|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 429
|
الإنتساب : Oct 2006
|
المشاركات : 12,843
|
بمعدل : 1.95 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
السيد محمد الشيرازي.. موضوعياً
بتاريخ : 05-11-2008 الساعة : 09:42 PM
السيد محمد الشيرازي.. موضوعياً
بحث مستل من كتاب قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف
للدكتور محمد حسين علي الصغير
تمهيد منهجي:
السيد الشيرازي قدس سره وبصريح العبارة: رجل ارتفع به أولياؤه إلى درجة التقديس، وهو أهل للتبجيل والتعظيم من دون شك. وانحدر به أعداؤه إلى حد التوهين، وليس الأمر كذلك، فكان مدحه يتعدى حدود الإفراط أحياناً، وكان قدحه يتعدى حدود التفريط دائماً، وبناءً على هذا المناخ المتناقض، فقد كثر اتباعه ومحبوه، وهم يفدونه بالآباء والأبناء، وكثر – أيضاً – مبغضوه بشكل غريب يدعو إلى الحيرة والتساؤل.
فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التضادّ؟
وما هي شخصيته في الميزان الواقعي الموضوعي.
وما هي الدواعي الحقيقية وراء حملة التشهير به جزافاً؟
وما هي فلسفة الاعتزاز به والاحتفاء بقيادته؟
وما هي مواقفه الإنسانية المجهولة لدى الكثيرين؟
وما هو دوره في بناء الفكر الإسلامي المعاصر؟
هذه بعض الأسئلة الرئيسية الكبرى التي تدور حول مسيرة السيد الشيرازي قدس سره، وهي أسئلة قائمة بالفعل، أرجو أن يوفقني الله تعالى للإجابة عليها بأمانة وإخلاص ضمن هذه الصفحات من ملامح حياة السيد الشيرازي العامة.
وينبغي الإشارة بادئ ذي بدء، أن الرجل قد انتقل إلى جوار ربه، فلستُ آمله في شيء، ولستُ من أتباعه ولا مقلديه، ولا علاقة مالية لي معه، فلستُ محتاجاً ولا أتناول حقاً شرعياً، بل قد أخرجه أحياناً.
وقد أكون مستشاراً عند جملة من المراجع العظام طيلة أكثر من أربعين عاماً، وليس هو أحدهم، نعم هو أخي في ذات الله والمصلحة الإسلامية العليا، وهو صديقي منذ أكثر من خمسين عاماً أيام الصبا والشباب، واستمرت هذه الصلة حتى وفاته من دون أن يكدر صفوها شيء.
فإذا كتبتُ عنه فبدافع الوفاء لهذه النوع من الإلتقاء الروحي، ولستُ من المتعصبين له أو عليه، ولهذا فسأكتب للتاريخ والأجيال القادمة التي قد لا تتوصل إلى حقيقية هذا الرجل بيسر وسماح، أو قد تلمس شيئاً من اللبس والغموض حول شخصيته الفذة، بين ثناء المحبين، وهجاء المبغضين.
يحدّثنا التاريخ أن احدهم قد أثنى ثناءً كبيراً على أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام بحضوره – وكان متهماً – فقال الإمام بما نصه أو معناه: أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك، وهذا ما ينطبق في حدود على المغالين بالسيد الشيرازي طاب ثراه، وعلى القالين له.
سألني أحد علماء لبنان في صيف عام 1997م، وأنا أقضي فصل الصيف هناك؛ قال لي: أنت رجل صريح، ومعروف بحبك وإخلاصك للسيد الشيرازي، وأنت من جماعة السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد علي السيستاني؟ قلتُ هذا صحيح، قال: أريد أن أسألك سؤالاً قد يكون محرجاً بعض الشيء، قلت له: على رسلك؛ سل ما تشاء!!
قال ما هي الشيرازية؟ ومن هم الشيرازيون؟
إن هذا الإسم يبدو مخيفاً ومحاطاً بالرهبة!! فما هو خطهم وما هو منهجهم؟..فتبسمتُ وقلت له:
السيد الشيرازي في خط الله تعالى، وخط رسوله صلى الله عليه وآله وخط أهل البيت عليهم السلام، وعلى المنهج القويم المعتدل.
قال: هناك بعض الإنتقاد لجماعته!! قلت: لسنا معصومين. وكل كنا عرضة للنقد، ولكنه النقد الذي لا يخرج أحداً من دينه. وأردفت قائلاً: إن هذه الأسرة الشريفة في كربلاء المقدسة ـ أسرة آل الشيرازي ـ يحسدها الكثيرون ممن لا خلق ولا خلاق، لأنهم محبوبون حباً ذاتياً، ولهم شعبية هائلة في الوسط الجماهيري، وتلك نعمة كبرى، وكل ذي نعمة محسود.
قال جزاك الله خيراً فقد نفّست عني كثيراً.
قلت: لا عليك بالأقاويل والأباطيل، ما قلت لك الوقائع بعينه.
كان هذا الحديث مدعاةً الى تسجيل جملة من الواقع قد تنحلّ من خلالها الإشكاليات جملة وتفصيلاً.
النشأ المثالية:
نشأ السيد الشيرازي قدس سره نشأة رائعة مثالية بين أحضان والده المهدي، وكان رجلاً عرفانياً، وعالماً ربانياً، تتمثل به القداسة بأروع صورها، فإكتسب المترجم له خصائصه السلوكية، وأضاف إليها معارفه العلمية، فغذاه لباب العلم الخالص، ودرس على يديه و على أساتيذ كربلاء المقدسة الدراسات الأولية والعالية والعليا، وإختصّ بعد والده طاب ثراه بالحجة الشيخ يوسف الحائري، حتى لمع نجمه في الوسط العلمي، وهو في عنفوان شبابه، وبذلك إشتهر ـ منذ عهد مبكّر ـ شهرة مستفيضة في العالم الإسلامي.
والسيد الشيرازي قدس سره داعية إسلامية كبير، ومرجع ديني معروف، وظاهرة فريدة في البحث والتأليف والنشر، وضرب به المثل في الصبر والمعاناة على ذلك. ولم يكن هذا المكان الذي إحتله السيد الشيرازي إعتباطياً أو فجائياً، فالرجل في نشأته المباركة وراء هذه الأهمية الخاصة، فقد كان كثير الصلاة بالمناخ العلمي، وقد عاصر طائفة من العلماء الربانيين، وهو على إرتباط مباشر بثقافة هذا العصر، فعاد بذلك مثقفاً عصرياً متحضراً.
يضاف الى هذا كله أن السيد الشيرازي قد ورث مجداً رفيعاً من أبيه العظيم، وكان زعيم كربلاء المطلق، فإتجه نحو المعالي في الفكر والمنهج والمسيرة لا عن كلالة وقد نشأ السيد الشيرازي قدس سره في بحبوحة من الشرف الشامخ، متمتعاً بالخلق الرفيع، ومدرّعاً بالعلم الناضج، ومنفتحاً على كل جديد في الحضارة الإنسانية. لم يقف عند علم الفقه وعلم الأصول وعلم الدراية، وقد جعل القرآن الكريم أمامه فهداه الصراط المستقيم، وإنصهر بالعلوم والسياسة والتربة والقانون والتعليم وعلم النفس، وأطاريح الفلسفة والمنظمات الدولية، ولوائح حقوق الإنسان.
