ان نبي الله موسى (ع) يعتقد بعدم رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والاخرة لانه يلزم منه التجسيم وسؤاله (ع) عن رؤية المولى عز وجل لم يكن بدافع من نفس موسى (ع) ، بل بضغط من قومه .
نذكر لكم رواية واحدة عن الامام علي الرضا (ع) تؤيد ما نقوله .
قال عليّ بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى (عليهما السلام) ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك انّ الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قول الله عزّ وجلّ (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا (عليه السلام) : " إنّ كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أنّ الله تعالى عن أن يُرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّ به نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى (عليه السلام) إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله حتى نرى الله جهرةً ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته ، فقال موسى (عليه السلام) : يا قوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم باعلامه، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى (عليه السلام) : ياربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى إسألني ما سألوك فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى (عليه السلام) : (ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل (بآية من آياته) جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تُبت إليك ـ يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ـ وأنا أوّل المؤمنين) منهم بأنّك لا تُرى " .
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ـ الصدوق ، التوحيد : 121 برقم 24 باب ما جاء في الرؤية ـ .
واما بالنسبة الى تجلي الله عز وجل للجبل فان ظاهر الآية أنه سبحانه تجلّى للجبل وهو لم يتحمّل تجلّيه لا أنّه رآه وشاهده ، وعندئذ فمن المحتمل جداً ان يكون تجلّيه بآثاره وقدرته وأفعاله، فعند ذلك لا يدل أنّ تجلّيه للجبل كان بذاته