأرض كلها .
فكل ذلكهين ، وهين جدا ، بجوار واجب هدم التصوف و تدمير بنائه ، سواء بالترغيب والإغراء أوالترهيب و الإيذاء .
سادس عشر : لا تعترف بغيرالعروبة والعرب في المحيط الإسلامي ، رغم كفاح الإسلام للعصبيات والعنصريات ، وقل : إن التُرك والكرد والروم والفرس ، وكل من دخل الإسلام من غير العنصر العربي ، إنمادخلوه ( شعوبية ) ليقضوا عليه من الداخل بوسيلة أو بأخرى ، وأن كل مجد أضيف إلىالإسلام من غير العرب إنما هو أضلولة وأكذوبة ، وأن له دوافع باطنية كلها خطورة لايفهمها إلا المتسلفون وحدهم ، وأن غير العرب هم الذين أدخلوا على الإسلام منالأقوال والأعمال ما سبب ويسبب له الضياع والتخلف حتى ابتلاء العرب بالدولاروالدينار .
سابع عشر : فإذا احتجوا عليك بأمثالالبخاري وأبو حنيفة والجرجاني والغزالي ، والمئات من كبار علماء الإسلام غير العربفي كل علم وفن ، وأمثال صلاح الدين الكردي وقطز وبيبرس وبرسباي المملوكي ومحمدالفاتح التركي ، فقل : هذه فلتات ، أو هي أستار تحجب ما وراءها عمدا لأمر ما ، أوابحث لكل واحد منهم عن شبه نقيصة تقضي بها على ما نسب إليه من أفضال ، فإذا سلم لكواحد وقال : إن الله حكم بأن الحسنات يذهبن السيئات ، فقل : هذه قاعدة لا تنطبق علىهؤلاء الأعاجم ، وأنها خاصة بالعرب وحدهم ، وإن جاءوا بما عجز عنه الشيطان !! .
ثامن عشر : قل بلا يحفظ عن كل ( حديث نبوي ) لايؤيد وجهة نظرك هو ضعيف أو موضوع ، واجعل من سنن العادة سنن عبادة أو العكس ، بلاأصول ولا قواعد ، إلا مزاجك الشخصي ، فالمزاج هو ميزان الشرع في التسلف المعاصر . (*)
تاسع عشر : لا تتوسلإلى الله مبتهلا إليه بواحد من صالحي المسلمين ، حيا أو ميتا ، ولا بسيدنا المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم ، وقل : إن هذا هو عين الوثنية والشرك مهما يكن دليلهوشروطه وتفاصيله ، ولا نفرق بين ( المسئول ، والمسئول به ) ، وغالط كلما أعجزكالدليل ، وداور وناور ، وأخرج المسلمين من دين الله جميعا بالتوسل .
- لاتأتم في الصلاة برجل ليس من شيعتك ، مهما يكن دينه وعلمه وفضله وسابقته في الدعوةإلى الله ، وإياك والصلاة خلف الحليق و الصوفي إياك .
- لا تدخل مسجدا لغيرطائفتك ، وقل عن بقية المساجد إنها ( كنائس وبيع ) أو تكاد ، خصوصا إذا كان بها ( قبلة ) أو منبر مرتفع أو ضريح !! .
- لا تعامل من ليس من مذهبك بل احتقرهوازجره ، وامنع كل خير يصل إليه ، فمن ليس من مذهبك فهو مبتدع أو وثني أو مشرك نجس .
- العن المرأة ، أصابت أم أخطأت ، وأهدر آدميتها ، مهما اعتصمت بمظهرالإسلام ومخبره ومحضره ، فاحترام المرأة هو الكبيرة الثامنة التي لم يذكرهاالمحدثون فيما ذكروا من الكبائر السبع .
- أخيراً ،قل : نحن أهل الإسلام لا سوانا ، ومن عدانا فهو عدو الإسلام وعلينا كفاحه ،ومن ليس منا فهو علينا ، وليذهب كل أهل القبلة سوانا إلى جهنم .
*******************************
أما بعد :فهذا أصول من أبرز أصول ( السلفية المعاصرة ) ، يعلم الله أننا لم نتزيدفيها شيئا ، بل تركنا من معالمها الأساسية كثيرا جدا ، رأينا أن ما ذكرناه هنا إنماهو يدل عليه ، أو هو ملحق به ، أو هو أثر طبيعي له ، وبعض ما تركنا من المثير الذينعف عن الإشارة إليه ، احتراما للشريعة والعقول والآداب .
وأعلم أن اعتناقهذه ( السلفية ) أيسر السبل إلى الثراء العاجل والربح المريح ( وانظر حولك ) ،والتحق بركب ( الغترات والمشالح ) تكسب دائما ( والخيار لك ) .
والمطلوبمنك الآن أن تضع هذه ( المبادئ أو القواعد أو الأصول أو المعالم ) التي سجلناها لكهنا في ميزان الشرع والعقل ، متجردا من التعصب ، معتصما بالإنصاف ، مراعيا ربكعزوجل في كل ذلك .
فسوف لا ترى شيئا من هذه الصفات يرجح في ميزان عدالةالشرع الشريف والعقل الحصيف ، بل إنها الفتيل الذي سيفجر القنبلة القاضية علىالإسلام بإسم الإسلام، خصوصا بعد أن افتتن بهذه السلفية بعض الشباب الذين لم تتحلهم فرصة البحث الكافي ، حتى اعتقدوا أن الإسلام هو توفير اللحية وعداوة أهل القبلة – سلفا وخلفا ، علماء وحكاما – إلا ابن تيمية وابن عبدالوهاب ، مع التزام التعقدوالتأزم الدائم.
ولسوف تعذرنا بعد هذا في أن ندعوك إلى أن تنادي معنابوجوب سعة الأفق ، والأخذ بسماحة الإسلام ورفقه ومرونته ويسره ، والتنادي بالحب فيالله ، والتعاون على مكافحة المجمع على كفاحه ، وخدمة المجمع على خدمته ، وترك ماعدا ذلك لكل إنسان بما يناسب نفسيته وذاتيته ، على ألا يؤذي غيره ، ولا يجعل ( النفخة الكذابة ) ودعوى الاختصاص بالصواب طريق الدعوة إلى الله .
إننا ندعوإلى محاولة التقريب بين كافة طوائف المسلمين ، أو على الأقل ( المعايشة السلمية ) التي قد تفضي إلى التفرغ لما هو أهم وأعم وما هو أهدى و أجدى ، والله الموفقالمستعان .
تمت مقالة الشيخ الشريف محمد زكيإبراهيم ، من علماء الأزهر ورائد العشيرة المحمدية بمصر ، المتوفى سنة 1419 هـ