ولم ينس مهمته الأساسية في نشر التشريع وإشاعة وإذاعة علوم الأئمة الطاهرين، فحدب على التدريس في بحثه الخارج في كربلاء المقدسة فقهاً وأصولاً، فنشأ على يديه جيل من المبلغين والمرشدين وحملة العلم.
خصائص السيد الشيرازي الذاتية:
يتسامى السيد الشيرازي طاب ثراه، بخصائص متميزة إرتفعت به الى مستوى الأبرار، فهو طلق الوجه، مبتسم الثغر، بهيج المحيّا، عالي الهمّة، دقيق الفكر، حصيف الرأي، أصيل النضر، إبتعد عن صغائر الأمور وإتجه نحو القمة في الموضوعية والإبداع، وقد جلب تواضعه الجم أفئدة الناس إليه، وإستولى ترسله العفوي في الحديث على قلوب الشباب وعطفهم نحوه، فإمتلك بذلك الضمائر الحية النابضة، وكان زهده وتقشفه قد زاد من إلتفاف الجماهير حول قيادته المثقفة الواعية.
ومن ملكاته الكسبية والذاتية كونه يحسن لغة العصر وفلسفة الحوار، وملكة الحوار الجريء، وإسلوب الإقناع الفطري، يسترسل في البيان والأداء ببلاغته المعهودة فيسيطر على الموقف في الإبلاغ، وتبسيط في معالجة الموضوعات المهمة فيفهم عنه كل أحد، ويجادل بالّتي هي أحسن فيقتنع بجدله من ألقى السمع وهو شهيد، ولديه من شفافية التعبير، ورشاقة الكلمة، وإشراقة الديباجة ما يجلب له السماع والإستماع، ويمحور بثقافته العصرية أفكاره الحضارية فتتجاوب معه نبضات القلوب وأصداء الآراء، فيبث ما شاء من أطاريح وتطلعات.
وإذا استمعت إلى حديث السيد الشيرازي، وهو يمزجه ببسمة رقيقة، فإنك تستمع منه إلى السحر الحلال لطفاً وعذوبة واستجابة، فهو حديث القلب إلى القلب، ونداء الضمير إلى الضمير، فلا يكاد يحدثك بلغته الهادئة إلا امتلك عليك المشاعر والأحاسيس تلقائياً، وتلك هبة سامية من الله تعالى جذب بها قلوب الشباب اليقظ، واسترعى انتباههم، فبلغ ما يريد من التوجيه والنصح الكريم.
ولم أسمعه طيلة صلتي به متناولاً لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعدائه ومناويئه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يَكِلُ أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلباً لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهاراً، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ما هو بريء منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل شاغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو أرفع جانباً، وأعلى كعباً وأسمى عقلية.
بلغني أن أحدهم ممن ثلب السيد الشيرازي، كان قد أحتُضر، وقد رآوه يتملل على فراش الموت، ويتأسف كثيراً، فخوطب في ذلك، فأجاب أنه زوّر على بعض المراجع العظام فتوى كاذبة تتناول السيد الشيرازي بالقدح، والمرجع لا يعلم بذلك على الاطلاق، بل كان يحب السيد الشيرازي حباً جماً.
عقبات في طريق القيادة:
كان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرض في حياته إلى حقد الحاقدين، واستهدف من قبل نفر ضال، وكان الشطط والبهتان والتزوير من معالم الحملة الظالمة التي واجهها بقلب سليم، وشق غبارها بعزم ثابت وشجاعة نادرة فكان مظلوماً من قبل هؤلاء، وكان ظلمه هذا ظلماً فئوياً متعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثل الصدارة في نظر المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرة المثقفين، وكان يحظى بتأييد شعبي منقطع النظير.
حدثني سماحة الأخ العلامة الجليل الدكتور السيد محمد بحر العلوم دام علاه، قال: أهدى إليّ السيد الشيرازي وأنا مقيم في لندن (132) مجلداً من موسوعته الفقهية، فبهرت لهذا العمل الضخم، واستدعيت أحد العلماء البارزين، وقلت له بالحرف الواحد: من منا يستطيع أن يقوم بهذا الجهد العظيم، أليس صاحبه قد غربل الآثار، واطلع على ما في الأسفار، حتى استطاع أن يخرج بمثل هذه الحصيلة النادرة؟ اتركوا التقولات!! ودعوا الرجل يعمل بصمت!!
وكان هذا موقفاً جريئاً من السيد بحر العلوم، انتصاراً لهذا الرجل المظلوم، فلله درك أيها العبقري الصامد، لم تلن عوداً، ولم تخمد عزيمةً، ولم تستسلم لليأس، والليل داج، والأهواء تعبث بالآراء يميناً وشمالاً، وأنت كالطود الشامخ، حتى إذا غادرنا السيد الشيرازي إلى دار الخلود الأبدي، بدأ الكثير يتأسف ويتساءل:
ما هو ذنب السيد الشيرازي؟
ولماذا احتجز السيد الشيرازي؟
ولماذا حورب السيد الشيرازي؟
وتبقى الإجابة عن هذه الأسئلة حائرةً، لا يبوح بحقيقتها إلا القلائل، ولا عار على القلة النادرة، فهو لهم شرف عظيم، وقد نطق القرآن بذلك، فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) وقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) وقال تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرينَ).
ولم تؤثر الريح السوداء العاتية التي أثيرت من هنا وهناك على مسيرة السيد الشيرازي الرسالية، وإنما شقها ألم الجبين مكللاً بالنصر، فقد تلاشت وتساقطت تساقط ورق الشجر في فصل الخريف وبدا الحق واضحاً للعيان، وندم من إفترى عليه، ووضع العراقيل بإزائه، إذ كان المترجم له كالجبل الأشم، وكان رحيب الصدر، لم يحقد طرفة عين أبداً على ذلك النفر الضال ممن بهته وإفترى عليه، وربما دعا لهم بالهداية والإستقامة، وآثر الصمت والسكوت عن تلك التجاوزات، ولكن المؤسف له حقاً أن السيد الشيرازي، إنما حورب بإعتباره مرجعاً، فكان الإعتداء عليه إعتداء على المنصب. والإعتداء على المنصب ـ أمس واليوم وغداً ـ يشكّل ظاهرة مخزية، تورد من تولّى كبرها موارد الهلاك.
لئن مضت السنين عجافاً في حياة السيد الشيرازي قدس سره، فشأنه بذلك شأن القادة الأفذاذ الذين لا يريدون بما قدّموه للأجيال جزاءً ولا شكوراً، علماً بأن هذه السنين قد مضت ـ أيضاً ـ غنية بآثاره الخالدة، وثريّة بأعماله الجبارة، فقد إستطاع بين حسد الحاسدين، وكيد الحاقدين، وأبواق الهذر والثرثرة التي مارس طقوسها وأجواءها أعداؤه والتافهون، إستطاع أن يبني مجداً مؤثراً من المعارف السائرة، وأن يضرب مثلاً رائعاً من التسامح الديني، وأن يصبح رمزاً من هذه الرموز في التضحية والجهاد، وان يضل صامداً كالجبل الأشم أمام العواصف.
وسيجمع الله بينه وبين من أساء إليه من هنا وهناك، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) سورة الشعراء: 227.
كانت الهموم تتوالى على الرجل، وكان الاضطهاد السياسي ملازماً له ملازمة الظل للشاخص، إلا ان الآلام تعصر قلبه عصراً، ولآمال الرسالية لم يتحقق لديه كما أراد؛ حتى فاضت نفسه الطاهرة، ووفد على ربه الكريم، يضاف إلى هذا كله أنه كان كثير الحنين إلى كربلاء المقدسة معقله المرجعي.
الخطوات الحضارية في مرجعية السيد الشيرازي:
كان الفقيد السيد الشيرازي أعلى الله مقامه، سبّاقاً إلى تطلعات العصر في القرن العشرين،مستوعباً للأبعاد الحضارية التي ينبغي أن يؤسس عليها الكيان المرجعي، متميزاً في استقراء المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الأمة، باحثاً في أنجع السبل لاحتواء هذه الظواهر في معالجات ضخمة شاخصة، كان لها الأثر الفاعل في درء الأزمات، كما عاد لها الأثر الإيجابي في أداء الرسالة، والحديث في الجانب مثلئبٌ متسع، ولكنني أحاول إيجازه على سبيل النموذج في نقاط أساسية:
1- القيادة الناجحة لجماهير كربلاء المؤمنة، وبقية قصبات العراق، والبلدان المجاورة، بحيث شكل ذلك ظاهرة موضوعية، نبهت القيادات الشابة في العراق إلى تمثل الخطوات الرائدة التي يتخذها السيد الشيرازي في استقطاب المواهب المتحفزة، واستكناه هموم الشباب في توقعاتهم المشروعة.
2- التفاعل الهادف المتكافل مع المشاعر المتدفقة والأحاسيس الثائرة لدى الجماعات الواعية، وتوجيهها ميدانياً للعمل المثمر في حقول المعرفة والثقافة والمشاريع الإنسانية، وإيثار المصلحة العامة المكاسب الذاتية.
3- إعداد عشرات المبلّغين الرساليين من حملة الفكر الإسلامي للقيام بدورهم البنّاء في أداء الرسالة، ونشر المبادئ العليا، وإبلاغ الموروث الحضاري الصادر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام للأمة، وذلك بشتى الطرق السلمية التي تتيحها مراحل التبليغ.
4- تهيأة الكادر العلمي المتطور ممن يتمتعون بالتأهيل الثقافي، ومن الذين لهم الصلاحية الفكرية التربوية للقيام بأعباء المسؤولية الشرعية روحاً وعملاً، لجلب أكبر عدد ممكن إلى حضيرة الإسلام بالتي هي أحسن، والقيام بشؤونهم المالية، وتحسين الحالة الإقتصادية.
5- الإشراف على المنبر الحسيني بجعله أداة حية مشرقة لبث تعليمات أهل البيت عليهم السلام، ونشر علمهم الإلهي الزاخر، وبيان مظلوميتهم في عزلهم عن قيادة الأمة سياسياً، وإبداء ما جرى عليهم من نكبات وصدمات واستئصال وتصفية جسدية لهم ولأوليائهم من السائرين على خطهم، بما يتضمن طرح المبادئ العليا على الصعيد الفكري والإعلامي، والتي ناضل الأئمة المعصومون عليهم السلام من أجل إقرارها بأصالة وإخلاص لسعادة الكائن البشري في الدنيا والأخرة، وطرح تلك المبادئ سليمة عن الزيغ والانحراف والتطرف.
6- العناية التامة بعنصر الشباب باعتبارهم يتفجرون – عادةً – بالنشاط والحيوية والفتوة، بتلقيهم دروساً إضافية في العلم والمعرفة والصبر والثبات والتضحية والإصرار نابعة من صميم نظريات أهل البيت عليهم السلام وقيمهم العليا، والحفاظ على ذلك باعتباره ذخيرة خالدة من أنفس ذخائر الفكر الإنساني المتنور.
7- إفشاء الدوريات والمجلات والنشرات والرسائل الصغيرة، بما يتناسب مع الفهم العام لجماهير المؤمنين بعبارة مشرقة، وأسلوب سهل ممتنع، بعيدة عن العمق الفلسفي الذي ترفضه طبيعة التعليم الأولي في ترسيخ المبادئ العامة للإسلام بعرض جيد وأسلوب جديد.
8- تشكيل اللجان المتخصصة الواعية، من قادة الفكر، ورجال النظر، وأصحاب الخبرة والتجربة، لتنشيط عملية التوعية والإرشاد والتبليغ في ضوء المعطيات التي تؤتي أكلها كل حين، بعيداً عن الصراع الذهني والطائفي والإقليمي، للإرتفاع بمستوى الأمة لدرجة المسؤولية.
9ـ تأمين الكوادر المالية المتبرعة والواهبة، وعن طريق الحقوق الشرعية، لإدارة المشاريع السابقة بكل أمانة، بعيداً عن الأثرة والتسلط واحتجان المال، وجعل ذلك وسيلة للهدف المركزي في تسريع عملية الإنقاذ والتطوير كما هو شأن الدعاة المصلحين بكل زمان ومكان.
10ـ تحديد مسؤولية العاملين بهذه الآفاق المتعددة، ليكون كلٌ عند واجبة وجهاً لوجه، من أجل إنجاح الأطاريح المترتبة الأداء لدى كل فريق منهم، وتنمية الروح الرياضية في طياتها، وخلق المناخ التكاملي الذي يسدد بعضه بعضاً بموضوعة مطلقة لا مكان فيها للأهواء أو الآراء الكيفية، وحصر النشاط جميعه في إطار الصالح العام.
الظواهر الثقافية في مرجعية السيد الشيرازي:
وإذ يتمثل ما قدمنا من خطوات حضارية في مرجعية السيد الشيرازي قدس سره، تبرز لنا ظواهر موضوعة أخرى تعنى بالثقافة الإسلامية نتيجة لتلك الأصول الثابتة في التأسيس، وهي ظواهر متعددة، أشير بالبحث فيها إلى أربع ظواهر:د
الظاهرة الأولى:
كان المناخ السائد في العراق أدبياً يؤكد سيادة الشعر العربي من دون النثر، وذلك أن بيئة العراق بعامة بيئة شعرية، وكانت النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وبغداد، قد أبرزت مشاهير الشعراء في الوطن العربي، وكانت المهرجانات التاريخية والاحتفالات الجماهيرية، ومحافل المنبر الحسيني الشريف تبرز هذه الظاهرة بأجلى صورها، وتلك حقيقة ثابتة يدل عليها الاستقراء، وكان الميل إلى الكتابة والنثر متضائلاً إلا في حدود الإعلام والصحافة، وهو أقل ممارسة بكثير بالنسبة إلى الشعر في شتى أغراضه نظماً وحفظاً وتدويناً وإذاعة، حتى إذا اتسعت الظروف لاحتضان مشكلات العصر، وتلاقحت الثقافية المصرية واللبنانية نثراً بالثقافة العراقية، بدأت الحاجة إلى الكتابة والتأليف والمقالة والقصة حاجة ماسّة وملحة، وهنا نجد توجه السيد الشيرازي قدس سره في كربلاء متجاوباً مع هذه الظاهرة، وذلك بتبني الأفكار الجديدة الداعية إلى خوض ميادين التأليف والنشر مضافاً إلى ماهو شائع من ذيوع أمر الشعر، فأسس في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين سلسلة أسماها: «منابع الثقافة الإسلامية» لتزود المكتبة العربية بكتاب متوسط الحجم في مطلع كل شهر، واستمر هذا الانتاج الجديد عشر سنوات متوالية، فتلاقفته الأيدي بإقبال وحماس شديدين، مما أوجد حالة دعائية وتثقيفية في مجالات الإسلام الإعلامية والسياسية الاقتصادية والتاريخية والتربوية وسوى ذلك.
هذا المشروع الضخم كان بداية حضارية في رؤية معاصرة، لم يسبق إليها في العراق بهذا الشكل مما دعا الشباب المسلم المثقف إلى الالتفاف حوله، والإفادة من أطاريحه الواعية، وما إن ثبت هذا المشروع على قاعدة صلبة من التصميم حتى رأينا جيلاً ناهضاً يتدافع كالسيل للمشاركة فنياً وأكاديمياً وتحريرياً في هذا الأتجاه، مما يعني أن المترجم له كان حجر الأساس في إشاعة فن النثر وعالم التأليف في العراق.
وكان لي شرف المساهمة بهذا المشروع بإصرار كبير من السيد الشيرازي نفسه، فألفت للسلسلة كتاباً بعنوان«إنسانية الدعوة الإسلامية» في حدود (100) صفحة، وما لبث أن نفذ من الأسواق بسرعة مذهلة، وطبع طبعة ثانية.
الظاهرة الثانية:
نتيجة للحملات الظالمة التي شنت بضراوة ضد المبادئ الاسلامية، لم يجد السيد الشيرازي قدس سره، أن سلسلة «منابع الثقافة الإسلامية» كافية لصد هجمات أعداء الإسلام، فانبرى هو وأخوه الشهيد السعيد المجاهد السيد حسن الشيرازي إلى تكريس جهودهما في النشر والتأليف في شتى الفنون المعرفية المنبثقة عن الإسلام، لإشاعة الطرح الإسلامي في احتواء قضايا العصر، وصيانة شباب الأمة من الانحراف والانزلاق، إن لم أقل المئات في الدعوة، والدعاة، والتبليغ، والسياسة والتربية، والاجتماع، والأقتصاد الإسلامي، وشؤون الدولة، والإدارة، والحقوق، والقانون، والفقه، على شكل كراسات ونشرات وكتب ومؤلفات، أتمكن أن أقول جازماً بأنها قد أغرقت الأسواق والمكتبات بتراث غض جديد، وبعرض جديد، وهو ما أتاح للشباب المثقف الأندماج الكلي في هذا الخط التبلغي الرائد، فصدرت بعده للمؤلفين العراقيين كتب قيمة تصب في هذا الرافد، ومعنى ذلك أن السيد الشيرازي له فضل السبق في إرساء حركة التأليف والنشر بأهداف رائدة في العراق بالتوجه الكتابي والتدويني مضافاً إلى الشعر المسيطر.
الظاهرة الثالثة:
ورأى السيد الشيرازي بفطرته الثاقبة ان الحياة متطورة تطوراً سريعاً بما يستجد على الساحة من اكتشافات وابتكارات علمية من جهة، وأن حركة غير اعتيادية من الإقبال على الموروث الإسلامي، فعمد إلى تأسيس مشروع «أجوبة المسائل الدينية» وهي تتولى الإجابة عن الأطاريح الجديدة، وتتمحض لنشر الإستفتاءات الشرعية برعايته وعنايته، فكانت هذه النشرة أو المجلة أو الدورية تؤدي دوراً رسالياً في تلبية حاجة المجتمع الإسلامي في الوصول إلى حقائق الأشياء.
وقد صدرت بانتظام طيلة عدة سنوات حافلة بالنشاط المعرفي في أجزاء متتابعة، كان لها الأثر الفاعل في غناء نفوس الشباب العراقي باللباب من المعارف الإسلامية بهدوء من دون ضجة، وبعمل جاد دون ثرثرة.
الظاهرة الرابعة:
وهي تستوعي نشاط السيد الشيرازي في الستينيات من القرن العشرين، وتتمثل في ثلاثة معالم بارزة، كرس لها جهوده البالغة:
1ـ إقامة الاحتفالات العامة ورعايتها في المهرجانات الدينية والمواسم الإسلامية، وتفجير الطاقات المبدعة، وإحياء شعائر الله، والتأكيد على المخزون الحضاري الذي نهض به أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك بإثارة وإلقاء ما هو أصيل ومبتكر فيها شعراً ونثراً وخطاباً.
2ـ التركيز الموضوعي على تأسيس المساجد العامرة، وتشيد الحسينيات ودور العبادة، وتأمين صناديق الاقتراض اللاربوي، وبناء المياتم في كثير من أقاليم البلاد الإسلامية، والتأكيد على إشراك العنصر النسوي في المجالات الحيوي من هذه المشاريع، وانخراط هذا العنصر في الحوزة والتبليغ.
3ـ الاحتفاء باللقاءات العامة والخاصة بالعلماء والمفكرين، والقادة السياسيين، والشباب العامل، لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وإرفاد هذه اللقاءات بسديد الرأي، وصريح القول، وحسن التأتي، وسلامة المداخل والمخارج، من دون تسلط فئوي، أو حس أجنبي، أو نعرة مذهبية.
هذه المؤشرات في هذه الظاهرة أخذت بالنمو والإزدهار لحمل الرسالة من رحاب كربلاء المقدسة، وفيها ألق من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ونفحة من أريج الطف.
ورغم مرور ما يقارب من نصف قرن من الزمان على هذه المبادرات الواعية، فإن كربلاء مازالت وإلى اليوم مدينة للسيد الشيرازي بتأصيل هذه الظواهر في المجتمع الكربلائي.
النضال السياسي للسيد الشيرازي:
قامت ثورة الرابع عشر من تموز 1958فقضت على النظام الملكي في العراق، خال الشعب أنه قد تنفس الصعداء، وأصبح سيد الموقف في تقرير المصير وتسيير دفة الحكم، إلا أن رجال الثورة خيبوا الآمال إذ كانوا منقسمين على أنفسهم، تتقاذف بهم الاتجاهات المضادة، وانطبعت هذه الانقسامات على الشعب نفسه، فنجم عن ذلك شرخ كبير في الحياة السياسية، وبدأت المؤشرات المؤسفة تلوح في الأفق، وانتشرت الدعوة إلى الشيوعية والقومية والديمقراطية، في ضجيج لا أول له ولا آخر، وبرزت الشيوعية بمساندة بعض رجال الحكم قوة ضاربة، يدعمها تهريج الإذاعة والتلفزيون، وتروّج لها الصحف والجرائد والمجلات، فأغرقوا الشارع العراقي بالمسيرات الضخمة، وواجهت الوزارات المؤسسات والسلطات العامة بالشعارات البرّاقة، وانخدع البسطاء بهذه الظواهر الطاذبة، وبدأوا بتصفية أعدائهم قتلاً ونهجاً واعتداء، وسلكوا لذلك إطلاق الإشاعات، وافتعال ذكر المؤامرات، فكثر القتل، وتفشى الإعدام، وخنقت الأنفاس، فانقلبت حياة الشعب العراقي إلى جحيم، وتمخضت الأحداث عن شر مستطير، وهنا أشير إلى بعض المظاهر المهمة على شكل نقاط:
1ـ وقف علماء النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية المشرفة موقفاً صلباً موحداً بوجه التيارات الوافدة والرياح الغربية التي عصفت من هناك وهناك، بينما كانت الدعوة إلى الإسلام لم تتبلور معالمها، ولم يتضح منهجها، ولكنها تحركت بشكل أولي بتأسيس جماعة العلماء النجفي ورفاقه الأعلام من قادة الفكر.
وقامت الحركة الإسلامية في كربلاء بقيادة السيد مهدي الحسيني الشيرازي وإدارة ولديه السيد محمد الشيرازي والسيد حسن الشيرازي وأتباعهم الأحرار، وكان التفاف الكربلائيين حولهم منقطع النظير، وتأثيرها في الساحة تأثيراً بعيد المعطيات، وبدأت مجابهة الفكر بالفكر، والمبدأ بالمبدأ، والنظرية بالنظرية، خطابة ومحاججة ودعاية ونشراً، وتحشداً وتجمعاً وتآزراً كالبنيان المرصوص، فكانت كربلاء بذلك سباقة على الجهاد الديني والنضال السياسي.
2ـ وأقيم مهرجان كربلاء العالمي بذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في 13/رجب/ 1379هـ =1959م وبرعاية العلمين البارزين السيد محسن الطباطبائي الحكيم والسيد مهدي الشيرازي، وبحضورهما الشريف، وقصد المهرجان ممثلوا العراق من أقصاه إلى أدناه، واشترك أدبياً فيه أعلام الفكر، وقادة الأدب، وأفذاذ الشعراء، ورجال الوطنية، وكان روعة في التنظيم والمواد والمقررات الأدبية، وجوبهت المبادئ الهدّامة بكل إصرار، وبرزت بدايات الدعوت العلنية والجماهيرية إلى استيحاء المخزون الثقافي الهائل الذي يدّخره الإسلام لأبنائه، ويرفعه القرآن مناراً للمسلمين، وكانت المجابهة على أشدها، والحرب قائمة على قدم وساق بين دعاة الإسلام ودعاة الإلحاد والتبعية.
وكان لثبات الكربلائيين وصمودهم سبقه المجلّي في انتصار الجبهة الإسلامية الرافضة لكل الإنحراف والضلال والفوضى.
3ـ وانتقل الإمام السيد مهدي الحسيني الشيرازي إلى الرفيق الأعلى عام 1960م، فحمل راية النضال الديني والسياسي في كربلاء المقدسة أبناؤه الأبرار: السيد محمد الشيرازي، والسيد حسن الشيرازي، والسيد صادق الشيرازي، وكوكبة مناضلة من رجال العلم والفكر والإصلاح، وقد أظهروا من البسالة والمقاومة وما شهد به تاريخ العراق المعاصر، ودون بأحرق من نور توجت أعمال المجاهدين الحقيقيين بأكاليل النصر المبين، وكان قائد ذلك السيد محمد الشيرازي، وهو في عنفوان شبابه المبارك، وهذه حقيقة ثابتة.
4ـ وانتهى حكم عبد الكريم قاسم في 8/شباط/ 1963م، واستمر المهرجان العالمي بانعقاده سنوياً، وكان لي وللسيد حسن الشيرازي شرف المشاركة فيه من البداية وحتى عام 1968م.
وفي عهد حزب البعث 1963م وما رافقه من العنف الثوري، استنكر السيد الشيرازي قدس سره، الإسراف في سفك الدماء، والفوضى في هناك الأعراض، ومخالفة القانون في كل جزئياته، وامتلاء السجون بالمعتقلين السياسيين.
5ـ وغدر عبد السلام عارف بحزب البعث الذي جاء به إلى رئاسة الجمهورية، ليعلنها طائفية بغيضة سودت تاريخ العراق الحديث بحكم فاشي عنصري سخيف، ودكتاتورية مطلقة، مما مهد الطريق إلى الطغاة من بعده إلى سلوك المنهج نفسه.
واستنكر السيد الشيرازي كل أصناف الترقة بين المسلمين، ومظاهر النظام المذهبي المشين، والأعمال الارتجالية، والخطوات الهزيلة، والقرارات الاشتراكية المزعومة، وكان الميدان لذلك شتى المجالات المتوافرة في الاحتفالات والندوات والاجتماعات والنشر والتأليف، وبالبيانات الشاجبة لعوامل التخلف والجمود في النظام العارفي.
6ـ وفي عهد أخيه الفريق الركن عبد الرحمن عارف، اجتمع السيد الشيرازي برئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز وجمله من وزرائه في داره بكربلاء، ونعى عليهم سياسة التمييز الطائفي، وأسدى لهم النصح والإرشاد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ووعده الدكتور البزاز خيراً، ولكن لا أمر لمن لا يطاع، فالعصابة الطائفية كانت تسيّر الأمور رغم الزعماء والقادة، بل ورغم رئيس الجمهورية المسالم.
7ـ وقام انقلاب 17/ تموز/1968م، فاستقبل العراق حكماً دكتاتورياً همجياً، أنسى عهود الطغاة السابقين من عصر فرعون ونمرود والعماليق والقياصرة وجبابرة العالم، والتتار والمغول والطواغيت الكبار فيما أدركنا من أيامهم كستالين وهتلر وموسليني وأضرابهم حتى يومنا هذا فكان لا يتورع عن الاغتيال السياسي بشتى الأساليب، ولا يبالي بالاتهام بالجاسوسية والعمالة لأشراف العراقيين والوطنيين بخاصة، أما سفك الدماء، وقتل الأبرياء، والتعذيب الوحشي غير المتصور في السجون وأقبية الأمن، وخرق القوانين والأعراف، فحدث عن ذلك ولا حرج، وعمد إلى مخالفة لوائح حقوق الإنسان في أبسط المظاهر إلى أكبرها، وأباح الأعراض والأموال والأنفس والممتلكات، وفعل الأفاعيل التي يندى لها جبين الإنسانية مما لا تتسع له ملايين الصفحات التاريخية، وخاصة في المشاهد المشرفة والعتبات المقدسة، وسلط الهمج الرعاع والبداة الغلاظ من رجال الأمن والخابرات والاستخبارات وقوى الأمن الخاص على الشعب العراقي، فعاثت في الأرض فساداً، وأي فساد.
8ـ وأراد الحكم الطاغي الاحتكاك بالسيد الشيرازي، فعمد إلى اعتقال أخيه السيد حسن الشيرازي، وقذف به في السجن مع رجال الحكم العارفي أكثر من سنة كابد بها صنوف الهوان والتعذيب، وأوقف بين يدي ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث، فأنّبه على شعره في هجائه، وقد أشار إلى اعتقاله العميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الإعلام العراقي في مذكراته المطبوعة.
لقد أحدث اعتقال السيد حسن الشيرازي ضجة في الوسط العراقي، لما له من شعبية ومنزلة في النفوس، وقد أحدث ذلك هوة بين الشعب والدولة، وتوسط له بعض ذوي الشأن، فأطلق صراحه بعد اللتيا والتي، وغادر العراق إلى بيروت، وأخذ يعمل للقضية العراقية، وللتبشير بمبادئ الإسلام، وبتصحيح أفكار جملة من التائهين في غمار التضليل.
وهناك قام بتأسيس الحوزة العلمية الزينبية في الشام، عام 1974م، وكان مشروعاً فريداً في حينه بما يضم في أجنحته من مكتب للسيد الشيرازي، ومسجد، وحسينية، ومكتبة فخمة، وحوزة للنساء، ومشاريع أخرى، وبعد أن رأى العارفون فيه داعية لمبدأ أهل البيت عليهم السلام، بحكمة، وأناة، ووقار، حتى اهتدى بنور هدية الآلاف، وسار على الصراط المستقيم طوائف من الناس، إلا أن أجهزة النظام الصدامي لا حقته وتابعته، فاغتالته في بيروت في هجوم مسلح عام 1983م فانطفأت بذلك شعلة من النضال الديني، لم تزل آثارها باقية إلى اليوم.
لقد كان السيد حسن الشيرازي ساعداً مشمّراً في مرجعية أخيه قدس سرهما، حدب على العمل الدؤوب قولاً وفعلاً وتوجيهاً وتنظيماً، حتى امتد ذلك إلى بعض ضباط الجيش العراقي، فدفع بهم إلى العمل العسكري للإطاحة بالنظام الطاغوتي في العراق، وتنبه الحاكمون لخطره، فأردوه قتيلاً متشحطاً بدمه في سبيل الله ومبادئ الإنسان، وانطوت تلك الصفحة المشرقة، لتنشر يوم الحساب، وكان ذلك في بيروت بعد أن سددت له ثماني وعشرون اطلاقة رصاص، وشيع في لبنان، ودفن عند ضريح السيدة الطاهرة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام.
هجرة السيد الشيرازي إلى الكويت:
واشتدت حملات النظام ضد الشعب العراقي في ظل حكم عسكري فوضوي رهيب، وبأساليب إجرامية يعجز الفكر الإنساني عن تصورها، ورأى السيد الشيرازي قدس سره أنه لا يستطيع القيام بأي لون من النشاط الإسلامي أو الإصلاحي أو المعرفي، وقد حصيت عليه الأنفاس، وضبطت كل تحركاته أولا بأول، وضويق مضايقة شديدة كبقية المراجع العظام، فقرر الهجرة إلى الكويت في أواخر عام 1969م، بعد أن بذل كل جهد ممكن في مكافحة الغي والضلال والنفاق.
حتى إذا حل في الكويت، وقد استقبل استقبالاً شعبياً حافلاً، بدأت مشاريعه الكبرى بالتنفيذ، وعمل مخططاً إصلاحياً وإعلامياً وعلمياً بكل أمانة وإخلاص، فأسس حوزة علمية، وشيد مساجد وحسينيات، وأقام مدارس ومياتم، وسير خدمات ومبرات، بما تشهد له بها الساحة الكويتية، واستقطب جماهير الناس هناك، وأدار دفة الأمور بنفسه من الكويت وسط تأييد شعبي كبير في العالم الإسلامي.
وقد زرته في الكويت عام1970زيارة خاصة، كنت فيها موضع ترحيبه وتقديره، وردعلي الزيارة مع جمع من أوليائه وحوزته العلمية، وكنت ضيفاً على آل الدرويش في السالمية من الكويت.
ولدى عودتي إلى العراق رجحت لوالدي زيارته في الكويت تأييداً له، واعتزازاً بشخصيته المحبوبة، فقام الوالد بزيارته هناك، فاكبر السيد الشيرازي ذلك، وقدره تقديراً كبيراً، كما أني ألزمت أكثر العراقيين المسافرين إلى الكويت أن يلتمسوا مقابلة السيد الشيرازي ويتبركوا بلقائه، وقد استجاب لذلك أغلب القاصدين إلى الكويت مع عنف الرقابة، وتسلط النظام العراقي آنذلك في الكويت.
وكانت إقامة السيد الشيرازي قدس سره في الكويت مباركةً بأدق معاني هذه الكلمة، إذ استطاع استقطاب الجماهير المؤمنة في دول الخليج، وفي المنطقة الشرقية من الحجاز، وفي شرق أسيا، مضافاً إلى أوروبا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية.
وكان من أبرز جهوده ـ وهو في الكويت ـ تأسيس مكتبة في دمشق الشام على يد أخيه الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي وذلك عام 1974م في جوار السيدة زينب ابنة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وكان هذا المشروع من أكبر المشاريع نفعاً واستثماراً وعائدية، ففيه حوزة علمية اعتنت بالدراسات الأولية، وعكفت على الدراسات العليا، وقد اشتملت الحوزة على طلاب وأساتذه عرب وإيرانيين وأفغانيين، وأغلب دراستهم الأولى في النجف الأشرف، وفيه حوزة للنساء فيما ينبغي تعلمه من أصول الدين وفروعه، والأحكام والتبليغ وشؤون الأسرة، ويضم مسجداً فارهاً كبيراً، وحسينية مباركة، ومكتبة ثقافيه متطورة، وفروع مختلفة.
ومن أهم توجهاته العناية الخاصة بجبل العلويين، وأماكن تواجدهم، والأخذ بـأيديهم نحو الطريق الأقوم في موالاة أهل البيت، والسير في ضوء تعليماتهم العليا من دون المغالاة المتنشرة من دون أساس، وقد أنقذ المشروع مئات الآلاف، ووضع أقدامهم على الجادة، وزودهم بالكتب والمجلات والمنشورات التي طورتهم فكرياً وثقافياً وعقائدياً بما سيكتبة التاريخ مرفوع الجبين.
ومن دمشق الشام واكب نهضة الإصلاح الاجتماعي، وامتد بها نحو لبنان وإفريقيا بتخطيط شامل اتسع لأغلب بقاع العالم في المبعوثين والمبلغين والرساليين، وهم يحملون الفكر الواعي في نشرات وكتب ومؤلفات صغيرة الحجم عميمة الفائدة، وفي أكثر من موطن ترجمته إلى لغات عالمية حية، وأغلبها من تأليف السيد المترجم له.
وفي الكويت حيث ديوانه الرسمي، كان موضع عناية الشعب والدولة طيلة عشر سنوات حافلة بالنضال العلمي والتوجيه الفكري، والمشاريع البناءة، والحب والمودة والامتزاج.
هجرة السيد الشيرازي إلى قم المقدسة:
حتى إذا قامت الثورة الإسلامية في إيران في شباط/ 1979م هاجر السيد الشيرازي قدس سره إلى قم المقدسة، واتخذ له مكتباً وحوزة وموقعاً متميزاً، و كان على صلة ممتازة مع السيد الخميني طاب ثراه، وهو قائد الثورة في مراحلها كافة حتى وفاته، وكان السيد الشيرازي من مؤيدي الثورة في أبعادها الجذرية، وقد أسهم في إنجاحها والدعوة لها في ميادين شتى، إلا أن لديه جملة من الاعتراضات الموضوعية على جملة من الأطاريح السياسية في المنهج والأسلوب، فاعتبر في عداد المعارضة أو المقاومة لفكر الثورة وبعض رجالها، وقد تعرض من جراء ذلك أبناؤه وأخوانه ومريدوه إلى ضغوط كثيرة، كان من بينها الإعتقال والمطاردة والتعذيب، فمالان له عزمه في إبداء الرأي الصريح ففرضت عليه الإقامة الجبرية في مترله طيلة عشرين عاماً من الزمان حتى وفاته.
وفي أواخر رجب من عام 1422هـ زرت قم المقدسة في طريقي إلى زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وما أن سمع السيد الشيرازي بوصولي إلى قم حتى أوفد أخاه العلم المجاهد المرجع الديني السيد صادق الشيرازي دام ظله، وكوكبة من أبنائه المجاهدين وفي طليعتهم ولده السيد جعفر وأخوته وجماعة من أهل الفضل، لزيارتي في محل إقامتي بالمجمع السكني للسيد السيستاني دام ظله الشريف وأبلغني السيد صادق عن السيد الشيرازي قوله: أنه منموع من الخروج من داره طيلة عشرين عاماً، ولو سمح له بالخروج لكان في زيارتي، وكان هذا العرض يمثل جانباً من الإخاء الصادق والوفاء المحض، وهو دليل الاحترام المتبادل بين المتآخين في ذات الله، قلت في الجواب: حينما دعاني سماحة الأخ السيد جواد الشهرستاني لزيارة الإمام الرضا أرواحنا له الفدا اشترطت عليه زيارة السيد الشيرازي في مقر إقامته الجبرية مهما كانت الظروف فقال: ان الدولة لا تمانع من زيارة أحد للسيد الشيرازي لا سيما من هم أمثالكم ومن طبقتكم، فهي تعلم جيداً مدى الصلات والوشائج بينكم وبين السيد الشيرازي.
وفي2/شعبان/1422هـ زرت السيد الشيرازي في داره العامرة بالعلم والإيمان وولاء أهل البيت عليه السلام، فتلقاني السيد قدس الله ورحه بالترحاب، واعتنقني واعتنقته بحرارة صادقة، وكانت لحظات من عواطف جياشة، وذكريات شجية انهلت فيهما بالدموع، وخفقت لهما القلوب، وقد استمر اللقاء ساعتين، وكان لقاء تاريخياً حافلاً بكثير من التطلع إلى المستقبل، وإلقاء الضوء على كبريات الشؤون الإسلامية، وبحث التسلط الهمجي للطاغية صدام حسين على العراق، وكان السيد الشيرازي قدس سره متفائلاً برحيل النظام إلى غير رجعة، حتى قال بالحرف الواحد سيكون لقاؤنا الثاني ـ إن شاء الله ـ في كربلاء المقدسة بعد القضاء على صدام أما أنا فلم أكن متفائلاً بصحته، فقد بدا عليه الإنهاك ولاح على وجهه الشريف الاحمرار مع الشحوب، وربما يفسر ذلك طبياً بارتفاع نسبة«اليوريو» في الدم، ولم يكن قلبه صحياً في استقرار وانتظام، بل كان كالمناخ المحيط به في اضطراب.
أحيطت هذه الزيارة بسرية تامة، فالسيد الشيرازي من أقطاب المعارضة للنظام العراقي، وفي ظل توجيهه قامت«منظمة العمل الإسلامي» وهي منظمة معادية للنظام في حسابات الطاغية، وكنت في رقابة صارمة من قبل المخابرات العراقية حتى أنني اعتذرت عن الموافقة على مكالمة تلفونية من الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، لئلا يكشف أمر ذلك للنظام العراقي وأجهزته المجرمة، ومعنى اكتشاف ذلك هو الحكم بالإعدام فوراً، فكيف بمقابلة السيد الشيرازي سيما وقد اعفيت من الخدمة كأستاذ أول في جامعة الكوفة بقرار من رئاسة الجمهورية... ولكن الله ستر.
ومهما يكن من أمر فقد كان هذا آخر لقاء بصديق العمر ورفيق الجهاد السيد محمد الشيرازي!! نعم كان هنالك لقاء من نوع آخر بتاريخ 7/7/2004م عند مرقده الشريف لدى ضريح السيدة الطاهرة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في قم المشرفة كما سترى هذا فيما بعد.
ولا أريد الخوض في تفصيلات حياته في إيران، ولا أريد أن أتحدث عن تأييده المطلق للثورة الإسلامية، ولا أميل إلى متابعة الإفرازات السياسية التي وافقت مسيرة السيد الشيرازي بذلك، فذلك أمر كثير المزالق، موحش السرى، كبير العقباب، ولم أكن شاهداً لأحداثه، وأنا أتحدث عن الفقيد كما رأيته، وللتاريخ أني يسجل حقائق الأحداث، ولمرافقي السيد الشيرازي قدس سره في محنته أن يدونوا شيئاً من مذكرات تلك المشاهد نعم لي أن أقول وبصريح العبارة أن السيد الشيرازي كان أكبر من المحنة، وأصلب من الفتنة، وأكثر تأثيراً في الشعب الإيراني ممن خططوا للحجر عليه وفرض الإقامة الجبرية، وله بذلك الأسوة بالأئمة الطاهرين لا سيما الإمام موسى بن جعفر عليه السلام:
إن قيدوا منك الإقامة فالتمس «موسى بن جعفر» في السجون نزيلا
وليت شعري أيتناسى أولئك المواقف المشرفة التي وقفها السيد الشيرازي لدى اعتقال الإمام الخميني قدس سره بعد الأحداث الدامية التي وقعت في قم المقدسة وإبادة الآلاف من الحوزة العلمية والشعب الإيراني وإعلان حالة الطوارئ القصوى في إيران 25/ شوال/ 1382هـ =5/ حزيران/ 1963م.
وقد أحيل السيد الخميني إلى المحكمة العسكرية الكبرى في طهران، ومعنى هذا أن يحكم عليه بألإعدام فوراً من قبل شاه إيران، بيد أن الدستور الإيراني يقضي بأن مرجع التقليد لا يعدم بأي حال من الأحوال، وكان السيد الخميني آنذاك من أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة، وهو تلميذ مجدد الحوزة في قم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري من أبرز الفقهاء والأصوليين في عهدي الميرزا الشيخ محمد حسين الغروي النائيني والسيد أبي الحسن الموسوي الأصفهاني طاب ثراهما، فهما قد حفظاً حوزة النجف في أحلك الظروف وأشدها حساسية، والشيخ الحائري قد حفظ حوزة قم في أحرج فترة مرت بتاريخ إيران الحديث في عهد الطاغية رضا شاه البهلوي والد الشاه المقبور.
ولم يكن الشاه محمد رضا بهلوي ليعترف باجتهاد السيد الخميني طاب ثراه، ولابد من العمل على إثبات هذا الموضوع، وكانت المرجعية العليا _ آنذاك ـ في النجف الأشرف قد تولى سدتها المنبعة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره، والمراجع العظام الأخرون، فرحل السيد محمد الشيرازي من كربلاء إلى النجف الأشرف، وقصد آية الله السيد عبد الله الشيرازي طاب ثراه، وعرض الموضوع عليه، وقال إن لم تقل النجف كلمتها في السيد الخميني فسيعدم حتماً، فنهض معه العالم الجريء البطل السيد عبد الله الشيرازي وذهبا من فورهما إلى السيد الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد أبي القاسم الخوئي أعلى الله مقامهم جميعاً، وعرضا هذا الموضوع الخطير عليهم، وجرت المداولات الجادة في أبعاده كافة، ولم يكن شأن مراجع النجف أن يكتبوا إلى الشاه أو أن يخاطبوه برسالة ما، فتم رأيهم أن يبرقوا كلاً على حدة برقيات احتجاج إلى مراجع الدين في كل قم وطهران، وهكذا كان، وقد ذكرت هذا الحدث في بحث سابق، جاء فيه ما نصه:
وحينما قامت أجهزة السافاك لنظام الشاه المقبور، بقمع حركات التحرر بقيادة الإمام الخميني قدس سره، فكانت المجازر الدموية الرهبية لا سيما في 25/شوال/ 1382هـ الموافق 5/ حزيران/ 1963م، والتي استشهد جراءها حوالي خمسة عشر ألف شهيد في كل من: مشهد، وقم، وطهران، وتبريز، وأصفهان، وسواها من المدن الإيرانية، وزجت بالمئات من العلماء وأفاضل الحوزة العلمية في السجون، حينذاك استنكر العلماء الأعلام في النجف هذه الحوادث، وشجبوا تصرف الشاه بذلك.
وأبرق الإمام الحكيم قدس سره إلى المراجع العظام في إيران بالبرقية الآتية:
بسم الله الرحمن الرحيم
«إن الحوادث المؤلمة المتوالية، والفجائع المحزنة التي ألمت بساحة العلماء الأعلام والجامعة الروحانية في (قم) أدمت قلوب المؤمنين والمتدينين، وأوجبت تأثيرنا الشديد «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» أملي أن حضرات العلماء الأعلام بأجمعهم ينزحون إلى العتبات المقدسة حتى أقولها كلمة صريحة في الدولة».
النجف الأشراف 8/ ذي القعدة/1382هـ محسن الطاطبائي الحكيم
كما أبرق بالمعنى نفسه كل من الإمام الخوئي والإمام الشاهرودي والإمام السيد عبد الله الشيرازي والإمام السيد محمد الحسني البغدادي.
وعطلت الحوزة العلمية أعمالها في الدرس والبحث الخارج، وأسفرت الحوادث عن اعتقال الإمام الخميني وترحليه إلى تركيا، ثم قدم النجف الأشرف بعد حين».
وكان هذا الموقف الموحد من المراجع العظام قد وقع كالصاعقة على نظام الشاه، فأعاد التفكير في القرار تجاه الإمام الخميني بعد أن عبّر السيد عبد الله الشيرازي طاب ثراه وسواه من الأعلام بعبارة«حضرة مرجع التقليد السيد روح الله الموسوي الخميني دامت بركاته» في رسائل أرسلت إليه في الاعتقال، ورضخ أخيراً للانصياع إلى مقررات الدستور الإيراني، فقام بتسفير الإمام الخميني قدس سره الى تركيا، ثم منح حق اللجوء السياسي في العراق، فأقام في النجف الأشرف أستاذاً للبحث الخارج، وفيها طور تظريته في الحكم من خلال ولاية الفقية العامة على ماهو معروف عنه.
لم تكن هذه المواقف التي أنقذت السيد الخميني من الإعدام لتتبلور بهذا الزخم الهائل من الاحتجاج والنكير على الشاه إلا بجهود الطبقة الواعية من شباب الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وكان السيد محمد الشيرازي طاب ثراه في طليعتهم.
وفي هذا الصدد فإنني أسجل للتاريخ تقرير سيدنا الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك: «لو كان عندنا ثلاثة مثل السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم».
وهو حديث متواتر مشهور على ألسنة الشباب الذين سمعوه، وكان الأخ الحميم العلامة السيد جواد الشهرستاني كبير وكلاء المرجعية العليا في النجف الأشرف آخر من حدثني به.
وقد يقال أن للسيد الشيرازي طموحاً مبكراً، وسعياً إلى الزعامة منذ شبابه، وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الطموح المشروع هو سبيل أغلب زعماء الأمة وإلا تعطلت القيادة، وتسلمها من اليس أهلا لها، والسيد الشيرازي أهل لذلك لعائدية تلك الزعامة في العطاء ونشر الأفكار على الامة التي تتطلع إلى الصفوة المختارة من علماء أهل البيت عليهم السلام لهدايتهم ليس غير.
ولقد أثبت السيد الشيرازي طاب ثراه مقدرة خارقة في متابعة الأحداث والتكيف مع الزمن في عمل جاد وكفاءة عالية، ولك أن تعجب لرجل مغترب في الكويت يشيد سبعمائة مؤسسة خيرتة ودينية واجتماعية في العالم ما بين مكتب لإدارة الشؤون الدينية، ومسجد لأداء الصلاة وانطلاق المقررات، وميتم للفقراء
|
التعديل الأخير تم بواسطة Dr.Zahra ; 05-11-2008 الساعة 09:45 PM.
|
|
|
|
|